الجمعة، 20 مايو 2022

الجزء الأول فضل الكتابة لابن قتيبة {أدب الكاتب}

 

الجزء الأول فضل الكتابة

قــال اللــه تعالــى - وهــو أول مــا أنــزل مــن القــرآن: " اقــرأ باســم ربــك الـــذي خلـــق خلـــق الإنســـان مـــن

علــق إقــرأ وربــك الأكــرم الــذي علــم بالقلــم علــم الإنســان مــا لــم يعلــم ". فجعــل تبــارك اسمــه أول مــا

أنــزل مــن القــرآن ذكــر التفضيــل علــى عبــاده بخلقــه لهــم ومــا ندبهــم لــه بذلــك مــن البقــاء الدائــم والنعيـــم

المتصـل لمـن آمـن بـه ووحـده وصـدق بنبيـه صلـى اللـه عليـه وسلـم. ثــم أتبــع ذلــك بذكــر الأنعــام عليهــم

بمــا علمهــم مــن الكتــاب الــذي بــه قــوام أمــر دينهـــم ودنياهـــم واستقامـــة معائشهـــم وحفظهـــا. ولـــولا أن مــن لا يحســن الكتابــة يجــد ممــن يحسنهــا معونــة وإبانــة عنــه لمـــا استقـــام لـــه أمـــر ولا تـــم لـــه عـــزم ولحـــل محل الصور الممثلة والبهائم المهملة. ومعنى قوله الذي علم بالقلم: الذي علم الكتابة بالقلم.

 

وقـال عـز وجـل: " ن والقلـم ومـا يسطـرون مـا أنـت بنعمـة ربـك بمجنـون " فأقسـم فـي القـرآن بمــا خلــق

مـــن ذلـــك أعنـــي القـــرآن ومـــا يكتــــب بــــه مــــن حبــــر ومــــداد ومــــا يكتــــب فيــــه مــــن سفــــر وقرطــــاس وأشباههمـا. علــى أن نــون ههنــا عنــد بعضهــم السمكــة التــي تحمــل الأرضيــن. وقــال بعضهــم: يريــد

الحـرف. وكذلـك عنـد هـؤلاء يـس وطـس وكـل مـا فـي القـرآن مـن ذلـك. وإنمـا هـو افتتـاح السـور بهــذه

الأحــرف التــي الســور منهــا غيــر خارجــة عنهــا. يقــول عــز وجــل هـــذا القـــرآن بهـــذه الحـــرف العربيـــة

===

فعفـــا عنــــه. وبالكتابــــة جمــــع القــــرآن وحفظــــت الألســــن والآثــــار ووكــــدت العهــــود وأثبتــــت الحقــــوق

وسيقـــت التواريـــخ وبقيــــت الصكــــوك وأمــــن الإنســــان النسيــــان وقيــــدت الشهــــادات وأنــــزل اللــــه فــــي

ذلك آية الدين وهي أطول آية في القرآن.

وقـد سمعـت بعـض مـن حــرم فضيلــة الكتابــة يقــول: لــو كانــت الكتابــة فضيلــة لكانــت فــي رســول اللــه

صلــى اللــه عليــه وسلــم. وهــو لا يـــدري أن فـــي ذلـــك فضـــلاً لرســـول اللـــه صلـــى اللـــه عليـــه وسلـــم

ونقصـاً لغيــره لــأن الكفــار إدعــوا عليــه أنــه يحســن الكتابــة وأنــه يتعلــم مــا يأتــي بــه فــي القــرآن مــن أهــل

الكتــاب وكتبــه فهــو يقــرأه ويأتــي بتفسيــر شــيء منــه ويشرحــه بلسانـــه وهـــو صلـــى اللـــه عليـــه وسلـــم

مـــا قـــرأ ولا كتـــب قـــط ولا هيــــأ اللــــه لــــه طلــــب ذلــــك ولا عــــرف بتعلمــــه لمــــا أراده جــــل وعــــز مــــن

الاختصـــاص بالرسالـــة وإيضـــاح الحجـــة علـــى مـــن زعـــم أنـــه يكتـــب. ألا تـــرى إلـــى حكايـــة اللـــه عـــز

وجـل لقـول الكفـار: " اكتتبهـا فهـي تملـى عليـه بكـرة وأصيـلاً " مـا كذبهـم عــز وجــل وجعــل مــن أفضــل

صفاتـه عليــه الصلــاة والسلــام قولــه: " النبــي الأمــي " فقــال: " فآمنــوا باللــه ورسولــه النبــي الأمــي ".

وقال: " الذين يتبعون الرسول النبي الأمي ".

وليـــس هـــذا الكتـــاب والفوائـــد فيـــه معمــــولاً لتابــــع دون متبــــوع ولا خامــــل دون نبيــــه ولا محــــروم دون

محظـــوظ. ولا ينبغـــي لمـــن رفعتـــه حـــال وساعـــده جـــد وهـــو يؤنـــس مـــن نفســـه تقصيـــراً فـــي الــــأدب

===

وتخلقــاً عــن صناعــة الكتابــة أن يغتــر بحظــه وإقبــال الأيــام عليــه فـــي وقـــت فإنهـــا دول منقلبـــة وأحـــوال

متصرفـــة وليتلـــاف مـــا ضيـــع ويستـــدرك مـــا فـــرط ولا يتكـــل علــــى كفاءتــــه مشتغــــلاً بلذتــــه ومريحــــاً

قلبــــه وجسمــــه مستعيــــراً فــــي كــــل وقــــت عليهــــم ومتكــــلاً علـــــى كفاءتهـــــم ينـــــام ويسهرهـــــم ويفـــــرغ

ويشغلهم.

فـــإن هـــذا الفعـــل إنمـــا يحســــن بالرؤســــاء إذا أشرفــــوا علــــى العلــــم واستفلــــوا بالصناعــــة وعرفــــوا مــــا

يحتاجــون إليــه مــن أمــر الكتبــة وحفظــوه. فعنــد ذلــك تشــرف عندهــم أنفسهــم ويحســن بمــن عندهـــم

استقامتهـم حتـى تحملــوا عنــه مــا هــو أعلــم بــه منهــم ولا يكونــوا أســراء فــي أيديهــم ولا مضطريــن إلــى

مـا عندهـم. وقـد قـال بعـض الحكمـاء: " كـل شــيء يمكــن أن يستعــار إلا اللســان " وقــال: مــن خــدم

السلطــان بــلا علــم واستقلــال وتجربــة وكمــال كـــان بمنزلـــة راكـــب فيـــل صعـــب وسابـــح فـــي بحـــر قـــد

جـــف ". ومـــع ذلـــك فـــإن الأتبـــاع إذا أحســـوا مــــن الرؤســــاء بتفويــــض إليهــــم علــــى قلــــة علــــم منهــــم

واضطــرار إلــى كفاءتهــم ولــم يحـــس الأتبـــاع منهـــم حســـن مجـــازاة علـــى جميـــل إفادتهـــم ســـوء مكافـــأة

علـــــى قبيـــــح أفعالهـــــم حتـــــى يستـــــوي عندهـــــم محسنهــــــم ومسيئهــــــم وخائنهــــــم وأمنهــــــم وكافئهــــــم

وعاجزهـــم انتقـــل الأميـــن عـــن مـــر الوفـــاء إلـــى حلــــاوة الخيانــــة وازداد الخائــــن بصيــــرة فآثــــر الإضــــرار

وقصــر الكافــي عــن إتعــاب النفـــس وكـــد الانتصـــاح فقـــد يـــرى الأميـــن صنيعـــة فيخـــون ويـــرى الخائـــن

===

قــال أبــو بكــر: وإنمــا ذكـــرت هـــذا الفصـــل لأرغـــب أهـــل هـــذه الصناعـــة الشريفـــة فـــي الإقبـــال عليهـــا

وإنفـاق بعــض العمــر فــي طلبهــا فإنهــا مــن أجــل مــا كــد فيــه الفكــر وقطعــت بــه الأيــام. وقــد استعمــل

اللفظة التي حكيتها - أعني إنفاق بعض العمر - شاعر من الأزد فقال:

هزئت عميرة إذ رأت ظهري انحنى   وذؤابــي علــت بمــاء خضــاب

لا تهزئــي منــي عميـــر فإننـــي   أنفقت فيكـم شرتـي وشبابـي

وفيـه غنـاء فـي طريـق الثقيـل الثانـي. وليـس يجــب لمــن صفــر مــن هــذه العلــوم أن يــدع التعلــم آيســاً مــن

الاستفــادة موليــاً عــن الاستــزادة. فربمــا كــان الإنســان مهيـــأ الذهـــن لحمـــل العلـــم قريـــب الخاطـــر متقـــد

الذكاء فيضيع نفسه فإهمالها ويميت خواطره بترك استعمالها فيكون كما قال علي بن الجهم:

والنـار فـي أحجارهـا مخبـوءة   ليست ترى إن لم يثرها إلا زند

وإنما أخذه من قول الأول:

أنا النار في أحجارها مستكنة   متـى مـا يهيجهـا قـادح تتوقــد

ومثل قوله: # أنفقت فيكم شرتي وشبابي

مــا أنشدنــاه ابــن ذكــوان القاســم بــن إسماعيــل قـــال: أنشدنـــا أبـــو مجلـــي السعـــدي لحضرمـــي بـــن عامـــر

يعاتب عوف بن عبد الله في أبيات:

===

لعلـــك يومـــاً أن يســـؤك أننـــي   قريب ودوني من حصى الأرض مخفق

وتنظر في أسرار كفيك هل ترى   لهـــا خلفـــاً ممـــا يفيـــد وينفـــق

هذا مثل يضرب للنادم قال الأعشى:

فانظــر إلــى كــف وأسرارهــا   هل أنت إن أوعدتني ضائـري

ومنـه قـول اللـه عـز وجـل: " فأصبــح يقلــب كفيــه علــى مــا أنفــق فيهــا ". وقــد روي عــن النبــي صلــى

اللـه عليـه وسلـم أنـه قــال: " قريــش أهــل اللــه وهــم الكتبــة الحسبــة ". وروي عــن كعــب الأحبــار أنــه

قـال: " إنـا لنجـد قريشـاً فـي الكتـاب الكتبـة الحسبـة ملـح الــأرض ". وروي فــي تفسيــر قولــه تعالــى:

" ويعلمهم الكتاب والحكمة " قال: يعني القرآن لا الخط قال الشاعر:

إن الكتابـة رأس كــل صناعــة   وبهـــا تتــــم جوامــــع الأعمــــال

ما روي في أول من كتب الكتاب بالعربي:

قــد ذكــرت أن اختصــر جميــع مــا أذكــره وألقــي أسانيــده ليقـــرب علـــى طالبـــه ومستفيـــده إلا مـــا لا بـــد

منه من ذكر نسبته وإسناده وإنما أجري إلى ما ذكرته.

روي عــن كعــب الأحبــار أنـــه قـــال: " أول مـــن كتـــب الكتـــاب العبـــري والسريانـــي وسائـــر الكتـــب آدم

===

صلـى اللـه عليـه وسلـم قبـل موتـه بثلثمائـة سنـة كتبهــا فــي طيــن ثــم طبخــه فلمــا غــرق اللــه جــل وعــز

الـأرض أيــام نــوح بقــي ذلــك فأصــاب كــل منهــم كتابهــم. وبقــي الكتــاب العربــي إلــى أن خــص اللــه بــه

إسماعيل فأصابها وتعلمها ".

وروي عـــن ابـــن عبـــاس " أن أول مـــن وضـــع الكتابـــة العربيـــة إسماعيـــل علــــى لفظــــه ومنطقــــه فعلمــــه

موصولاً حتى فرق بينه ولده ".

وروي عــن عبــد اللــه بــن عمــرو بــن العـــاص وعـــروة بـــن الزبيـــر أنهمـــا قـــالا: " أول مـــن وضـــع الكتـــاب

العربـــي قـــوم مـــن الأوائـــل نزلـــوا فـــي عدنـــان بـــن أد بــــن أدد أسماؤهــــم أبجــــد وهــــوز وحطــــي وكلمــــن

وسعفـــص قرشـــت فوضعـــوا الكتـــاب العربـــي علـــى أسمائهـــم ووجـــدوا حروفـــاً ليســـت مـــن أسمائهــــم

وهـي الثـاء والخـاء والـذال والظــاء والضــاد والطــاء والغيــن قسمــوا بالــروادف ". وقــد روي أنهــم كانــوا

ملــوك مديــن وأن رئيسهــم كلمــن وأنهــم هلكــوا يــوم الظلــة مــع قــوم شعيـــب عليـــه السلـــام فقالـــت أخـــت

كلمن ترثيه:

كلمــــــــــون هــــــــــد ركنــــــــــي   هلكـــــــــه وســـــــــط المحلــــــــــه

سيـــــــــد القــــــــــوم أتــــــــــاه آل   حتــــف نــــاراً وســــط ظلـــــه

كونــــــت نـــــــاراً فأضخـــــــت   دار قومـــــــــــي مضمحلــــــــــــه

===

وقيــل: إن هــؤلاء أخــذوا كتــاب إسماعيــل عليــه السلــام فعملــوا منـــه كتابـــاً يتعلـــم منـــه لـــأن الأحاديـــث

عنهم أنهم استعربوا وضعوا الكتاب العربي والله أعلم.

وروي عــن ابــن جعــدة " أن أول مــن كتــب العربيــة مرامــر بــن مــرة. وأسلـــم بـــن الـــدرة اجتمعـــا حتـــى

وضعــا مقطعــه وموصلــه وهمــا مــن أهــل الأنبــار ". قــال: وسئــل المهاجــرون مـــن أيـــن تعلمـــوا الكتـــاب

فقالوا: من أهل الحيرة. فسئل أهل الحيرة من أين تعلموا فقالوا: من أهل الأنبار.

وقد أعرب الناس أبا جاد وسعفصاً فقال معاذ الهراء يخاطب رجلاً عاب النحو والعربية:

عالجتهــــــا أمــــــرد حتــــــى إذا   شبت ولـم تعـرف أبـا جادهـا

سميـــت مـــن يعلمهـــا جاهـــلاً   يصدرهــا مــن بعـــد إيرادهـــا

وقال آخر:

وخطــوا لــي أبــا جــاد وقالــوا   تعلـــــم سعفصـــــاً وقريشـــــات

حدثنـــا الحسيـــن بـــن مرثـــد قـــال: حدثنـــا محمـــد بــــن سلــــام قــــال: أخبرنــــا يونــــس قــــال: سمعــــت أبــــا

عمـــرو يقـــول: العـــرب كلهـــا أولـــاد إسماعيـــل فأصهـــر إليهـــم والعربيـــة التـــي روى محمــــد بــــن علــــي بــــن

الحسيـن بـن علـي صلـوات اللــه وسلامــه عليهــم أن أول مــن تكلــم بالعربيــة إسماعيــل عليــه السلــام فإنمــا

يعني اللسان الفصيح الذي نزل به القرآن وعربية حمير وبقايا جرهم غير هذه ليست بفصيحة.

===

قـال الصولـي: سألـت أبــا خليفــة بــن حبــاب الجمحــي عــن ابتــداء الكتــاب ببســم اللــه الرحمــن الرحيــم

فقــال: ســأل ابــن عائشــة عبيــد اللــه بــن محمــد بـــن حفـــص عـــن ذلـــك فقـــال: حدثنـــي أبـــي أن قريشـــاً

كانـت تكتــب فــي جاهليتهــا " باسمــك اللهــم " وكــان النبــي صلــى اللــه عليــه وسلــم كذلــك ثــم نزلــت

سـورة هـود وفيهـا " بسـم اللـه مجراهـا ومرساهـا " فأمـر النبـي صلـى اللـه عليـه وسلـم بــأن يكتــب فــي

صـدر كتبـه: " بسـم اللـه " ثـم نزلـت فـي سـورة بنـي إسرائيـل " قـل ادعـوا اللـه أو ادعـوا الرحمـن أيـاً مـا

تدعـوا فلـه الأسمـاء الحسنـى " فكتـب: " بســم اللــه الرحمــن " ثــم نزلــت فــي ســورة النمــل: " إنــه مــن

سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم ". فجعـل ذلـك فـي صـدر الكتـب إلـى الساعـة. وكتـب " بسـم

اللـه الرحمـن الرحيـم " فــي أول كــل ســورة مــن القــرآن إلا فــي أول ســورة التوبــة فإنــه يــروى عــن عثمــان

بـن عفـان رضـي اللـه عنــه أنــه قــال: لــم يكتــب بيــن الأنفــال بســم اللــه الرحمــن الرحيــم والأنفــال مــن أول

مــا أنــزل اللــه فــي المدينــة وبــراءة مــن آخــره إلا أنهــا تشبههــا وقصتهــا كقصتهــا. وكــان النبــي صلــى اللـــه

عليه وسلـم ربمـا تـلا الآيـات فيقـول: " هـذه مكانهـا فـي سـورة كـذا فاجعلهـا تليهـا ". وهـذا بفضـل مـن

الله عز وجل عليهم.

كيف يفتتحون كلامهم ليبارك لهم فيما يحاولون ويؤجروا عليه:

===

والبـاء صلـة فعـل محــذوف حــذف لعلــم القــارئ بــه وهــو: أبــدأ بســم اللــه وأقــرأ بســم اللــه لــأن جبريــل

كــان إذا نــزل بالوحــي قــال: " اقــرأ يـــا محمـــد قـــال: ومـــا أقـــرأ قـــال: اقـــرأ بســـم اللـــه ". والمعنـــى فـــي

الابتــداء بهــا فــي غيــر القــرآن بــدأت بســم اللــه. ثــم كثــر ذلـــك وعلـــم حتـــى أسقطـــوا بـــدأت. وقـــال

سيبويـــه: معنـــى البــــاء الإلصــــاق تقــــول: كتبــــت بالقلــــم فالمعنــــى أن الكتابــــة ملصقــــة بالقلــــم. وهــــي

مكسورة أبداً لأنه لا معنى لها إلا الخفض فوجب أن يكون لفظها مكسوراً.

واللــه تبــارك اسمـــه اســـم خـــاص للمعبـــود جـــل وعـــلا لا يسمـــى بـــه ســـواه. قـــال اللـــه تعالـــى: " هـــل

تعلــم لــه سميــاً ". قــال المفســرون: لا يعلــم مــن تسمــى اللــه إلا اللــه عــز وجــل ولا يعــرف لهــذا الإســـم

اشتقاق من فعل. ولا أحب ذكر ما قاله النحويون فيه لأنه يكلف لا يضر تركه.

وأسمـــاء اللـــه عـــز وجــــل بعــــد هــــذا صفــــات: فالرحمــــن الرحيــــم ذو الرحمــــة ولا يقــــال رحمــــن إلا للــــه

تعالــى. ويقــال: فلــان رحيــم لـــأن رحمـــن فـــي وزنـــه فعلـــان مـــن أسمـــاء المبالغـــة فـــي الرحمـــة وغيرهـــا

والله تعالى نهاية في الرحمة وليس شيء كذلك فلهذا لم يسم به غير الله.

والرحمــة مــن اللــه تجــاوز عـــن ذنـــب وإحســـان عـــن حسنـــة وإيصـــال الخيـــر إلـــى عبـــاده. والرحمـــة مـــن

العباد إشفاق ورقة تحدث فيهم.

وليــس فــي الأفعــال مــا يبنــى عليــه ثلاثــة أسمـــاء مثـــل رحـــم فهـــو راحـــم ورحيـــم ورحمـــان إلا سلـــم

===

والألـف فـي بسـم اللـه وصـل لـأن غيـره تصغيـره سمـي. وحكـى أبــو زيــد أن العــرب تقــول: هــذا اســم

وهذا سم وسم وأنشد:

بسم الذي في كـل سـورة سمـه

ويـــروى سمـــه وإنمـــا ضمـــوا السيـــن وكسروهـــا لأنـــه سمـــوت وسميــــت بمعنــــى ارتفعــــت وعلــــوت فمــــن

قـال: سـم فكسـر فمــن سميــت ومــن قــال ســم فهــو مــن سمــوت. ومعنــى قولــك: أسميــت لفلــان فلانــاً

وإنمــا هــو رفعــت لــه صفتــه ومــا يعرفــه بــه حتــى عرفــه. والاســم مأخــوذ مـــن السمـــو وهـــو الارتفـــاع

وأصله سمو والجميع أسماء مثل حنوا وأحناء وقنو وأقناء.

ومــن قــال الاســم مأخــوذ مــن السمـــة كأنـــك إذا قلـــت: أسميتـــه لفلـــان كـــان المعنـــى وسمتـــه لـــه بشـــيء

عرفـــه بـــه حذفـــت منـــه فـــاء الفعـــل ودخلتـــه ألــــف الوصــــل ألا تــــرى أن عــــدة وزنــــة أصلهمــــا وعــــدة

ووزنة فإذا صغرتهما رجعت الواو فقلت: وعيدة ووزينة.

وكذلـــك تصغيـــر صلـــة وصيلـــة فلــــو كــــان اســــم مــــن سمــــة لكــــان تصغيــــره وسيمــــة ولكــــن تصغيــــره

سمــــي فبطــــل أن يكــــون مــــن السمــــة فكــــان يجــــب أن يكــــون وســــم وسمــــة ووزن وزنــــة كمــــا قالـــــوا

صـــل صلـــة ولكـــن وقعـــت الـــواو ولذلـــك كـــان يجـــب أن يقـــال وزن يـــوزن مثـــل عــــدل يعــــدل فوقعــــت

الــواو بيــن يــاء وكســرة فحذفــت فقيـــل وزن يـــزن وإنمـــا كرهـــت العـــرب أن تتكلـــم بضمـــة بعـــد كســـرة

===

وكســرة بعــد ضمــة فــي الــواو واليــاء لأنــه يصعــب فــي اللفــظ قليــلاً. وإنمــا يتكلمـــون بمـــا خـــف علـــى

ألسنتهم ولذلك صحت لهم الأسماء في الثلاثي كله إلا في صنفين.

والثلاثـــي قولهـــم فعيـــل وقـــد سمـــوا علـــى فعـــل فقالـــوا: عضـــد وسمـــوا فعــــل فقالــــوا: عنــــب وسمــــوا

بفعـــل فقالـــوا: إبـــل وسمـــوا بفعـــل فقالـــوا: طنـــب وسمــــوا بفعــــل فقالــــوا: حــــرد ولــــم يسمــــوا بفعــــل ولا

بفعــل كراهــة لثقــل ذلــك ليــس فــي أسمائهــم دئــل ولا شــيء علــى وزنــه ولا مثــل دول ولا شـــيء علـــى

وزنه.

حذف الألف من بسم الله وما ذكر من حذف السين:

أجمـع القـراء وكتـاب المصاحــف علــى حــذف الألــف مــن بســم اللــه الرحمــن الرحيــم فــي فواتــح الســور

والكتـب وعلـى كتبهـم إياهـا فـي قـول: " فسبـح باســم ربــك العظيــم " لأنهــا وقعــت موقعــاً معروفــاً لا

يجهـــل القـــارئ معنـــاه وكثـــرت فاستحـــق طرحهــــا. إذ كــــان مــــن شــــأن العــــرب التخفيــــف إذا عــــرف

المعنـى ولـم يكثـر ككثرتـه مـع اللـه عــز وجــل فحملهــم كثــرة الاستعمــال ومعرفــة المعنــى لأنــه يقــال بــدأت

بسم الله فحذفت بدأت ثم حذفت الألف في الخط.

وحـــذف قـــوم السيـــن وذلـــك مكـــروه لـــأن حـــروف الزيـــادة والنقصـــان الألـــف والـــواو واليـــاء فحذفــــت

===

روي أن كاتـب عمـرو بـن العـاص كتـب إلـى عمـر بـن الخطـاب رضــي اللــه عنــه " بــم اللــه " بــاءً وميمــاً

وحـذف السيـن. فأمـر عمـر بضربـه فضـرب فقيـل: فـي أي شـيء ضـرب فقيـل: فـي سيـن. فضربـت

مثلاً. ويصير إذا حذفت السين كأنه " بم الله " وبم ولم يستفهم بهما.

وألــف اســم لا يحــذف إذا أضيفــت إلــى غيــر اللــه ولا تحــذف فــي غيـــر اللـــه مـــن الصفـــات مثـــل اللـــام

في قولك: " لاسم الله حلاوة في القلوب " و " ليس اسم كاسم الله " لا بد من إثباتها.

وأجـــاز الكسائـــي طـــرح الألـــف فـــي قولهـــم: باســـم الخالـــق وباســــم الرحمــــن وغيــــره يأبــــى ذلــــك ولا

يجيزه إلا في بسم الله وحده. وعلى هذا العمل وهو الصواب.

وكتبوا: الرحمن بغير ألف لكثرة الاستعمال وإن المعنى لا يخل.

رسوم الكتاب في كتابتهم بسم الله الرحمن الرحيم:

يختــــار الكاتــــب أن يبــــدأ بكتــــاب بســــم اللــــه الرحمــــن الرحيــــم مــــن حاشيــــة القرطــــاس ثــــم يكتبــــون

الدعـــاء مـــن تحتــــه مساويــــاً ويستقبحــــون أن يخــــرج الكلــــام عــــن بســــم اللــــه الرحمــــن الرحيــــم فاضــــلاً

بقليل ولا يكتبوها وسطاً ويكون الدعاء فاضلاً وإنما يفعل ذلك بالتراجم.

ومــن الكتــاب مــن يــرى أن يجعلـــه وسطـــاً فـــي أسفـــل الكتـــاب بعـــد انقضـــاء الدعـــاء الثانـــي والتاريـــخ

===

إذا احتــاج إلــى تبييــن نسخــة كتــاب متقــدم أو حســاب ليفــرق بيــن منزلتــه مـــن صـــدر الكتـــاب وبيـــن

عجزه. وقد ذهب إليه قوم.

ولا يفسـح مـا بيـن بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم وبيــن السطــر الــذي يتلــوه مــن الدعــاء ولكــن يفســح مــا بيــن

الدعـــاء إذا استتـــم وبيـــن سائـــر المخاطبـــة. ولا يتجـــاوز بالدعـــاء ثلاثـــة أسطـــر ولا يستتـــم السطــــر

الثالث على المشهور من مذاهب أجلاء الكتاب.

" أما بعد " وما جاء فيها:

قــال الصولــي: حدثنــا زيــاد بــن الخليــل التستــر قــال: حدثنــا إبراهيــم بــن المنــذر قــال: حدثنــي عبـــد

العزيــز بــن عمــران عــن محمــد بــن عبـــد العزيـــز عـــن عمـــر عـــن أبيـــه عـــن أبـــي سلمـــة قـــال: " أول مـــن

قال أما بعد كعب بن لؤي. وكان أول من سمى الجمعة وكانت تسمى العروبة ".

ويــروى أن أول مــن قــال: أمــا بعــد داود النبــي عليــه السلــام وأن ذلــك فصـــل الخطـــاب الـــذي قـــال اللـــه

عز وجل: " وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب ".

حدثنــا زيــاد بـــن الخليـــل قـــال: حدثنـــا إبراهيـــم بـــن المنـــذر الحرانـــي قـــال: حدثنـــي عبـــد العزيـــز بـــن

عمــران عــن أبــي الزنــاد عــن أبيــه عــن بلــال بـــن أبـــي بـــردة عـــن أمـــه عـــن جـــده أبـــي موســـى أنـــه قـــال

===

وقــال الشعبــي: فصــل الخطــاب الــذي أعطيــه داود عليــه السلــام: أمــا بعــد. فمعنــى فصـــل الخطـــاب

علـــى هـــذا أنـــه إنمـــا يكـــون بعـــد حمـــد اللـــه أو بعــــد الدعــــاء أو بعــــد قولهــــم: مــــن فلــــان إلــــى فلــــان

فينفصـل بهـا بيـن الخطــاب المتقــدم وبيــن الخطــاب الــذي يجــيء بعــد. ولا تقــع إلا مــا ذكرنــاه. ألا تــرى

قول سابق البربري لعمر بن عبد العزيز:

باسم الذي أنزلت من عنده السور   الحمـد للــه أمــا بعــد يــا عمــر

فإن رضيت بما تأتي وما تذر   فكن على حذر قد ينفع الحذر

والمعنـى فــي أنهــا لا تقــع مبتــدأة أن المــراد بهــا أمــا بعــد هــذا الكلــام يعنــي الــذي تقــدم فــإن الخبــر كــذا

وكذا.

وروي عـن النبـي صلــى اللــه عليــه وسلــم أنــه كتــب إلــى بنــي أســد: " بســم اللــه الرحمــن الرحيــم مــن

محمــد رســول اللــه إلــى بنــي أســد. سلــام عليكــم فإنــي أحمــد اللــه إليكــم الــذي لا إلـــه إلا هـــو. أمـــا

بعد فلا تقرين مياه طي ولا أرضهم فإنه لا يحل لكم ".

فــإذا كتــب كاتــب: بســم اللــه الرحمــن الرحيــم أمــا بعــد فقــد كــان كــذا وكــذا فمعنــاه: أمـــا بعـــد قولنـــا

بسم الله فقد كان كذا وكذا وأنه قد كان. فإنها لا تقع إلا بعد ما ذكرناه.

ولابــد مــن مجــيء الفــاء بعــد أمــا لــأن أمـــا لا عمـــل لهـــا إلا اقتضـــاء الفـــاء واكتسابهـــا فـــإن الفـــاء تصـــل

===

بعــض الكلــام ببعــض وصــلاً لا انفصــال بينــه ولا مهلــة فيــه. ولمــا كانــت أمــا فاصلــة أتيــت بالفــاء لتـــرد

الكلــام علــى أولــه. وليســـت تـــدل الفـــاء علـــى تأخيـــر متقـــدم ولا تقديـــم مؤخـــر ولا يستـــوي معناهمـــا

فيها ولا معها.

وممــا أجمــع أهــل اللغــة علــى أن حالفــاً لــو قــال: واللــه لآتيــن الكوفــة والبصـــرة فبـــدأ بالكوفـــة فـــي لفظـــه

ثـم أتــى البصــرة قبــل الكوفــة ثــم أتــى الكوفــة إنــه غيــر حانــث لــأن الــواو عندهــم أتــم حــروف النســق

وإنها للإشراك تدخل الآخر فيما أدخلت فيه الأول لا فرق.

وأجمعـوا علـى أنـه إذا قـال: لآتيــن الكوفــة فالبصــرة أنــه إن لــم يــأت الكوفــة التــي بــدأ بهــا فــي لفظــه ثــم

يخــرج منهــا إلــى البصــرة مسرعـــاً مزعجـــاً غيـــر متلبـــث إلا لفكـــر فـــي خروجـــه أو إصلـــاح لطريقـــه أنـــه

فائـت لـأن الفــاء حــرف إزعــاج وإســراع. فــإذا قــال: لآتيــن الكوفــة ثــم البصــرة بــدأ بالكوفــة وأقــام مــا

شـاء بعـد لا ينقـص عزمـه فـي إتيانهــا ولا تتغيــر نيتــه إلــى وقــت قصــده إياهــا لــأن ثــم عندهــم حــرف

إمهال وتنفيس.

والـــذي عليـــه أكثـــر الفقهـــاء فـــي فصـــل الخطـــاب أنــــه فصــــل الحكــــم والقضــــاء. وقــــال الضحــــاك بــــن

مزاحـــم: فصـــل الخطـــاب العلـــم بالقضـــاء. وروي عـــن شريـــح والحســـن البصـــري أنهمــــا قــــالا: فصــــل

الخطاب الشهود والأيمان ذهب إلى أنه يجب بهما الحكم وتنفصل الأشياء.

===

حدثنــا عبــد اللــه بــن أحمــد بــن حنبــل قــال: حدثنــا سفيــان عــن الأســود عــن قيــس عـــن ثعلبـــة عـــن

عباد عن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب حين كسفت الشمس فقال: " أما بعد ".

تصدير الكتب وما يقع فيها:

فقــد استعمـــل النـــاس قريبـــاً مـــن ترتيـــب الدعـــاء وتكثيـــره وتقليلـــه أشيـــاء كلفـــوا أنفسهـــم فيهـــا مؤونـــة

المخاضــة فيهــا والتحفــظ فيهــا منهــا. وقــد كــان المتقدمــون يسمحـــون فـــي ذلـــك ولا يتشاحـــون عليـــه

إلـى الرسـوم فـي الكتــب عــن الأئمــة فإنهــا علــى الأمثلــة التــي كانــت تجــري عليهــا الكتــب وتصــدر بهــا

فـي أيـام النبـي صلـى اللـه عليـه وسلـم كثيـراً لـم تغيـر عمـا كانـت تصـدر بـه عـن النبـي صلـى اللــه عليــه

وسلــم: يبــدأ باسمــه ويختــم الكتــاب باســم كاتبــه. وكذلــك هــي عــن الأئمـــة بإمـــرة المؤمنيـــن والإمامـــة

والتصديــر فــي أول الكتــاب والدعــاء فــي آخــره للإمــام وولــي العهـــد والوزيـــر واحـــد. إلا أنهـــم قالـــوا:

سلــام علــى أميــر المؤمنيــن ورحمــة اللــه وبركاتــه وكذلــك لولــي العهــد فــي التصديـــر والدعـــاء الأخيـــر.

ولــم يقولــوا للوزيــر وبركاتــه ليفرقــوا بيــن المحليــن. وقــد كتـــب بعضهـــم فـــي عجـــز الكتـــاب إلـــى الوزيـــر

وبركاته. فأما في التصدير فلا وذلك للفرق بين المحلين.

وكـــان التصديـــر ينتهـــي إلـــى قولـــه: " فإنـــي أحمـــد إليـــك اللـــه الـــذي لا إلـــه إلا هـــو. إلــــى أن أفضــــت

===

الخلافــة إلــى الرشيــد فأمـــر أن يـــزاد فيـــه وأسألـــه أن يصلـــي علـــى محمـــد عبـــده ورسولـــه صلـــى اللـــه

عليه وسلم ". فكتب بذلك إلى هذا الوقت. فكانت هذه من أفضل مناقب الرشيد.

وكــان الرشيــد قــال ليحيــى بــن خالــد: قــد عزمــت علــى أن يكــون فــي كتبــي مــن عبــد اللــه هـــارون

الإمـام أميـر المؤمنيـن عبـد محمـد رسـول اللـه. فقـال لــه يحيــى: قــد عــرف اللــه نيتــك فــي هــذا يــا أميــر

المؤمنيــن وحــان لــك أجــره والتعبــد إنمــا هــو للــه وحــده لا لغيــره. قــال: فاكتــب: " مــن هـــارون مولـــى

محمــد ". فقــال: إن المولــى عنــد العــرب ربمــا كــان ابــن العــم وجــزى اللــه أميــر المؤمنيـــن خيـــراً وهـــداه

إليه.

وقـــد يزيـــد فـــي الكتـــب ذكـــر الصفـــات التـــي اختـــص اللــــه تعالــــى بهــــا كالمنصــــور والمهــــدي والهــــادي

والرشيد. والعجب أن قوماً يسمونها ألقاباً والألقاب مكروهة وإنما هي نعوت وصفات.

وجعلـــوا مثـــل ذلـــك لولـــاة العهـــود وخوطـــب بهـــا الخلفـــاء قـــال عبيــــد اللــــه بــــن عبــــد اللــــه بــــن طاهــــر

يخاطب المعتضد بالله في قصيدة ذكر فيها ابنه علياً المكتفي بالله.

المكتفي بالله صاحـب عهدنـا   فاجعلـــه نحلتـــه مـــن الأسمـــاء

فلما ولي المكتفي بالله الخلافة قال: قد سماني عبد الله باسم لا أريد غيره.

ولـــم يكـــن يدعـــى للخلفـــاء علـــى المنابـــر بالنعـــوت فيقـــال: اللهـــم أصلـــح عبـــدك وخليفتـــك عبــــد اللــــه

===

المنصـــور أميـــر المؤمنيـــن ولا المهـــدي. وكـــان أول مـــن دعــــي لــــه بذلــــك محمــــد الأميــــن أميــــر المؤمنيــــن

وجرى على ذلك إلى اليوم.

ولا يكاتــب بالتصديــر الإمــام ولا ولــي عهــده ولا وزيــره. فأمــا الإمــام فيكتــب بالتصديـــر إلـــى كـــل مـــن

خاطبهـــن مـــن عامـــل حـــرب وخـــراج وقضـــاء فـــي الكتـــب المدونـــة المنعوتـــة بالعهـــود والعقـــود وجبايـــة

الفــيء والحمــول والنفقـــات والإقطاعـــات والإمـــارات والفتـــوح ومـــا جـــرى هـــذا المجـــرى ويبـــدأ بنفســـه.

ولا يخاطــب الإمــام أحــداً مــن هــذه الطبقــات بدعــاء لــه فــي التصديــر إلا ولــي عهـــده فإنـــه يدعـــي لـــه

بعد التصدير بالحفظ والحياطة.

مقال الخط:

قـــال يحيـــى بـــن خالـــد البرمكـــي: " الخـــط صـــورة روحهـــا البيـــان ويدهــــا السرعــــة وقدمهــــا التسويــــة

وجوارحها معرفة الفصول ".

وقال أبو دلف: " القلم صائغ الكلام مفرغ ما يجمعه العلم ".

وقـال اقليـدس: " الخـط هندسـة روحانيـة وإن ظهـرت بآلـة جسمانيـة. أخـذه النظــام " فقــال: " الخــط

أصل في الروح وإن ظهر بآلة الجسد ".

===

ومــن فضــل حســن الخــط أن يدعــوا الناظــر إليــه إلــى أن يقــراه وإن اشتمــل علـــى لفـــظ مـــرذول ومعنـــى

مجهول.

وربمــا اشتمــل الخــط القبيــح علــى بلاغــة وبيــان وفوائــد مستظرفــة فيرغــب الناظــر عـــن الفائـــدة التـــي

هو محتاج إليها لوحشة الخط وقبحه.

حدثنــــا أحمــــد بــــن إسماعيــــل قــــال: كــــان مشايــــخ الكتــــاب وزهــــاد العمــــال يختــــارون أن يكــــون مــــا

يرفعونـــه عـــن جماعاتهـــم إلـــى دواويـــن السلطـــان بخـــط غيـــر جيـــد ومـــداد غيـــر حالـــك فـــي صحــــف

مظلمة ليثقل على من يرد عليه من المتصفحين فيعدل عنها إلى غيرها مما لا يتعبه.

وزعم صاحب المنطق أن الأشياء مجودة في أربعة مواضع:

فــي الأشيــاء ذوات المعانــي فــي أنفسهــا وفــي العقــول والقــول والخــط. وإن الحــظ دليـــل علـــى مـــا فـــي

النفــوس ومــا فــي دليــل علــى مــا فــي الأشيــاء ذوات المعانـــي ومـــا فـــي الأشيـــاء ذوات المعانـــي مدلـــول

عليـــه. وإن اثنيـــن مـــن هـــذه الأربعـــة طبيعيـــان وهمــــا الأشيــــاء ذوات المعانــــي ومــــا فــــي النفــــوس لا

يتغيـــران. واثنـــان وضعيـــان يتغيـــران بتغيـــر اللغـــات والبلـــدان وهمـــا القـــول والخـــط. ومثــــال ذلــــك أن

الــذي فــي الجسميــن مــن التدويــر والتربيــع موجــود فيهمــا إذا نظــر إليهمــا ناظــر انطبعــت صورتهمــا فــي

نفسهمـــا فصـــارا موجوديـــن فـــي موضعيـــن وإذا أراد أن يخبـــر غيـــره عمـــا وجـــده احتـــاج إلـــى التعبيــــر

===

عمـا فــي نفســه باللفــظ فيكــون اللفــظ دالاً علــى مــا فــي النفــس وإن كــان المخبــر حاضــراً شافهــه وإن

كان غائباً أداه إليه بالخط.

واللفــظ والخــط مــن هــذا الوجــه ضروريــان لابــد منهمــا فــي العبــارة. ولــو شــاء قائــل أن يفضــل الخــط

علــى اللفــظ فــي هــذه الحــال مــن قــول صاحــب المنطــق لقــال: فالخــط أتـــم مـــن اللفـــظ فائـــدة لأنـــه قـــد

بلــغ مبلــغ المنطــق إذ كنــا قــد نناجــي الحاضــر بهمــا جميعــاً فنفهمـــه بكـــل واحـــد منهمـــا مثـــل مـــا نفهمـــه

بالآخــــر ولا نستطيــــع إفهــــام الغائــــب إلا بالخــــط فللخــــط فائدتــــان مــــن هــــذه الجهــــة وليــــس للفــــظ إلا

فائدة واحدة.

فــإن قــال معتــرض: فكيــف يتهيــأ أن يفهــم الأعمـــى والأمـــي الخـــط قيـــل لـــه: ذلـــك مـــن نقصـــان آلـــة لا

مــن نقصــان آلتهمــا الخــط وإنمــا قولنــا علــى تمــام الآلــة وأصــل البنيـــة الصحيحـــة والعمـــى عـــرض دخـــل

علــى الطبيعــة وليــس بأصــل فيهــا والأمــي ممكــن أن يتعلــم الخــط فالنقيصــة فيــه عــن علمــه مــن ميلـــه.

وقد رأينا الشديد الصمم لا يفهم إلا بالخط.

ومــن أحســن مــا فضــل بــه كلــام المخاطــب علــى الخــط قـــول جالينـــوس " الكتـــاب كلـــام ميـــت يتناولـــه

قارئه كيف شاء وكلام المخاطب حي يمكن صاحبه أن يبصره حتى يبلغ به غرضه ".

ومـــن الأعجوبــــة فــــي الخطــــوط كثــــرة اختلافهــــا والأصــــول واحــــدة كاختلــــاف شخــــوص النــــاس مــــع

===

اجتماعهــم فــي الصنعــة حتــى إن خــط الإنســان يصيـــر كحليتـــه ونعتـــه فـــي الدلالـــة عليـــه واللـــزوم لـــه

والإضافة إليه حتى يقضي به الكاتب له وعليه.

وقــد عجبــت مــن بعــض الكتــاب قــال: ادعــى رجــل مــن إلحــاق الأنســاب بالآثـــار والأشبـــاه فقـــال لـــه

القائـف: أعجـب واللـه مـن هـذا مـا يبلغنـا مـن تمييزهـم الخطـوط وإلحـاق كــل خــط بصاحبــه أو مــا تــرى

العازم على خيانة أو دفع حق بغير خطه حتى إذا جحد لم ينسب عليه.

وحدثنـــي الحسيـــن بـــن يحيـــى الكاتـــب قــــال: ادعــــى رجــــل علــــى رجــــل مــــالاً وأن معــــه بــــه رقعــــة

بخطــه فجحــد الرجــل الخــط وجعــل يكتــب بيــن يــدي النــاس فيحكمــون أن الخـــط ليـــس خطـــه. ثـــم

تراضيــا بسليمــان بــن وهــب ومــا يحكــم بــه فـــي ذلـــك فأحضـــر الخـــط والرجـــل فقـــال: اكتـــب فأملـــي

عليـه كتابـاً طويـلاً ردد فيـه مثـل الحـروف التـي فـي رقعتــه فتبيــن سليمــان أن الخــط خطــه وأنــه صنــع

فـي كتـاب الرقعــة ولــم يكتــب علــى طبعــه بحــروف دلتــه علــى ذلــك فحكــم عليــه سليمــان فاعتــرف

الرجــل بالخــط وأدى المــال وعجــب مــن ذلــك. فقيــل لسليمـــان: كيـــف وقفـــت علـــى ذلـــك فقـــال: إنـــه

يصنع في الرقعة كلها إلا في أحرف قذفتها سجيته ولم يحترس منها طبعه. ثم أنشد سليمان:

ولما أبت عيناي أن تطعم الكرى   وأن يمنعا ذر الدموع السواكب

تثاءبت كي أبغي لدمعي علـة   وكم مع لوعاتـي بقـاء التثـاؤب

===

حدثنـا مهـدي البهدلـي قــال: قــال يســار لأبــي العتاهيــة: يــا عتبــي أنــا واللــه أستحســن اعتــذارك فــي

دمعك حيث تقول:

كـــم مـــن صديـــق لــــي أســــا   رقـــــه البكـــــاء مـــــن الحيـــــاء

فـــــــــــإذا تأمـــــــــــل لامنـــــــــــي   فأقـــول مــــا بــــي مــــن بكــــاء

لكـــــــن ذهبـــــــت لأرتــــــــدي   فطرفــــــت عينــــــي بالـــــــرداء

فقـال أبـو العتاهيــة: واللــه يــا أبــا معــاذ مــا لــذت فــي هــذا إلا بمعنــاك ولا اجتنيتــه إلا مــن غرســك فــي

قولك:

فقالوا: لم بكيـت فقلـت: كـلا   وهل يبكي من الطـرب الجليـد

ولكنـي أصــاب ســواء عينــي   عويـد بــدا لــه طــرف حديــد

فقالـــوا: مـــا لدمعهــــا ســــواد   أكلتــا مقلتيـــك أصـــاب عـــود

والتشبيه يقع كثيراً بالخط الجيد الحسن أما الخط الرديء فحكايته صعبة ممتنعة.

وحدثنــي يحيــى بــن البحتــري قــال: حدثنــا أبــي عــن ابـــن الترجمـــان - وكـــان الواثـــق أنفـــذه إلـــى ملـــك

الـروم بهدايـا - قــال: وافقــت لهــم عيــداً فرأيتهــم قــد علقــوا علــى بــاب بيعتهــم كتبــاً بالعربيــة منشــورة

فسألـــت عنهـــا فقيـــل: هـــذه كتـــب المأمـــون بخـــط أحمـــد بـــن أبـــي خالـــد الأحـــول استحسنـــوا صـــوره

===

وتقديــره فجعلــوا هكــذا. فحدثــت أنــا بهــذا الحديــث أبــا عبيــد اللــه محمــد بــن داود بــن الجــراح فقــال

لـي: هـذا حـق قـد كتـب سليمـان بــن وهــب كتابــاً إلــى ملــك الــروم فــي أيــام المعتمــد فقــال: مــا رأيــت

للعـرب شيئـاً أحسـن مـن هـذا الشكـل! ومـا أحسدهـم علـى شــيء حســدي إياهــم عليــه. والطاغيــة

لا يقرأ الخط العربي وإنما راقه باعتداله وهندسته وحسن موقعه ومراتبه.

ووصـف أحمـد بـن إسماعيـل خطـاً حسنــاً فقــال: " لــو كــان نباتــاً لكــان زهــراً. ولــو كــان معدنــاً لكــان

تبراً. أو مذاقاً لكان حلواً. أو شراباً لكان صفواً ". وقالوا: " القلم قسيم الحكمة ".

وقـال أفلاطـون: " الخــط عقــال العقــل ". وقــال أرسطاطاليــس: " القلــم العلــة الفاعلــة. والمــداد العلــة

الهيولانيـة. والخـط العلـة الصوريـة. والبلاغـة العلـة الناميــة ". وقــال بعــض الملــوك اليونانيــة " أمــر الديــن

والدنيا تحت شيئين: قلم وسيف والسيف تحت القلم ".

ما قيل في حسن الخط من المنظوم:

فمـن مليــح مــا قيــل فــي ذلــك قــول أبــي تمــام للحســن بــن وهــب وقــد قــرأ كتابــاً لــه فاستحســن خطــه

ولفظه من كلمه:

لقــد جلــى كتابـــك كـــل بـــث   جــو وأصــاب شاكلــة الرمـــي

===

وكان أغض في عينـي وأنـدى   علـى كبـدي مـن الزهـر الجنــي

وأحسـن موقعـاً عنـدي ومنــي   مـن البشـرى أتـت بعـد النعــي

وضمن صـدره مـا لـم تضمـن   صــدور الغانيــات مــن الحلــي

فكائــن فيــه مــن معنــى بديـــع   وكائـــن فيـــه مـــن لفـــظ بهــــي

وكــم أنجـــزت مـــن بـــر جليـــل   بـه ووعـدت مـن وعــد سنــي

كتبـــت بـــه بــــلا لفــــظ كريــــه   علـــــى أذن ولا خـــــط قمـــــي

فأطلـق مـن عقـال فـي الأمانـي   ومــن عقــل القوافـــي والمطـــي

وأهــدي بعـــض الكتـــاب غلامـــاً كاتبـــاً إلـــى رئيـــس لـــه وكتـــب إليـــه بصفـــة الخـــط وغيـــره - وسمعـــت

مـــن يحكـــي أن فاعـــل ذلـــك عيســـى بـــن فرخانشـــاه بإبراهيـــم بـــن العباســــي الصولــــي وكــــان عيســــى

يكتب له ولا أدري كيف صحته لأني لم أعتد بما لم أسمعه من أفواه الرجال:

اقبــــــــــل هديــــــــــة شاكـــــــــــر   تجزيــــــــه بالنـــــــــزر الجليـــــــــلا

بـدراً يضــيء إذا نظــرت إلــي   ه لـــــــــــم يألـــــــــــف أفــــــــــــولا

إنـــــــي بعثـــــــت بـــــــه وكــــــــن   ت بحســــــن موقعــــــه كفيــــــلا

لمـــــــــــا رأيــــــــــــت بخطــــــــــــه   حسنــــاً يصيــــد بــــه العقـــــولا

===

أو كالريــــــاض بكــــــى الحيــــــا   فيهـــــــا فاوسعهــــــــا همــــــــولا

وتـــــــراه للمعنـــــــى اللطيـــــــف   إذا أشـــــــــرت بـــــــــه قبـــــــــولا

لا مستعيــــــــــــداً منــــــــــــك إذ   تملـــــــــي عليـــــــــه ولا ملـــــــــولا

عـــــرف المبـــــادئ والوصــــــول   مـــــــن الحكايـــــــة والفصــــــــولا

وصنــــوف ترنيـــــب الدعـــــاء   وإن يقصــــــــــــر أو يطيـــــــــــــلا

والهمـــــــز والممـــــــدود والـــــــم   قصــــــــور والمثــــــــل المقــــــــولا

والفعـــــــــــل والأسمــــــــــــاء وال   مصــــــروف منهــــــا والثقيــــــلا

فاستكفـــــــه وأضمــــــــر لــــــــه   أن لا تريـــــــد بــــــــه البديــــــــلا

يحمـــــــــل بفضـــــــــل لسانــــــــــه   وبيانـــــــــه عنـــــــــك الثقيـــــــــلا

وأنشد أحمد بن إسماعيل نطاحة لنفسه:

أضحكــــــــــت قرطاســـــــــــك   عن جنة     أشجارها من حكم مثمره

مســـــودة سطحـــــاً ومبيضـــــة   أيضـــاً كمثــــل الليلــــة المقمــــره

===

بنفسجــــــاً أو مشبهــــــاً لونــــــه   فــي أرض نسريــن لـــه فاحـــم

كالــدر فـــي اللفـــظ وكالـــوش   ي في الرقـم أجادتـه يـد الراقـم

فقال أحمد بن إسماعيل:

وإذا نمنمـــــت بناتـــــك خطـــــاً   معربـــاً عـــن إصابـــة وســـداد

عجب الناس من بياض معـان   تجتنـى مـن ســواد ذاك المــداد

حدثنـــا محمـــد بـــن إبراهيـــم الأنصـــاري أبـــو الحســـن قــــال: وصــــف أحمــــد بــــن صالــــح جاريــــة كاتبــــة

فقـــال: " كـــأن خطهـــا أشكـــال صورتهــــا. وكــــأن مدادهــــا ســــواد شعرهــــا. وكــــأن قرطاسهــــا أديــــم

وجههـــا. وكـــأن قلمهـــا بعـــض أناملهـــا. وكـــأن بيانهـــا سحـــر مقلتهـــا وكـــأن سكينهـــا سيــــف لحاظهــــا.

وكان مقطها قلب عاشقها ". وأنشدنا عبد الله بن المعتز لنفسه يصف خطاً:

فدونكــــــه موشــــــى نمنمتـــــــه   وحاكتــــه الأنامــــل أي حـــــوك

بشكــل يؤمـــن الإشكـــال فيـــه   كـأن سطــوره أغصــان شــوك

ومثل هذا لأحمد بن إسماعيل نطاحة:

مستــــودع قرطاســــه حكمـــــا   كالــــروض ميــــز بينــــه زهــــره

وكــأن أحـــرف خطـــه شجـــر   والشكــل فــي أضعافهــا ثمـــره

===

أنشـــد محمـــد بـــن يزيـــد المبـــرد قـــال: استعـــار محمـــد بـــن عبـــد الملـــك الزيـــات مـــن الحســـن بــــن وهــــب

دفتـراً فيـه شعــر أبــي يعقــوب الخريمــي وكــان معجبــاً بــه فوجــه الحســن بــه إليــه وكــان بخــط حســن ثــم

وجـــه الحســـن يطلبـــه منـــه فوجـــه إليـــه محمـــد بالنسخـــة التـــي كانـــت عنـــده واحتبـــس نسخـــة الحســـن

وكتب إليه:

إنـي نظـرت ولا صـواب لناظـر   فيمــا يهيـــم بـــه إذا لـــم ينظـــر

فـإذا كتابــك قــد تخيــر خطــه   وإذا كتابــــي ليــــس بالمتخيــــر

وإذا وسوم في كتابـك لـم تـدع   شكــــاً لمعتســــف ولا لمفكــــر

تنبيك عن رفع الكلام وخفضه   والنصب فيـه لحالـه والمصـدر

وإذا كتـاب أخيـك مـن ذا كلـه   خلـو فبئــس لبائــع أو مشتــري

فاقبل كتاب أخيك غير منافس   فيـه وخـل لـه كتابــك واعــذر

واعلــم بأنــك لا تـــزال مؤخـــراً   في العلم عند الناس ما لم تكسر

إني أرى حبس السماع على الذي   شاركتــه فيــه وكســر الدفتـــر

واستهــــدى أحمــــد بــــن إسماعيــــل دفتــــراً فيــــه حــــدود الفــــراء فأهــــداه إلــــى مستهديــــه وكتــــب علـــــى

ظهره:

===

نظمت كما نظم السحاب سطوره   وتأنــــق الفــــراء فـــــي تأليفـــــه

وشكلتـه ونقطتـه فأمنـت مــن   تصحيفـه ونجـوت مــن تحريفــه

بستــان خـــط غيـــر أن ثمـــاره   لا تجتنــى إلا بشكـــل حروفـــه

وللخـــط صفـــات وتركيبـــات وأسمـــاء مختلفـــات تحـــد وتصنـــف مـــا يقــــال ذلــــك فــــي النغــــم واللحــــون.

فمنه الرياشي المحقق والخفيف المطلق وهو الذي يتعلق بعضه ببعض ومنه منثور ومجموع.

وسئـــل بعـــض الكتـــاب عـــن الخـــط متـــى يستحـــق أن يوصـــف بالجـــودة فقــــال: إذا اعتدلــــت أقسامــــه

وطالـــت ألفـــه ولامـــه واستقامـــت سطـــوره وضاهـــى صعـــوده حـــدوره وتفتحــــت عيونــــه ولــــم تشبــــه

راءه نونـــه وأشـــرق قرطاســـه وأظلمـــت أنقاســـه ولـــم تختلـــف أجناســـه وأســــرع إلــــى العيــــون تصــــوره

وإلـــى العقـــول ثمـــره وقـــدرت فصولـــه واندمجـــت وصولـــه وتناســـب رقيقـــه وجليلــــه وخــــرج عــــن نمــــط

الوراقيــن وبعــد عــن تصنــع المحدريــن وقــام لكاتبــه مقــام النسبـــة والحليـــة كـــان حينئـــذ كمـــا قلـــت فـــي

وصف خط:

إذا مـــــــا تحلـــــــل قرطاســــــــه   وساومــــــه القلــــــم الأرقــــــش

تضمـــــن مـــــن خطـــــه حلــــــة   كنقـــش الدنانيـــر بــــل أنقــــش

حــروف تعيــد لعيـــن الكليـــل   نشاطــــاً ويقرأهـــــا الأخفـــــش

===

أتانــــي كتابــــك يـــــا سيـــــدي   فآنـــــس نفســـــاً بـــــه مبهجـــــه

وكــان بمــا ســـاق مـــن فرحـــة   وسكـــن مـــن لوعـــة مزعجـــه

أبــــــر وأمتــــــع مـــــــن ريطـــــــة   علــــى كــــل مائــــدة مدرجــــه

قد ذكرت في هذا الكتاب ما استحسن من خط الجواري:

وقــد كــره أهــل النبــل مــن النــاس وذوو الــرأي منهــم أن يعلــم النســاء الخــط وجـــاء فيـــه النهـــي عـــن ابـــن

عباس أنه قال: " لا تسكنوا النساء العلالي ولا تعلموهن الكتابة ".

وقال حمزة بن أبي سلامة الكوفي:

جـــاء خــــط كأنــــه شعــــرات   وسط خط ولـم يصلـه عـذار

أو كنقش الحناء في كف عذرا   ء أباحتـــــك لمحـــــه الأستــــــار

يا كتاباً يكاد يضحك من جـو   هـــره فــــي نظامــــه الطومــــار

وقال علي بن الجهم:

يــــا رقعــــة جاءتـــــك مثنيـــــة   فكأنهـــــا خـــــد علـــــى خـــــد

نبــذ ســواد فــي عـــذار كمـــا   ذر فتيـت المسـك فــي الــورد

ساهمـــة الأسطــــر مصروفــــة   مـــن ملـــح الهـــزل إلـــى الجــــد

===

وقال أبو نواس:

زجـــرت كتابكـــم لمـــا أتانــــي   بمـــر سوانـــح الطيـــر الجـــواري

نظــــرت إليــــه مجزومـــــاً بزبـــــر   وفــــي ظهــــر ومختومــــاً بقــــار

فعفـت الظهــر أحــور قرطقيــاً   تركـب صداغـه سيـن العـذار

وكـان الشـدو ذا زبـر مصيـب   وكــان الختــم مــن رق العقــار

فكيف ترونني وتـرون زجـري   ألسـت مـن الفلاسفــة الكبــار

ما قيل في قبح الخط:

قال الصولي أنشدني أحمد بن محمد بن إسحاق قال: أنشدني علي بن محمد العلوي لنفسه:

أشكو إلى الله خطاً لا يبلغنـي   خـط البليـغ ولا خـط المرجينـا

إذا هممـت بأمـر لـي أزخرفــه   سدت سماجته عني التحاسينا

وقالـوا: " رداءة الخـط زمانـة الأديـب ". ونظـر عبـد اللـه بـن طاهــر إلــى خــط بعــض كتابــه فلــم يرضــه

فقـال: " نحـوا هـذا عـن مرتبــة الديــوان فإنــه عليــل الخــط ولا يؤمــن أن يعــدي غيــره ". وقالــوا: " رداءة

الخط إحدى الزمانتين كما أن حسنه إحدى البلاغتين ".

===

حدثنـي طلحـة بـن عبـد اللـه قـال: اعتـذر رجــل إلــى محمــد بــن عبــد اللــه بــن طاهــر مــن شــيء بلغــه

عنـه فـرأى خطــه قبيحــاً فوقــع فــي رقعتــه: " أردنــا قبــول عــذرك فاقتطعنــا عنــه مــا قابلنــا مــن قبــح

خطــك. ولــو كنــت صادقــاً فــي اعتــذارك لساعدتــك حركـــة يـــدك. أو مـــا علمـــت أن حســـن الخـــط

يناضل عن صاحبه بوضوح الحجة. ويمكن له درك البغية ".

وكــان أبــو هفــان عبــد اللــه بــن أحمــد المهزمـــي مـــن أقبـــح النـــاس خطـــاً وكـــان يبتـــدئ الخـــط مـــن رأس

الورقـة ويعـوج سطـوره حتـى يبقـى آخـر سطـر فـي الورقـة كلمـة واحـدة فرثـاه يحيـى بـن علـي فقــال فــي

مرثيه:

مــع خــط كأنــه أرجــل البـــط   أو الحــــط فــــي ذوي الفتيــــان

أنشدنـــي العنـــزي الحســـن بـــن علـــي فـــي قبـــح الخـــط وكـــان واللـــه قبيـــح الخـــط والوجـــه حســـن العلــــم

والعقل:

جزعــــت مــــن قبــــح خطــــي   وفيـــــــه وضعـــــــي وحطـــــــي

رجعـــت مـــن بعـــد حذقــــي   إلـــــــــــى تعلـــــــــــم حطــــــــــــي

الوصاة بإصلاح الخط وآلته:

قــال بعــض الرؤســاء مــن الكتـــاب: " ارخـــوا ذوائـــب خطوطكـــم " يريـــد بذلـــك الحـــروف المخطوطـــة

===

قــال الصولــي: حدثنــي أبــو الحسيــن محمــد بــن أحمـــد النيسابـــوري قـــال: سمعـــت الحسيـــن بـــن يحيـــى

بـن نصـر الجرجانـي يقـول: قـال إبراهيـم بـن العبـاس الصولـي لغلـام كـان يكتــب بيــن يديــه: " ليكــن قلمــك

صلبــاً بيــن الدقــة والغلــظ ولا تبــره عنــد عقــدة ولا تجعلــن فــي أنبوبــه أنبوبــة ولا تكتبــن بقلـــم ملتـــو ولا

ذي شـــق غيـــر مستـــو واختـــر مـــن الأقلـــام مـــا يضـــرب إلـــى السمـــرة. وأحـــد سكينـــك ولا تستعملهـــا

لغيــر قلمــك. وتعهــده بالإصلــاح يصلــح. وليكـــن مقطـــك صلبـــاً ليمضـــي الخـــط مستويـــاً لا مستطيـــلاً

وابــر قلمــك بيــن التحريــف والاستــواء. وإذا كتبــت الدقيــق فأمــل قلمــك إلــى إقامــة الحــروف لإشبــاع

الخـــط وإذا جللـــت فإلــــى التحريــــف. واعلــــم أن تبطيــــن القلــــم شــــؤم وتحريفــــه حــــرف وهمــــا دمــــار

الخط. واعلم أن وزن الخط مثل وزن القراءة فأجود الخط أبينه كما أن أحمد القراءة أبينها ".

وقــال بعــض الكتــاب: " الحــذق بالخــط أن يقــدر الكاتــب بقلمــه أجــزاء حروفـــه وكلمـــه وخاصـــة فـــي

طـول الحـرف لا فـي عرضـه ويفـرق بيـن الحـرف والحـرف علـى قيـاس مـا مضــى مــن شرطــه فــي قــرب

مساحتـه وبعـد سياقتـه. ولا يقطــع الكلمــة بحــرف يفــرده فــي غيــر سطــره. ويســوي إصلــاح خطوطــه

كتابته ولا يغيره فيحليه بما ليس من زينته ولا يمنعه حقاً فيخلف حليته ويفسد قسمته.

ويستقبــح أن يقــع فــي الخــط نوعــان مختلفــان ويقــوم فــي النفــس مــن ذلــك مــا يقـــوم فيهـــا مـــن الشعـــر إذا

اختلفـــت أعاريضـــه وخلـــط فصيحـــه بمولـــده. وأحلـــى الخطـــوط المحقـــق اللطيـــف المستديـــر الحـــروف

===

المفتـــوح الصـــادات والطـــاآت المختلـــس التـــاآت والحـــاآت. ولا يحســـن أن يجمــــع فــــي الحــــرف مشقتــــان

ولا بيــن يائيــن معروقتيــن ". قــال الصولــي: والمشتــق مكــروه وخاصــة فــي الكتــاب إلــى الرئيــس لأنهــم

يتأولـون ذلـك ضربـاً مـن الاستخفــاف بقــدر المكاتــب. كذلــك قــال إبراهيــم بــن العبــاس الصولــي وهــو

إمام من أئمة الكتاب يقتدى به فيها:

وربما طغى القلم فوصل منفصلاً وفصل متصلاً.

وقــد يمشــق الكاتــب فــي حاليــن متضاديــن فــي أشــد مــا يكــون نشاطــاً لشــوق يــده إلــى الخـــط وبعـــد

عهدهــــا بــــه وتفلتهــــا إليــــه فتنازعــــه يــــده إلــــى ذلــــك وتغلبــــه إلــــى الإســــراع فتجــــري علـــــى غلوائهـــــا

وتمضي على درتها ولا تتمهل لرفع حرف ولا خفض آخر.

وتستـروح أيضــاً فــي حــال التعــب والكلــال إلــى المشتــق لمــا يلحــق الأنامــل مــن مشقــة التعطــف والتلــوي

علـى القلـم بتقريـب بعـض الحـروف مــن بعــض وعطــف شــيء علــى شــيء. فــإذا كانــت الكلمــة علــى

أربعــة أحــرف جعلــت المشقــة واسطــة بيــن حرفيــن أوليــن وحرفيــن آخريــن مثــل مقيــد ومخلــب وعنهـــا

وفيهـــا. فـــإن كانـــت ثلاثـــة أحـــرف أوسطهـــا ميـــم كانـــت المشقـــة بيـــن الميـــم والحـــرف. ولا يجــــوز أن

يمشق بين حرفين أحدهما ميم.

وإذا اتصلــت بــاء وتــاء ونــون فــي كلمــة فكــان علــى عــدد أشكــال السيــن والشيـــن رفعـــت الوسطـــى

===

مثــل بينــك وبيتــك. ولـــو لـــم تفعـــل ذلـــك وسويـــت بيـــن الثلـــاث لجـــاءت الكلمـــة كأنهـــا شـــك أو ســـك

ويحتمــل الإثنيــن السيــن والشيــن. وأن يمشقــا ولا يحققــا فـــي كـــل المواضـــع إلا فـــي: بســـم اللـــه الرحمـــن

الرحيــم لمعــان أولهــا التعظيــم لاســم اللــه تبــارك وتعالــى والثانــي ليتبيــن تحقيقــك لذلـــك وتحسينـــك لـــه

ولــأن بســم اللــه الرحمــن الرحيــم أول مــا يبتــدئ الكاتــب بــه وهــو وافــر النشــاط غيــر حسيــر اليـــد ولا

جافي القلم فليس له عذر في ترك التحقيق حينئذ ولا له حاجة إلى التروح.

وكذلـــك يكـــره مشقهمـــا منفصلتيـــن مثـــل النـــاس والبــــاس لا يكــــون معهمــــا فــــي هــــذه القسمــــة حــــرف

يعضدهما.

وقــد روي عــن عمـــر بـــن الخطـــاب رضـــي اللـــه عنـــه أنـــه قـــال: " شـــر الكتابـــة المشـــق وشـــر القـــراءة

الهذرمـــة ". وأكثـــر ســــروات الكتــــاب يكرهــــون شــــق الكــــاف وقــــد شقهــــا بعضهــــم إذا كانــــت أول

الحـرف ومبتـدأ السطـر ويستقبـح شقهـا إذا كانـت فــي آخــر الكلمــة منفصــل أو متصلــة وذلــك فــي مثــل

مالك وتارك.

ويستقبـح أن ينقطـع دعـاء فيقــع أولــه فــي آخــر السطــر وبعضــه فــي أول السطــر الآخــر وكذلــك الكنيــة

والمضــاف وغيــر ذلــك ومــا عمــل بعضــه فــي بعــض ومــا جعــل اسمــاً واحــداً وهــو اثنـــان فـــي الأصـــل

وذلـك مثـل أعـزه اللـه فـي الدعـاء وعبــد اللــه فــي الأسمــاء وغلــام زيــد فــي الإضافــة وتأبــط شــراً فــي

===

العامــــل بعضــــه فــــي بعـــــض وخمســـــة عشـــــر فيمـــــا جعـــــل الإسمـــــان اسمـــــاً واحـــــداً ومعـــــدي كـــــرب

وحضرمـــوت وأيـــادي سبـــأ ويـــد الدهـــر ويـــد المسنـــد وهـــو الدهـــر أيضـــاً وشـــذر مــــذر وقالــــي قــــلا

ومثل هذا كثير وما ذكرناه منه يدل على سائره.

ما قيل في النقط والشكل والخط الدقيق:

كــره الكتــاب الشكــل والإعجــام إلا فــي المواضــع الملتبســة مــن كتــب العظمـــاء إلـــى دونهـــم فـــإذا كانـــت

الكتــب ممــن دونهــم إليهـــم تـــرك ذلـــك فـــي الملبـــس وغيرهـــم إجلـــالاً لهـــم عـــن أن يتوهـــم عنهـــم الشـــك

وســوء الفهــم وتنزيهــاً لعلومهــم وعلــو معرفتهــم عــن تقييـــد الحـــروف ولـــولا أن الـــذي جددنـــاه مـــن ذلـــك

فــي كتــاب الرئيــس إلـــى تابعـــه يجـــري مجـــرى الزيـــادة فـــي الإيضـــاح لـــه ونفـــي الارتيـــاب عنـــه وإيجـــاب

الحجة عليه فيما يؤمر به وينهى عنه لكان الأحسن أن لا يستعمل في الحالتين معاً.

وقــد رأى قــوم أن تكــون كتبهــم إلــى سلطانهــم بأكبـــر الخطـــوط وأجلهـــا واختـــاروا الشكـــل والإعجـــام

فيها.

وحكــوا عــن بعــض الخلفـــاء أنـــه تـــأذى مـــن إخـــلاء الكتـــب مـــن ذلـــك فـــي المؤامـــرات وغيرهـــا. وقـــال

الذيـــن اختـــاروا ذلـــك لا نعرضهـــم للشكــــوك ولا نكلفهــــم إعمــــال الفكــــر فــــي المشكــــل وأنــــه يجــــب أن

===

ونسبــوا الأصــل فــي هــذا إلــى المأمــون وهـــذا مـــا لا يجمـــع المميـــزون عليـــه ولا يلتفتـــون إلـــى مـــا يتـــأول

فيــه لــأن الأمــر لــو كــان علــى مــا يختــاره مــن يشكــل وينقــط لمــا وقــع مــن الكتــاب تصحيــف فــي كثيـــر

ممـــا قـــرأوه فـــي مجالـــس الخلفـــاء حتـــى أحصيـــت عليهـــم غلطـــات سقطـــوا بهـــا فــــي عصرهــــم وبقــــي

عارهــا عليهـــم كالـــذي صحـــف مـــن " حامرطـــي " جاضرطـــي والـــذي صحـــف بيـــن يـــدي المأمـــون

" البريــدي " فقــال الثريــدي فأمــر المأمــون أن يطعــم وقــال: أبــو العبــاس جائــع - يعنـــي وزيـــره ابـــن أبـــي

خالـد - فغـذوه. ثــم قــرأ فلــان الحمصــي فقــال: الخبيصــي فقــال المأمــون: مــا فــي طعــام أبــي العبــاس

خبيص فأطعموه.

وقـرأ كاتـب عبيـد اللـه بـن زيـاد كتـاب عبيــد اللــه بــن أبــي بكــرة أنــه وجــد بعــض الخــوارج فــي شــرب

فقــال عبيــد اللــه: وكيــف لــي بــأن أكــون ممــن يشــرب هــو ونظــراؤه إنمــا هــو فــي ســـرب أي ســـرداب.

وكتــب رجــل مــن أغبيــاء الكتــاب إلــى صاعــد بــن مخلــد كتابــاً فصيــر العيــن غينــاً ونقطعهــا مــن فـــوق

ونقــط الخــاء مــن مخلــد مــن أسفــل فصيرهـــا جيمـــاً. فقـــرأ كتابـــه صاعـــد بـــن مخلـــد فلـــم يفطـــن لذلـــك

ووقع فيه فخرج إلى الديوان فرآه الناس فقال فيه بعض الشعراء:

رأيـت الوزيــر كثيــر الشكــوك   بعيــــد الإفاقـــــة مـــــن غفلتـــــه

فمــا عــرف الجـــد مـــن والـــد   ولا اسـم ابنـه الفـذ مـن كنيتــه

===

وأغفــل كاتــب سليمــان بــن عبــد الملــك الإعجــام فــي كتــاب كتبــه إلــى عاملــه بالمدينــة يأمـــره بإحصـــاء

المخنثيـن فقـال لـه: احـص مـن قبلـك مـن المخنثيــن. فقــرأه اخــض فخصــى منهــم جماعــة حتــى خصــى

الدلال فقال: الآن والله أشبهنا النساء هذا والله الختان الأكبر.

وأخـرج كتـاب عبيـد اللــه بــن سليمــان علــى عامــل مــالاً فتظلــم منهــم فوقــع عبيــد اللــه " هــذا هــذا "

فقــدر الرافــع لبعــد ذهنــه أنــه وقــع هــذا هــذا أي حجــة ثابتــة كمــا تقــول: أنــت أنـــت وأنـــا أنـــا فأخـــرج

التوقيــع إليهــم فقــال: قــد قبــل حجتــي فلــم يعرفــوا ذلــك وجــاءوا بالتوقيــع إلــى صاحــب الديــوان فــرده

إلـى عبيـد اللـه بـن سليمـان واستأمـره فيـه فمـا زاد عبيــد اللــه علــى أنــه شــدد الــذال ووقــع تحتــه: اللــه

المستعان كأنه نسب صاحب التوقيع إلى الهذيان. ومثل هذا كثير جداً وإنما جئنا بطرف منه.

حدثنـي يعقـوب بـن بيـان قـال: حدثنـي علـي بـن الحسيـن قـال: لمــا أخــرج بغــا إلــى منبــج وقلدهــا كــان

معــه كاتــب فقــراً عليــه يومــاً كتــاب عامــل بسمســاط وأن فلانــاً سقـــط عـــن برذونـــه يريـــد عـــن برذونـــه

فقــال لــه بغــا: ومــا برذونــه ويحــك فقــال: جبــل بيــن سمســاط والــروم وهــو الحــد بينهمــا فلــم يـــدر مـــن

أي شـيء يتعجـب! مـن تصحيفـه أم مـن احتجاجــه بمــا احتــج بــه. وكتــب بعــض الكتــاب إلــى رجــل

كتابــاً فدقــق خطـــه فيـــه فكتـــب الرجـــل إليـــه: مـــا كاتبتنـــي وإنمـــا عوذتنـــي! شبـــه كتابـــه بالتعويـــذ.

وكتبت إلى بعض إخواني كتاباً بقلم دقيق فأنكر ذلك فكتبت إليه:

===

قلت لا تسبقـن باللـوم عـذري   بخــل الخـــط إذا رآنـــي بخيـــلا

وكذا الجسم إذ رأى علـة الـأل   حاظ من مقلتيك صار عليلا

وقال آخر في نحوه:

يقـول وقـد كتبـت دقيـق خــط   إليـــــه لـــــم تجنبـــــت الجليــــــلا

فقلت له: عشقت فصار خطي   دقيقــاً مثــل صاحبــه ضئيـــلا

ومن مليح ما قيل في النقط والإعجام قول عبد الله بن المعتز:

غلالــــــة خــــــده ورد جنــــــي   ونــون الصــدغ معجمـــة بخـــال

وقال أبو نواس يصف صغر أثافي قدر الرقاشي:

رأيت قدور الناس سوداً من الصلى   وقدر الرقاشيين بيضاء كالبدر

يبينهـــــــا للمعتفـــــــي بفنائهـــــــا   ثلاث كنقط الثاء من قلم الحبر

ومــا رأيــت النقـــط والإعجـــام وقعـــاً أصـــح مـــن مكـــان أوقعهمـــا عصابـــة الجرجانـــي يهجـــو الحســـن بـــن

رجاء فإنه قال:

خــوان الأميــر معمـــى المكـــان   لــــه شبــــح ليــــس بالمستبــــان

يــــــرى بالتوهــــــم لا بالمجـــــــس   وبالخبــــــر الفــــــذ لا بالعيـــــــان

===

فأمـــــا غضائــــــره الــــــواردات   فأسمـاه ليسـت لهـا مـن معـان

ونقــــط منهــــا عــــراق عــــراق   كم تعجم الصحف بالزعفـران

وتقــول: قرمطــت الخــط أقرمطــه قرمطــة إذا قاربــت بيــن حروفــه. وحكــى التنوخـــي: قرمـــط خطـــوه

إذا قارب بينه.

ومن مليح ما قيل في النقط والشكل قول أبي نواس:

يـا كاتبـاً كتـب الغـداة يسبنــي   مــن ذا يطيــق براعــة الكتــاب

لم تـرض بالإعجـام حيـن كتبتـه   حتى شكلـت عليـه بالإعـراب

أخشيت سوء الفهم حين فعلته   أم لم تثـق بـي فـي قـرأة كتـاب

لو كنت قطعت الحروف فهمتها   مـن غيـر وصلكهـن بالأنســاب

وأردت إفهامـي فقـد أفهمتنـي   وصدقت فيما قلت غير محاب

وقـال التنوخـي: يقــال: " كتــاب نــزل الخــط " إذا كانــت الكتابــة كثيــرة فيــه. ويقــال: " رجــل ذو نــزل "

حبر كثير. " " وطعام له نزل " أي ريع كثير. والعامة تقول: نزل وذلك خطأ قال لبيد:

ولن تعدموا في الحرب ليثاً مجربا   وذا نــزل عنــد العطيـــة نـــازلا

ذا نزل ذا عطاء.

===

فإذا الذي كتب الكتاب يسبني   قصداً فبالغ في الكتاب وأعجما

فإذا أردت هديت من إعجامه   إني أراك حسبت أن لا أفهمـا

وتقـــول: شكلـــت الكتـــاب أشكلـــه شكـــلاً. وشكلــــت الطائــــر شكــــولاً وشكلــــت الدابــــة شكــــالاً.

وشكلت المرأة شكلاً. وأشكل الأمر إشكالاً التبس. والقوم أشكال أي أشباه.

الحروف التي شبهت الشعراء بها:

أنشدنــــا القاســــم بــــن إسماعيــــل قــــال: أنشدنــــا محمــــد بــــن إسماعيــــل لأبــــي النجــــم العجلـــــي الراجـــــز

وكان له صديق يقال له زياد يسقيه الشراب فينصرف أبو النجم من عنده ثملاً:

أقبلت من عند زياد كالخـرف   تخــط رجلــاي بخــط مختلـــف

كأنمـــا قـــد كتبنـــا لــــام ألــــف

وقــد عيــب أبــو النجــم بهــذا فقيــل: لــولا أنــه يكتــب مــا عــرف صــورة لــام ألــف كمـــا عيـــب ذو الرمـــة

في وصف ناقته:

كأنما عينها فيها وقـد ضمـرت   وضمها السير في بعض الأضاميم

يريـــد كـــأن عينهـــا دارة ميـــم لتدويرهـــا والأضـــاة الغديـــر يقـــال أضـــاة وأضـــا مثـــل قطــــاة وقطــــا وأضــــأة

===

وحدثنــا الغلابــي قــال: حدثنــا عبــد اللــه بــن الضحــاك عــن الهيثــم بــن عــدي قــال: قــرأ حمــاد الراويـــة

علــى ذي الرمــة شعــره قــال: نــراه قــد تــرك فـــي الخـــط لامـــاً فقـــال لـــه ذو الرمـــة: اكتـــب لامـــاً فقـــال لـــه

حمـاد: وإنـك لتكتـب! قـال: اكتـم علـي فإنـه كــان يأتــي باديتنــا خطــاط فعلمنــا الحــروف تخطيطــاً فــي

الرمـال فـي الليالـي المقمـرة فاستحسنتهـا فثبتـت فــي قلبــي ولــم تخطهــا يــدي. ومــن مليــح مــا قيــل فــي

التشبيه بلام ألف قول بكر بن النطاح:

يا من إذا درس الإنجيل ظل له   قلب التقي عن القرآن منصرفا

إني رأيتك في نومـي تعانقنـي   كمـا يعانـق لـام الكاتـب الألفـا

فقيـــل: قلـــب لحـــال القافيـــة لـــأن المعنـــى كمـــا تعانــــق ألــــف الكاتــــب اللــــام لــــأن الألــــف تعطــــف علــــى

اللــام. والــذي عنــدي أنــه صــواب لــأن كــل شــيء عانــق شيئــاً فــإن ذلـــك الشـــيء أيضـــاً قـــد عانقـــه.

وقال آخر في التشبيه بالهاء:

تنزو إذا مسها قرع المـزاج كمـا   تنزو الجنادب أوقات الظهيرات

وتكتسـي لؤلــؤات فــي تقلبهــا   مـن الحبـاب شبيهـات بهــاءات

وفي مثله يقول أبو نواس:

ثــــــــم شجــــــــت فـــــــــأدارت   فوقهـــــــــا طوقـــــــــاً فــــــــــدارا

===

خلتــــــــه فــــــــي جنبــــــــات ال   كـــــــــــاس واوات صغــــــــــــارا

وقال عبد السلام بن رغبان الحمصي:

فاصرف بصرفك وجه الماء يومك ذا   حتى ترى نائماً منهم ومنصرفا

فقــام مختلفــاً كالبـــدر مطلعـــاً   والظبي ملتفتاً والغصن منعطفا

كـأن قافـاً أديـرت فـوق وجنتـه   واختط كاتبهـا مـن فوقهـا ألفـا

وقال عبد الله بن المعتز:

وكـــأن السقـــاة بيـــن الندامـــى   ألفـــات بيــــن السطــــور قيــــام

وقال أبو مقاتل الديلمي واسمه صالح:

شهـدت لهـا لـام الطـراز بأنهـا   كتبت وكانت قبل عند مهندس

فإذا أدارت قاف صدغ خلتها   أخذت قوام الشكل من إقليدس

وقال أحمد بن إسماعيل:

وسال عذاره من تحت صدغ   فصارت لام ذاك الصدغ عينا

وقال بعض الأعراب يصف طوق القمرية:

كـــأن بنحرهـــا والجيـــد منهــــا   إذا راقـــت عيــــون الناظرينــــا

===

وقال أبو نواس يصف ريش الصقر:

واجتــاب مــن طـــرازه تفويفـــاً   وشيــاً تــرى بسيطــه مكفوفـــا

مثل استـراق الكاتـب الحروفـا

وقال أيضاً يصف منسراً:

في هامـة عليـاء تهـدي منسـرا   كعطفــة الجيــم بكــف أعســـرا

يقــول مـــن فيهـــا بعقـــل فكـــرا   لـو زادهـا عينـاً إلـى فــاء ورا

فاتصلت بالجيم فصارت جعفراً

وقال غيره:

له من عيون الوحش عين مريضة   ومن خضرة الريحان خضرة شارب

كأن غلاماً ماهـراً خـط خطـه   فجاء كنصف الصاد من خط كاتب

وقال غيره:

صــدغ علـــى خـــدك أبكانـــي   ورد لـــــي همـــــي وأحزانــــــي

كأنمــــــــــا قومـــــــــــه صائـــــــــــغ   وخطــــــــه كاتــــــــب ديـــــــــوان

===

وقال محمد بن عبد الملك الزيات:

ماذا تواري ثيابي من أخي دنف كأنما الجسم منه بقة الألف

وقال الثرواني الكوفي:

أمــــــا ومطـــــــال ذي خلـــــــف   بـــــــه أمسيـــــــت ذا شغـــــــف

وحرمــــة مــــن خضعــــت لــــه   بـــــــــلا ميــــــــــل ولا لطــــــــــف

خضــــــــوع فتـــــــــى لمالكـــــــــه   بــــــــــذل الــــــــــرق معتــــــــــرف

لقـــــد أصبحــــــت ذا كلــــــف   بخــــــــال غيــــــــر ذي كلـــــــــف

كـــــــــــأن معاقـــــــــــد الزنـــــــــــا   ر قـــد عقـــدت علــــى ألــــف

ولي من آخر قصيدة إلى بعض الرؤساء أساله حاجة:

سبقتما في حلاب المجد بينكما   فرط التجـارب ميمـون لميمـون

فأتبع النون عيناً في المقـال ولا   تؤخر الميم عن عين وعـن نـون

وقال عبد الصمد بن المعذل لعلي بن عيسى بن جعفر وقد شرب دواء:

وقــد أهديــت ريحانــاً ظريفــاً   بـه حاجيـت مستمعـي مقالـي

===

وقـال هشـام بـن عبـد الملـك لأعرابــي: أنظــر كــم علــى هــذا الميــل مــن عــدد الأميــال وكــان الأعرابــي لا

يحســـن أن يقـــرأ فمضـــى ونظـــر ثـــم عـــاد فقـــال: رأيـــت كـــرأس المحجـــن متصــــلاً بحلقــــة صغيــــرة تتبعــــه

ثلاثة كأطباء الكلبة تفضي إلى هنة كأنها رأس قطاة بلا منقار. ففهم بصفته أنها خمسة.

وقال أبو نواس يشبه نحوله بقلة حروف لا:

يــــــا عاقــــــد القلــــــب منــــــي   هــــــــــلاً تذكــــــــــرت حــــــــــلا

تركـــــــت جسمـــــــي عليــــــــلاً   مــــــــــــن العليــــــــــــل أقـــــــــــــلا

يكـــــــــــــــــــاد لا يتجـــــــــــــــــــزا   أقـــــل فــــــي اللفــــــظ مــــــن لا

وقال الصولي وأنشدني ابن الخراساني:

مستهتــر بالصــدود موصــوف   مؤلــــــف للحـــــــاظ مألـــــــوف

كأنـــــه فـــــي اعتدالـــــه ألـــــف   ليس لها فـي الكتـاب تحريـف

وقـــال أبـــو الهنـــدي وهـــو أشعـــث اليربوعـــي يخاطـــب خمـــارة كانـــت تبيعـــه الخمـــر فـــإذا أعطتـــه كـــوزاً

خطت عليه خطاً فرآها تزيد عليه فقال:

إذا مـــا بعتنــــي كــــوزاً بخــــط   فخطي ما بـدا لـك أن تخطـي

وزيـدي ثـم زيـدي ثـم زيــدي   علــى وغلظــي باللــه شرطـــي

===

وقال يهجو ابن حجام:

يـــا ابـــن مـــن يكتـــب فـــي الأ   رقــــــــاب مــــــــن غيـــــــــر دواة

لــــــم يكــــــن يكتــــــب فيهـــــــا   غيــــــــــر خــــــــــط الألفــــــــــات

ما جاء في وصف القلم من الكلام المنثور:

قد ذكرنا من فضل القلم في أول الكتاب ما يغني عن إعادته.

وقـــال أحمـــد بـــن يوســـف: " القلـــم لســـان البصـــر يناجيــــه بمــــا استتــــر عــــن الأسمــــاع إذا نســــخ حللــــه

وأودعها حكمه ".

وقال ابن المقفع: القلم بريد القلب "

وقال أبو دلف: " القلم صائغ الكلام ويفرغ ما يجمعه العلم ".

وقال الجاحظ: " الدواة منهل والقلم ماتح والكتاب عطن ".

وقال سهل بن هارون: " القلم أنف الضمير إذا رعف أعلن أسراره وأبان آثاره ".

وقال عمرو بن مسعدة: " الأقلام مطايا الفطن ".

وقال المأمون: " لله در القلم كيف يحوك وشي المملكة ".

===

وقال أحمد بن عبد الله: " القلم راقد في الأفئدة. مستيقظ في الأفواه ".

وقيل: " عقول الرجال تحت أقلامها ".

وقال آخر: " القلم أصم يسمع النجوى. وأخرس يفصح بالدعوى. وجاهل يعلم الفحوى ".

وقـال أحمـد بـن يوسـف: " عبـرات الأقلـام فـي خـدود كتبتهـا أحسـن مــن عبــرات الغوانــي فــي صحــون

خدودها.

وقال العتابي: " الأقلام مطايا الأذهان ".

وقال عبد الحميد: " القلم شجرة ثمرتها الألفاظ والفكر بحر لؤلؤه الحكمة ".

وقيل: " بري القلم تروى القلوب الظمئة ".

وقال ابن المقفع: " القلم بريد القلب يخبر بالخبر وينظر بلا نظر ".

وقال ابن أبي دؤاد: " القلم سفير العقل ورسوله الأنبل ولسانه الأطول وترجمانه الأفضل ".

وقال ابن أبي دؤاد: " القلم الدنيا والآخرة ".

وقال آخر: " بنوء القلم تصوب الحكمة ".

وقال ابن ميثم: " من جلالة شأن القلم أنه لم يكتب لله تعالى كتاب قط إلا به ".

وحدثنـي الحسيـن بـن عمـر ويعقــوب بــن بيــان قــالا: حدثنــا علــي بــن الحسيــن بــن عبــد الأعلــى قــال:

===

كتــب عبــد اللــه بــن طاهــر إلــى إسحــاق بــن إبراهيــم مــن خراســان إلــى بغـــداد أن يوجـــه إليـــه بأقلـــام

قصبية كتاباً نسخته.

بســـم اللـــه الرحمـــن الرحيـــم أمـــا بعـــد فإنـــا علـــى طـــول الممارســــة لهــــذه الكتابــــة التــــي غلبــــت علــــى

الاســــم ولزمــــت لــــزوم الوشــــي فحلـــــت محـــــل الأنســـــاب وجـــــرت مجـــــرى الألقـــــاب. وجدنـــــا الأقلـــــام

القصبيـة أسـرع فـي الكواغـد وأمـر فـي الجلـود. كمـا أن البحريـة منهـا أسلـس فـي القراطيـس وأليـن فــي

المعاطــف ولكــل عــن تمريقهــا والتعلــق بمــا ينبــو مــن شظاياهــا ونحــن فــي بلــاد قليلــة القصـــب رديء مـــا

يوجــد منهــا فأحببــت أن تتقـــدم فـــي اختيـــار أقلـــام قصبيـــة وتتنـــوق فـــي انتقائهـــا قبلـــك وطلبهـــا مـــن

مظانهــــا ومرامهــــا مــــن شطـــــوط الأنهـــــار وأرجـــــاء الكـــــروم. وأن تتيمـــــم باختيـــــارك منهـــــا الشديـــــدة

المحبـــــس الصلبـــــة المغـــــص النقيـــــة الجلـــــود الغليظـــــة الشحـــــوم المكتنـــــزة الجوانـــــب الضيقــــــة الأجــــــواف

الرزينــة الــوزن فإنهــا أبقــى علــى الكتــاب وأبعـــد مـــن الحفـــاء. وأن تقصـــد بانتقائـــك الدقـــاق القضبـــان

اللطـــاف المنظـــر المقومـــات الـــأود الملمــــس العقــــد " فــــلا يكــــون فيــــه التــــواء عــــوج ولا أمــــت. وضــــم

الصافيـــة القشـــور الخفيفـــة الأتـــن الحسنـــة الاستـــدارة " الطويلـــة الأنابيــــب البعيــــدة مــــا بيــــن الكعــــوب

الكريمــــة الجواهــــر المعتدلــــة القـــــوام يكـــــاد أسفلهـــــا يهتـــــز مـــــن أعلاهـــــا لاستـــــواء رؤوسهـــــا بأصولهـــــا

المستحكمــة يبســاً القائمــة علــى سوقهــا قــد تشربـــت المـــاء فـــي لحائهـــا وانتهـــت فـــي النضـــج منتهاهـــا

===

لـــم تعجـــل عـــن تمـــام مصلحتهـــا وإبـــان ينعهـــا ولـــم تؤخـــر إلـــى الأوقـــات المخوفـــة عاهاتهـــا مـــن خصـــر

الشتــاء وعفــن الأنــداء. فــإذا استجمعــت عنــدك أمــرت بقطعهــا ذراعــاً ذراعــاً قطعـــاً دقيقـــاً تتحـــرز

معــه مــن أن تتشعــث رؤوسهــا وتنشــق أطرافهــا. ثـــم عبـــأت منهـــا حزمـــاً فيمـــا يصونهـــا مـــن الأوعيـــة

وعليتهــا الخيـــوط الوثيقـــة ووجهتهـــا مـــع مـــن يحتـــاط فـــي حراستهـــا وحفظهـــا وإيصالهـــا إذ كـــان مثلهـــا

يتوانــى فيـــه لقلـــة خطرهـــا. واكتـــب معـــه بعدتهـــا وأصنافهـــا وأجناسهـــا وصفاتهـــا علـــى الاستقصـــاء

من غير تأخير ولا توان ولا إبطاء إن شاء الله.

فأجابه إسحاق - ووجه إليه بالأنابيب - وليس بالجواب مما سمعته إنما وجدته في كتاب:

أتانـــي كتـــاب الأميـــر بمـــا أمــــر بــــه ولخصــــه مــــن البعثــــة إليــــه بمــــا شاكــــل نعتــــه وضاهــــى صفتــــه مــــن

أجنــاس الأقلـــام. فتيممـــت بغيتـــه قاصـــداً لهـــا واستنهجـــت معالـــم سؤالـــه آخـــذاً بهـــا فأنفـــذت منهـــا

حزمــــاً نشــــأت بليــــف السقيــــا وحســــن التعهــــد والبقيـــــا. لـــــم تعجـــــل بأخداجهـــــا ولا بـــــودرت قبـــــل

إنضاحهــا. فهـــي مستويـــة الأنابيـــب معتدلتهـــا متفقـــة الكعـــوب مقومتهـــا. لا يـــرى فيهـــا أمـــت زور ولا

وسم صعر. وقد رجوت أن يجدها الأمير عند إرادته وحسب بغيته. إن شاء الله.

حدثنا أحمد بن إسماعيل قال: أهدى مهد أقلاماً وكتب:

أنـــه لمـــا كانـــت الكتابـــة قـــوام الخلافـــة وزينـــة الرياســـة وعمـــود المملكـــة وأعظــــم الأمــــور الجليلــــة غايــــةً

===

أحببـــت أن أتحفـــك مـــن آلتهـــا بمـــا يخفـــف عليـــك محملـــه وتقـــل مـــع ذلـــك قيمتـــه ويكثـــر نفعــــه ويصغــــر

خطـــره. فبعثـــت إليـــك أقلامـــاً مـــن القصـــب النابـــت فـــي الأعـــذاء المغــــذوة بمــــاء السمــــاء. كاللآلــــي

المكنونـــة فـــي الصـــدف والأحجـــار المحجوبـــة بالســـدف. تنبـــو عـــن تأثيـــر الأسنـــان ولا يثنيهــــا غمــــز

البنــــان. قــــد كستهــــا طبائعهــــا جوهــــراً كالوشــــي الخطيــــر وفرنــــد الديبــــاج المنيــــر. فهــــي كمــــا قـــــال

الكميت:

وبيــض رقــاق صفــاح المتـــون   تسمـــع للبيـــض فيهـــا صريــــرا

مهنـــــدة مـــــن عتـــــاد الملـــــوك   يكـاد سناهـن يغشـي البصيـرا

وكقـداح النبـل فــي ثقــل أوزانهــا وقضــب الخيــرزان فــي اعتدالهــا ووشيــج الخطــي فــي أطرادهــا كأنمــا

خرطــت فـــي شهـــر لاستدارتهـــا. تمـــر فـــي القرطـــاس كالبـــرق اللامـــح وتجـــري فـــي الصحـــف كالمـــاء

السائح. أحسن من العقبان في رقاب القيان.

وقيـــل: المختـــار مـــن بـــري القلـــم أن تطيـــل السنيـــن وتسمنهمــــا وتحــــرف القطــــة وتيمنهــــا وتفــــرق بيــــن

السطور وتجمع بين الحروف منها. ولا تقط مبلولاً حتى يجف لئلا يتشظى.

حدثنا الحسين بن يحيى قال: انكسر قلم لبعض الكتاب فرثاه بأبيات فقال:

ما عيب طولاً ولم يعب قصـراً   عــري مـــن دقـــة ومـــن عظـــم

===

لا حصـر القـول عنــد خطبتــه   وليـــــس فــــــي قولــــــه بمتهــــــم

وجــاء يومــاً عبــد اللــه بــن المعتــز فــي المسجــد الجامــع إلــى أبــي العبــاس أحمــد بــن يحيــى ليسلــم عليـــه

فقام له وأجلسه مكانه فداس ابن المعتز قلماً فكسره فلما جلس قال لمن حوله:

لكفـي وتـر عنـد رجلـي لأنهـا   أثارت قتيلاً مـا لأعظمـه جبـر

فعجب الناس من سرعة بديهته!.

أهــدى رجــل إلــى إبراهيــم بــن المدبــر قلمــاً وكتـــب إليـــه: قـــد وجهـــت إليـــك - أعـــزك اللـــه - بمفاتـــح

العلوم باد جمالها تام كمالها فهي كما قال الشاعر:

ليــــس فيهــــا مـــــا يقـــــال لـــــه   كملـــــــت لـــــــو أن ذا كمــــــــلا

كـــــل جـــــزء مـــــن محاسنهـــــا   كائـــــن مــــــن حســــــن مثــــــلا

حدثنــا أبــو العبــاس الربعـــي قـــال: حدثنـــا الطلحـــي قـــال: حدثنـــا أبـــو العبـــاس الربعـــي قـــال: حدثنـــا

الطلحـــي قـــال: حدثنـــي أحمـــد بـــن إبراهيـــم قـــال دخـــل إلـــى الرشيــــد أعرابــــي فأنشــــده ارجــــوزة -

واسماعيـــل بـــن صبيـــح يكتـــب بيـــن يديـــه كتابـــاً وكـــان أحســـن النـــاس خطـــاً وأسرعهـــم يـــداً - فقــــال

الرشيـد للأعرابـي: " صـف هـذا " فقـال: " مـا رأيـت أطيـش مـن قلمـه. ولا أثبـت مــن حلمــه ". ثــم

===

له قلما بؤسى ونعمـى كلاهمـا   سحابتــه فــي الحالتيــن ذرور

يناجيك عما في ضميرك لحظه   ويفتح باب النجح وهو عسيـر

فقــال الرشيــد " قــد وجــب لــك يــا أعرابــي عليــه حــق هــو يقضيــك إيــاه وحــق علينـــا فيـــه نحـــن بـــه.

ادفعوا إليه دية الحر " فقال له: " على عبدك دية العبد ".

ومــن مليــح مــا فــي القلــم مــا أنشدنــاه محمــد بــن زيــاد الزيـــادي لعمـــر بـــن إبراهيـــم بـــن حبيـــب العـــدوي

يرثي قلماً له سرق:

يا عين جـودي بواكـف سجـم   جــــودي بدمــــع مشبــــع بــــدم

لا تطعمني عقـدة وكيـف وقـد   أسيــت حـــرى لفجعـــة القلـــم

جودي على الناطق البليغ إذا اس   تنطــق مــن غيــر منطــق وفـــم

لا حصـر القـول عنــد خطبتــه   وليــــس فــــي حكمــــه بمتهـــــم

حلت عرى الحـزم منـه جانحـة   ضمت بهـا عربهـا إلـى العجـم

أصفــر فــي حمــرة كــأن علـــى   جلدتـــــــه بــــــــردة كلــــــــون دم

إذ أنهـــا والقرطـــاس لــــاح لــــه   مــــج عليــــه حنــــادس الظلــــم

===

كان إذا ما تضايقـت سبـل ال   لفـــظ كفانـــي مخـــارج الكلــــم

حسبـك منــه لســان مطلــع آل   ناظـــر فــــي ظاهــــر ومكتتــــم

ينبيـــك إن لجلــــج الغبــــي بمــــا   أضمــر مــن خبــر عالـــم فهـــم

فاذهب حميداُ كما قد فقدت وما   فقــدت منـــا مناعـــت الكـــرم

حدثني يعقوب بن بيان الكاتب قال: قال بعض الكتاب: " القلم الرديء كالولد العاق ".

وقالــوا: " القلــم أحــد اللسانيــن والعلــم أحــد الأبويــن والتثبــت أحــد العفويــن والمطــل أحــد المنعيــن وقلــة

العيـــال أحـــد اليساريـــن والقناعـــة أحـــد الرزقيـــن والوعيـــد أحـــد الضربيـــن والإصلـــاح أحـــد الكسبيـــن

والرواية أحد الهاجيين والهجر أحد الفراقين واليأس أحد النجحين والمزاح أحد السبابين ".

وقال: " القلم لسان اليد ".

وفاخــر صاحــب سيــف صاحــب قلــم فقــال صاحــب القلــم: " أنــا أقتــل بــلا غــرر وأنــت تقتــل علـــى

خطــر ". فقــال صاحــب السيــف: " القلــم خــادم السيــف فــإن بلــغ مــراده وإلا فإلــى السيــف معــاده.

أما سمعت قول أبي تمام:

السيف أصدق أنباء من الكتب   في حده الحد بين الجد واللعب

وقال آخر: " مساق أمر الدنيا بسين وقاف فيقال سق " يريد السيف والقلم.

===

حدثنـي وكيـع قـال: حدثنــي جعفــر بــن كــوال قــال: سمعــت بشــر بــن الحــارث يقــول: " لســان الإنســان

قلـم ملكـه الموكـل بـه ومـداده وقرطاسـه جلـده يملــي عليــه كتابــاً إلــى ربــه. فلينظــر الإنســان قبــل فــوت

النظر ماذا يملي ".

ذكر ما قيل في القلم من الشعر:

قال أبو تمام:

لك القلم الأعلى الـذي بشباتـه   تصاب من الأمر الكلى والمفاصل

لعـاب الأفاعـي القاتلـات لعابـه   وأري الجنى اشتارته أيد عواسل

لــه ريقــه طــل ولكـــن وقعهـــا   بآثاره في الشرق والغرب وابـل

فصيح إذا استنطقته وهو راكب   وأعجم إن خاطبته وهو راجل

إذا ما امتطى الخمس اللطاف وأفرغت   عليه شعاب الفكر وهي حوافل

إذا استغزر الذهن الذكي وأقبلت   أعاليه في القرطاس وهي سوافل

وقد رفدته الخنصران وسددت   ثلــــــــاث نواحيــــــــه الأنامـــــــــل

رأيت جليلاً شأنه وهو مرهف   ضنى وسميناً خطبه وهو ناحل

===

وقــال أحمــد بــن إسماعيــل: أحســن قـــدود القلـــم أن لا يجـــاوز بـــه الشبـــر بأكثـــر مـــن خلقتـــه وأن تبعـــد

منـــه الأنامـــل الثلـــاث ويؤخـــذ مـــن أوسطــــه لأنهــــا إذا أدنيــــت منهــــا لــــم تؤمــــن أن يمــــاس القرطــــاس بهــــا

فتسوده.

وقد مدح الشاعر بعض الكتاب بنحو من وصفه هذا فقال:

شريـــف الصناعـــة محمودهــــا   تساعـــــده الكـــــف والمقــــــول

يقيــــم مــــن الخـــــط أشكالـــــه   ويأخــــذ أقلامـــــه مـــــن عـــــل

وقال غيره يصفه بمقدار الشبر:

له ترجمان يطرب اللفظ أخرس   على حذو شبر أو يزيد على الشبر

له منخر في غير وجه ويهتـدى   بمر جناحين استعيرا من الفكر

إذا خر يوماً ساجداً عند وحيه   تضعضع أصحاب المثقفة السمر

يدمـر أقوامــاً وينعــش معشــراً   ويصدر آراء الملوك وما يدري

قال أبو بكر: ولي من قصيدة في بعض الرؤوساء أذكر هذا المعنى:

يتفـادى أعــداؤه مــن خطيــب   بيديـــه يـــروض عقـــلاً وفكـــرا

ناحل الجسم ليس يعرف من كا   ن نعيمــاً وليــس يعــرف ضــرا

===

قلـــم يجلـــب الســـواد ويجــــري   مـع جـري المـداد نفعــاً وضــرا

ضامر الكشح مخطف الجيد م   ذ حذف شابوره وقدر شبرا

ويــد مــا تــزال تنتشـــر وشيـــاً   فـــــي قراطيســـــه وتنثـــــر درا

وقال الفضفاضي:

في كفه أخرس ذو منطق     بقافه واللام والميم

شبـــــــر إذا قيـــــــس ولكنــــــــه   فـــــي فعلـــــه مثــــــل الأقاليــــــم

محــــــرف الـــــــرأس ومســـــــوده   كإبـــــرة الـــــروس مـــــن الريــــــم

قــال أبــو بكــر محمــد بــن يحيــى الصولــي: قلــت قــول عــدي بــن الرقــاع العاملــي فــي صفــة طــرف قـــرن

الرشا وهو ولد الظبي وتشبيهه بالقلم قال عدي:

تزجــي أغــن كــأن إبــرة روقــه   قلم أصاب من الدواة مدادهـا

ويـــروى أن جريـــراً قـــال - وكــــان حاضــــراً - لعــــدي وهــــو ينشــــد هــــذه القصيــــدة لمــــا أنشــــد صــــدر

البيـت: " تزجــي أغــن كــأن إبــرة روقــه ". رحمتــه وقلــت هلــك فلمــا قــال: " قلــم أصــاب مــن الــدواة

مدادهــا " حالــت الرحمــة حســداً. وأخــذ البيــت الثانـــي مـــن هـــذه الثلاثـــة أبيـــات ابـــن الرومـــي فقـــال

يهجو ويصف هن امرأة:

===

ولحمدان الدمشقي من أبيات:

أهدت له الحية الرقشاء جلدتها   لما استعارت لساناً منه مقدودا

وله في نحو هذا البيت:

الأيــــم نفثتــــه وشـــــق لسانـــــه   ولــــه إذا لــــم تجـــــره اطراقـــــه

فكأنـــــه النضنــــــاض إلا أنــــــه   مـن حيـث يجـري سمـه ترياقــه

وقال غيره من أبيات:

ولأقلامهــــــم زئيــــــر مهيـــــــب   يــزدري عنــده زئيــر الأســـود

أرغبتهــم عــن القنــا قصبـــات   مغنيات عـن كـل جيـش مقـود

والقراطيـــس خافقــــات بأيــــد   يهم كمرهـوب خافقـات البنـود

وكتبت إلى أبي علي محمد بن علي في أيام ابن الفرات الأولى بقصيدة منها:

مشف على الرأي نظار عواقبه   إذا تشابه وجه الرأي واجتجبا

في كفه صارم لانـت مضاربـه   يسوسنا رغباً إن شاء أو رهبا

السيف والرمح حدام لـه أبـداً   لا يبلغــان لـــه جـــداً ولا لعبـــاً

===

فما رأينا مداداً قبـل ذاك دمـاً   ولا رأينا حساماً قبل ذا قصبا

وقد شككنا فما ندري لشربته   أنظم الدر في القرطاس أن كتبا

وقال آخر في سفر طويل:

وعاشـق تحـت رواق الدجـى   أغـــــرى بـــــه الحيـــــرة فقـــــدان

أعـرب عــن مكنــون إضمــاره   أحوى لطيف الكشح خمصان

يتيـــح غـــدراً لثـــرى جادهــــا   مــــن باكـــــر الوسمـــــي هتـــــان

يحـــوك وشيـــاً نقـــش ديباجـــه   بلاغـــــــة تســـــــدى وبرهـــــــان

وفيــــــــه للناظــــــــر أعجوبــــــــة   يكســــو عــــراة وهــــو عريـــــان

كأنمــــــا الدنيـــــــا بأقطارهـــــــا   لــــه إذا مــــا أجبــــت ميعـــــان

تجــري بـــه خمـــس مطايـــا لـــه   مختلفــــــات القصـــــــد أقـــــــران

كأنهـــــا مـــــن ضـــــم تركيبهـــــا   مــن خالـــص الفضـــة قضبـــان

لــــه لســـــان مرهـــــف خـــــده   مـــن ريقـــة الكرســـف ريـــان

===

كالحلـــــــي إلا أنـــــــه أحـــــــرف   بيــض المعانــي وهــي ســـودان

كأنمــــا يسحــــب فــــي إثرهــــا   ذيـــلاً مـــن الحكمـــة سحبــــان

لولــاه مــا قـــام منـــار الهـــدى   ولا سمـــــــا بالملـــــــك ديــــــــوان

وقال أبو يزيد عتاب بن ورقاء:

لـك القلـم الــذي لــم يجــري إلا   أبــان لـــك العـــدو مـــن الولـــي

إذا استرعفتـــه ألقــــى ســــواداً   على القرطـاس أبهـر مـن حلـي

فيـــا طوبـــى لمـــن أدلـــى إليــــه   بإحســــــان وويـــــــل للمســـــــي

شباة سنانه في الحـرب أمضـى   وأنفـــذ مـــن شبـــاة السمهـــري

فقال: سلاح مثلك وهو يعـزى   سلـاح الفـارس البطـل الكمــي

وأنشدني عون:

وأسمر طاوي الكشح أخرس ناطق   لـه ذملـان فـي بطــون المهــارق

إذا استمطرته الكف جاد سحابه   بلا صوت إرعاد ولا صوت بارق

كــان اللآلــي والزبرجــد نظمــه   ونور الأقاحي في بطون الحدائق

===

وأنشدني عون للفضفاضي:

لـك القلـم الـذي لـم يجــر يومــاً   لغايــــة منطـــــق فكبـــــا لعـــــي

ومبتسـم مـن القرطــاس يأســو   ويخــرج وهـــو ذو بـــال رخـــي

فما المقدار أمضـى مـن شبـاه   ولا الصمصام سيف المذحجي

قال أبو بكر: ولي من قصيدة مدحت بها ابن الفرات في وزارته الأولى:

في يديه محكـم فـي ذوي اللـب   ومــــا فيــــه إن تبينـــــت لـــــب

شهد السيف أنه السيف حقاً   ناقص القدر زائد الحد عضب

وسيــوف العــداة انفـــذ جـــداً   حين تعدى بدرة الموت حـرب

من رأى مثل ما وصفت حساماً   نافـذ ضربـه ومـا منــه ضــرب

كــل يــوم لـــه ولـــم يلـــق كيـــداً   من دماء العصاة ولع وخضب

قال أبو بكر: ولي من قصيدة طويلة مدحت بها بعض الرؤساء:

فــي يـــدك الأعلـــى محلـــى بـــه   تواصــل الضــرب مـــع الطعـــن

إن نبــــه السيـــــف لأمـــــر لـــــه   جـــــاء إليـــــه مرعــــــد المتــــــن

===

فيضحـــك الملــــك بكــــاء لــــه   لـــم يـــك مـــن غـــم ولا حـــزن

تـــرى لديـــه فصحـــاء الـــورى   إذا امتطـى القرطــاس كاللكــن

سيــف علــى الأعـــداء لكنـــه   لــــم يغتمضـــــه ظلـــــم الجفـــــن

وأنشدني أحمد بن محمد بن إسحاق:

مـا ضـر مــن أضنــى بهجرانــه   قلـــب كئيـــب القلـــب حرانـــه

لــو فــرج الكربــة عــن مدنـــف   تشقـــــــــه لوعـــــــــة أحزانــــــــــه

برقعــــــــــة ينظمهــــــــــا كفــــــــــه   نظـــــــــم لآليـــــــــه ومرجانـــــــــه

بمرهـــف الأحشـــاء ذي حلــــة   موشيـــــة ترفـــــع مـــــن شانـــــه

لعابــــــه عيــــــش ومـــــــوت إذا   جـــــاد بـــــه تفليــــــج أسنانــــــه

إذا امتطــــــــــــاه بشبيهاتـــــــــــــه   كشــــــف أســــــراراً بإعلانــــــه

يركــض فــي ميــدان قرطاســه   ركــض جــواد وســط ميدانــه

حدثنا أحمد بن أبي الموج البازي قال: أنشدني الحسين بن عبد الله العبدي الهمداني لنفسه:

حيـن نــادى حاديهــم بانطلــاق   وجــرى بالفــراق طيــر الفـــراق

===

ناحـل جسمــه كــأن يــد البــي   ن سقتــه منــه بكــأس دهـــاق

أخـــرس فـــي لسانـــه للعطايـــا   والمنايــــا عتــــاد ريــــق مــــراق

فــــإذا مجــــه أتـــــى بلعـــــاب ال   ليـل حلـو الخطـاب مـر المــذاق

وشبيهاتـــــــه ثلـــــــاث حوتـــــــه   هـــن منــــه مفاتــــح الــــأرزاق

يمتطيهــــن ثــــم يرتجــــل القـــــول   لفصــل الخطــاب فـــي الآفـــاق

فتــراه بمصــر يحكـــم مـــا شـــا   ء وبالصين وهو خلـف العـراق

وله في صفة القلم أبيات من قصيدة في بعض الرؤساء:

له القلم الأعلى الذي سار عدله   وتدبيـره مـا بيــن بــر إلــى بحــر

يشابه حد السيف رقـة حـده   وينسب لوناً في المثقفـة السمـر

ويبلـغ مـا لـم يبلغـا فــي عــدوه   إذا رد من طي الدواة إلى النشر

تصرفـــه منــــه ثلــــاث أصابــــع   وكف براهـا اللـه للنفـع والضـر

إذا ما حوته وامتطى بطن مهرق   تسطر نوراً فوق أرض من الدر

===

المستبيـح ســن القرامــط رايــة   لمـا استباحـوا حرمــة الإسلــام

أجرى المـداد بكيدهـم فكأنمـا   أجــرى دمائهـــم علـــى الأقلـــام

حدثنــي محمــد بــن أحمــد الأنصــاري قــال: دخــل عيســـى بـــن فرخانشـــاه علـــى جاريـــة وهـــي تكتـــب

خطاً حسناً فقال:

سريعة جري الخط تنظم لؤلـؤاً   وينثـــر دراً لفظهـــا المترشـــف

وزادت لدنيا حظوة ثم أقبلت   وفي إصبعيها أسمر اللون مرهف

أصــم سميــع ساكـــن متحـــرك   ينال جسيمات المدى وهو أعجف

وقال بعض الوراقين يصف قلمه ويمدحه ويذكر استغناءه:

يـا مجيـري مـن سطــوة الأمــراء   وعميـــدي فـــي نوبـــة اللــــأواء

والذي صان حر ديباجة الـوج   ه عـــن الأسخيـــاء والبخــــلاء

والذي لا أزال أنعت في الشعر وأطريه غاية الإطراء

وسفيــري بمــا أريــد مــن الــأم   ر إلـــى إخوتـــي مـــن الأدبـــاء

والذي لا يزال يخبر في المهرق عن سالف الأنباء

===

قلــــم مــــا أراه أو فلــــك يـــــج   ري بمــا شــاء قاســم ويــدور

راكـــع ساجـــد يقلـــب قرطـــا   ساً كما قلب البساط شكور

وفيه يقول:

عليــم بأعقـــاب الأمـــور كأنـــه   لمختلفات الظـن يسمـع أو بـرى

إذا أخذ القرطاس خلت يمينـه   يفتــح نــوراً أو ينظـــم جوهـــرا

وقال ابن الرومي فأحسن:

لعمرك ما السيف سيف الكمي   بأخـــوف مـــن قلــــم الكاتــــب

لــــــــه شاهــــــــد إن تأملتـــــــــه   ظهـــرت علـــى ســـره الغائـــب

أراه المنيـــــــة مــــــــن جانــــــــي   ه فمــن مثلــه رهبـــة الراهـــب

ألـم تـر فـي صــدره كالسنــان   وفي الردف كالمرهف القاضب

وقال أبو أسامة الكاتب كاتب عياض:

وأعجـف مشتـق الشبـاة مقلــم   موشي القرى طاوي الحشا أسود الفم

تبيــن خفــي الســر آثـــاره لنـــا   ويعرب عن غير الضمير المكتم

===

وقال صالح بن عبد الملك بن صالح يخاطب كاتب أبيه:

أجريت فوق صدور كتبك دامغاً   يبكيه ضحك الفكر والأوهـام

ميتــاً تشافهــه القلــوب بعلمهـــا   يبــدي ضمائرهـــا بغيـــر كلـــام

مستعجماً فإذا اللواحظ ترجمت   عنــه أتــى بفصاحــة الأعجــام

تجــري سناكــب بغيــر حوافـــر   فيديرنـــــا ورداً بغيــــــر لجــــــام

قــال: ودخــل محمــد بــن ذؤيـــب العمانـــي الراجـــز علـــى الرشيـــد فأنشـــده أرجـــوزة يصـــف فيهـــا فرســـاً

شبه أذنيه فيها بقلم محرف:

كــــــــأن أذنيــــــــه إذا تشوفــــــــا   قادمــــــــة أو قلمــــــــاً محرفــــــــا

فقال له الرشيد: دع كأن وقل: " تخال أذنيه إذا تشوفا " حتى يستوي الإعراب.

ما قيل في القلم وبريه:

حدثنــا أحمــد بــن إسماعيــل بــن الخصيــب قــال: مــن كلــام مسلــم بــن الوليــد الأنصــاري فــي صفــة بــري

القلــم قولــه: " حــرف قطــة قلمــك قليــلاً ليتعلــق المــداد بــه وأرهــف جانبيــه ليــرد مـــا استودعتـــه إلـــى

مقصــده وشــق فــي رأســه شقــاً غيــر عـــاد ليحتبـــس الاستمـــداد عليـــه ورفـــع مـــن شعبتيـــه ليجمعـــا

===

حواشـي تصويـره. فــإذا فعلــت ذلــك استمــد القلــم برشفــه بمقــدار مــا احتملــت ظبتــه فحينئــذ يظهــر

بـــــه مـــــا ســـــداه العقـــــل وألحمـــــه اللســـــان وبلتـــــه اللهـــــوات ولفظتـــــه الشفـــــاه ووعتـــــه الأسمـــــاع وقبلتــــــه

القلوب ".

ويقــال: بريــت القلــم أبريــه بريــاً فأنــا بــار لــه والقلــم مبــري. وكذلــك بريــت القــدح والمغـــزل وهـــو أخـــذك

منهما حتى يتقوما على إرادتك قليلاً قليلاً لأنك إن لم تفعل ذلك برفق قطعته.

وقال عبد الله بن مصعب:

قد طالما قد بروا بالجود أعظمنا   بري الصناع قداح النبع بالسفن

وقلمــا يلبــث شــيء علــى البــري إذا لــم يــك صلبــاً قويــاً فــي جنســه فلذلــك يستجــاد للقلـــم القصـــب.

ألا ترى إلى قول كثير:

ولن يلبث الواشون أن يصدعوا العصا   إذا لم يكن صلباً على البري عودها

ويقال لجميع ما يسقط من قلم وسهم ومغزل إذ بري البراية.

وقال أوس بن حجر يصف صانعاً لقوس يبريها بمبراته:

على فخذيه مـن برايـة عودهـا   شبيه سفى البهمى إذا ما يفتلا

ويقال لما بين العقدتين من القصب أنبوب والجمع أنابيب.

===

وكــان بعــض الكتــاب يجيــد الخــط ولا يجيــد بــرى القلــم فيبــرى لــه. وبعضهــم يــرى أن فــي ذلــك مهنـــة

يترفع عنها. وقال بعض الكتاب:

لـــم ترنـــي قـــط باريــــاً قلمــــاً   فــي بريـــه كـــل مهنـــة وضعـــه

ما كل من يحمل الحسـام لكـي   يــــردي بــــه سنــــه ولا طبعــــه

وقد عيب بعض الكتاب بأنه لا يجيد بري القلم فقيل فيه:

دخيل فـي الكتابـة ليـس منهـا   فمــا يــدري دبيــراً مـــن قبيـــل

إذا مـــــا رام للأنبـــــوب بريــــــاً   تنكـب عاجـزاً قصـد السبيــل

فكائـن ثـم مــن قطــع رحيــب   لأصبعــــه ومـــــن قلـــــم قتيـــــل

وكــأن اشتقــاق القلــم مـــن التقليـــم وهـــو القطـــع ومنـــه تقليـــم حافـــر الدابـــة ومنـــه قلمـــت ظفـــري. وكـــل

شــيء تبــري بــه شيئــاً وتقطعــه فهــو مبــراة والجمــع مبــار والمبــراة السكيـــن الـــذي يبـــرى بـــه القـــوس ثـــم

جعلوا ما يقطع مبراة. وقال امرؤ القيس يصف قرن ثور:

فكـــــــــــر إليــــــــــــه بمبراتــــــــــــه   كمــا خــل ظهــر اللســان المجــر

المجـــر الفاعـــل وأصـــل الإجـــرار أن يشــــق طــــرف الســــان لســــان الفصيــــل حتــــى لا يرضــــع أمــــه وخلــــه

جعـل فيـه خلـالاً. وذكـر امـرؤ القيــس أن الثــور طعــن كلــب الصيــد ففعــل بــه هكــذا. وكــان الوجــه أن

===

والبرايــة مــا سقــط مــن القلــم إذا بريتــه والليطــة مــا كــان مـــن قشـــر الأنبـــوب والجمـــع أليـــاط مثـــل عنـــب

وأعنـــاب وليـــط وأليـــاط مثـــل جمــــل وأجمــــال. والشظيــــة مــــا تشظــــى مــــن الأنبــــوب والجمــــع شظايــــا

وشظــي القلــم يشظــى شظــاً إذا صــارت مــع أحــد سنيــه شظيــة عنــه. وأصـــل التشظـــي فـــي اللغـــة

" التفـرق والتشقـق " وشظـي الفـرس تفـرق عصبـه وتشقـق. وقالــوا: شظيــة وشظايــا مثــل بليــة وبلايــا

وشظــاة مثــل نــواة ونــوى لا يكتــب إلا بالألــف لأنــه يقــال ثلــاث شظايــا وشظــوات. وحفــى القلــم يحفـــى

وحفاء وحفاية وكذلك في غيره.

ومن وصف الكتاب:

حدثني القاسم بن إسماعيل قال: رأى ابن شبل البرجمي إبراهيم بن العباس وهو يكتب فقال:

ينظــم اللؤلـــؤ المنثـــور منطقـــه   وينظم الدر بالأقلام في الكتب

حدثنــا الحســن بــن علــي الكاتــب قــال: حدثنــي سليمــان بــن وهــب قــال: رآنــي أبــو تمــام وأنــا أكتـــب

كتاباً فقال: " يا أبا أيوب كلامك ذوب شعري ". وأنشدني محمد بن الفضل بن الأسود:

إذا شئت يوماً أن ترى بهم الوغى   بلا هز طـي ولا سـل قاضـب

فحرك عنان الطرف نحو معاشر   وجوههم في الملتقى كالكواكب

===

إذا أرعفوها زينت برعافها     قراطيس تحكى واضحات الترائب

وشبيه بالبيت الثالث قول القصافي يصف جارية كاتبة:

أفدي البنان وحسن الخط من علم   إذا تقمــــص بالحنــــاء فالكتــــم

كأنما قابل القرطاس مـن يدهـا   شبهــا ثلاثــة أقلــام علــى قلـــم

حدثنــا الحسيــن بــن علــي البامطانـــي لسليمـــان بـــن وهـــب قـــال وكـــان قلمـــه يصـــر مـــن شـــدة اعتمـــاده

عليه:

إذا ما حددنا وانتضينا قواطعا   أصم الذكي السمع منها صريرها

تظل المنايا والعطايـا شوارعـاً   تدور بما شئنا وتمضي أمورها

يساقط في القرطاس مها بدائعاً   كمثــل الآلــي نظمهـــا ونثيرهـــا

يقـــود أبيــــات البنــــان بفطنــــة   تكشف عن وجه البلاغة نورها

إذا ما الخطوب الدهم أرخت ستورها   تجلت بنا عمـا تسـر ستورهـا

وأنشدنا يعقوب بن بيان:

لـك حـزم يلقـى الخطـوب بعـزم   مستفــــل بكــــل أمـــــر جليـــــل

ولسـان فـي الحفــل غيــر كليــل   بالــــغ فــــي جوامــــع وفضـــــول

===

الجزء الثاني:

ما قيل في الدواة:

أنشدنا أحمد بن محمد بن إسحاق قال: أنشدني أبو هفان:

آلــة المجلــس الظريـــف إذا مـــا   كنـــت فيــــه الــــدواة والأقلــــام

يتهـــــادى فيـــــه البلاغــــــة والآ   داب منثورهــا معـــاً والنظـــام

قـــال أبـــو بكـــر: أمـــا المشهـــور ممـــا قيـــل فيهـــا فشعـــر بعـــض الكتـــاب وقـــد أهـــدى دواة محلــــاة بذهــــب

وهي من الأبنوس:

قــــد بعثنــــا إليــــك أم المنايـــــا   والعطايــــا نجيـــــة الأحســـــاب

تتزيا بصفرة وكذا الزنج تزيا عجباً بصفر الثياب

ريقهــا ريــق نحلــة مــع صــاب   حين يجري لعابهـا فـي الكتـاب

في حشاها لغير حـرب حـراب   هن أمضى من مرهفات الحراب

وقال غيره:

ومـــا أم أولــــاد ولمــــا تلدهــــم   عقام إذا ما استنجدت لم تكلم

===

إذا استعجلوا في حالة أرقلت بهم   أثافـي مـن لحـم كريــم ومــن دم

وشكا بعض الكتاب أن دواته بلا مداد فقال لبعض أخوانه يطلب منه مدداً:

أنـــا أشكـــو إليـــك أن دواتـــي   وهي عوني في حاجتي وعتادي

عطلت من مدادها واستعاضت   يقـق اللـون مـن حلــوك الســواد

لم تزل من بنات حام فصـارت   مـــن بنـــي يافـــث بغيـــر ولـــاد

أنـت للحادثــات عــدة صــدق   خلـــــــق أن تمدهــــــــا بمــــــــداد

وأنشدنا علي بن الصباح:

دواة حديـد زيــن اللــه خلقهــا   بكف فتى حلو الكتابة حاذق

تديـر العطايــا والمنايــا حرابهــا   إذا طعنت في شاكلات المهارق

ولأحمد بن إسماعيل في وصف الدواة إلا أن وصف القلم يتقدمها في أبياته:

فـي كفـة مثـل سنـان الصعــده   أرقـــش بـــز الأفعـــوان جلــــده

يلتهـــم الجيـــش اللهـــام وحـــده   كأنــــــــــه متشــــــــــح ببـــــــــــرده

لو صـادم الطـرد المنيـف هـده   أو صافح السيف الحسام قده

===

كأنــــــه الليـــــــل إذا استمـــــــده   مقلتهـــــــا مكحولــــــــة بنــــــــده

قوله: " كأنه الليل إذا استمده " ن يشبه قول ابن الرومي يصف حبر أبي حفص الوراق:

كأنـــــه ألـــــوان دهــــــم الخيــــــل   حبـر أبـي حفـص لعــاب الليــل

يسيـــــل للإخـــــوان أي سيـــــل   بغيـــــر ميـــــزان وغيـــــر كيــــــل

وعلى ذكر الخبر فإنا نذكر قول بعض الوراقين:

ولجـــــة بحـــــر أجـــــم العبـــــاب   بــــــــــادي تيــــــــــاره يزخـــــــــــر

تثــور إذا جــاش مـــن قعرهـــا   بذورتهــــــــا حمــــــــم تفطـــــــــر

فأكـــــــرم ببحـــــــر لـــــــه لجـــــــة   جواهرهـــــــا حكــــــــم تنثــــــــر

وقال بعضهم: إنما سمي الحبر حبراً لأنه تحبر به الأخبار. أنشدني الحمدوني لنفسه:

ثنتان من أدوات العلم قد ثنتـا   عنان شأوي عما رمت من وهممي

أما الدواة فأودى حملها جسدي   وقلـم المــال منــي حرفــة القلــم

وحبرت في صحف الحرف محبرة   تذود عني سـوام المـال والنعـم

ونحـــوه وليـــس هـــو ممـــا قصدنـــاه فـــي كتـــاب الكتـــاب ولكنـــه اعتـــرض فجئـــت بمـــا أحفـــظ فيــــه لغيــــر

===

وقد زاد بي الإخفاق في كل موطن   لحملي فـي كمـي إليـه الدفاتـرا

وسطـر فـي أثنـاء قلبـي تعلــلا   طلابي لما أن عرفت المساطـر

وفي مثله:

لما أخذت حروف الخط حرفني   عن كل حظ وجاءت حرفة الأدب

أقوت منازل مالي حين أوطنها   منحيا سفط الآداب والكتـب

وقال آخر:

أدمى البكا جفني والمآقي     وظلت ذا هم وذا احترق

ما أن أرى في الأرض والآفاق   أدنـى ولا أشقــى مــن الــوراق

إذا أتـى فـي القمــص الأخلــاق   رايتـــــــه مطنــــــــزة العشــــــــاق

يفــــــرح بالأقلــــــام والـــــــأوراق   كفرحــــة الجنــــدي بالــــأرزاق

قـــال أبـــو بكـــر: حدثنـــي أحمـــد بـــن محمـــد الأنصــــاري قــــال: قيــــل لــــوراق: مــــا تشتهــــي قــــال: قلمــــاً

مشاقاً وحبراً براقاً وجلوداً رقاقاً.

وقال بعض المحدثين في محبرة:

ولقد غدوت إلى المحـدث آنفـاً   فــــإذا بحضرتــــه ظبــــاء رتــــع

===

يتجاذبــون الحبــر مــن ملمومـــة   بيضــاء تحملهـــا علائـــق أربـــع

مـن خالـص البلـور غيــر لونهــا   فكأنهــــا سبــــج يلــــوح ويلمــــع

إن نكسوهـا لـم تمــل ومليكهــا   فيمــا حوتــه عاجــلاً لا يطمــع

ومتى أمالوها ارشف رضابها   أداه فوهـــــا وهـــــي لا تتمنـــــع

فكأنهــا قلـــب رصيـــن ســـره   أبـداً ويكتــم كــل مــا يستــودع

يمتاحهـا ماضـي الشبـاة مذلـق   يجري بميـدان الطـروس فيسـرع

رجلـــاه رأس عندهـــا لكنــــه   تلقـــاه برجفـــاة ساعــــة يطلــــع

فكأنـه والحبـر خضـب رأســه   شيــخ لوصــل خريــدة يتصنـــع

لم لا ألاحظه بعين جلالة     وبه إلى الله الصحائف ترفع

وقـد قـال بعـض الكتـاب: حكــم الــدواة أن تكــون متوسطــة فــي قدرهــا نصفــا فــي قدهــا لا باللطيفــة

جــــداً فتقصــــر أقلامهــــا ولا بالكبيــــرة فيثقــــل حملهــــا. لــــأن الكاتــــب - ولــــو كــــان وزيـــــراً مائـــــة غلـــــام

مرسومـون بحمـل دواتــه - مضطــر فــي بعــض الأوقــات إلــى حملهــا ووضعهــا ورفعهــا بيــن يــدي رئيســه

حيـــث لا يحســـن أن يتولـــى ذلـــك منهـــا غيـــره ولا يتحملهـــا عنـــه ســـواه. وأن يكـــون عليهـــا مـــن الحليـــة

أخــف مــا يتهيــأ أن يتحلـــى الـــدوي بـــه مـــن وثاقـــة ولطـــف صنعـــة ليأمـــن أن تنكســـر أو تنفصـــم منهـــا

===

عـــروة فـــي مجلـــس رياســــة أو مقــــام محنــــة. وأن تكــــون الحليــــة ساذجــــة لا حفــــر ولا ثبــــات فتحمــــل

القــــذى والدنــــس ولا نقــــش عليهــــا ولا صــــورة لــــأن ذلــــك مــــن زي أهــــل التوضــــع لا سيمــــا فــــي آلــــة

يستعــان بهــا مثــل هـــذه الصناعـــة الجليلـــة المستوليـــة علـــى تدبيـــر المملكـــة وإن أحرقـــت الفضـــة حتـــى

يكــون سوادهــا أكثـــر مـــن بياضهـــا فـــإن ذلـــك أحســـن وأبلـــغ فـــي الســـرو وأشبـــه بقـــدر مـــن لا يتكثـــر

بالذهب والفضة.

وقـد حكـى عـن المأمـون أنـه رأى علـى أسنــان دابــة لــه فضــة فنهــى عــن استعمالهــا وقــال: إنمــا يتكثــر

بالذهب والفضة من قلا عنده.

وكذلــك قــال المنصــور للمهــدي وقــد رأى تحتــه سرجــاً لجامـــه مفضـــض: أتـــرى النـــاس لا يعلمـــون أنـــك

من وراء كل شيء تريده فأنزل هذا اللجام.

حدثنــا أحمــد بــن يزيــد المهبلــي قــال حدثنــي أبــو هفــان قــال سألــت وراقــاً عــن حالــه فقــال " عيشــي

أضيــــق مــــن محبــــرة وجسمــــي أدق مــــن مسطــــرة وجاهــــي أرق مــــن الزجــــاج ووجهــــي عنـــــد النـــــاس

ســـواداً مـــن الحبـــر وحظـــى أحقـــر مـــن شـــق القلــــم وبدنــــي أضعــــف مــــن قصبــــة وطعامــــي أمــــر مــــن

العفص وسوء الحال ألزم لي من الصبغ ". فقلت له: عبرت عن بلاء ببلاء.

وقال آخر:

===

روض الندى ينبت زهر اللهى   وهـــذه تنـــب زهــــر القلــــوب

وسئل وراق عن حاله فقال:

إذا كنــــت بالليـــــل لا أكتـــــب   وطــــول النهـــــار أنـــــا ألعـــــب

فطـــــــوراً يبطلنــــــــي مأكــــــــل   وطــــــوراً يبطلنــــــي مشــــــرب

فــإن دام هــذا علــى مــا أرى   فبيتــــــــي أول مــــــــا يخــــــــرب

ولا يستحســن أن يكثــر عــدد الأقلــام فــي الــدواة فأحســن ذلــك أن تكــون أربعــة إلـــى مـــا دون ذلـــك.

وقد قيل فيه:

لا أحـب الـدواة تحشـى يراعــا   تلك عندي مـن الـدوي معيبـة

قلــــم واحــــد وجــــودة خـــــط   فــإذا شئـــت فاستـــزد أنبوبـــه

هـــذه قعـــدة الشجـــاع عليهـــا   سيـــره دائبــــاً وتلــــك جنيبــــه

ويقال: دواة ودويات لأدنى العدد وفي الكثير دوي. وقال أحمد بن ثور يصف ناقته:

كـــــــــأن توشـــــــــي أقرانهــــــــــا   إذا مــا نشحــن مخــط الـــدوي

نشحـــن: عرقـــن. وجمـــع الـــدوى دوي. وأراد بمخــــط الــــدوي مخــــط أقلــــام الــــدوى فاستجــــار ذلــــك

لأن المعنى لا يشتبه كقوله عز وجل: " واسأل القرية " يريد أهل القرية.

===

لمن الدار كخط بالدوى     أقفر المعروف منها وانمحى

ويقــال: حليــت الــدواة أحليهــا تحليــة وحليــة حسنــة وجمـــع الحلـــى الحلـــي مثـــل ثـــدى وثـــدي. وقالـــوا:

حليـــت الرجـــل إذا أخـــذت علامـــات مـــن جســـده أحليـــه تحليـــة وهــــذه حليــــة الرجــــل وجمعهــــا حلــــى

وحلـى بضـم الحـاء وكسرهـا قـد قـرئ " مـن حليهـم عجـلاً " و " مـن حليهــم ". ودواة ودوى مثــل نــواة

ونـــــوى ودواة ودوى مثـــــل فتـــــاة وفتـــــى ودواة ودويـــــات مثـــــل حصـــــاة وحصيـــــات ويقـــــال دواة ودوايــــــا

وهي رديئة قال الشاعر:

إذا نحن وجهنا إليكم صحيفة   ألقنا الدوايا بالدموع السواجـم

إلاقة الدواة:

يقــــال ألقــــت الــــدواة أليقهــــا إلاقــــة إذا أدرت كرسفهــــا حتــــى تســـــود وألاقـــــوا بينهـــــم كلامـــــاً أي أداروه

بشرعـــة ومنـــه القـــراءة: " إذ تلقونـــه بألسنتكـــم " أي تديرونـــه بسرعـــة وقـــال بعــــض المفسريــــن: تلقونــــه

تسرعون منه إلى ما لا تعلمون. وقال ابن الرقيات:

جاءت به عيسى من الشام تلق

أي تســرع وقراهــا يحيــى بــن يعمــر. وحقيقــة ألــاق الــدواة فــي اللغـــة إنمـــا هـــو أدار المـــداد فيهـــا حتـــى

===

قــال أبــو بكــر: حدثنــا محمــد بــن القاســم قــال: حدثنـــا الأصمعـــي قـــال: قدمـــت علـــى الرشيـــد فـــي

بعـض قدماتـي فقلـت: " مـا ألاقتنـي الـأرض حتــى رأيــت أميــر المؤمنيــن " فلمــا خــرج قــال: مــا معنــى

ألاقتني قلت: ما ألصقتني بها ولا قبلتني.

والصواب المختار أن يقول ألقت الدواة فأنا مليق لها وهي ملاقة.

وحكــي عــن ابــن دريــد: ألقــت الــدواة ولقــت مــن لــاق يليــق فهــو لائــق وذاك مليقــة مــن هــذا والمصـــدر

لــاق ليقــا وليوقــا. ومــا لاقــت المــرأة عنــد زوجهــا أي مــا لصقــت بقلبــه. ولاقــت الــدواة صــارت هـــي

نفسهــا مليقــة. وفلــان مــا يليــق شيئـــاً أي مـــا يثبـــت فـــي يـــده شـــيء. وأنشدنـــا محمـــد بـــن الفـــرج أبـــو

جعفر المعري قال: أنشدنا محمد بن أحمد الطوال عن أبي الحسن الكسائي في لاق الدواة ليقاً:

لو يكتب الكتاب عرفك فرغوا   ليـق الــدوى وانفــذوا الأقرامــا

الكرسف وما قيل فيه:

قــال أبــو بكــر: الكرســف القطــن خاصــة دون غيــره ثــم صــاروا يسمــون كــل شـــيء وقـــع موقعـــه فـــي

الدواة من صوف وخرقة كرسفاً قال طرفة:

وجـاءت بصـراد كـأن صقيعــه   خلال البيوت والمنازل كرسف

===

سحاب حكى القرطاس لون صبيره   وعاد به جـو العواصـف أكلفـا

إذا كتبت فيه يد البرق أسطراً   يلبس وجه الأرض بالثلج كرسفا

ما قيل في المداد:

قــال بعــض الكتــاب: ليكــن الكرســف فــي نهايــة مــا يكــون مــن الســواد ولتكــن الليقـــة التـــي نهايـــة الليـــن

والنعمــــة والأجــــود أن تكــــون مستديــــرة فــــإن كــــان كذلــــك أجــــزأ الكاتــــب أن يسمهــــا روق القلـــــم ولا

يلحقـه كلفـة ولا إبطـاء فـي الاستمـداد. وإن حفـر الموضـع الواقـع علـى الليقـة مـن الغطــاء وغشــي بــأرق

مــا يكــون مــن الفضــة حتــى إذا أطبقــت الــدواة تجافــى ذلــك الموضـــع عـــن الليقـــة فلـــم ينلـــه شـــيء مـــن

سوادهـــا كـــان ادعـــى إلـــى النظافـــة والسلامـــة وأكثـــر الـــدري لا تسلـــم منهـــا مــــا لــــم تكــــن علــــى مــــا

وصفنا.

ويعنـــى بتعهـــد الليقـــة والكرســـف بالملـــح والكافـــور وإن غيـــرت فــــي كــــل يوميــــن أو ثلاثــــة كــــان آمــــن

لتغيرهــا وربمــا أغفــل ذلــك فاستكرهــت الرائحــة وظهـــر مـــن نتنهـــا مـــا يخجـــل لـــه. وتهيـــا ذلـــك علـــى

بعــض الكتــاب حتــى ظــن رئيســه أنــه أبخــر فشكــا ذلــك إلــى نديــم لــه فقــال النديــم: مــا عرفــت ذلـــك

منـه ولكــن لعلــة أغفــل ذلــك مــن أمــر دواتــه وتفقدهــا. فقــال الرئيــس: عــذره فــي بخــره أبســط عنــدي

===

منـه فـي نتـن دواتـه لأنـه فـي ذلـك مضطــر وهــو فــي هــذا مختــار. ثــم نبهــه نديمــه علــى ذلــك فلــم يجــر

عليه بعد. وقال بعض الشعراء في هذا المعنى يهجو كاتباً:

دخيل فـي الكتابـة ليـس منهـا   لـــــه فكـــــر تعــــــد ولا بديــــــه

تشاكـــل أمـــره خلقـــاً وخلقــــاً   فظاهـــــــره لباطنـــــــه شبيـــــــه

كـــأن دواتـــه مـــن ريقـــه فيــــه   تلــــاق فنشرهــــا أبــــداً كريـــــه

وقال أحمد بن إسماعيل حذراً من هذا:

كأنما النقس إذا استمده     غالية مذوقة بنده

قال وأنشدنا أحمد بن إسماعيل للحسن بن وهب:

مـــداد مثـــل خافيـــة الغــــراب   وقرطـــاس كرقــــراق الســــراب

وأقلــــــام كمرهفــــــة الحـــــــراب   وألفـــــــاظ كأيـــــــام الشبـــــــاب

وأحمد بن إسماعيل الذي يقول:

وإذا نمنمـــــت بنانـــــك خطـــــاً   معربـــاً عـــن إصابـــة وســـداد

عجب الناس من بياض معـان   يجتنـى مـن ســواد ذاك المــداد

والمداد كل شيء يمد به هذا أصله قال الأخطل:

===

يريـد بدهـن أمـدت بـه كثـر الأستعمـال لمـا تمــد بــه الــدواة فقلــب كــل شــيء غيــره فــإذا قيــل: مــداد لــك

يعرف شيء غيره وقال بعض الكتاب يمدح المداد:

من كان يعجبه في صحن عارضه   مسك يطيب منه الريح والنسما

فإن مسكي مداد فـوق أنملتـي   إذا الأصابع مني مسـت القلمـا

وقال آخر:

ومـا روض الربيـع وقـد زهــاه   نـدى الأسحـار يـأرج بالغــداة

بأعبــق أو بأطيــب مــن نسيــم   تؤديـــــــه الألاقـــــــة مــــــــن دواة

وقالوا: " المداد خضاب الرجال ". وقال آخر:

إنمـا الزعفـران عطــر العــذارى   ومــداد الــدواة عطــر الرجـــال

حدثنــي يعقــوب بــن بيــان قــال: كتـــب إبراهيـــم بـــن العبـــاس يومـــاً كتابـــاً فـــأراد محـــو حـــرف منـــه فلـــم

يجــد سبيــلاً فمحــاه بكمــه فقيــل لــه فــي ذلــك فقــال: المــال فــرع والقلــم أصــل فهــو أحـــق بالصـــون منـــه

وإنما بلغنا هذه الحال واعتقدنا الأموال بهذا القلم والمداد ثم قال:

إذا ما الفكر أظهر حسن لفظ   وأداه الضميــــر إلـــــي العيـــــان

رأيـت حلــى البنــان منــورات   تضاحـك بينهـا صـور المعانـي

===

ويقــال: مــددت الــدواة جعلــت فيهـــا مـــداداً وكـــل شـــيء زدت فيـــه فإنـــك تقـــول: مددتـــه أمـــده مـــداً.

قـال اللـه تعالـى: " والبحـر يمـده مـن بعـده سبعـة أبحـر ". وإذا أمــرت قلــت: مــد الــدواة بكســر الــدال.

ومــد الـــدواة تتبـــع الضمـــة الضمـــة وإمـــداد الـــدواة. ولا يقـــال أمـــددت إلا مـــا كـــان علـــى جهـــة الإعانـــة

كقولـك: أمددتـه بمـال ورجـال ومنـه قولـه عـز وجـل: " أنـي ممدكـم بألـف مـن الملائكـة مردفيـن ". ومنــه:

" أمددناكـم بأمـوال وبنيـن ". أي أعناكـم وقربناكـم. ويقـال مــداد ونقــس بالسيــن وكســر النــون والكثيــر

أنقاس.

وقال حميد بن ثور:

لمــن الديـــار بجانـــب الحمـــس   كمخط ذي الحاجـات بالنفـس

وأنشدنا محمد بن موسى الرازي لحمد بن مهران:

لا تجزعـن مـن المــداد ولطخــه   إن المداد خلوق ثوب الكاتـب

وأبهــج بذلــك إنـــه لـــك زينـــة   هبـة مـن اللــه الجــواد الواهــب

لـــولا المـــداد ويسرنــــا بدليلــــه   ما صح في مال حساب الحاسب

ولمــا تبينــت الأمـــور لطالـــب   ولكان شاهدنا شبيه الغائـب

===

قـال أبـو بكـر: ذكرنـا أشعـاراً قيلـت فـي الحبـر فـي بـاب الـدواة لاتصالهــا بهــا كاتصــال التوريــق بالكتابــة

والوراقيـن بالكتــاب وبالحبــر تكتــب المصاحــف والسجلــات ومــا يــراد بقــاؤه. وإنمــا سمــي الحبــر حبــراً

لتحسينــه الخــط مــن قولهــم حبـــرت الشـــيء تحبيـــراً وحبرتـــه حبـــراً زينتـــه وحسنتـــه. والاســـم الحبـــر

كقولك طحنته طحناً. في الحديث " يخرج من النار رجل حسن الحبر والسبر " وقال ابن أحمر:

لبسنــا حبــره حتــى اقتضينـــا   بأعمـــــــال وآجـــــــال قضينـــــــا

وقيل: الحبر مأخوذ من الحبار وهو أثر الشيء كأنه أثر الكتابة وقال:

ولــم يقلــب أرضهــا البيطـــار   ولا لحبليــــــــه بهــــــــا حبـــــــــار

أي أثر. وقال آخر:

لقد أشمتت بي أهل فيد وغادرت   بجسمي حبراً بنت مصان باديا

أي أثـــراً. ويقـــال محبـــرة ومحبـــرة وهمـــا أفصـــح مـــا قيـــل فيهـــا. وحبــــر فلــــان كتابــــه: حسنــــه وكذلــــك

نمنمه ونمقه ورشقه. قال مرقش:

الــــدار قفــــر والرســــوم كمــــا   رقــش فــي ظهــر الأديــم قلـــم

ويقال: رقش كذبه أي حسنه حتى يقبل قال رؤبة:

عـازل قــد أولعــت بالترقيــش   إلــي ســراً فاطرقـــي وميشـــي

===

سماوتــــه أسمــــال بــــرد محبــــر   وسائـره مــن أتحمــي معصــب

القرطاس وما يكتب فيه:

تسمــــي العــــرب مــــا يكتــــب فيــــه القرطــــاس وجمعــــه قراطيــــس ومهرقـــــاً وجمعـــــه مهـــــارق وصحيفـــــة

وجمعهــا صحائــف وسفــراً والجميــع أسفــار قــال اللــه عــز وجــل: " يمحــل أسفـــاراً " وقـــد نـــزل القـــرآن

بجميعهـا إلا المهـرق. قـال اللـه تعالـى: " تجعلونـه قراطيـس " وقـال تعالـى: " ولــو نزلنــا عليــك كتابــاً فــي

قرطـاس " وقـال تعالـى: " إن هـذا لفـي الصحـف الأولـى ". والعـرب تشبــه المنــزل إذا خــلا ودرجــت

عليه الريح وصار أرضاً بالمهرق. قال الأعشى:

سلا دار ليلى هل تبين فتنطق   وأنى تـرد القـول بيضـاء سملـق

وأنـــى تـــرد القـــول دار كأنهـــا   لطــول بلاهــا والتقــادم مهـــرق

وشبه أبو نؤاس الناقة البيضاء بالقرطاس فقال:

واحتازها لون جرى في جلدها   يقـق كقرطــاس الوليــد هجــان

قيــل: خــص قرطــاس الوليــد لأنــه معــه كالرســم لــم يكتــب فيــه بعــد والهجــان أيضــاً الكـــرام مـــن الإبـــل

وغيرهـا ومـا أعلـم أحـداً استوفــى فــي وصــف القرطــاس إلا جعفــر بــن حمــدان المصــري الكاتــب فإنــه

===

في يديـه مـن القراطيـس كالمـز   نــة جـــادت بواكـــف مـــدرار

كالملاء الرحيض كالبيض بيض الهند كالبيض كالمياه الجواري

كالسراب الرقراق في عنفوان الصيف نصف النهار في أيار

مـا تبالـي أجلــت عينــك فيــه   حين يطوي أم في حضور العذاري

يسبح الخط فيه عفواً فمـا يـك   بـــو بوعــــث فيــــه ولا بحبــــار

حدثنـــي أبـــو تذكـــوان القاســـم بـــن إسماعيـــل قـــال: سمعـــت عمـــك أحمـــد بـــن عبـــد اللـــه بـــن العبـــاس

المعروف بطماس يقول - وكان حسن البلاغة: القرطاس أمره ما لم تكحله مل الدواة.

ومـــن مليـــح الأخبـــار التـــي ذكـــر فيهـــا القرطـــاس مــــا حدثنــــي بــــه أحمــــد بــــن محمــــد الأنصــــاري قــــال

حدثنـا أبـو العينـاء عـن الجمـاز قــال: أراد أبــو نــؤاس أن يكتــب إلــى إخوانــه لــه فلــم يجــد شيئــاً يكتــب

فيـــه فحلـــق رأس غلامـــه وكتـــب عليـــه مـــا أراد وفـــي آخرهـــا كتـــب: وإذا قرأتـــم الخطــــاب فخرقــــوا

القرطاس قال: فردوه بلا جلدة رأس. ورأى جرير رجلاً أسود عليه ثياب جد فقال:

كأنـــــــه لمـــــــا بـــــــدا للنــــــــاس   أيـر حمــار لــف فــي قرطــاس

وقال أبو نؤاس:

لم يقو عندي على تخريق قرطاسي   إلا فتى قلبه من صخرة قاسي

===

لو لا القراطيس مات العاشقون معاً   هـذا بغـم وهـذا كـم بوسـواس

فأمــا الكراريــس فواحدهــا كراســة قــال الأصمعــي: كرســت الكتــب والــورق جعلــت شيئــاً منـــه إلـــى

شـــي وأكـــرس الغنـــم اجتمـــاع بعرهـــا وبولهـــا فـــي مواضعهـــا حتـــى يتطـــارق بعضـــه إلــــى بعــــض قــــال

العجاج:

يا صاح هل تعرف رسماً مكرساً

قــال أبــو عبيــد: اكــرس البعــر عليــه فهــو مكــرس ويــروى مكرســاً كأنــه أكــرس فهـــو مكـــرس وأصلـــه مـــا

ذكرت لك. وتكارس ورق الشجر تحته وقع بعضه فوق بعض.

ويقــال دفتــر ودفتــر. ومــا سمــع شـــيء فـــي اشتاقـــه إلا أنـــه عربـــي فصيـــح. قـــال جنـــدل بـــن المثنـــى

الطهوري:

هـل لا بحجـر يــا ربيــع تبصــر   قد قضي الدين وجف الدفتر

ويروى الدفتر. وأنشدني الحسين بن يحيى:

هل تذكريـن إذا الرسائـل بيننـا   تأتيك في الشجر الذي لم يغرس

إذ سر نفسي في يديـك ومثلـه   لك في يدي من الفصيح الأخرس

وقال ابن الأحنف:

===

عتــاب لعمــري لا بنــان يخطــه   وليـــس يؤديـــه إليـــك رســــول

آخر:

جاء الرسول بقرطاس فهيج لي   شوقاً وأحببت منه كل قرطاس

فيـــه معاتبـــة منهــــا تذكرنــــي   عهد الوصال كأني غافل ناس

وقال:

أتانـي كتـاب منمليكــي بخطــه   فما أعظم النعمى وما أصغر الشكرا

فظلت تناجيني بما في ضميـره   أنامل قد صاغت بأقلامها سحرا

قال وكتب إلى فوز كتاباً أغضبها:

كتبـــت وليتــــه شلــــت يمينــــه   ولــم أكتــب إليــك بمــا كتبـــت

كتبت وقد شربت الكأس صرفاً   فـلا كـان الشـراب ولا شربــت

وقال ابن الأحنف أيضاً:

أهـدت إلــى صحيفــة مختومــة   نفسي الفداء لخط ذاك الكاتب

ففكتها فقرأت مـا قـد حبـرت   فــإذا مقالــة مستزيـــد عاتـــب

===

تخــرق كتبــه وتأمــره بتخريــق كتبهــا فكتــب إليهــا: إنــي أحتفــظ بكتبـــك وتتهاونيـــن بكتبـــي فتخرقينهـــا

فكتبت إليه:

يا ذا الذي لام في تخريق قرطاس   كم مر مثلك في الدنيا على راسي

الحزم تخريقـه إن كنـت ذا نظـر   وإنما الحزم سـوء الظـن بالنـاس

إذا أتــــاك وقـــــد أدى أمانتـــــه   فاجعـل كرامتـه دفنـاً بأرمـاس

وشق قرطاس من تهوى وكن حذراً   يا رب ذي ضيعة من حفظ قرطاس

فكتب إليها: الصواب رأيك وخرق رقاعها.

قط القلم:

يقـــال: قططـــت القلـــم أقطـــه قطـــاً. والقـــط والقـــد متقاربـــان لـــأن القـــط أكثـــر مـــا يستعمـــل فيمـــا وقــــع

السيـف فـي عرضـه والقـد لمـا وقـع فـي طولـه. ومنـه قولهــم: كــان أميــر المؤمنيــن علــي بــن أبــي طالــب

رضــوان اللــه عليــه إذا عــلا بسيفــه شيئــاً قــده وإذا اعترضـــه قطـــه. وقـــد يحمـــل هـــذا علـــى هـــذا.

وقال عمرو بن معد يكرب:

فكـم قـط سيفــي مــن قونــس   غــــداة التقينــــا ومــــن مفــــرق

===

ومـط حاجبيـه ومـد بمعنـى. وإنمـا جــاز ذلــك فــي قــد وقــط ومــد ومــط لــأن نخــرج الطــاء والــدال مــن

مكــان واحــد مــن أصــول الثنايــا وطــرف الســان كمــا يقــال: طيــن لــازب ولــازم لــأن مخــرج البـــاء والميـــم

من الشفة من مكان واحد.

المقط:

هــو المقــط بكســر الميــم فأمــا المقــط فالموضــع الـــذي يقـــط مـــن رأس القلـــم. وأحســـن المقـــاط وأمكنهـــا

المربـع كهيئـة فـص النـرد زائـداً عليـه فـي الطـول والعــرض ســاذج الطرفيــن فــإذا كــان علــى هــذا الشكــل

رحب مطاه ووطؤ قراه وكان أملأ لليد وأمكن للقط. وفيه يقول بعض الكتاب:

الحمـــــــــــد للـــــــــــه شكـــــــــــراً   يعلـــــــــو الـــــــــورى وأحــــــــــط

وغادرتنــــــــــــــي مداهـــــــــــــــا   منهـــــــــــا كأنـــــــــــي مقــــــــــــط

لــــــــــــم يبــــــــــــق منــــــــــــي إلا   صبــــــــــر جميـــــــــــل فقـــــــــــط

وقال بعض الكتاب:

فإن تكـن الخطـوب فريـن منـي   أديمـــاً لـــم يكـــن قدمـــاً يغـــط

فــــإن كرائــــم الأقلـــــام تحفـــــى   فيصلــح مـــن تشعثهـــا المقـــط

===

وقــال بعــض الكتـــاب: إذا قططـــت ولـــم تسمـــع لقطتـــك صوتـــاً كصـــوت نبـــض القســـي ووقعـــة كوقعـــة

عضــب المشرفــي فأعــد فــإن قلمـــك بعـــده حـــف. وأكثـــر مـــا يقـــع ذلـــك والقلـــم رطـــب بمـــداده وإنمـــا

القطـة تصلـح مـع جفافـه. وأنشدنــي بعــض أصحابنــا لنفســه فــي المقــط مــن أبيــات خاطــب بهــا بعــض

الكتاب أولها:

يا ذا الكتابة قد بعثت بمرضع   سوداء قد خرطت من الإظلام

بل ناسبت لون الخطوب وضمنت   كشفـــاً لهـــا بحضانـــة الأقلــــام

معهــا مقــط قــد تحلــى بينهـــا   شبه الصدود بدا لحلف غـرام

يحكي سويداء القلوب إذا رمت   فيهــا لواحــظ شـــادن بسهـــام

أعربت في وصفي له إذ قصرت   مـن قبـل عنـه خواطـر الأوهـام

وانضاف محراك إليه كأنها     احذوه قد الصارم الصمصام

المرفع:

قــال بعــض الكتــاب: المرفــع ضــرب مــن الكبــر وفضيلــة فــي الآلــة وترفــه مفــرط لا يليــق بــذوي التقـــدم

فـــي العمـــل والصبـــر عليـــه والتجـــرد لـــه. ومـــا يســـرع إليـــه إلا كـــل ذي نخــــوة ورياســــة محدثــــة. وهــــو

===

أحسـن فـي مجالـس الخلـوات منـه فـي الجماعـات. فأمــا مجالــس الرياســة والجــد فــي الأعمــال فــلا موقــع

لـه فيهـا. قـال أحمـد بـن إسماعيـل: قلمـا رأيـت سيـداً رئيسـاً يجعـل بيـن دواتـه وبيـن الـأرض مرفعــاً فــي

مجالــس رياستــه. وإذا عجــز الكاتــب عـــن الاستمـــداد مـــن الـــدواة علـــى الـــأرض فيغنـــم رفعهـــا إلـــى

يــده بهــذه الآلــة وتقريــب متناولهــا فهــو عمــا ســوى ذلــك مــن تمشيـــة الأعمـــال وتنفيـــذ الأمـــور أعجـــز.

وقد هجي بعض الكتاب بذلك فقيل:

إنـــي بليـــت بجاهـــل متغافــــل   متكلـــف فـــي فعلـــه متصنــــع

حاز الكتابة حين فضض مرفعاً   وجــرت أناملـــه بخـــط مســـرع

متتايـه فــي الحفــل يبغــي عــزة   فيدل في مـرأى هنـاك ومسمـع

فكلامـه دون المــدى متواضــع   ودواتــه للطــرف فـــوق المرفـــع

حدثنـي أحمـد بـن محمـد بــن إسحــاق قــال: دخلــت أنــا وأبــو علــي بــن المرزبــان علــى يحيــى بــن منــاوة

الكاتـــب وبيـــن يديـــه مرفـــع قـــد قـــارب صـــدره عليـــه دواتـــه فقلـــت لابـــن المرزبــــان: أمــــا تــــرى هــــذا

المرفع فقال: هذا مرفع وصاحبه رقيع لا رفيع.

وقيــل لبعــض الرؤســاء - وقـــد جعـــل دواتـــه علـــى مرفـــع: مـــا كـــل الأجـــلاء تفعـــل هـــذا. فقـــال: مـــن

جلـس علـى فـرش تعليـه قليـلاً بعـدت عليـه مسافــة الاستمــداد فأمــا مــن كــان علــى حصيــر أو سمــاط

===

قـــرب البعـــد مركــــب لــــدواة   ملجـــــم مـــــن حليـــــه بلجـــــام

فضــة تستضــيء فــي أبنـــوس   مثل ضوء الإصباح في الإصباح في الإظلام

كخـــوان الطعـــام سهـــل للـــأك   قال: منه ما كان صعب المرام

محراك الدواة:

كـذا تسميـة الكتـاب. وللعيـدان التـي تحـرك بهــا العــرب الأشيــاء أسمــاء: فالعــود الــذي تحــرك بــه النــار

مسعر ومسعار ومحرث ومحراث ومنه قيل: " مسعر حرب " أي يسعرها بوقدها.

ويقال لما يجدح به الأشربة مجدح ومجدح مخاض ويقال له أيضاً مخوض.

ويقــــال أيضـــــاً للميـــــل الـــــذي يحـــــرك بـــــه الجراحـــــات محـــــراك ومحـــــراف ومسبـــــار أي يسبـــــر بـــــه قـــــدر

الجراحة أي تختبر به وربما سموا المبضع بذلك. وقد روى القطامي يصف جراحة:

إذا الطبيـب بمحراكيــه حولهــا   زادت على النقر أو تحريكها ضخماً

ويروى بمحرافيه. وقد ذكر المحراك بعض الشعراء من الكتاب فقال:

بــدر مــن الديــوان لـــم يحتـــرم   ضيــــــاءه بالنقــــــص أفلاكـــــــه

صيـــر جسمـــي قلمـــاً هجـــره   يــــردي دم العشــــاق سفاكـــــه

===

الكتب في اللغة:

قولهــم: كتبــت الشــيء يريـــدون ضممـــت بعضـــه إلـــى بعـــض. ويقـــال: كتبـــت الشـــيء كتبـــاً وكتابـــة.

ويقــال: اكتــب بغلتــك أي ضــم حياهــا بحلقــة حتــى لا يطأهــا الفـــزاري لـــأن فـــزارة تعيـــر بذلـــك. قـــال

الفرزدق في الناقة:

لا تأمنـــن فزاريـــاً خلـــوت بـــه   على قلوصك واكتبها بأسيـار

وقيــل: المعنــى قــارب بيــن شدهــا حتــى لا يسرقهــا الفــزاري وهــذا أشبــه لـــأن الفـــرزدق أيضـــاً يهجـــو

ابن هبيرة الفزاري بسرقة فزارة قال يخاطب هشاماً:

أأطعمــــت العــــراق ورافديــــه   فزاريـــاً أحــــذ يــــد القميــــص

يقول: قد رق فقطع فكمه خفيف قصير.

وقيـل: كتيبـة الجيـش لاجتماعهــا وتكتبــت تجمعــت. والكتــب الخــرز الواحــدة كتبــة بضــم خــرزة إلــى

خرزة وقال ذو الرمة يصف المزادة التي يستقى فيها الماء:

وفـراء غرفيـة أثـأى خوارزهـا   مشلشل ضيعتـه بينهـا الكتـب

يريــــد أن هــــذه الخــــرز لمــــا اتسعــــت ضيعــــت المــــاء وفــــراء واسعــــة وغرفيــــة دبغــــت بالغــــرف وهـــــو

===

شجـــر والخـــوارز نســـاء وأثـــأى أفســـد والثـــأي الفســـاد والمشلشـــل الــــذي يتصــــل قطــــره وهــــو مرفــــوع

علـى شـيء تقـدم فـي البيـت الـأول وكاتـب والجمــع كتــاب وكتبــة وكاتبــون. والموضــع الــذي يتعلــم فيــه

الكتاب كتاب ومكتب.

ويقــال أيضـــاً أكتـــب فهـــو مكتـــب. واكتبـــت الرجـــل مـــا أراد أكتبـــه اكتابـــاً جمعتـــه لـــه وأمليتـــه عليـــه.

ويقـال زبـرت الكتـاب إذا كتبتــه ازبــره زبــراً. وقــال رجــل مــن حميــر: أنــا أعــرف بزبرتــي أي كتابتــي.

وسميت الكتيبة لاجتماعها وتكتب القوم تجمعوا. وقال عبيد بن الأبرص:

أنبءت أن بني جذيلـة أوعبـوا   سفـراء مـن سلـم لنـا وتكتبــوا

أي تجمعوا.

وقــال التوجــي: الموضــع الــذي يعلــم فيــه الكتــاب مكتــب ومكتــب مثــل مطلــع ومطلــع وكاتبــت الرجـــل

إذا خابرتــه الخــط مكاتبــة وكتابــاً مثــل نادمتــه منادمـــة وندامـــاً. وكاتبتـــه فكتبتـــه مثـــل غالبتـــه فغلبتـــه

وخايرته مخايرة وخياراً فخرته. وقال المازني: يقال اكتب الرجل إذا صار كاتباً حاذقاً.

قيــل: أجــاد إذا صــار لــه فــرس جــواد. وألبــن إذا صــار ذا لبــن. وأتيــت فلانــاً فأكتبتــه وأحسبتــه إذا

وجدتــه كاتبــاً حاسبــاً. كمــا تقــول أتيتــه فأبخلتـــه أي وجدتـــه بخيـــلاً. وأتيـــت بلـــد كـــذا فأمطرتـــه أي

وجدتــه مطيــراً. وقــال الحرمــازي: سمعــت أعرابيــاً يقــول: ظلمنــي هــؤلاء الكتــب مثــل صائــم وصـــوم

===

حتى إذا ما حان قطب الصوم

وزبــــرت الكتــــاب كتبتــــه وزبرتــــه قرأتــــه. ووحيــــت الكتــــاب أحيــــه وحيــــاً كتبتــــه وكتـــــاب موحـــــى

ومكتــوب بمعنــى فوحيــت كتبــت وأوحيــت أعلمــت وأشــرت وقــد قيــل فــي هــذا وحيــت وأوحيـــت

فأما في الكتاب فوحيت قال الشاعر:

مـا هيـج الشــوق مــن الأطلــال   أضحت قفاراً لوحي الواحـي

وإذا أردت أن تكتــب مــن هــذا قلــت يــا واحـــي حـــه أثبـــت الهـــاء إذ كانـــت العـــرب لا تتكلـــم بحـــرف

واحــد. ويــا واحيــان حيــا ويــا واحــون حــوا. وإذا أمــرت مــن أوحيــت قلــت يـــا موحـــى ويـــا موحيـــان

أوحيا ويا موحون أوحوا.

السكين:

قـــال بعـــض الكتـــاب: السكيـــن مســـن الأقلـــام يسنهـــا إذا كلـــت ويلصقهــــا إذا بــــت ويطلقهــــا إذا وقفــــت

ويلمهــــا إذا تشعثــــت. وأحسنهــــا مــــا عــــرض صــــدره وأرهــــف خصـــــره ولـــــم يفضـــــل عـــــن القبضـــــة

نصابه. والسكين تذكر وربما تؤنث قال أبو ذؤيب.

يرى ناصحاً فيما بدا فإذا خلا   فذلك سكين على الخلق حاذق

===

فانحــــى للسنــــام غـــــداة قـــــر   بسكيــــــن موثقــــــة النصــــــاب

وفيها يقول أحمد بن إسماعيل:

إنــي إذا ماضــي اليـــراع بلـــدا   وحـــار فـــي ميدانـــه وعــــردا

لمصلـح مــن حــده مــا أفســدا   بمديـــــة كريمـــــة مـــــن المــــــدى

كــادت تفــل الصــارم المهنـــدا   تهدي إلى الأقلـام حينـاً وردى

كأنمـــــا يوقـــــع منهـــــا بعــــــدى   وهــي بمـــا تفعـــل تولينـــا يـــدا

لأنهـــــا تقيـــــم منهــــــا الــــــأودا   حيـن تـرى الآكــل منهــا مبــردا

يفوف القرطـاس تفـوف الـردى   بلحمـــة مـــن البيـــان وســــدى

وقال بعض الأحداث من الكتاب:

يا منتهى الفضل حليف الندى   وابـــــــن البهاليـــــــل الأكاريـــــــم

جـد لـي بسكينـك ذاك الــذي   لام لام ألف قاف لام ألف ميم

قــال أبــو بكــر: والسكيــن يذكــر ويؤنــث والغالــب عليــه التذكيــر. ونصابهــا أصلهــا ونصـــاب كـــل شـــيء

أصلـه. وأنصبـت السكيـن جعلـت لـه نصابـاً. وأقربتـه جعلـت لـه قرابـاً وهــو الغلــاف. وغلفتــه جعلــت

===

يا ربة القوم قومي غير صاغرة   ضمي إليك ثياب القوم والقربا

قـال: إنمـا خـص القــرب وهــي الغلــف يريــد السيــوف يقــول: " خــذي سيوفهــم واعلميهــم أنهــم فــي دار

عز وأمان وطمأنينة لا يخافون " لأن العرب إذا نزلت منزلاً لم تضع سلاحها حتى تأمن.

وأشعــرت السكيـــن جعلـــت لهـــا شعيـــرة وهـــي الحاجـــز بيـــن آخـــر الحديـــدة وأول النصـــاب. وسيلـــان

الحديـدة مركـب فيهـا. واقبضـت السكيــن جعلــت لــه مقبضــاً. وسكيــن مقبــض. وقــد حكــي قربــت

السكين والسيف فهو مقروب أيضاً. وأنشدوا:

إن يسألوا الحق يعط الحق سائله   والدرع مطوية والسيف مقروب

ويقــال هــذا حــد السكيــن وشفرتــه وظبتــه وغرتــه وغــراره وذبابــه. فظبتــه طرفـــه والجميـــع ظبـــات.

وشفرتــه حــده مــن أولــه إلــى آخــره. وغــراره وشفرتــه واحــد. وذبــاب كـــل شـــيء حـــده. وأكثـــر مـــا

يوصــف بــه السيــف مــن الحــد يجــوز فــي السكيــن وأحــددت السكيــن أحــده إحــداداً وحـــد السكيـــن

نفســه صــار حــاداً وأحــد فهــو محــد وإذا أمــرت قلــت أحــد سكينــك وسكيــن حديـــد أي قاطـــع قـــال

حسان:

بكــــــل صقيــــــل لــــــه ميعــــــة   حديــد الغــرار حســام خــذم

وكــل السكيــن يكــل كــلاً وكلــولاً وكلــة. وكذلــك البصــر. وصـــدأ يصـــدأ صـــدى إذا توســـخ. وكذلـــك

===

الإنشاء:

أنشـــأ الكاتـــب الكتـــاب ابتـــدأ عملـــه علـــى غيـــر مثـــال يحتذيـــه قـــال اللـــه تعالـــى: " قـــل يحييهـــا الـــذي

أنشأهــا أول مــرة ". وتقــول العــرب: أنشــأ يفعــل كــذا وأنشــأ يقــول كــذا إذا ابتــدأ. وأنشـــأ اللـــه الخلـــق.

ينشئهــم إنشــاءاً إذا ابتــدأ خلقهــم. وأنشــأت أنــا الشــيء أنشئــه إنشــاء. وقــال عــز وجــل: " وأن عليـــه

النشـأة الأخـرى ". وإذا أمــرت قلــت: أنشــئ الكتــاب بإثبــات اليــاء فــي الكلــام والخــط لــأن هــذه اليــاء

هي همزة فذهبت للأمر منها الحركة.

حدثنـا أحمـد بـن إسماعيــل قــال: كــان بعــض النســاخ قــد صــار منشئــاً لبلاغــة ظهــرت منــه فقــال فيــه

المنشي الذي كان ينسخ رسائله:

أيهــــــــــا المنشــــــــــي الــــــــــذي   كــــــــان بالأمــــــــس ناسخــــــــاً

نســـــــخ تلـــــــك الرسائـــــــل ال   متعبـــــــــــــــات المشائخـــــــــــــــا

تـــــــــــرك الناســـــــــــخ المـــــــــــم   ثـــــل فـــــي العلــــــم راسخــــــاً

رغـــــــــم أنـــــــــف اصــــــــــاره   لـــــــــذوي العلـــــــــم شامخـــــــــا

السطور:

===

أصــل السطــر فــي اللغــة الأثــر المستطيــل علــى استــواء وجمعــه أسطــار وأسطــر وسطـــار وسطـــور.

وكـل مقـدم علـى استـواء غيـر خـارج شـيء منـه عـن نظيــره يمنــة ويســرة فهــو مسطــر مــن سطــر يسطــر

تسطيراً. وقال المسيب بن علس:

تـــــــرى للسيـــــــوع بحيزومهـــــــا   ندوبـاً وللــدف منهــا سطــارا

والكاتـــب مسطـــر وساطـــر. ويقـــال للـــذي يصلـــح بهــــا الــــورق سطــــوره فــــي دفاتــــره حتــــى لا تعــــوج

سطـــوره " مسطـــرة " وقـــد سطـــر إذا كتـــب خاصــــة إذا لــــم يذكــــر شيئــــاً علــــم أنــــه للكتابــــة لكثــــرة

الاستعمال وقد يقال: سطر نخله إذا غرسه على استواء. قال رؤبة:

إنــي وآيــات سطــرن سطــرا.

وقـال اللــه جلــت عظمتــه: " والطــور وكتــاب مسطــور ". أي مكتتــب قــد سطــر وتقــول: كــل شــيء

عملـه مستطــر عنــدي أي مكتتــب. وقــال اللــه عــز وجــل: " وكــل صغيــر وكبيــر مستطــر ". وقالــوا:

أسطور وأساطير وقالوا: سطر وسطر مثل سقف وسقف. وأنشدنا ثعلب للشماخ:

أتعرف رسماً دارساً قد تغيرا   بذروة أقـوى بعـد ليلـى وأقفـرا

حكــى خــط عبرانيـــة بيمينـــه   بتيماء حبـر ثـم عـرض أسطـرا

عـــرض أخفـــى سطـــوره كمـــا تقـــول عـــرض بكـــذا إذا لـــم يصـــرح بـــه وإن لـــم يكـــن كـــذا فســـد معنـــى

===

المقابلة بالكتاب ونسخه:

يقـال: قابلــت الكتــاب بالكتــاب أقابلــه مقابلــة وقبــالاً المعنــى جعلــت مــا فــي واحــد مــن الكتابيــن مثــل

" مــا " فــي الآخــر مشبهــاً لــه مــن جهــة مــا كتـــب فيـــه لا مـــن كـــل جهـــة لـــأن القـــدود تختلـــف وكذلـــك

الألـــوان الـــذي يكتـــب فيـــه. وتقابـــل الموضعـــان إذا كـــان أحدهمـــا حيـــال الآخــــر وقبالتــــه وكأنــــه فــــي

الحقيقـة أقبـل كـل واحـد منهمـا علـى صاحبـه وشابهــه فــي التقابــل. وأقبلــت المرهــم الجــرح ألصقتــه بــه

قال ابن أحمر:

شربت الشكاعى والتددت ألدة   وأقبلت أفواه العـروق المكاويـا

يريد: جعلت المكاوي حيال العروق مقابلة لها ملصقة بها فقال الأعشى:

وأقبلهـــا الشمـــس فــــي دنهــــا   وصلــى علــى دنهـــا وارتســـم

ويــروى: وارتشــم. قــال الأصمعــي: أصلهــا استقبـــل بهـــا. وتقـــول العـــرب أقبـــل نعلـــك أي اجعـــل لهـــا

قبالاً وهو الشراك لأنه يقابل النعل قال أبو نواس:

مـــــا علـــــى وجـــــه بـــــه قــــــا   بلتنــــــــــي اليـــــــــــوم مهابـــــــــــه

وعارضــــت الكتــــاب بالكتــــاب إنمـــــا هـــــو عرضـــــت ذا علـــــى ذا وذا علـــــى هـــــذا حتـــــى استويـــــا.

===

وعارضـت داري ببستانـه سويـت بينهمـا فـي القيمـة وأخـذت هـذا بهـذا. وعارضتـه فـي قولـه: أتيـت

بمثـل مـا قـال. والنسـخ علـى معنييـن أحدهمـا أن تنســخ الشــيء لمــا تقدمــه فتذهــب بــه فيحــل مكانــه

ومنـه قـول اللـه عـز وجــل: " مــا ننســخ مــن آيــة أو ننسهــا نــأت بخيــر منهــا أو مثلهــا ". وفــي كــل الآيــات

خيــر والمعنــى نــأت بخيــر منهــا لكـــم وأخـــف عليكـــم. ومنـــه قولهـــم: نسخـــت الشمـــس الظـــل حلـــت

مكانـــه. والمعنـــى الآخـــر أن ينســـخ الشـــيء الشـــيء فيجـــيء بمثلـــه غيـــر مخالـــف لـــه يقــــول: نسخــــت

كتابـك لـم أغـادر منـه حرفـاً وفـي القـرآن: " إنـا نستنســخ مــا كنتــم تعملــون ". ويــروى أن أو مــن عمــل

الكتب نسخاً زياد.

الخطأ في الكتاب:

تقـول أخطـأت فـي الكتـاب تخطـئ خـطءً وخطـأً وخطـاءً. وقــرأ أبــو حعفــر: " إنــه كــان خطــأ كبيــراً "

مفتوحـة الطــاء والخــاء غيــر ممــدودة. وقــرأ أكثــر القــراء " إنــه كــان خــطءاً " مــن خطــيء يخطــأ خــطء

مثل أثم يأثم أثماً وأخطأت خطأ مفتوحة الخاء والطاء ممدودة.

والخطـــأ فـــي اللغـــة ضـــد الصـــواب وتقـــول: لا تخطـــئ يـــا هــــذا - إذا أمرتــــه - بالهمــــز ساكنــــة وإنمــــا

أسقطـت للجــزم حركــة الهمــزة كمــا تقــول: إقــرأ يــا هــذا. فــإذا أمــرت الإنســان أن يقــري الضيــف قلــت

===

لـه: أقـر ضيفـك فحـذف لأنـه غيــر مهمــوز مــن قــراه يقريــه قــرىً يــا هــذا. وتقــول وهمــت فــي الكتــاب

أوهــم وهمــاً إذا سهــوت فيــه فكتبــت شيئــاً مكــان شــيء. وأوهمــت فيــه أسقطــت منــه شيئــاً فلــم

تكتبه. قال أبو عبيدة يصف إنساناً بالبلادة: ما فهم ولو فهم لوهم.

المشق في الكتاب:

يقـال: مشـق فـي الكتـاب يمشـق مشقـاً إذا أسـرع الكتابــة والمشــق فــي اللغــة تأثيــر الشــيء بسرعــة قــال

ذو الرمة:

فكر يمشق طعناً في جواشنهـا   كأنه الأجر في الإقبال يحتسـب

وكثر ذلك في كلامهم حتى صار كل مستلب شيئاً قد مشقه قال الأخطل:

والخيـل نمشـق عنهــم أسلابهــم   فــي كــل معتــرك وكــل مغـــار

وتقول: ترك ثوبه مشقاً ومزقاً إذا خرقه وتقول: مشقت الإبل الكلأ إذا أكلت منه بسرعة.

الزلف:

يقـال: زلـف فـي قرابـة يزلـف فيهـا زلفـاً إذا تجـاوز مـن شـيء إلــى شــيء. وهــو فــي حــق اللغــة القــرب

مما تريد كأنه يقرب بذلك من القراع ما يريد قال العجاج:

===

زلفــاً فزلفــاً بعــد قـــرب حتـــى عـــاد الهلـــال محقوقفـــا وقـــال اللـــه عـــز وجـــل: " وزلفـــاً مـــن الليـــل " جمـــع

زلفة مثل غرفة وغرف والزلفة القرية كأنه يريد وقتاً بعد وقت من الليل يقرب هذا من هذا.

وقــال أبــو عمــرو الشيبانــي: المزالــف مـــا قـــرب مـــن المنـــازل مـــن الأمصـــار مثـــل القادسيـــة مـــن الكوفـــة

والمحدثـــة مـــن البصـــرة ولـــه عندنـــا زلفـــة أي قربـــة قـــال عـــز وجــــل: " وإن لــــه عندنــــا لزلفــــى ". قــــال

المفسرون: قربة. وقال تعالى: " وأزلفنا ثم الآخرين ".

فض الكتاب:

يقـــال: فضضـــت الكتـــاب أفضـــه فضـــاً إذا نحيـــت عنـــه طينـــه وسحاتـــه. وأصـــل الفــــض فــــي اللغــــة

التفرقة كأنه فرق بين الكتاب وبين طينه وسحاته.

وقـــال تعالـــى: " هـــم الذيـــن يقولـــون لا تنفقـــوا علـــى مــــن عنــــد رســــول اللــــه حتــــى ينفضــــوا ". قــــال

المفسرون: كلهم حتى تفرقوا.

وحضرتنـي نـادرة عنـد ذكـر " حتـى ينفضــوا " ليســت مــن الكتــاب حدثنــي يمــوت حدثنــي يمــوت بــن

المــدرع قــال: كــان بالشــام معلــم رقيــع طينــه مشهــور بشتـــم الصبيـــان فقـــال: اقعـــدوا حتـــى تسمعـــوا

فــإن كنــت معــذوراً وإلا فلومــوا قــال: فقعدنــا قــرأ عليــه صبــي منهــم: هــم الذيـــن يقولـــون لا تنفقـــوا إلا

===

مـن عنـد رسـول اللــه. فقــال: كذبــت يــا مــاص سلحــه أتلــزم رســول اللــه صلــى اللــه عليــه وسلــم نفقــة

لا تجـــب عليـــه وهـــو لا يملـــك مـــالاً قـــال: فضحـــك. ثــــم قــــرأ آخــــر: عليهــــا ملائكــــة غلــــاظ شــــداد

يعصـون اللـه مـا أمرهــم ولا يفعلــون مــا يؤمــرون. فقــال: يــا ابــن الفاعلــة هــؤلاء أكــراد شهــاد زور ليســوا

ملائكـة. قـال: فضحـك وضحكنــا وقلنــا مــا نلومــك بعــد هــذا. ومــن الــأول: لا يفضــض اللــه فــاك أي

لا يفرق الله ثناياك وأراد بالفم الأسنان. وانفض القوم تفرقوا.

ويقال: فضضت ختام البكر افتضضتها قال الفرزدق.

فبتـــــن بجانبــــــي مصرعــــــات   وبـــت أفــــض أغلــــاق الختــــام

السحاة:

تقــــول: سحــــوت الكتــــاب اسحـــــوه سحـــــواً وسحيتـــــه أسحـــــاه سحيـــــاً. والـــــواو أكثـــــر وسحيـــــت

بالتشديــد اسحــي تسحيــة ومعنـــى سحيـــت قشـــرت. وسحـــاة القرطـــاس والجمـــع سحـــاء ممـــدود.

وحكـى بعــض أهــل اللغــة أنــه يقــال: سحــاة وسحايــة ويقــال: سحــوت اللحــم عــن العظــم إذا قشرتــه.

وقال الأصمعي: الساحية من المطر التي تقشر وجه الأرض.

وقال أعشى همدان:

===

والمسحـــاة مشتقـــة مـــن ذلـــك لأنهـــا تسحـــو وجـــه الـــأرض. وإذا قـــال: سحيـــت الكتــــاب فإنمــــا يريــــد

جعلــت عليــه سحــاة مثــل عظــاة وسحايــة مثــل عظايــة. ومــا أحســن سحيتــك للكتــاب! أي أخـــذك

سحايته.

وإذا أمـرت مـن سحــوت قلــت: اســح يــا هــذا ومــن سحــا ســح يــا رجــل ومــن سحيــت ســح وكتــاب

مسحــي ومسحــو. وإذا أخلــق الكتــاب فصـــار كالسحايـــا قيـــل: قـــد أسحـــى الكتـــاب فهـــو مســـح.

وكذلـــك إذا كـــان أخـــذ السحايـــة منـــه سهـــلاً. وإذا وضعـــت السحايـــة علـــى الكتـــاب فقـــد سحيتـــه

وسحوتـــه. وخزمتـــه خزمـــاً وكتـــاب مخــــزوم. والسحايــــة مــــن هــــذا خزامــــة وجمعهــــا خزائــــم والخــــزم

الشد في كل شيء.

تتريب الكتاب وتطيينه:

يقــال: تربــت الكتــاب تتريبـــاً ولا تقـــل: أتربـــت فـــإذا أمـــرت قلـــت: تـــرب كتابـــك ولا تقـــل أتـــرب اللهـــم

إلا أن تقــول: إن كتابــه كثيــر التــراب فتقــول: أتــرب بكتابــك كمــا تقـــول: بـــرد بطعامـــك فـــإذا تعجبـــت

من برده قلت: أبرد طعامك.

وقـد جـاء فـي التـراب لغـات قالـوا: تيـرب وتـوراب وقـال اللحيانـي: تـورب أيضـاً وتــراب وتــرب وأتربــة

===

ويقــال طينــت الكتــاب أطينــه تطيينــاً إذا جعلــت عليــه طيــن الخاتــم. وتقــول: طنــت الكتــاب أطينــه

طينــاً مثــل زنتــه أزينــه زينــاً ولا يقــال: أطنــت. فـــإذا أمـــرت قلـــت: طيـــن كتابـــك وإن شئـــت قلـــت:

طـن كتابـك مـن طنـت أطيـن ومـا أحسـن طينتـك للكتـاب! مــن هــذا وكتــاب مطيــن مثــل قولهــم: زت

العجين فهو مزيت إذا ألقيت فيه زيتاً قال الشاعر:

ولــم يقفلــوا نحــو العــراق ببـــره   ولا حنطة الشام المزيت خميرها

المحو في الكتاب:

يقــــال: محــــوت الكتــــاب أمحــــوه محــــواً بالــــواو فــــإذا أمــــرت مـــــن هـــــذا قلـــــت: أمـــــح. وحكـــــي محيـــــت

أمحــى محيــاً. ومــن أمثالهــم " مــا أنـــت إلا ممحيـــاً وكتبـــاً ". فـــإذا أمـــرت مـــن هـــذا قلـــت: امـــح والـــواو

أفصح وبها نزل القرآن: " يمحو الله ما يشاء ويثبت ". والمحو في اللغة تعفيه الأثر حتى لا يرى.

حدثنــا محمــد بــن الحســن البلعــي قــال: حدثنــا أبـــو حاتـــم قـــال: قيـــل للأصمعـــي: لـــم سمـــت العـــرب

الشمــــال محــــوة قــــال: لأنهــــا تمحــــو السحــــاب ولا يــــرى شخصــــه. واستدعـــــى أبـــــو نـــــؤاس أن يكثـــــر

المكاتب له المحو في كتابه فقال:

أكثري المحو في الكتـاب ومحـي   ه بريـــــق اللســـــان لا بالبنــــــان

===

فـــأرى ذاك قبلـــة مـــن بعيــــد   أسعدتني ومـا برحـت مكانـي

وقال أبو نؤاس:

يــــا ذا الــــذي قبلتــــه فمحــــاه   أخشيت أن تقرا حروف هجاه

ظبـي يـرى التقبيــل فيــه مؤثــرا   فتــراه منــه كيــف يمســـح فـــاه

ويظنــــه لكتابــــه فــــي لوحـــــه   يبقــــى بقــــاءً دائمـــــا فمحـــــاه

عرض الكتاب:

يقــال: عرضــت الكتــاب أعرضــه عرضــاً إذا أمررتــه علــى طرفــك بعــد فراغـــك منـــه لئـــلا يقـــع خطـــأ

وكذلــك عرضــت الجنــد. ولا تقـــل أعرضـــت الجنـــد لـــأن الإعـــراض انصرافـــك بوجهـــك عـــن الشـــيء

وحقه في اللغة أنك وليته عرض وجهك قال عمرو بن كلثوم:

وأعرضت اليمامة واشمخـرت   كأسيــــاف بأيــــدي مصلتينــــا

ويقـــول: صرنـــا إلـــى موضـــع رأينـــا منـــه عرضهـــا أي جانبهـــا فكأنهـــا هـــي أرينـــاه. وقـــد عرضــــت مــــا

قلـت علـى قلبــي. وهــذا خلــاف العــرض علــى العيــن إنمــا يريــد أفكــرت فيمــا قلــت. وعــرض الرجــل

على ماله فهو عارض وعرض على فلان فهو معروض عليه.

===

كأن خروجي من عندكم قدراً   وحادثــاً مــن حـــوادث الزمـــن

من قبل أن أعرض الفراق على   صبـــري وأن أستعـــد للحـــزن

أنشــد هذيــن البيتيــن محمــد بــن يزيــد المبــرد وقــال: عمـــك إبراهيـــم بـــن العبـــاس أحـــزم رأيـــاً مـــن خالـــه

العباس بن الأحنف حين قال:

وناجيت نفسي بالفراق أروضها   فقالت: رويداً لا أعزك من صبري

فقلت لها: فالبين والهجر راحت   فقالت: أمني بالفراق وبالهجـر

فقلت له: إنه أخذهما أيضاً ابن الأحنف:

عرضت على قلبي السلو فقال لي:   من الآن فتش لا أعزك من صبر

إذا صد من أهوى رجوت وصاله   وفرقتـه جمــر أحــر مــن الجمــر

وأمـا قولـه عـز وجـل: " وعرضنـا جهنـم يومئـذ للكافريـن عرضـاً " فإنــه يقــول عــز وجــل: أظهرناهــا لهــم

وأبرزناهــا هكــذا قــال المفســرون. وعرضـــت المتـــاع علـــى المشتـــري أبرزتـــه لـــه. وعرضـــت الحـــوض

على الناقة إذا امتحنت عطشها. وقد قلبوا فقالوا: عرضت الناقة على الحوض كما قالوا:

كانـت عقوبـة مــا فعلــت كمــا   كــــان الزنــــاء عقوبــــة الرجــــم

فأما معارضة الكتاب فعرض واحد على الآخر حتى يستويا.

===

قـال: حدثنــا أبــو بكــر قــال: حدثنــا المغيــرة بــن محمــد المهلبــي قــال: حدثنــا محمــد بــن عبــاد عــن أبيــه

قال: لحن أيوب في حرف فقال أستغفر الله.

وكتـب عمـر بـن الخطـاب رضـي اللـه عنـه إلــى أبــي موســى الأشعــري وقــد قــرأ فــي كتابــه لحنــا: قنــع

كاتبك سوطا.

حدثنـا أحمـد بــن يحيــى ثعلــب قــال: كــان ابــن قــادم مــع إسحــاق بــن إبراهيــم المصعبــي فكتــب كاتبــه

ميمـون بـن إبراهيـم إلـى المأمـون كتابـاً فيـه: " وهـذا المـال مــالاً يجــب علــى فلــان " فخــط المأمــون علــى

" مالاً " ووقع بخطه في حاشية الكتاب: أتكاتبني بلحن يا إسحاق! فاشتد ذلك عليه.

قــال: فحدثنــي ابــن قــادم قـــال: أتانـــي ميمـــون فقـــال: اللـــه اللـــه فـــي احتـــل لـــي. فحضـــرت فسألنـــي

إسحـــاق عـــن الحـــرف فقلـــت: الوجـــه وهـــذا المـــال مـــال ومـــالاً يجـــوز علـــى تـــأول لأخلـــص الكاتـــب.

فقـال إسحـاق لكاتبـه: قـد عفـوت عنـك فدعنــي مــن يجــوز والــزم صحيــح الإعــراب. قــال: ثــم أكــب

ميمون علي يقرأ النحو حتى فهم منه شيئاً كثيراً.

حدثنـي أبـو عبـد الرحمــن الألوســي العبــاس بــن عبــد الرحيــم قــال: سمعــت عبــد اللــه بــن قتيبــة يقــول

كتــب إلــي رجــل مــن ســر مــن رأى: قــد قــرأت كتابــك المترجــم بكتــاب الكتــاب وقــد أعبـــت عليـــك

فيه حرفاً. فكتبت إليه: وصل كتابك وفهمته وقد عبت عليك قولك وأعبت عليك والسلام.

===

وقالوا: " اللحن في الكتاب أقبح منه في الخطاب ".

وأكثـر العلمـاء يلحـن فـي كلامـه لئـلا ينســب إلــى الثقــل والبغــض فأمــا فــي الكتــاب وإنشــاد الشعــر فــإن

ذلك قبيح غير جائز.

يقـال: لحـن يلحـن لحنـاً فهـو لاحـن إذا أمـال الصـواب عــن جهــة إلــى جهــة أخــرى. وأمــا قولــه عــز وجــل:

" ولتعرفنهـم فـي لحـن القـول " فـإن الكلبـي يقـول فـي لحنـه فـي مــداره. قــال: وحقيقتــه فــي اللغــة إمالــة

الشيء من جهته إما لخطأ أو عمد ليؤرى عن إرادته. قال القتال الكلابي:

ولقد لحنت لكم لكيما تفهموا   ووحيت وحياً ليـس بالمرتـاب

وحكـى الجاحـظ فـي كتـاب البيــان والتبييــن أنــه يستحســن مــن الجاريــة اللحــن وتكــره الفصاحــة. قــال

ولذلك قال مالك بن أسماء الفزاري:

منطـــق رائـــع وتلحــــن أحيــــا   ناً وأحلى الحديث ما كان لحنا

فذهـب بهـذا إلــى لحــن الخطــأ وهــو قبيــح مــن مثلــه وخطــأ فاحــش عليــه أن يتــأول هــذا ثــم لــم يــرض

حتـى احتـج لـه. والــذي أراد مالــك أنهــا فطنــة تأتــي بالشــيء تريــد غيــره وتميــل ظاهــره عــن باطنــه.

وقــد قيــل للجاحــظ: غيــر هــذا فــي كتابــك فإنــه قبيــح فقــال: افعــل ولكــن كيــف لــي بمــا ســارت بــه

الركبان.

===

ويقــال مــن هــذا: فلــان ألحــن بحجتــه مــن فلــان أبــي ألحــن بإمالــة الباطــل إلــى الحــق بفصاحتــه وعلمـــه.

ويصــدق ذلــك قــول رســول اللــه صلــى اللــه عليــه وسلــم: " لعــل أحدكـــم أن يكـــون ألحـــن بحجتـــه مـــن

صاحبه فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فإنما أقطع له قطعة من النار ".

قـال أبــو بكــر: حدثنــا محمــد بــن يزيــد قــال: حدثنــي الجاحــظ عــن أبــي عبيــدة قــال: رآنــي أبــي وأنــا

أكتب كتاباً فقال: " يا بني اجعل فيه لحناً ليزول عنه حرفة الصواب ".

يقــال: لحــن الرجــل يلحــن لحنــاً إذا أخطــأ بتسكيــن الحــاء ولحــن يلحــن لحنــاً إذا أمــال الشــيء إلــى الجهــة

التـــي يريدهـــا. ويجعلـــون هـــذا مكـــان هـــذا إلا أن الاختيــــار فــــي الثانــــي فتــــح الحــــاء. قــــال ابــــن أم

صاحب فحرك الحاء:

غمست عنهم وما ظني مخافتهم   وسوف يعرفهم ذو اللب واللحن

غمســت عميــت. حدثنــا أبــو العينــاء قــال: قــدم أبــو عــلاء المنقــري. مــن الأهــواز فقــال لــي: يـــا أبـــا

عبـد اللـه مــا أكبــر دباءهــا ومــا أبخــل أهلهــا! قلــت: ومــا أكثــر اللحــن فيهــا! قــال: كثيــر جــداً. وكــان

فصيحاً على لحنه.

حدثنـا جبلــة بــن محمــد الكوفــي قــال: حدثنــي أبــي قــال: عــاد بــن أبــي ليلــى بعــض أشــراف الكوفــة

وكـان لـه أخ لحـان فجعـل يقـول: " يـا أخـي افتـح عينـاك حـرك شفتـاك كلـم أبـي عيسـى ". فقـال لـه ابــن

===

قــال الصولــي: وحدثنــا أبــو العينــاء قــال: قــال رجــل لأبــي شيبـــة القاضـــي: علـــي كفـــارة يميـــن فبـــأي

شـيء أكفــر. بدقيقــا بسويقــا. فقــال الرجــل: مــا لحنــت أطيــب مــن لحنــك. وقــال لــه بــن مصقلــة: لــو

كان لحنك من الذنوب لكان من الكبائر.

وقال أبو بكر وأنشدني عون بن محمد:

لقد كان في عينك يا حفص شاغل   وأنـف كمثـل العـود عمــا تتبــع

تتبــع لحنــاً مـــن كلـــام مرقـــش   وأنفك كمثل إيطاء وأنت المرقع

حدثنــا الباجــي قــال: كتــب ابــن الرومــي كتابــاً بخطـــه فلحـــن فيـــه إلـــى أبـــي الحســـن محمـــد بـــت أبـــي

سلالة وقد كان احتبس عن ابن الرومي فكتب إليه ابن الرومي وقد علم بذلك:

ألا أيهـا الموسـوم باســم وكنيــة   وجدناهما اشتقا من الحمد والحسن

أتبخل بالقرطاس والخط عن أخ   وكفاك أندى بالعطاء من المزن

أيغلــــق عنــــي علمــــه بكتابــــه   أخ لي وقلبي عنده علـق الرهـن

عطفناك فاعطف إن كل ابن حرة   أخو مكسر صلب وذو معطف لين

وإن سقطاتي في كتابي تتابعت   فلا تلحني فيما جنيت على ذهني

حدثنــا محمــد بـــن القاســـم بـــن خلـــاد قـــال: حدثنـــي الأصمعـــي قـــال: دخلـــت علـــى مالـــك بـــن أنـــس

===

بالمدينـــة فمـــا هبـــت عالمـــاً قـــط هيبتـــي لـــه فتكلـــم فلجـــن فقـــال: مطرنـــا البارحــــة مطــــراً وأي مطــــراً

فخــف فــي عينــي فقلــت لــه: يــا أبــا عبــد اللــه قــد بلغـــت مـــن العلـــم هـــذا المبلـــغ فلـــو أصلحـــت مـــن

لسانــك! فقــال لــي: فكيــف لــو رأيــت ربيعـــة بـــن عبـــد الرحمـــن! قلنـــا لـــه: كيـــف أصبحـــت فقـــال:

بخيراً بخيراً.

وما أحسن ما قال بعض الزهاد: " أعربنا في كلامنا فما لحن ولحنا في كلامنا فما أعرب ".

التوقيع والإيجاز:

يقـال: وقعـت فـي الشـيء أوقــع توقيعــاً وكتــاب موقــع فيــه ورجــل موقــع فــإذا أمــرت قلــت: وقــع فيــه.

وحقــه فــي اللغــة التأثيــر القليــل الخفيــف يقــال: دف هــذه الناقــة موقــع إذا أثــرت فيــه حبــال الأحمـــال -

والدف الجنب - تأثيراً خفيفاً.

وحكى العتبي أن أعرابية قالت لخل لها: حديثك ترويع وزيارتك توقيع.

وقــال جعفــر بــن يحيــى لكتابــه " إن استطعتــم أن تكــون كتبكــم كالتوقيعــات فافعلــوا ". يريـــد بذلـــك

حضهم على الإيجاز والاختصار.

وحدثنــي أحمــد بــن إسماعيــل قــال: حدثنـــي أحمـــد بـــن محمـــد بـــن إسماعيـــل بـــن صبيـــح قـــال: كـــان

===

أبو سلمة يوقع في الكتـب: " آمنـت باللـه وحـده ". فخرجـت لأبـي اللفائـف الكوفـي صلـة بكتـاب مـن

السفاح فجاء يناشد أبا سلمة وقد تأخر تعليمه فيه:

قل للوزير: أراه الإله في الحق رشده

البــــــــاذل النصــــــــح طوعــــــــاً   لـــــــــــآل أحمـــــــــــد جهـــــــــــده

أطلــــــــت حبــــــــس كتابــــــــي   وحملـــــــــــــــــــه ثـــــــــــــــــــم رده

يــــــا واحــــــد النــــــاس وقـــــــع   آمنـــــــــت باللــــــــــه وحــــــــــده

يقــال أوجــز فــي كلامــه وكتابــه وفعالــه يوجــز إيجــازاً إذا أســرع وخفــف. ومــوت وجيــز وحــي سريــع.

ورجل موجز إذا كان يفعل ذلك. ووجز الكلام بنفسه يجز وجزأ. قال رؤبة:

هــا وجــز معروفـــك بالرمـــاق

التعليم في الكتاب:

يقــال: علمــت فـــي الكتـــاب أعلـــم تعليمـــاً إذا وقعـــت فيـــه خطـــاً تعرفـــه بـــه ويعرفـــه غيـــرك. ولا تقـــل

أعلمــت فيــه. ولا أعلمــت عليــه. ولا تعلمــت فيــه. ومــن العـــرب مـــن يقـــول: أعلـــم كـــذا وتعلـــم كـــذا

بمعنى. وقال:

===

فتعلم بمعنى إعلم.

الإملاء:

يقـال: أمليـت الكتـاب وأمللـت. وقـد نـزل القـرآن باللغتيـن جميعـاً قـال اللــه عــز وجــل: " وقالــوا أساطيــر

الأولين اكتتبها فهي تملى عليه ". وقال جل وعلا: " فليملل وليه بالعدل ". وقال الهذلي:

وإنــي كمــا قــال: تملــي الكتـــا   ب في الـرق أو خطـه الكاتـب

وأصلـه فـي اللغـة مـن الإطالـة. ومنـه الملـوان الليـل والنهــار. ومنــه: " إنمــا نملــي لهــم ليــزدادوا إثمــاً ولهــم

عـذاب مهيــن ". وإنمــا أخرهــم اللــه ليتوبــوا فلمــا كــان تأخيرهــم سبــب إثمهــم وآلتــه آل أمرهــم بسبــب

التأخيـر والإمـلاء إلـى الإثـم. وكمـا قـال عـز وجـل: " فالتقطـه آل فرعـون ليكــون لهــم عــدواً وحزنــاً ".

وهم لم يلتقطوه لذلك ولكن لما آل أمره إلى أن كان لهم عدواً نسب الالتقاط إلى المآل.

وأنشد التنوخي:

وكان لنـا قيـدان قـد أمليـا لنـا   وفي الدهر والأيام للمرء زاجـر

طي الكتاب ودرجه:

يقال طوى الكتاب يطويه طياً وطية واحدة وطواه طية فقال ذو الرمة:

===

ومضى لطيته إذا سافر. وقالوا: الطية البعد وهو عند بعضهم من طي المنازل.

وقــد قيــل: إن طيئــاً سمــي بطيــه للمنــازل وهــذا خطــأ عنــد أكثرهــم يقولــون: فمــن أيــن جـــاءت هـــذه

الهمزة وأصله من الطي. والمحققون في اللغة يقولون: كان كثير القرى وطي المنزل فسمي بهذا.

فعلـــى هـــذا طـــي الكتـــاب سرعـــة إدراجــــه. وكذلــــك أدرج الكتــــاب معنــــاه أســــرع طيــــه فدرجــــه

إدراجـاً. وقــال أبــو عبيــدة: مدرجــة الطريــق التــي يســرع النــاس فيهــا. وناقــة دروج سريعــة. ورجــع

فلــان علــى أدراجــه إذا رجــع فــي الطريــق الــذي جــاء فيـــه. وسالـــت أبـــا تذكـــوان عـــن هـــذه اللفظـــة

فقـــال: حقيقتهـــا أن الكتـــاب إذا أدرج فهـــو علـــى مطـــاو فـــإذا نشـــر رجعـــت تلــــك المطــــاوي إلــــى مــــا

كانت عليه. وقال ابن حذاق في أدرج:

وغسلوني وما غسلت من تفل   وأدرجونـي كأنـي طـي مخـراق

والمشق في اللغة تأثير الشيء بسرعة. قال ذو الرمة:

فكر يمشق طعناً في جواشنهـا   كأنه الأجر في الإقبال يحتسـب

وكثر ذلك في كلامهم حتى صار كل مستلب شيئاً قد مشقه. قال الأخطل:

والخيـل تمشـق عنهــم أسلابهــم   فــي كــل معتــرك وكــل مغـــار

وقالــوا: درج يـــدرج درجـــاً بمعنـــى أدرج وليســـت بالجيـــدة وكلـــه مـــن الإســـراع ومنـــه درج الرجـــل إذا

===

يقــال: طمســت الكتــاب أطمســه طمســـاً إذا عميـــت خطـــه حتـــى لا يقـــرأ. وقيـــل: طمـــس وطمـــس

بمعنى واحد كما قيل جبذ وجذب. وطمس الله بصره إذا أذهب نوره وأخفاه. قال القطامي:

وليلـــة قـــد بـــت مـــا أناملهــــا   فـــي بلـــدة طامســـة أعلامهــــا

وقولــه عــز وجــل: " مــن قبــل أن نطمــس وجوهــاً فنردهــا علـــى أدبارهـــا ". قـــال المفســـرون: نجعلهـــا

كأقفائهــا منبتــاً للشعــر مثــل وجــوه القــردة وقــد نجعــل وجوههــم إلــى ظهورهــم مكــان القفــا. وطمســت

الأثــر محوتــه عــن أبــي زيــد والأصمعـــي. وطلـــس الكتـــاب وطلســـه أيضـــاً محـــاه. والطلســـة الســـواد.

وبعــض أهـــل اللغـــة يقولـــون: هـــو لـــون يقـــارب الســـواد. وأكثـــر مـــا يوصـــف بالطلســـة الذئـــب يقولـــون:

ذئـب أطلـس. والريـاح الطوامـس التـي تذهـب بمعالـم المنـازل تطمسهــا. ويقــال: درس مــا فــي الكتــاب

يـــدرس إذا خفـــي شـــيء بعـــد شـــيء حتـــى يذهـــب أثـــره ومنــــه درس البعيــــر إذا جــــرب كأنــــه يلــــي

بعــض جربــه بعضــاً. وثـــوب درس أي مخلـــق لأنـــه يخلـــق حـــالاً بعـــد حـــال وشـــيء فـــي أثـــر شـــيء.

واختاروا في تعفي الأثر وفي الجرب درس دروساً وفي الثلاثة درس درساً.

درس الكتاب وسرده:

درس الكتـاب والقـرآن يدرســه درســاً إذا قــرأه قــراءة متصلــة يعضهــا ببعــض أو فــي أثــر بعــض. وقــرأ

===

ابـن عبـاس ومجاهـد وعكرمـة وأبـو عمــروا وأهــل المدينــة: " وليقولــوا درســت " قــال المفســرون: يقولــوا

تعلمـــت ذلـــك مـــن اليهـــود ودرستـــه معهـــم. وقـــرئ دارســـت يريـــد دارستهــــم ذلــــك. وقــــرأ الحســــن

درســت أي أخلقــت يقولــون: هــذا الــذي تأتــي بــه قــد جــاء غيــرك بمثلــه وهـــذا مـــن الـــدروس لا مـــن

الــدرس. وقــال التوجــي: درس الشــيء إذا أكثــر قراءتــه وتــردد فيـــه ومنـــه طريـــق مـــدروس تدرســـه

الناس كثيراً.

وكذلــك ســرد الكتــاب يســرده ســرداً شبيــه بقولــه درســه درســـاً ودرع مســـرودة بعضهـــا يتلـــو بعضـــاً

حتى تتم. قال أبو ذؤيب الهذلي:

وعليهمـا مسرودتـان قضاهمــا   داود أو صنــــع السوابــــغ تبــــع

يعني درعين منسوجتين وقضاهمـا عملهمـا. وقـال المفسـرون فـي قولـه عـز وجـل: " وقـدر فـي السـرد "

أي في نسج الحلق ونظمه. وقال مسرودة مسمورة بالحلق.

الخاتم وسببه وما قيل فيه:

حدثنـا إبراهيـم بـن عبـد اللـه اللجـي قـال: حدثنـا أبـو عاصــم الضحــاك بــن مخلــد عــن المغيــرة بــن زيــاد

عـن نافـع عـن ابـن عمـر أن رسـول اللـه صلـى اللـه عليـه وسلـم اتخـذ خاتمـاً مــن ذهــب فلبســه ثلاثــة أيــام

===

ففشـت خواتيـم الذهـب فـي أصحابـه فرمــى بــه واتخــذ خاتمــاً مــن ورق نقــش عليــه: " محمــد رســول

الله " فكان فـي يـده صلـى اللـه عليـه وسلـم حتـى مـات. وفـي يـد أبـي بكـر حتـى مـات وفـي يـد عمـر

حتــى مــات وفــي يــد عثمــان ســت سنيــن فلمــا كثــرت عليــه الكتــب دفعـــه إلـــى رجـــل مـــن الأنصـــار

ليختــم بــه فأتــى قليبــاً لعثمــان رحمــه اللـــه فسقـــط الخاتـــم فـــي القليـــب فالتمســـوه فلـــم يجـــدوه فاتخـــذ

خاتماً من ورق ونقش عليه " محمد رسول الله ".

ولــم يتخــذ صلــى اللــه عليــه وسلــم الخاتــم حتـــى احتـــاج إلـــى مكاتبـــة الملـــوك منصرفـــة مـــن الحديبيـــة

سنــــة ســــت فقيــــل لــــه: إن الملــــوك لا تقبــــل الكتــــاب إلا أن يكــــون مختومــــاً فاتخــــذ خاتمــــاً مــــن فضــــة

ونقش عليه: " محمد رسول الله " محمد سطر ورسول سطر والله سطر.

وحدثنــا محمـــد بـــن أبـــي قريـــش قـــال: حدثنـــا محمـــد بـــن عبـــد اللـــه الأنصـــاري قـــال: حدثنـــا حميـــد

عـن أنـس أن رسـول اللـه صلـى اللـه عليـه وسلـم كتــب إلــى ملــك الــروم " فكتــب ملــك الــروم " لا نقبــل

كتابـــاً إلا مختومـــاً فاتخـــذ خاتمـــاً ونقـــش عليـــه محمـــد رســـول اللــــه محمــــد سطــــر وســــول سطــــر واللــــه

سطر.

ويقــال: ختمــت الكتــاب بغيــر ألــف ولا يقــال: اختمــت فـــإذا أمـــرت قلـــت اختـــم كتابـــك وهـــو الخاتـــم

والخاتـم والخاتـام والخيتـام وجمعـه خياتيـم. وختـم فهـو خاتـم مثـل ضـرب فهــو ضــارب. ويجمــع خاتــم

===

وختمـت الكتـاب وطبعتـه بمعنـى قطعتـه بآخـر العمـل فيـه. ومنـه " الأعمـال بخواتيمهــا " أي بأواخرهــا

التي ينقطع العمل بها. وفلان خاتم القوم وخاتمتهم أي آخرهم.

وقيــل: الختــم الحظــر وقــد حكــي عــن أعرابــي أنــه قـــال: ختمـــت علـــى العيـــون أن تراهـــا يريـــد امـــرأة

المعنـى حظـرت. " وختامـه مسـك " قـال المفسـرون: مقطعـه يوجـد معـه رائحـة المسـك. واختــم أمــرك

بكذا أي اقطعه به. ويروى عن ابن عباس أنه قال: كل كتاب غير مختوم فهو أقلف.

وقـال عمـر بـن الخطـاب رحمـه اللــه يوصــي بالختــم: " طينــه خبــر مــن طنــه ". وفســروا قــول اللــه عــز

وجل: " إني ألقي إلي كتاب كريم " أي مختوم.

والــذي عليــه الكتــاب الحــذاق أن الرئيــس والنظيــر يختــم رقاعــه وتوقيعاتــه إن شــاء وأن مــن دونهــم لا

يختـــم وإن ختـــم وهـــو دون الرئيـــس والنظيـــر لزمـــه إثبـــات اسمـــه علـــى جانـــب كتابـــه الأيســـر تضـــاؤلاً

وتواضعــاً. وكتــب بعــض الكتــاب إلــى رئيــس لـــه: أنـــت - أيـــدك اللـــه - تختـــم رقاعـــك لأنهـــا مطايـــا

بر ولا أختم رقاعي نها حوامل شكر.

وأحسن ما ختم به الرؤساء كتبهم ما عليه اسم الرئيس واسم أبيه.

وقـال بعـض الكتـاب: الــوزارة الختــم والخاتــم لــأن سائــر الأعمــال يباشرهــا بعــض الكفــاة إلا الختــم فإنــه

لابد أن ينتهي الكتب إلى الوزير وتعرض عليه فيختمها بخاتم الملك.

===

وقــال إبراهيــم بــن العبــاس الصولــي: الكتــب مــوات مــا لــم يوقـــع فيهـــا توقيـــع الختـــم وتختـــم فـــإذا فعـــل

ذلك بها عاشت. وقال عمر بن مسعدة: الخط صور الكتب ترد إليها أرواحها.

وكــان محمــد بـــن عبـــد الملـــك الزيـــات إذا أراد أن يختـــم الكتـــب دعـــا بـــدرج فيـــه الخاتـــم فـــإذا جـــيء

بــه وهــو خاتــم الملــك قــام قائمــاً فأخــذه إجلــالاً لـــه ثـــم جلـــس فأخرجـــه وختـــم بـــه ورده إلـــى الـــدرج

وختم عليه.

وكانت بعض الكتاب في أن الختم والتوقيع إلى الرؤساء:

حتـام لا أنفـك حــارس سلبــه   أدعـى فأسمــع مذعنــاً وأطيــع

يتـداول النــاس الرياســة بينهــم   وأروم حظهـــم فـــلا أستطيـــع

وأكلــف العــبء الثقيــل وإنمـــا   يبلـــى بــــه الأتبــــاع لا المتبــــوع

وعليهـــــم الأثقـــــال يحتملونهـــــا   وعلـى الرئيـس الختـم والتوقيــع

فقال آخر:

يا أيها الملك المنفذ أمره شرقاً وغرباً

امنـــــــن بختــــــــم صحيفتــــــــي   مـــا دام هـــذا الطيـــن رطبــــا

واعلــــــــــم بــــــــــأن جفافـــــــــــه   ممـــــا يعيـــــد السهـــــل صعبـــــا

===

قـــل للخليفـــة إن اللـــه سربلـــه   سربال ملك به تمضي الخواتيـم

وقال آخر في الخواتم:

أناس أبو العاصي أبوهم توارثوا   خلافـة مهــدي وخيــر الخواتــم

وقال آخر في الخاتام:

لـو كـان عنـدي مائتــا درهــام   لجــاز فــي أرضهــم خاتامـــي

وفال أعرابي:

يــا مــي ذات المعجــر المنشـــق   أخــذت خاتامــي بغيـــر حـــق

وحدثنــي عمــرو بــن تركــي القاضــي قـــال: حدثنـــا القحذمـــي قـــال: كـــان علـــى خاتـــم البريـــد للأســـرة

صورة ذباب يريدون بذلك أن لا يحجب كما أن الذباب لا يمكن أحداً أن يحجبه.

قــال: وكانــت الخواتــم فــي خزائــن الملــوك لا تدفعهــا إلــى الــوزراء فأطــرد الأمــر علــى ذلــك حتــى ملــك

بنــو أميــة وأفــرد معاويــة ديــوان الخاتــم وولــاه عبيــد بــن أوس الغسانــي وسلـــم الخاتـــم إليـــه وكـــان علـــى

فصـه " لكـل عمـل ثـواب ". وكـان سبـب ذلـك أنـه كتـب لعمـرو بـن الزبيـر إلـى بعــض عمالــه بمائــة ألــف

درهــم ففــرق عمــرو الهـــاء وجعلهـــا يـــاء وأخـــذ مائتـــي ألـــف درهـــم فلمـــا مـــرت بمعاويـــة ذكـــر أنـــه لـــم

يصله إلا بمائة الف درهم فأحضر العامل الكتاب فوقف معاوية على الأمر فاتخذ ديوان الخاتم.

===

يقــال عنـــوان الكتـــاب وعنونتـــه وهـــي اللغـــة الفصيحـــة. وبعضهـــم يقـــول: علونـــت فيقلـــب النـــون لامـــاً

لقـــرب مخرجهمـــا مـــن الفـــم لأنهمـــا يخرجـــان مـــن طــــرف اللســــان وأصــــول الثنايــــا العليــــا. وقــــد قيــــل:

العلـوان فعـوال مـن العلانيـة لأنـك أعلنـت بــه أمــر الكتــاب وممــن هــو وإلــى مــن هــو. وسمعــت أحمــد بــن

يحيى يقول: أعلن أمرنا علوناً وعلناً.

والعنــوان العلامــة كأنــك علمتــه حتــى عــرف بذكــر مــن كتبــه ومــن كتــب إليــه. قــال حســان بــن ثابــت

يرثي عثمان بن عفان رضي الله عنه:

ضحوا بأشمط عنوان السجود به   يقطــع الليـــل تسبيحـــاً وقرآنـــا

وقـــال المأمـــون لرجـــل رآه فـــي موكبـــه فلـــم يعرفـــه وكـــان جسيمـــاً: مـــا هـــذه الجسامـــة قـــال: " عنــــوان

نعمة الله ونعمتك يا أمير المؤمنين ".

ويروى أن معاوية قال لبعض العرب مثل ذلك فأجيب بهذا الجواب.

وأول مـن كتـب " مـن عبـد اللـه فلـان أميـر المؤمنيـن ". كــان يقــال لأبــي بكــر رضــي اللــه عنــه وهــو أول

من سمي " أمير المؤمنين ". كـان يقـال لأبـي بكـر رضـي اللـه عنـه " خليفـة رسـول اللـه " ثـم قيـل لعمـر:

" خليفـة رسـول اللـه " فدخـل المغيـرة بـن شعبــة علــى عمــر فقــال: " السلــام عليــك يــا أميــر المؤمنيــن "

قال عمر: وما هذه قال: ألسنا المؤمنين وأنت أميرنا فكان أخف من الأول فجروا عليه.

===

قالـــوا: والأحســـن فـــي عنـــوان الكتـــاب إلـــي الرئيــــس أن يعظــــم الخــــط ويفخمــــه إذا ذكــــرت كنيتــــه أو

نسبتـه إلـى شـيء وأن تلطـف الخـط فـي اسمـك واسـم أبيــك وتجمعــه. وقــال المحققــون مــن الكتبــة: إن

فــي ذلــك إخلــالاً للمكتــوب لــه وفــي مخالفتــه غــض منــه وتطـــاول عليـــه. وإن كانـــت آخـــر الكلمـــة يـــاء

مثــلاً كأبــي علــي وأبــي عيســى وأبـــي يحيـــى وأبـــي يعلـــى غرقـــت اليـــاء إلـــى قـــدام ولـــم تردهـــا إلـــى

خلف فقد حكي في ذلك شيء مليح.

حدثنــي أبــو المرزيــان قــال: قــال لــي محمــد بـــن يزيـــد الأمـــوي الشاعـــر: استحسنـــت مـــن عيســـى بـــن

فرخانشــاه شيئــاً رأى كاتبــاً لــه قــد كتــب اسمــه عيســى فــرد اليــاء إلـــى خلـــف عيســـى فقـــال: قولـــوا

لهـــذا الكاتـــب لا تعـــد لمثـــل هـــذا فـــإن أيســـر مـــا فيـــه أن اليـــاء إذا كانـــت إلـــى قـــدام كـــان ذلـــك فـــألا

للإقبال وفي ردها فأل لللإدبار وقالوا: مع هذا فهو أبهى للخط وأفسح للشكل.

ويعنــون إلــى الأميــر بالإســم والتأميــر بغيــر دعــاء ولا كنيــة اكتفــاء بجلالـــة التأميـــر والإســـم مـــع التأميـــر

أجـل مـن الكنيـة لأنـه أشبـه بمكاتبــة الخلفــاء لأنهــم يقولــون فــي التصديــر للإمــام " لعبــد اللــه فلــان الإمــام

أميـر المؤمنيـن " ولا يأتـون بكنيـة فكذلـك شبهـوا هــذا بــه فكــان الإســم مــع التأميــر أجــل مــن الكنيــة.

ثم يكتبـون فـي التصديـر للإمـام " لعبـد اللـه فلـان الإمـام أميـر المؤمنيـن ". ولولـي العهـد للأميـر أبـي فلـان

فلان بن فلان كناه الإمام أو لم يكنه فرقوأ بينه وبين الإمام.

===

وقــد يذكــر الإمــام فــي سكــة الضــرب باسمــه ويذكــرون ولــي العهــد يكنيتــه كمــا ذكــرت لــك. وقولهـــم

لأبــي فلــان حقيقتهــا إلــى أبــي فلــان والأصــل مــن فلــان إلــى فلــان فلمــا قــدم ذكــر المكتــوب إليــه أقامــوا

اللـام مقـام إلـىن وقـد قـال اللـه عـز وجـل: " بـأن ربـك أوحـى لهـا " أي أوحـى إليهـا. وحــروف الخفــض

ينقل بعضها من بعض قال الله عز وجل: " ولأصلبنكم في جذوع النخل " أي على جذوع النخل.

وقال الشاعر:

إذا رضيـت علــي بنــو قشيــر   لعمــر اللــه أعجبنــي رضاهــا

وهـــذا كثيـــر جـــداً. وقـــال بعـــض الكتـــاب: اللـــام لمخاطبـــة الجليــــل وإلــــى لمخاطبــــة الأدنــــى فالأجــــل

يكتب من فلان بن فلان إلى فلان بن فلان والنظراء ومن دون يكتبون لأبي فلان من فلان.

وقد عنون أحمد بن يوسف كتابه بشعر فكتب إلى طاهر بن الحسين:

للأميـــــــــــــــــــر المهـــــــــــــــــــذب   المكنـــــــــــــــــــى بطيـــــــــــــــــــب

ذي اليمنين طاهر بن الحسين بن مصعب

وكتب عقال بن شيبة إلى المسيب بن زهير الصبي:

للأميـــر المسيـــب بــــن زهيــــر   مـن عقـال بـن شبـة بــن عقــال

وكتب آخر إلى نصر بن حمزة الخزاعي:

===

وكتب إليه ابن الحباب:

لأبـــي الفضـــل شبـــة الغســـان   المرجــى لدفــع ريـــب الزمـــان

مـن أخ لـم يـزل يجـد لـه الــوص   ل علــى حيــن جفــوة الإخــوان

وعنون أبو نواس كتاباً له:

هــــذا كتــــاب بدمــــع عينـــــي   أملــــاه قلبــــي علـــــى لسانـــــي

إلــــى حبيــــب كنيـــــت عنـــــه   أجــــل ذكـــــر اسمـــــه لسانـــــي

حدثنا اليزيدي قال: كتب أحمد بن إسماعيل إلى عرام وهو بالكوفة مع مولاه كتاباً عنوانه:

دمـــــــوع العيــــــــن مذروفــــــــه   ونفـــــس الصــــــب مشغوفــــــه

مـــن المشـــوق إلـــى البـــدر ال   ذي يطلـــــــــــــــع بالكوفــــــــــــــــه

وحدثنــي أحمــد بـــن محمـــد الأســـدي قـــال: كتـــب رجـــل إلـــى المهـــدي كتابـــاً عنوانـــه " عبـــده فلـــان "

فقـال: لا أعلمـن أحـداً نسـب نفســه إلــى عبــودة فــي كتــاب أو عنــوان فإنــه ملــق كــاذب وليــس يقبلــه إلا

غبي أو متكبر.

وحدثنـي عبيـد اللـه بـن عبـد اللـه بـن طاهـر قـال: رأى طاهـر بـن الحسيــن رقعــة كتبهــا ابنــه عبــد اللــه

بـن طاهـر إلـى المأمـون عليهـا " عبـده " فقـال: يـا بنـي سميتـك عبـد اللـه وكذلـك أنـت فــلا تشركــن فــي

===

وقال إبراهيم بن الحسن بن سهل يرثي أخاه:

قـد كنـت عنـوان كـرام مضــوا   فمـت فاختلـت أصـول الكـرام

وحدثنـا أبـو ذكـوان عـن التنوخـي قــال: يقــال: عنــوان الكتــاب وعينانــه وعلوانــه. والعنــوان الأثــر الــذي

يعــرف بــه الشــيء. وتقــول العــرب: مــا عنــوان بعيــرك أي مـــا أثـــره الـــذي يعـــرف بـــه. وتقـــول علونـــت

الكتـــاب أعلونـــه علونـــة وعلوانـــاً فـــإذا أمـــرت قلـــت: علـــون يـــا معلــــون وعنونتــــه عنونــــة وعنوانــــاً فــــإذا

أمـرت قلـت: عنــون يــا وعنــون. ومــن قــال: عنيــت الكتــاب قــال: عنــن. ومــن قــال: عنيــت الكتــاب

أبدل مكان إحدى النونان ياء فقال: عنِّ يا معنى مثل غنِّ يا مغني.

قـــال أبـــو بكـــر: حدثنـــا أحمـــد حدثنـــا أحمـــد بـــن يحيـــى قــــال: كتــــب رجــــل إلــــى الزبيــــر بــــن بكــــار

يستجفيه فكتب إليه الزبير:

ما غير الدهر وداً كنت تعرفه   ولا تبدلت بعـد الذكـر نسيانـا

ولا حمدت وفاء من أخي ثقـة   إلا جعلتك فوق الحمـد عنوانـا

المقادير التي يكتب فيها من القراطيس:

قــــال أبــــو بكــــر: سمعــــت أحمــــد بــــن إسماعيــــل بــــن الخصيــــب الكاتــــب يقــــول: الأئمــــة يوقعــــون فـــــي

===

السجلــات ويكتــب الإمــام فــي الثلثيــن مــن الطومــار إلــى ملــوك الملــك وإلــى عمالــه ويكتــب عمالـــه إليـــه

في مثل ذلك ويكاتبه وزيره في النصف في أمور العامة الديوانية.

فأمــا الخــاص الــذي يكتبــه بخطــه أو يكتــب بيــن يديــه بإملائــه ففــي خمسيــن ويكاتبونــه فـــي مثـــل ذلـــك

فـي الخـاص والعـام إلا مـن كـان منهــم فــي أدنــى الطبقــات فإنــه لا يكاتــب إلا فــي النصــف فــي الحالتيــن

جميعاً.

وتتكاتـب الأكفـاء فـي الأثلـاث والأربـاع وتتحمـل المـودة بينهــم كــل شــيء حملتــه مــن التسمــح فــي ذلــك

والأسداس للتوقيعات.

وقال بعض الكتاب:

أنت لما ابتدأت تكتب في الأن   صاف خفنا من قلة الإنصاف

وعلمنــــا بــــأن مثلــــك لا يـــــج   مـع بيـن الإنصـاف والأنصــاف

وقال آخر وكتب إليه في سدس:

تكاتبني بالسدس جهلاً بقدره   لئن كان في التعريف يكتب بالأمس

إذا ما التعاويذي فارق رسمه   فليـس بمأمـون التغيـر والنكـس

ولولا حنين هاجـه مثـل سائـق   إلى الخط في التعويذ لم يعن بالسدس

===

واحتج آخر في أن كتب في ظهر فقال:

كتبـت إليـك فـي ظهـر لعلمــي   ومعرفتـــــي بحبـــــك للظهــــــور

فقلبه ابن الرومي فقال:

عشقـــــــك الغلمـــــــان مـــــــا أم   كنــــــــــك النســــــــــوان أفــــــــــن

إنمــــــا يكتــــــب فــــــي الظـــــــه   ر إذا أعـــــــــــــــوز بطــــــــــــــــن

وقــد كــره النــاس الظهــور وأمــر بتـــرك استعمالهـــا فـــي النســـخ وإنشائهـــا فكيـــف فـــي المكاتبـــة. وقيـــل

هـــي تفســـد النيـــات وتذيـــع الأســـرار بمـــا فـــي باطنهـــا وتشعـــث الخطـــوط وتغـــض مــــن سمــــو الدولــــة

وتحقـر مـن قـدر المعنـى أكثـر ممـا بقــدر منهــا مــن الارتفــاق والقيمــة بينهــا وبيــن النقــي. وأكثــر مــا يكــون

إنصاف كتب مقطوعة وإذا كانت كذلك كانت جنونا ولهذا قال أبو تمام:

عـــذل شبيـــه بالجنــــون كأنمــــا   قرأت به الورهاء سطر كتـاب

واعتذر آخر من كتابته في الظهر فقال:

إن كتابــــي لــــك فــــي الظهــــر   يخبـــــر أنـــــي ظاهــــــر الفقــــــر

فاعذر بنفسي أنت من سيـد   فالعـــذر أولـــى بالفتـــى الحــــر

واعلـم وإن كنـت الـذي علمــه   يفـــوق علـــم البــــدو والحضــــر

===

الدعاء في المكاتبة وترتيبه والزيادة والنقص فيه:

قـــال أبـــو بكـــر: اختـــار مشائـــخ الكتــــاب أن تكــــون كتــــب الــــوزراء النافــــذة عــــن الخلفــــاء بغيــــر تــــاء

المخاطـب ولا نـون الجمـع فيقـول عنـه: " فعلـت كـذا أو فعلنـا كـذا " بـل يقـول فــي كتبــه عنــه وتوقيعاتــه

" فعـل أميـر المؤمنيــن كــذا فامتثــل مــا أمــر بــه أميــر المؤمنيــن " وقــد ذكرنــا فــي التكاتــب مــا يغنــي عــن

إعادته.

ويكاتــــب الوزيــــر النــــاس علــــى مقاديرهــــم ورتبهــــم فــــي السيــــف والقلــــم ومنازلهــــم فدعــــاؤه لأمــــراء

الأقاليــم الكثيــرة المجمـــوع لهـــم حربهـــا وخراجهـــا وسائـــر أعمالهـــا كدعـــاء النظيـــر إذا نقـــص قليـــلاً فـــي

صــــدور كتبــــه ويختمهــــا بمثــــل ذلكــــن ولا بــــأس عندهــــم إن ذكــــر فيهــــا تفديــــة. فأمــــا دعاؤهــــم لـــــه

فاختـــاروا أن يكـــون بغيـــر التصديـــر وبالـــوزارة علـــى حســـب قـــوة أمرهــــم وتعززهــــم ومواقعهــــم مــــن

حسن رأي إمامهم. ومنهم من يدعو بالتوزير راغباً وراهباً.

وكــان عبيــد اللــه بــن سليمــان نقــص خمارويــه بــن طولــون فــي دعائــه فــرد عليــه مثلــه. فأجابــه عبيــد

الله بتمام الدعاء وأحال بالذنب على كاتبه.

وكــان القاســم بـــن عبيـــد اللـــه - لمـــا استـــوزر مكـــان أبيـــه - يكاتـــب الأميـــر بعـــد بالتأميـــر والدعـــاء

===

ومـن الـوزراء مـن يدعـو لبعـض هـؤلاء: " أطـال اللـه بقـاءك " أو " أدام عـزك " ومنهــم: " أدام اللــه عــزك

وأطــال بقــاءك ". فأمــا مــن دون هــؤلاء فيكاتبهــم: " أعــزك اللــه وأمــد فــي عمــرك ". وإلــى مــن دون

هؤلاء: " مد الله في عمرك وأكرمك وأبقاك " وإلى من دون هؤلاء: " وأبقاك الله وحفظك ".

قال: وأول من كتب: " عافانا الله وإياك من السوء " معاوية.

وكتب عبد الحميد إلى صديق له: " جعلت فداك من السوء كله ".

وحدثنــي أبــو القاســـم إسماعيـــل المحاملـــي قـــال: حدثنـــا أبـــو العينـــاء قـــال: كتبـــت إلـــى صديـــق لـــي:

" جعلـت فـداك مـن السـوء كلـه " فلقينـي بعـد ذلـك فقـال لـي: أنـا أستفيــد منــك أبــداً لا عدمــت ذلــك

وقد كتبت إلي: " جعلت فـداك مـن السـوء كلـه ". فلقينـي بعـد ذلـك فقـال لـي: أنـا أستفيـد منـك أبـداً

لا عدمـت ذلــك وقــد كتبــت إلــي: " جعلــت فــداك مــن الســوء كلــه " أعــزك اللــه مــا الســوء كلــه قــال:

فعجبت وضحكت وقلت: نلتقي بعد هذا وتقع الفوائد.

ولا يتسمــى الوزيــر ولا يتكنـــى علـــى عنـــوان كتابـــه إلـــى أمثـــال هـــؤلاء ولكـــن يجعـــل العلـــوان: " لأبـــي

فلان " في أحد سطريه وفي السطر الآخر: " فلان بن فلان ".

وقـال طاهـر بـن الحسيـن - وهـو يحـارب الأميـن وكـان أبــو عيســى بــن الرشيــد معــه - لكتابــه: اكتبــوا

إلــى أبــي عيســى كتابــاً تتقربــون بــه إليــه وتتباعــدون ولا تطعمــوه ولا تؤيســوه. فقلـــوا: إن رأى الأميـــر

===

بسم الله الرحمن الرحيم.

حفظــك اللــه وأبقــاك وأمتــع بــك وعزيــز علــي أن أكتــب إلــى صغيــر منكــم أو كبيــر بغيــر التأميـــر وقـــد

بلغنـي عنـك ممالـأة للمخلـوع! فـإن كـان ذلـك منـك ميـلاً علـى أميــر المؤمنيــن فقليــل مــا أكاتبــك بــه كثيــرا

وإن كنـت كمـا قـال اللـه: " إلا مـن أكـره وقلبـه مطمئـن بالإيمـان " فالسلــام عليــك أيهــا الأميــر ورحمــة اللــه

وبركاته.

وقــال بعــض الكتــاب: مــا أدري مــا معنــى المصارفــة فــي تقديــم إطالــة البقــاء فـــي " أطـــال اللـــه بقـــاك

وأعـزك " وتأخيـره فـي " أعـزك اللـه وأطـال بقـاك " الأفضـل التقديـم والتأخيـر فـي أنفسهـم وإلا فالعطـف

بالــواو وهــي تجــيء للاشتــراك فيدخــل الثانــي مــن الدعــاء فــي معنــى الــأول وقــد قــدم اللــه عــز وجــل

لمــا كــان العطــف بالــواو مؤخــراً علــى مقــدم فقــال: " واسجــدي واركعــي مـــع الراكعيـــن " وقـــال: " يـــا

معشر الجن والإنس:..

وعلـــى أن المؤخـــر قـــد قـــدم وأخـــر المقـــدم بغيـــر الــــواو مــــن حــــروف العطــــف قــــال اللــــه عــــز وجــــل:

" اذهـب بكتابـي هـذا فألقــه إليهــم ثــم تــول عنهــم فانظــر مــاذا يرجعــون " قالــوا: وإذا تولــى لــم يعــرف

شيئـاً والمعنــى مقــدم ومؤخــر كأنــه فانظــر مــاذا يرجعــون ثــم تــول عنهــم. وقــال عــز وجــل: " مــن بعــد

وصيــة يوصــى بهــا أو ديــن " والديــن قبـــل الوصيـــة وهـــذا كثيـــر فـــي الشعـــر واللغـــة قـــال: فلـــم تستـــن

===

وقـال بعضهـم: لا أعـرف الصـرف بيـن " أطـال اللـه بقـاك " وبيــن " مــد اللــه فــي عمــرك " إلا مــا رتبــوه

واستعملوه ورسموه. ومن يصارف في القليل من هذا ويشح عليه أكثر.

وكــان أحمــد بـــن ثوابـــة أشـــد النـــاس فـــي هـــذا كتـــب إليـــه ابـــن أبـــي خالـــد رقعـــة يؤانســـه فيهـــا ذكـــر

أولادهما فقال: " ولو كانوا بني وبنيك ". فقال: يقدم ذكر بنيه على بني لا كاتبته أبداً.

واجتنبـوا أن يقولـوا للوزيـر فـي الدعـاء " جعلنـي اللـه فـداءك " مــن أجــل أن الشــيء إنمــا يفــدى بمثلــه أو

بأجـل منـه وليسـوا كذلـك. وفـي هـذا الـذي ذهبـوا إليــه خبــر مليــح اعترضنــي حدثنــا بــه أبــو العبــاس

أحمـد بـن يحيـى ثعلـب قـال: حدثنـي عبـد اللـه بـن شبيـب قــال: كتــب إلــي بعــض إخوانــي مــن البصــرة

وقـد تأخيـر عنـه كتابـاً أوجـز فيـه وملـح: أطـال الـه بقـاك كمـا أطــال جفــاك وجعلنــي فــداك إن كــان فــي

فداؤك وقال:

كتبت ولو قدرت هوى وشوقاً   إليك لكنت سطراً في الكتاب

قال محمد بن يحيى الصولي: والبيت لأبي تمام.

وكتب آخر إلى أحمد وإبراهيم ابني المدبر وقد نالتهما محنة وردفتهما نعمة:

بسم الله الرحمن الرحيم:

لـــو قبلـــت عنكمـــا أو دانيـــت قدركمـــا لقلـــت: جعلنـــي اللـــه فـــداءً لكمـــا. ولكنـــي لا أجـــزي عنكمـــا

===

ولا أقتــل بكمــا. وقــد بلغنــي المحنــة التــي لــو مــات إنســان بهــا لكنتــه ثــم اتصلــت بــي النعمــة التــي لــو

طال إنسان فرحاً بها لكنته. وتحت هذه:

وليس بتزويق اللسان وصوغـه   ولكنه قد خالط اللحم والدما

حدثنـــا بذلـــك إبراهيـــم بـــن المدبـــر وهـــذا رأي لـــم يكـــن القدمـــاء يرونـــه بــــل كانــــوا يخاطبــــون الخلفــــاء

بالتفدية فضلاً عن الوزراء.

وحدثنــي محمــد بــن يزيــد المبــرد قـــال: ســـأل المأمـــون أبـــا محمـــد يحيـــى بـــن المبـــارك عـــن شـــيء فقـــال

لـــه: " لا وجعلنـــي اللـــه فـــداءك يـــا أميـــر المؤمنيـــن " فقـــال: للـــه درك مـــا وضعــــت واواً قــــط موضعــــاً

أحسن من موضعها في لفظك. ووصله وجمله.

قـــال: وهـــذا لفضـــل أدب المأمــــون علــــم أن الفديــــة مــــن أخلــــص الدعــــاء والطــــف التوســــل وأن غايــــة

موجـــود الإنســــان وأنفــــس ذخائــــره نفســــه جلــــت أم قلــــت. وقــــد قــــرئ فــــي الكتــــاب خيــــر الأوليــــن

والآخريـــن وأجلهـــم قـــدراً وأعظمهـــم خطـــراً محمـــد صلـــى اللـــه عليـــه وسلـــم قـــال لـــه بـــن ثابــــت فــــي

جوابه لأبي سفيان بن حرب:

هجـوت محمـداً فأجبــت عنــه   وعنـــد اللـــه فـــي ذاك الجـــزاء

أتهجـــــوه ولســـــت لـــــه بنـــــد   فشركمـــــا لخيركمــــــا الفــــــداء

===

وقــد اختــار الكتــاب أن يسقطــوه مــن مكاتبــة القضــاة هــذا الدعــاء وذهبــوا إلــى انــه ليــس مـــن أبـــواب

حقيقــة الجـــد. وقـــال قمامـــة كاتـــب عبـــد الملـــك بـــن صالـــح: يجـــب أن يوفـــر التأييـــد علـــى أصحـــاب

السيــوف دون القضــاة لأنهــم أولــى بــأن يدعــى لهــم بالقــوة. قــال لـــه عمـــرو بـــم مسعـــدة: القضـــاء إلـــى

التأييد في أحكامهم أحرج لأنها في الدماء تمضي وفي الفروج والأموال.

وكتب ابن ثوابة إلى عبيد الله بن سليمان يعتذر إليه من تركه مكاتبته بالنقدية:

" اللـه يعلــم - وكفــى بــه عليمــا - لقــد أردت مكاتبتــك بالتفديــة فرأيــت هيبــاً أن أفديــك بنفــس لابــد

لهــا مــن الفنــاء ولا سبيــل لهــا إلــى البقــاء. ومــن أظهــر لــك شيئـــاً يضمـــر خلافـــه فقـــد غـــش وألـــام إذ

كانــت الضــرورة توجبــه وتحقــق أنــه ملــق لا يتحقــق وعطـــاء لا يتحصـــل وإن كـــان عنـــد قـــوم نهايـــة مـــن

نهايات التعظيم ودليلاً من دلالات الاجتهاد وطريقاً من طرق التقرب ".

وكتب ابن القرية إلى بعض أصحابه وذكر نفسه فقال: " وجعلها فداءك طيبة لك بذلك ".

ومـــا أحســـن كتابـــاً كتبـــه أحمـــد إسماعيـــل إلـــى بعـــض الكتـــاب وقـــد نـــال رتبــــة فنقــــص إخوانــــه فــــي

الدعاء:

" الكبــر أعــزك اللــه معــرض يستــوي فيــه النبيــه ذكــراً والخامــل قــدراً. ليــس أمامــه حجـــاب يمنعـــه ولا

حاجــز يحظــره. والنــاس اشــد تحفظــاً علـــى الرئيـــس المحظـــوظ وأكثـــر اجتـــلاء لأفعالـــه وتتبعـــاً لمعائبـــه

===

وتصفحـــاً لأخلاقـــه وتنفيــــراً عــــن خصالــــه منهــــم عــــن خامــــل لا يعبــــأ بــــه وساقــــط لا يكتــــرث بــــه.

فيسيــر عيــب الجليــل يقـــدح فيـــه وصغيـــر الذنـــب يكبـــر منـــه وقليـــل الـــذم يســـرع إليـــه. والحـــال التـــي

جددهـــا اللـــه لـــك وإن كنـــت أراهـــا دون حقـــك وناقصـــة عـــن همتـــك وأرضــــاً عنــــد سمائــــك حــــال

الحاسد عليها كثير وآمال المنافسين إليها تسير.

والمــــودة تقتضــــي النصيحــــة والمقــــة تدعــــو إلــــى صــــدق المشــــورة. وليــــس يحــــرس النعمــــة ويحوطهــــا

ويحســــم الأطمــــاع ويصرفهــــا ويستجيــــب القلــــوب النافــــرة ويطلقهــــا إلا تــــرك مـــــا أراك تستعملـــــه فـــــي

ترتيـــب المكاتبـــة وتمييـــز المخاطبـــة والمحاضـــة فـــي الفـــاظ الدعـــاء والبخـــل بيسيــــر الثنــــاء. وتطبيــــق

إخوانـــك فليـــس مـــن حقـــك أن تحطهـــم حـــال رفعتـــك وأن تنقصهــــم دولــــة زادتــــك. كمــــا ليــــس مــــن

حقك عليهم أن يغالطوك فيمسكوا عن خطابك ويتحاموا عن عتابك ".

تحرير الكتاب:

قـال أبـو بكـر تحريـر الكتـاب خلوصـه كأنــه خلــص مــن النســخ التــي حــرر عليهــا: وصفــا عــن كدرهــا.

وقــال اللــه تعالــى: " إنــي نــذرت لــك مــا فــي بطنـــي محـــرراً " قـــال المفســـرون: جميعـــاً خالصـــاً لبيـــت

المقدس لا تشغله بغير خدمته وحررت الغلام جعلته حراً بين الحرية والحرار.

===

فمــا رد تزويــج عليــه شهــادة   ولا رد من بعـد الحـرار عتيـق

قــد صــار الغلــام حــراً خلــص مــن العبوديــة. ورجــل حـــر خالـــص مـــن العبوديـــة. ورجـــل حـــر خالـــص

من العيوب. وطين حر خالص من الحمأة والرمل.

وســأل أعرابــي فقــال: " أمــا تتفضــل علــى حـــر كريـــم الحروريـــة أو مولـــى كريـــم المولويـــة أو عبـــد كريـــم

العبودية ".

وقــال بعــض الكتـــاب: ليـــس الكتـــاب كـــل وقـــت علـــى غيـــر نسخـــة ويحـــرر بصـــواب وكـــل أوان لأنـــه

ليــس أحــد أولــى بالأنــاة والرويــة وتوقــي الاغتــرار مــن كاتــب يعــرض عقلــه وينشــر بلاغتــه فينبغــي لـــه

أن يعمــــل النســــخ ويخمرهــــا ويقبــــل عفــــو القريحــــة ولا يستكرههــــا ويعمــــل علــــى أن جميــــع النـــــاس لـــــه

أعداء علماء بكتابه متفرغون له منتقدون عليه.

وقـــال آخـــر: إن الابتـــداء بنظـــم الكلـــام ونثـــره فتنـــة تـــروق وحــــدة تعجــــب. فــــإذا سكتــــت القريحــــة

وعــدل التأمــل وصفـــت النفـــس فليعـــد النظـــر وليكـــن فرحـــه بإحسانـــه مساويـــاً لغمـــه بإساءتهـــن فقـــد

قـال الخـوارج لعبـد اللـه بـن وهـب الراسبـي: نبايعـك الساعـة فقـد رأينـا ذاك. فقـال: " دعـوا الــرأي يبلــغ

أنـاه ولا خيـر فـي الـرأي الفطيـر ". وقـال معاويـة لعبـد اللـه بـن جعفــر: مــا عنــدك فــي كــذا فقــال: أريــد

أن أصقل عقلي بنومة القائلة ثم أروح فأقول بعد تأملي بما عندي. وقال الشاعر:

===

فعنــد ذلــك تستعلــي بلاغتـــه   أو يستمـــر بـــه عــــي وإكثــــار

وكـان قلـم ابـن المقفـع يقــف كثيــراً فقيــل لــه فــي ذلــك فقــال: " عــن الكلــام يزدحــم فــي صــدري فيقــف

قلمي لتحيره ".

والكتــاب يتصفــح أكثــر مــن الخطــاب لــأن الكاتــب والمخاطــب مشافــه مضطــر ومــن يــرد عليـــه كتابـــك

ليـــــس يعلـــــم أسرعـــــت فيـــــه أم أبطـــــأت وإنمـــــا ينظـــــر أصبـــــت أم أخطــــــأت أو أحسنــــــت أم أســــــأت

فإبطائك غير قادح في إصابتك كما أن إسراعك غير معيب على غلطك.

ووصـف بعـض الكتـاب النســخ فقــال: ينبغــي أن يصحبهــا الفكــر إلــى استقرارهــا ثــم تحــرر علــى ثقــة

تصحبهــا وتتأمــل بعــد التحريــر مــن أولهــا إلـــى آخرهـــا. فقـــد كتـــب للمأمـــون مصحـــف اجتمـــع عليـــه

عليه فكتب: بسم الله الرحيم وأغفل الرحمن فإن العين لم تعتبر ذلك حتى فطن هو.

وقـال محمـد بـن عبـد الملـك للحسـن بـن وهــب: حــرر هــذه النسخــة وبكــر بهــا فتصبــح بهــا. فقــال لــه

محمد: قد كانت النسخة تامة فلم تصبحت. فقال: حتى تصفحت.

وحدثني أحمد بن إسماعيل قال: كان بعض الأغبياء ينظر في نسخة بعد نفوذ الكتاب فقيل له:

مستلـب اللـب معنـى الشبـاب   عذبــه الهجــر أشــد العـــذاب

يؤمــــــل الصبــــــر وأنــــــى لــــــه   بــه وقــد مكــن منــه التصــاب

===

قــال بعــض الكتــاب: كانــوا يسمــون المحــرر الإمــام لأنــه يأتــي مــن الخــط بمــا يؤتــم. بـــه قـــال: ومـــن هـــذا

كتب الصبي أمامه إنما هو ما يأتم به ويتعلم عليه.

من زيد في دعاء المكاتبة له فشكر:

قــال الصولــي حدثنــا محمــد بــن زيــاد أبــو عبــد اللــه الزيــادي قــال: كـــان العتبـــي محمـــد بـــن عبيـــد اللـــه

صديقاً لعمرو بن عثمان القيني فكتب إليه العتبي كتاباً فزاده في الدعاء فكتب إليه عمرو:

يا ابن الذوائب من قريش والذرى   وسليل سادة ساكني البطحاء

حاشـا لمثلــك أن يرانــي قائــلاً   بكرامـــة تـــزري لديـــه برائــــي

لم ترض إذ كنيتني وبـدأت بـي   حتـى دعـوت اللـه لــي ببقائــي

ولو اقتصرت على التي هي قيمتي   فيمـــا بتـــت قضيـــة الحكمـــاء

لكتبت لي عمرو بن عثمان ولم   تتبعه في العنـوان حـرف دعـاء

فاترك - جعلت فداك - إكرامي بما   أخشى به عند الورى استغباني

فالعين تصغـر أن تقدمهـا علـى   أولــاد حــرب الســادة الكبــراء

حلوا من العز المنيع نيافة     يحمون غيرهم ذرى العلياء

===

حدثنــي أحمــد بــن يحيــى الأســدي قــال: كتــب إلـــي الحسيـــن بـــن سعـــد فنقصنـــي فـــي الدعـــاء فـــي

الدعاء فكتبت إليه:

قـد علمـت أعـزك اللـه أن السبـب فـي العــداوة بيــن محمــد بــن عبــد الملــك الزيــات وإبراهيــم بــن العبــاس

الصولـــي أنـــه لمـــا ولـــي وزارة المعتضـــد نقـــص إبراهيـــم عمـــا يستحقـــه مـــن الدعـــاء فلــــم تحتمــــل ذلــــك

نفسـه ورياستـه وموضعــه مــن الصناعــة والدولــة فعاتبــه فــي ذلــك فلــم يعتبــه فألهــب لــه نــار هجــاء لا

يطفيهــا الدهــر وعلامــة ذلــك قولــه فــي كلــام منثــور قـــد ذكـــره ولـــي هـــذا الأمـــر فمـــا ظـــن أن الرياســـة

تنجــذب إليــه ولا أن العـــز يتحصـــل لـــه بحـــط إخوانـــه عـــن منزلتهـــم ونقصهـــم عـــن مرتبتهـــم فبخسنـــي

في المكتابة وأساءني في المعاملة في كلام له طويل ثم نظم ذلك في شعر فقال:

من رأى في الأنـام مثـل أخ لـي   كان عوني على الزمان وخلـي

رفعتــه حــال فحــاول حطـــي   وأبـــــــى أن يعـــــــز إلا بذلـــــــي

وكان الخطاب في أول الأمر ثم أنحى عليه بالهجاء.

فافتقد - أعزك الله - إنصاف إخوانك وتجنب ظلمهم يصف لك غدير ودهم.

وحدثنـــا محمـــد بـــن العبـــاس الشلمغانـــي قـــال: لمـــا ولـــي ابـــن بشـــر المرثـــدي كتابـــة الموفـــق باللـــه نقــــص

أحمد بن علي المازراني في الدعاء حين كاتبه فكتب إليه:

===

انقصـت الدعـاء لـي منـك لمـا   زادك اللـه رفعــة فــي دعائــي

فلئـــن تــــم مــــا أراه وأصبــــح   ت: وزيــراً لتطعمنــي جزائـــي

قال: فاعتذر إليه وزاده في الدعاء.

وكــان هــذا فــي كلــام منثــور لمــن كــان قبــل المازرانــي: وكنــت آمــل لــك الرفعــة ولــم أدر أنهــا تكسينــي

الضعـــة وأرجـــو لـــك الثـــروة ولـــم أدر أنهـــا تؤدينـــي إلـــى الإضافـــة فكـــان المنـــى طـــرد العنـــى والدعـــاء

سبب الثراء.

وكتـب أبـو حفـص عمـر بـن أيـوب إلــى أبــي الحسيــن أحمــد بــن محمــد بــن المدبــر يعاتبــه فــي أن دعــا لــه

" مد الله في عمرك ":

يــــــــــــا جــــــــــــواداً بالثنـــــــــــــا   وبخيـــــــــــــــــــلاً بالعطــــــــــــــــــــا

إن " مد الله في عمرك " من كتب الجفا

ليس يستعمل هذا الصدر بين الأصفيا

فتفضل يا فتى الناس بتفخيم الدعا

وكتب أحمد بن إسماعيل إلى صديق له نقصه في دعائه ولحن في كتابه:

وما أنـا والكتـاب إلـى صديـق   أديــن مــن الوفـــاء بغيـــر دينـــه

===

وينقصنــي ولــم أنقصـــه حقـــاً   ويخشــن لفظــه مــن بعــد لينــه

فقـــــام كتابـــــه بالـــــرد عنــــــي   لكثــرة مــا تضمــن مــن لحونـــه

وقال أيضاً لآخر فعلبه مثل فعله:

رأيــــــت الرياســـــــة مقرونـــــــةً   بلبـــــــس التكبـــــــر والنخــــــــوه

إذا مـــــا تقمصهـــــا معجــــــب   تتايــــه فـــــي الجهـــــل والخلـــــوه

ويقعــــد عــــن حـــــق إخوانـــــه   وكلهـــــــــم مســــــــــرع نحــــــــــوه

قالــوا: وكمــا أن النقــص عــن الرتبــة مذمــوم فكذلــك طلــب الزيــادة مكــروه لــأن مـــن طالـــب مـــن الدعـــاء

بمــا فــوق محلــه تعــرض لحطيطتــه مــن استحقــاق. وإسقــاط الترتيــب جحــد للحقـــوق وإلحـــاق للجليـــل

بالدقيق. قال: وأنشدني علي بن محمد بن نصر لنفسه في رجل نقصه في الدعاء:

لسانـي بالثنـاء عليــك رطــب   وبالمكـروه إن أحببـت عضـب

أتنقصني الدعاء وذلـك شـيء   على مثلي من الأحرار صعب

فـــإن عاودتـــه فأجبـــت عنـــه   فمـا لـك إن أسـأت إلـي ذنـب

وكتـب عبـد الصمـد بـن المعــدل إلــى صديــق لــه كتابــاً فيــه: " وأمتــع بــك " فكتــب إليــه عبــد الصمــد

وقد روي هذا لغيره:

===

أم هل ترى أن في مكاتبتـي ال   إخواني نقصاً عليك في حسبك

إن جعـــــــا كتــــــــاب ذي أدب   يكون في صـدره: وأمتـع بـك

أتعبــت كفيــك فــي مكاتبتــي   حسبـك ممــا يزيــد فــي تعبــك

ويروى هذا الجواب عن هذا:

كيـف يحــول الإخــاء يــا أملــي   وكــل خيــر أنــال فــي سببـــك

إن كـــان ذنبـــاً جنـــاه ذو ثقـــة   فعـد بفضــل عليــه مــن أدبــك

فاعف فدتك النفوس عن رجل   يعيش حتى الممات في كنفـك

وقـد يزيــد الرئيــس تابعــه فــي الدعــاء إذا كــان مغيظــاً عليــه لشــيء ضــره أو خالفــه فيــه فيجــري ذلــك

مجرى الاستهزاء به وليس ذلك مما ذكرناه أولاً.

وكتـب بعـض الكتـاب إلـى بعـض الأخـلاء مـن إخوانــه وقــد زاده فــي الدعــاء: " علــي - أعــزك اللــه -

الإعظــام والهيبــة فــي هــذه الحــال إلــى مــا لا لــم أزل عليــه قبلهــا مــن الإخلــاص والطاعــة وعليـــك أن لا

يمنعــك النظــر إلــي بعيــن المــودة مـــن الأخـــذ منـــي لنفســـك بحـــق الرياســـة ومـــن أطاعـــك لهـــا رجـــاء أو

هيبة فإني أطيعك لها وداً ومحبة ".

===

يكتـب الإمـام إلـى ولـي عهــد المسلميــن: " مــن عبــد اللــه أبــي فلــان الإمــام الراضــي باللــه أميــر المؤمنيــن

إلــى فلــان ابــن فلــان. سلــام عليــك فــإن أميــر المؤمنيـــن يحمـــد إليـــك اللـــه الـــذي لا إلـــه إلا هـــو ويسألـــه

أن يصلــي علــى محمــد وآلـــه " ثـــم يكتـــب بمـــا يـــراد ثـــم يقـــال: " فاعلـــم ذلـــك مـــن رأي أميـــر المؤمنيـــن

وكتب فلان ابن فلان باسم الوزير وباسم أبيه يوم كذا من شهر كذا من سنة كذا ".

ويكتب عن ولي العهد مثل ذلك إلا أنه يجعل مكان أمير المؤمنين ولي عهد المسلمين.

وكذلك كتب الإمام الديواني إلى الوزير.

وأمـــا مكاتبـــة الـــوزراء أمـــراء الناحيـــة الأجـــلاء المساويـــن والمقارنيـــن فهـــي: " أطـــال اللـــه بقـــاءك وأدام

عــزك وكرامتــك وأتــم نعمتــه عليــك وإحسانـــه إليـــك وعنـــدك ". وربمـــا زيـــدت لفظـــة ونقصـــت لفظـــة

ودون هذا قليلاً " أطال الله بقاءك وأعزك أكرمك وأتم نعمته عليك وإحسانه إليك ".

وأول مــن كتــب: " أطــل اللــه بقــاء أميــر المؤمنيــن وأدام عــزه " سليمــان بــن وهــب وكــان: " وأعــزه ".

ودون هــذا: " أدام اللــه عــزك وأطــال بقــاءك وأدام كرامتــك وأتــم نعمتــه عليـــك وأدامهـــا لـــك ". ودون

هــذا: " كرمــك الــه وأبقــاك وأتــم نعمتــه عليــك وأدامهـــا لـــك ". ودون ذلـــك هـــذا الدعـــاء بإسقـــاط:

" وأدامهــا " ودون ذلــك: " حفظــك اللــه وأبقــاء وأمتــع بــك " ودونهــا: " عافــان اللــه وإيــاك مــن الســوء

برحمتـه ". فأمــا مكاتبــات النــاس إلــى الإمــام أو إلــى ولــي العهــد أو إلــى الوزيــر فيكتــب: " لعبــد اللــه

===

فلــان بــن فلــان إلــى كــذا أميــر المؤمنيــن سلــام علــى أميــر المؤمنيــن ورحمـــة اللـــه وبركاتـــه. فإنـــي أحمـــد

إلــى أميــر المؤمنيــن اللــه الــذي لا إلــه إلا هــو وأسألــه أن يصلــي علــى محمــد عبــده ورسولــه صلـــى اللـــه

عليـه وسلـم " ويكـون ذلـك فـي سطريـن وبعـض آخـر ثـم يقـال: " أمـا بعـد أطـال اللـه بقـاء أميـر المؤمنيــن

وأدام عـــزه وتأييـــده وكرامتـــه وسعادتـــه وحراستـــه وأتـــم نعمتـــه عليـــه زاد فــــي إحسانــــه إليــــه بفضلــــه

عنـده وجميـل بلائــه لديــه وجزيــل قسمــه لــه " ويكــون فــي سطريــن. ثــم يقــال بعــد ذلــك: " فقــد كــان

كذا " لأن جواب " أما بعد " بالفاء فقد كان كذا وكذا.

فـإذا أتـى علـى جميــع المعانــي المحتــاج إلــى المكاتبــة فيهــا فبلــغ إلــى الدعــاء قــال: " أتــم اللــه علــى أميــر

المؤمنيـــن نعمـــه وهنـــاه كرامتـــه وألبســـه عفـــوه وعافيتـــه وأمنـــه وسلامتـــه والسلـــام علـــى أميـــر المؤمنيــــن

ورحمة الله وبركاته. وكتب فلان ابن فلان يوم كذا في شهر كذا ".

وإلـــى ولـــي العهـــد والوزيـــر مثـــل ذلــــك إلا أن الفــــرق بيــــن الإمــــام وبينهمــــا أن يكتــــب إلــــى الإمــــام مــــع

السلام " وبركاته " وفي آخر الكتابة مثل ذلك ويحذف " وبركاته " إلى هذيـن فـي التصديـر ويثبـت فـي

آخر الكتاب وقد ذكرت لك فيما تقدم.

ويكاتـــب الوزيـــر أيضـــاً الإمــــام لغيــــر تصديــــر إذا لــــم تكــــن الكتــــب منشــــأة مــــن الدواويــــن. ويكاتــــب

الوزيـر فـي الحوائـج لغيـر تصديـر وإذا كوتــب أميــر أو قــاض: " أطــال اللــه بقــاء الأميــر أو القاضــي " لــم

===

ومكاتبة النظراء تحتمل كل شيء على حسب المودة.

قراءة الكتاب بعد كتبه وما جاء في ذلك.

قـــال محمـــد بـــن يحيـــى الصولـــي: حدثنـــا أبـــو محمـــد عبـــد اللـــه بـــن أحمـــد بــــن عتــــاب قــــال: حدثنــــا

الحســن بــن عبــد العزيــز الجــروي قــال: حدثنــا عبـــد اللـــه بـــن يحيـــى قـــال: أخبرنـــا نافـــع بـــن يزيـــد عـــن

عقيـل عـن ابـن شهــاب عــن ابــن سليمــان بــن زيــد بــن ثابــت عــن أبيــه عــن جــده قــال: " كنــت أكتــب

الوحــي عنــد رســول اللــه صلــى اللــه عليــه وسلــم وهــو يملــي علـــي فـــإذا فرغـــت قـــال: اقـــرأه فأقـــرؤه

فإن كان فيه سقط أقامه ".

وقال بعض الكتاب:

المــــح كتابــــك حيــــن تكتبـــــه   واحرسه من وهم ومن سقـط

واعرضـــــه مرتابـــــاً لصحتـــــه   مـا أنــت معصــوم مــن الغلــط

وروي عـــن الأوزاعـــي أنـــه قـــال: العجـــم نـــور الكتــــاب وإذا لــــم يعــــرض الكتــــاب فمثلــــه مثــــل رجــــل

دخل الخلاء فلم يستنج.

ما جاء في رد جواب الكتاب والحض على التكاتب:

===

قـــال الصولـــي: حدثنـــا أبـــو القاســـم محـــول المستملـــي قـــال: حدثنــــا محمــــد بــــن حميــــد قــــال: حدثنــــا

حكـام قـال: حدثنـا عتبـة عـن العبـاس بــن دريــح عــن الشعبــي عــن ابــن عبــاس قــال: أرى رد الجــواب

- جواب الكتاب - كرد السلام.

أنشدني عبيد الله بن عبد الله بن طاهر لنفسه:

حـق التنائـي بيـن أهــل الهــوى   تكاتــب يسخــن عيــن النـــوى

وفي التدانـي لا انقضـى عمـره   تـــزاور يشفـــي غليـــل الجـــوى

ونحوه لغيره:

إذا الإخـــوان فاتهــــم التلاقــــي   فـلا صلـة بأحسـن مــن كتــاب

إذا جـاء الكتـاب إلـى صديـق   فحــــق واجــــب رد الجـــــواب

ومن مليح ما قيل في التكاتب:

هل تذكرين إلى التجـاوز بيننـا   ثمر على الشجر الذي لم يغرس

إذ سر قلبي فـي يديـك ومثلـه   لك في يدي من الفصيح الأخرس

ومــن مليــح مــا قيــل فــي استبطــاء الجــواب أبيـــات كتبـــت بهـــا فـــي صـــدر قصيـــدة لـــي سيدنـــا أميـــر

المؤمنين أطال الله بقاءه وهو إذ ذاك أمير:

===

فإذا ما شكـوت ذاك وعاتـب   ت: أتاني على العتـاب عتـاب

وأطاف الملام بي في الذي قـل   ت: ولـــم يأتنـــي لــــه إعتــــاب

ولســان الـــذي يغيـــب كتـــاب   ناطـق عنـه حيـن عـز الخطـاب

فــــإذا أبطـــــأ الجـــــواب عليـــــه   فهـو كالناطـق الــذي لا يجــاب

وكمن رده وقد عرفوا منه حضوراً تجهم وعتاب

عذت بالأعذار إن كـان ذنـب   ديـــة الذنـــب عـــذرة ومتـــاب

ولما خرج يحيى بن عمر من المدينة إلى الكوفة فأقام بها كتب إليه أخوه احمد بن عمرك

أيــا سيــداً قــد رمانــي البعـــا   د منـــه بأمـــر فظيـــع عجــــاب

فلمــــا تمــــادى رمانــــي الفـــــرا   ق وطالـت بنـا مـدة الاغتـراب

أقمــت الكتـــاب مقـــام اللســـا   ن منـي فاسمــع لقــول الكتــاب

كأنــــي أناجيــــك إن جاءنـــــي   ورود البشيــــر بــــرد الجـــــواب

ويقــال: أجــاب عــن الكتــاب يجيــب إجابــة وقالــوا: جابــة وفــي المثــل: " أســاء سمعــاً فأســـاء جابـــة "

ثم استعمل في غير المثل فقال الشاعر:

===

حدثنــا أشعــث الضبــي قــال: كتــب رجــل إلـــى صديـــق لـــه يستبطـــئ جوابـــه: " كتبـــت فمـــا أجبـــت

وواصلـت فمـا واتـرت وأضبـرت فمـا وحــدت ". قــال: فكتــب إليــه صاحبــه كتابــاً عنونــه فلمــا فتحــه

إذا فيه:

الجفـاء القبيـح أحســن عنــدي   مـن بغيـض الخطــاب للإخــوان

قـال الصولـي: قولـه: واصلـت كتبـي: جعلـت واحـداً فــي أثــر الآخــر لا زمــان بينهمــا ولا تمكــث. فمــا

واتــرت: أي كتبــت كتابــاً بعــد كتــاب. وأكثــر الكتــاب يســاوون بيــن واصلــت الكتــب وواترتهــا وذلــك

جائـــز علـــى القريــــب فأمــــا اللغــــة فإنهــــا توجــــب أن المواصلــــة لا انقطــــاع بينهــــا وأن المواتــــرة لابــــد مــــن

انقطاع قليل بينها.

قال الأصمعي:

يقال: ما في سيره ولا وتيره أي ما فيه توقف. وأنشد لامرئ القيس:

نجــاء مجــد ليـــس فيـــه وتيـــرة   وتذنبهـا عنــه باسحــم مــذود

وأنشد لكعب بن زهير يصف بعر الناقة:

وسمـر ظمــاء واترتهــن بعدمــا   مضت هجعة من آخر الليل ذبل

وقــــال: قلــــت لزيــــد بــــن كثــــوة: مــــا السمــــر الظمــــاء فقــــال: البعــــرات جعلنـــــي اللـــــه فـــــداءك ظمئـــــت

===

لعطشهــا وذبلــت. قــال: واترتهــن تجــيء الواحــدة ثــم يكــون انقطـــاع مـــا ثـــم تجـــيء الأخـــرى واضبـــرت

وضبــرت كتبــت إضبــارة كتــب وجمعهـــا أضابيـــر. وكذلـــك إضمامـــة وجمعهـــا أضاميـــم مثـــل أضبـــارة

وجمعها أضابير. وقالت امرأة من قيس:

وقالت امرأة قيس:

ليــس بنــا فقــر إلــى التشكــي   إضمامــــــة كحمــــــر إلا بـــــــك

أي لنا إبل مجتمعة أو خيل. وقال ابن الأحنف:

كتــــاب أتانـــــي علـــــى نأيهـــــا   يخبـــــر عـــــن بعـــــض أنبائهــــــا

فنفســي الفـــداء لهـــذا الكتـــا   ب إن كــــان خـــــط بإملائهـــــا

وقال:

يــــــا مـــــــن جعلـــــــت فـــــــداه   ومـــــــــــن برانـــــــــــي هــــــــــــواه

وكـــــم قــــــد كتبــــــت كتابــــــاً   يبكـــــــي لــــــــه مــــــــن قــــــــراه

أنــــــا الفـــــــداء لمـــــــن خـــــــط   ه ومــــــــــــــــــــــن أملــــــــــــــــــــــاه

الشمــــــس أحســــــن شـــــــيء   رأيتــــــــــــــــــــه حاشــــــــــــــــــــاه

وقال أيضاً:

===

أمـا فـي حـق حرمتنــا لديكــم   وحق إخائنا رد الجوابوقال الأحنف:

ما لي أهان ولا تجاب صحائفي   وإلى متى أقصى لديك وأحجب

ما كان ضرك إذ كرهت إجابتي   بيديك أن تستوصفي من يكتب

وقال أيضاً:

أعيانــــــي الشــــــادن الربيــــــب   أكتــــب أدعــــو فـــــلا يجيـــــب

مــن أيــن أبغـــي دواء مـــا بـــي   وإنمـــــــــا دائـــــــــي الطبيـــــــــب

آخر:

كتبـت إلـى ظلــوم فلــم تجبنــي   وقالت: مـا لـه عنـدي جـواب

فلمــا صرفــت فكـــري أتانـــي   وقـد غفـل الوشـاة لهــا كتــاب

وفيــه الوصــل يشــرق جانبـــاه   وقـــد رق التــــأول والخطــــاب

كتبـت إليــك والرقبــاء حولــي   إذا مـــا مـــر طيــــر واسترابــــوا

قوله: وقد رق التأويل والخطاب من قول امرئ القيس:

وصرنا إلى الحسنى ورق كلامنا   ورضت فذلت صعبة أي إذلال

===

ضايقتنــــــــي فــــــــي بيـــــــــاض   تزينــــــــــــــــــــــه بســــــــــــــــــــــواد

وقـــــــــد أخـــــــــذت ســـــــــواد   ي ناظــــــــــــــري وفـــــــــــــــؤادي

ومن مليح ما قيل في تأخير الكتاب:

يا جامعاً شيم السيادة والذي   ورث النجابة منجباً عن منجب

أشكو إليك لهيب نار في الحشا   تصبي بريح الشوق إن لم تجنب

ماذا عليك وأنت بحر في الندى   لوجدت من ماء المداد بمذنب

تجلو القذى بسواد سطـر لائـح   في وجهه غرر الكلام المذهب

أصبحت تبخل بالكتاب فخفت أن   تلقي الدواة يد وإن لم تكتـب

حتى كـأن الحـوض جونـة حنـة   منها وظهر الدرج ظهر العقرب

أرضى لخلك أن يرى مستعتباً   مـن جفـوة ويـراك غيـر المعتـب

ما كنت أخشى أن تضن بكاغد   عني وقد يقع الذي لم أحسـب

لا تحسبن كتبي فكاغد أرضكم   عين الرخيص وأنت عين المسهب

===

إخاؤك محض للصديـق إذا دنـا   وعاينـت ممــزوج إذا لــم تعايــن

دنونــا فاحمدنــا الدنــو وربتنــا   ببينك والتجريب عنـد التبايـن

فلـم يأتنـا منـك الكتـاب تقربــاً   وطـاح جـواب واصــل للقرائــن

فأجابه عبد الرحمن بن مسلم:

مـا ذاك مــن نخــوة ولا صلــف   ولا لضيـق فـي القـول والعطــن

نحــن بلونــاك فــي الأمــور فمــا   تعـرف مــن ســيء ولا حســن

وقــــد قرنــــاك بالوفـــــاء فمـــــا   تقـــرن إلا اعترضــــت بالقــــرن

من تعاطي الكتابة وادعاها وهو لا يحسنها:

قال أبو بكر من مشهور ما قيل في ذلك:

حمـــار فـــي الكتابـــة يدعيهـــا   كدعــوى آل حــرب مــن زيــاد

فدع عنك الكتابة لست منهـا   ولـو غرقـت ثوبـك فــي المــداد

ولي من أبيات في بعض الكتاب:

إن كانـــــت الكتبـــــة بالشــــــوم   ورقتـــــي الأخطـــــار واللــــــوم

===

فأنـت لا شـك علــى مــا أرى   اكتـب مـن فـي العـرب والــروم

الدهـــــــر ذو ظلـــــــم ولكنـــــــه   منـــك تشكـــي حـــال مظلـــوم

يأنف أن تحيا ولكنه     تحت قضاء فيك محتوم

حدثنــي عبيــد اللــه بــن عبــد اللــه قــال: حدثنــي فضــل البريــدي قــال: كـــان ولـــد محمـــد بـــن نصـــر بـــن

بســـام يقـــرؤون علـــي الشعـــر وكذلـــك أولـــاد عبـــد اللـــه بـــن إسحـــاق بـــن إبراهيـــم وكانـــوا أدبـــاء وكـــان

محمـــد بـــن نصـــر وعبـــد اللـــه منفرديـــن مـــن الـــأدب فجلســـا يومــــاً فــــي مجلــــس فيــــه أولادهمــــا ومــــدت

ستـارة لـم يسمـع النـاس بأحـذق فـي الغنـاء ممـن خلفهـا وفـي المجلـس مــا يكــون مثلــه فــي مجالــس الخلفــاء

وأزيد فغنت صاحبة الستارة شعراً لجرير:

ألا حــي الديــار بسعـــد إنـــي   أحــب لحــب فاطمــة الديــارا

فقــال عبــد اللــه لمحمــد ابـــن نصـــر: لـــو لا جهـــل الأعـــراب مـــا معنـــى السعـــد هاهنـــا. فقـــال محمـــد: لا

تغفــل فإنــه يقــوي معدهــم ويصلــح أسنانهــم. قــال: فقــال لــي علــي بــن محمــد: يـــا أستـــاذ واصفـــع أيمـــا

شئت منهما واجعله أبي.

وقال ابن بازان الأصبهاني يهجو رجلاً من كتاب أصبهان وقد مات ختن له:

كاتـــب يبكــــي علــــى ختنــــه   دمعـــــه جـــــار علـــــى ذقنـــــه

===

ليــــس يــــدري فـــــي كتابتـــــه   مــا قبيــح الأمـــر مـــن حسنـــه

قال الصولي أنشدنا هذا الشعر لعبد الصمد بن المعدل.

دعاء المكاتبات وأصوله وما حمد منه وذم:

قــد كــره قــوم مــن أهــل العلــم: " أطـــال اللـــه بقـــاءك ". وروى عـــن حمـــاد بـــن زيـــد أنـــه قـــال: أحدثهـــا

الزنادقــة. وقــال الأصمعــي: هــي مــن دعــاء الزنادقــة. وقيــل: أصــل يبطــل هــذا ويطلــق التكاتــب بهـــا

إذا كان الناس كلهم الآن عليها.

حدثنــا إسحــاق بــن إبراهيــم البــزار ومحمــد بــن سعيــد الأصــم قــال: حدثنـــا علـــي بـــن حـــرب قـــال:

حدثنــا زيــد بــن أبــي الزرقــاء عــن ابــن لهيعــة عــن يزيــد بــن أبــي حبيـــب عـــن معمـــر بـــن أبـــي خبيبـــة

عــن معــاذ بــن رفاعــة بــن نافــع قــال: شهــدت نفــراً مــن أصحــاب رســول اللــه صلــى اللــه عليـــه وسلـــم

فيهـم علـي وطلحـة وعمـر وعثمـان والزبيـر وسعـد رضـي اللـه عنهـم يذكــرون المــوؤدة فقــال عمــر: أنتــم

أصحـاب رسـول اللـه تختلفـون فــي هــذا فكيــف بــم بعدكــم هــم أشــد اختلافــاً. فقــال علــي: إنهــا لا

تكون موؤدة حتى يأتي عليها الحالات السبع. فقال عمر: صدقت أطال الله بقاءك.

قـال ابـن لهيعـة: المعنـى لا تكـون مـوؤدة حتـى تكـون نطفـة ثـم علقــة ثــم مضغــة ثــم عظمــاً ثــم لحمــاً ثــم

===

يظهــر مستهــلاً إذا دفنــت فقــد وئــدت لــأن مــن النــاس مــن قـــال: إن المـــرأة إذا أحســـت بحمـــل فتـــداوت

لتسقطه فأسقطته فقد وأدته. فأخبر أن ذلك لا يكون موؤدة حتى يأتي عليها الحالات السبع.

وقد ذكر الله عز وجل: الموؤدة فقال: " وإذا الموؤدة سئلت بأي ذنب قتلت ".

وكانـت العـرب إذا ولــد لأحدهــم ابنــة دفنهــا حيــة. فيقــال: وأدهــا يئدهــا وأداً. فــدى صعصعــة ابــن

ناجيــة المجاشعــي خلقــاً مــن البنــات بإبــل دفعهــا إلــى آبائهــن لأنهــم كانــوا يفعلــون ذلــك للضــر والفقــر فقــال

الفرزدق يفخر بهذا:

وجـــدي الـــذي منـــع الوائــــدا   ت فأحيـــا الوئيـــد ولـــم يـــوأد

حدثنــا علــي بــن الصبــاح قــال: حدثنــا أبــو مسلــم السعــدي قــال: حدثنــي ابــن عليــة عــن ســـوار بـــن

عبــد اللــه العنبيــري عــن الحســن قــال: دخــل الزبيــر علــى النبــي صلـــى اللـــه عليـــه وسلـــم وهـــو عليـــل

فقــال: مــا الــذي بعــدك جعلنــي اللــه فــداؤك فقــال: " يــا زبيــر أمــا تركــت إعرابيتـــك بعـــد " كأنـــه كـــره

قوله: جعلني الله فداؤك. والفداء يمد ويقصر.

 

وقـد روى رافــع ب جريــج أنــه قــال للنبــي صلــى اللــه عليــه وسلــم وقــد قــال: " يكــون قــوم مــن أمتــي

يكفــرون بالقــرآن وهــم لا يشعــرون كمـــا كفـــرت اليهـــود والنصـــارى ". قـــال: قلـــت: جعلـــت فـــداك يـــا

===

رسـول اللـه وكيـف ذاك قـال: " يقـرون ببعــض القــرآن ويكفــرون ببعضــه ". فــي حديــث طويــل حدثنــا

إبراهيم بن عبد الله النميري. قال:

حدثنـــا حجـــاج بـــن نصيـــر قـــال: حدثنـــا حمـــاد بـــن إبراهيـــم الكرمانـــي عـــن عطيـــة عــــن عطــــاء بــــن

رافــع عــن عمــرو بــن شعيــب قــال: كنــت عنــد سعيــد بــن المسيــب فقــال: سمعـــت رافـــع بـــن جريـــج

يقول. وذكر حديثاً طويلاً.

حدثنـا أحمـد بـن يحيــى ثعلــب قــال: حدثنــا عبــد اللــه بــن شيــث قــال: كتــب إلــي بعــض إخوانــي مــن

البصــرة إلــى المدينــة كتابــاً صــدره: " أطــال اللــه بقــاك كمــا أطــال جفــاك وجعلنــي فــداءك إن كــان فــي

فداؤك " وتحت ذلك:

كتبت ولو قدرت هوى وشوقاً   إليك لكنت سطراً في الكتاب

قال: وكانت الكتب قديماً يقال فيها: " وأتم نعمته عليك " فلما قال ابن الرقاع العاملي:

صلى الإله علـى امـرئ ودعتـه   وأتـــم نعمتـــه عليــــه وزادهــــا

وزاد الكتاب على ذلك: " وزاد في إحسانه إليك ".

وحدثنـــا أحمـــد بـــن يحيـــى ثعلـــب قـــال: سمعـــت ابـــن الأعرابـــي يقـــول تقــــول العــــرب: " وهبنــــي اللــــه

فــداءك " بمعنــى جعلنـــي فـــداءك فأمـــا " وقدمنـــي قبلـــك " فـــإن أبـــا تذكـــوان القاســـم بـــن إسماعيـــل

===

حدثني قـال: سمعـت إبراهيـم بـن العبـاس يقـول: مـا أظـن قـول الكتـاب: " وقدمنـي قبلـك " إلا مأخـوذاً

من قول الأغر بن كابس العبدي في أخيه الصقر:

أخي أنت في دين وقربى كلاهما   أسر بـأن تبقـى سليمـاً وأفخـر

إذا مــا أتــى يــوم يفـــرق بيننـــا   نموت فكـن أنـت الـذي تتأخـر

قال: فقيل لإبراهيم: إن هذا يـروى لحاتـم. فقـال: " ومـا علـى مـن لا يـدري شيئـاً فـي نسبتـه إلـى غيـر

قائلـه ". وهـذا وأشباهــه كثيــر. وقــد ذكرتــه مستوفــى فــي كتابــي كتــاب " اللقــاء والتسليــم " الــذي

كتبت به إلى القاضي عمر بن محمد بن يوسف.

ومـن قديـم مــا قيــل فــي " قدمــت قبلــك ": قــول حنظلــة بــن عــرادة أنشدنــاه المغيــرة بــن محمــد المهلبــي

عن أبي محلم له يخاطب قومه:

أسعد بن زيد أنطقتني رماحكم   وكنت مجـرا ضحكـة للمواشـر

فهذا أوان الصبر قد مت قبلكم   فموتوا حفاظاً بالسيوف البواتر

اللغة في دعاء المكاتبة:

التأييــد فــي اللغــة التقويــة. والأيــد القــوة قــال اللــه عــز وجـــل: " بنيناهـــا بأيـــد " أي بقـــوة. فـــإذا قـــال:

===

وأيــدك فكأنــه قــال: قــواك. فـــإذا قالـــوا: وتأييـــده وكلاءتـــه فإنمـــا قولـــون وحفظـــه. وفلـــان يكـــلأ القـــوم

يحفظهــم فهــو كالــئ لهــم. فــإذا قالــوا: وزاد فـــي إحسانـــه وآلائـــه لديـــك. فـــإن الـــآلاء النعـــم واحدهـــا

إلـى وألـى مثـل عنـب وأعنـاب. قـال اللـه عـز وجـل: " فبـأي آلاء ربكمـا تكذبــان " أي فبــأي نعمــه لمــا

عـدد فـي ســورة الرحمــن نعمــه علــى عبــاده أتبــع كــل نعمــة بذلــك توبيخــاً لمــن كفــر بــه وجحــد نعمــه.

فـإذا قالـوا: " وأدام عـزك " فـإن العـز ضـد الـذل وأصلـه المنعـة وعـز الشـيء إذا امتنــع وهــو مــن قولهــم:

أرض عـزاز إذا كانـت صلبـة وقولهـم " مـن عـز بـز " أي مــن غلــب سلــب لأنــه يقــال بــزه كــذا أي أخــذه

منه.

قـال الصولـي: ودخلــت يومــاً علــى بعــض الــوزراء وهــو يقــرأ كتابــاً مــن عامــل لــه فمــر فيــه علــى " قــد

علــم اللــه نصحــي واجتهـــادي وإيالتـــي " فقـــال مـــا معنـــى إيالتـــي قلـــت يريـــد حســـن قيامـــي. حدثنـــا

أحمــد بــن يحيــى ثعلــب قــال: سمعــت ابــن الأعرابــي يقــول: سمعــت العــرب تقــول: آل ايلــة فلــان يؤولهـــا

أو لا وإيالة إذا كان حسن القيام عليها.

فأمــا قولهــم: وجميــل بلائــه لديــك فإنــي سمعــت أبــا العبــاس أحمــد بــن يحيـــى ثعلـــب وقـــد سئـــل عـــن

بيت زهير:

رأى الله بالإحسان ما فعلا بكم   فأبلاهما خير البلاء الذي يبلو

===

فقـال المعنــى رأى اللــه إحسانهمــا فصنــع إليهمــا خيــر الصنيــع الــذي يبتلــي بــه عبــاده لأنــه يبتلــي بالخيــر

والشــر والصحــة والسقــم. قـــال محمـــد بـــن يحيـــى الصولـــي: وقـــال أبـــو عبيـــدة: فاختبرهمـــا بخيـــر مـــا

يختبـــر بـــه لا بشـــره لـــأن الابتــــلاء عنــــده الاختبــــار ومنــــه " لنبلونكــــم حتــــى نعلــــم المجاهديــــن منكــــم

والصابريــن " أي ولنختبرهــم وقــد علــم ذلــك عــز وجــل كيــف يكـــون ولكنـــه يريـــد أن يقـــع منهـــم فعـــل

لـه يقــع عليــه الجــزاء والعقــاب لأنــه لا يعــذب علــى علمــه مــاذا فعلــوا فقــد علــم كيــف كــان وعلمــه عــز

وجــل ســواء فيمــا يكــون وفيمــا كــان إلا أنــه لا يوجــب الجــزاء للعبــاد وعليهــم علــى مــا يعلــم منهــم مـــن

إحسان وإساءة إلا بعد وقوع الفعل من العباد.

وسئل محمد بن يزيد النحوي عن قول العجاج في الثور:

وفـــي الحجـــوز وفتـــى الولـــي   ونيــــة حيــــث انتــــوى منــــوي

فقــال: يريــد الدعــاء لــه كأنــه يكــون بمكـــان فيـــه وسمـــي ثـــم يأتـــي الولـــي. ونيـــة يريـــد وجهـــة يفتقدهـــا

الثـور حيـث انتـوى توجيـه منــوى أراد حيــن ذهــب فــأي مصــرف فاعــلاً إلــى مفعــول فيريــد رزق تبنــاً

بهــذا المطــر حيــث توجــه إمــا دعــاء لــه وإمـــا إخبـــار عنـــه وعـــن حالـــه فكـــان هـــذا عنـــدي ممـــا تفـــرد

بالقول فيه حتى أنشدنا أحمد بن يحيى ثعلب بعد ذلك للأعشى أعشى شيبان:

يا عمرو اقصد نواك الله بالرشد   وأقر السلام على الإبقاء والقصد

===

فقيـــل لـــه: مـــا معنـــى نـــواك اللـــه فقـــال: رعـــاك اللـــه الرشـــد حيـــن انتويـــت وحيـــن نويـــت فصــــح ذلــــك

عندي وعلمت أنه من كلام العرب.

ومــن ملــح مــا قيــل فــي " مــت قبلــك " مــا حدثنــا بــه المبــرد قــال: كنــت عنــد أبــي العبــاس بــن ثوابــة

فوردت عليه رقعة البحتري وفيها:

اسلــــــم أبـــــــا العبـــــــاس واب   ق ولا أزال اللــــــــــه ظلـــــــــــك

وكــــــن الـــــــذي يحيـــــــا لنـــــــا   أبـــــداً ونحـــــن نمـــــوت قبلـــــك

لـــــي حاجــــــة أرجــــــو لهــــــا   إحسانـــك الأوفــــى وفضلــــك

والمجــــــــد مشتــــــــرط علــــــــي   ك قضاءهـــا والشـــرط أملـــك

فلئـــــــــن كفيــــــــــت مهمهــــــــــا   فلمثلهــــــا أعـــــــددت مثلـــــــك

فكتب إليه: قد قضاها الله ولو أفنيت المال وهدمت الحال.

التاريخ وما قيل في معناه:

تاريــخ كــل شــيء غايتــه ووقتــه الــذي ينتهــي إليــه ومنــه فلــان تاريــخ قومــه فــي الجــود أي الــذي انتهـــى

إليه ذلك.

===

وسئـل بعـض أهـل اللغـة مـا معنـى ذلـك فقـال: معنـى التأخيـر. وقــال آخــر هــو إثبــات الشــيء. ويقــال:

ورخــــت الكتــــاب توريخــــاً لغــــة تميــــم وأرختــــه تأريخــــاً لغــــة قيــــس. وتاريــــخ وتاريخــــان وتواريـــــخ.

وأرخ كتابك هذا وورخه.

ولكـــل نبـــوة ومملكـــة تاريـــخ: فأمـــا العـــرب فكانـــوا يؤرخـــون بالنجـــوم قديمـــاً وهــــو أصــــل ومنــــه صــــار

الكتــاب يقولــون: نجمــت علــى فلــان كــذا حتــى يؤديــه فــي نجــوم. وأنجمــة جمــع نجــوم. والعــرب تخــص

بالنجم الثريا يقولون إذا طلع النجم يريدون الثريا ومنه قولهم:

طلــــــــــع النجـــــــــــم غديـــــــــــه   فابتغـــــــى الراعـــــــي كسيــــــــه

والنجـــم بعــــد هــــذا سائــــر النجــــوم يــــدل الواحــــد علــــى جميعهــــا كمــــا يقــــال: أهلــــك النــــاس الدينــــار

والدرهـم يـراد الجنـس. وعلـى هـذا قـرأ أبـو عمـرو بـن العــلاء: " وسيعلــم الكافــر لمــن عقبــى الــدار "

والنجم ما نجم من النبات ومن الرأي ما ظهر وهو غير هذا.

وكانـــت العـــرب تـــؤرخ بكـــل عـــام يكـــون فيـــه أمـــر مشهـــود متعـــارف فأرخـــوا بعـــام الفيـــل وفبـــه ولـــد

النبي صلى الله عليه وسلم وكان في السنة الثامنة والثلاثين من ملك كسرى أنو شروان.

وأرخت العرب بعام الخنان لأنهم تماوتوا فيه وعظم عندهم أمره فقال النابغة الجعدي:

فمــن يــك سائــلاً عنــي فإنــي   مـــــن الشبـــــان أيـــــام الخنـــــان

===

وأرخت قريش بموت هشام بن المغيرة المخزومي لجلالته فيهم ولذلك قال شاعرهم:

وأصبــح بطــن مكــة مقشعـــراً   كـأن الـأرض ليـس بهـا هشــام

وروي عـــن الزهـــري والشعبـــي أن بنـــي إسماعيـــل أرخـــوا مـــن نـــار إبراهيـــم عليـــه السلــــام إلــــى بنائــــه

البيــت حيــن بنــاه مــع إسماعيــل وأن بنـــي إسماعيـــل أرخـــوا مـــن بنيـــان البيـــت إلـــى تفـــرق معـــد. ثـــم

كانـوا يؤرخــون بشــيء شــيء إلــى مــوت كعــب بــن لــؤي. ثــم أرخــوا بعــام الفيــل إلــى أن أرخ عمــر بــن

الخطاب رضي الله عنه من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم.

وكـان سبـب ذلـك أن أبــا موســى كتــب إليــه: إنــه يأتينــا مــن قبــل أميــر المؤمنيــن كتــب ليــس لهــا تاريــخ

فـلا نـدري علــى أيهــا نعمــل. وروي أيضــاً أنــه قــرأ صكــاً محلــه شعبــان. فقــال: أي الشعابيــن الماضــي

أم الآتـــي فكـــان سبـــب التأريـــخ مـــن الهجـــرة بعـــد أن قالـــوا: نـــؤرخ بعـــام الفيـــل وقالــــوا: مــــن المبعــــث

ثـــم أجمـــع الـــرأي علـــى الهجـــرة. وقالـــوا مـــا يكـــون أول التاريـــخ فقـــال بعضهـــم: شهـــر رمضــــان وقــــال

بعضهــم: رجــب فإنــه شهــر حــرام والعــرب تعظمــه ثــم أجمعــوا علــى المحــرم فقالـــوا: شهـــر حـــرام وهـــو

منصــرف النــاس مـــن الحـــج. وكـــان آخـــر الأشهـــر الحـــرم فصيـــروه أولاً لأنهـــا عندهـــم ثلاثـــة ســـرد ذو

القعــدة وذو الحجــة والمحـــرم والفـــرد رجـــب فكانـــت الأربعـــة تقـــع فـــي سنتيـــن فلمـــا صـــار المحـــرم أولاً

وقعت في سنة.

===

قــال الصولــي وسألــت أبــا ذكــوان عــن أرخــت وورخــت. فقــال: مثلـــه أكـــدت الأمـــر تأكيـــداً ووكدتـــه

توكيـداً لغـة تميـم وبهـا نـزل القـرآن: " ولا تنقضـوا الأيمـان بعـد توكيدهـا ". وأمـا التاريـخ بلغـة قيـس فهــو

الــذي يستعملــه النــاس وأمـــا التواريـــخ لغـــة تميـــم فمـــا استعملـــه كاتـــب قـــط وإن كانـــت العـــرب تتكلـــم

به.

وغلبــت العــرب الليالــي علــى الأيــام فــي التاريـــخ لـــأن ليلـــة الشهـــر سبقـــت يومـــه ولـــم يلدهـــا وولدتهـــن

ولــأن الأهلــة لليالــي دون الأيــام وفيهــا دخــول الشهــر ومــا ذكرهمــا اللــه عـــز وجـــل إلا قـــدم الليالـــي قـــال

اللـه تعالـى: " سخرهـا عليهـم سبـع ليـال وثمانيـة أيـام حسومـا ". وقـال: " يولـج الليـل فــي النهــار ويولــج

النهار في الليل ". وقال جل اسمه: " سيروا فيها وأياماً آمنين ".

والعــــرب تستعمــــل الليــــل فــــي الأشيــــاء التــــي يشاركهــــا فيهــــا النهــــار دون النهــــار لاستثقالهــــم الليــــل

فيقولون: أدركني الليل بموضع كذا لهيبته. وقال النابغة:

فإنك كالليل الذي هو مدركي   وإن خلت أن المنتأى عنك واسع

وقالـــوا: صمنـــا عشـــراً مـــن شهــــر رمضــــان وإنمــــا الصــــوم للأيــــام ولكنهــــم أجــــازوه إذ كــــان الليــــل أول

شهر رمضان. وأنشد أبو عبيدة:

فصامت ثلاثاً من مخافـة ربهـا   ولو مكثت خمساً هناك لصلت

===

وأمـــا الشهـــور فإنهـــا كلهـــا مذكـــرة إلا جمـــادى الأولـــى وجمـــادى الآخـــرة. ويكتبـــون مــــن شهــــر كــــذا إلا

في ثلاثـة أشهـر يكتبـون فـي شهـر رمضـان لقـول اللـه عـز وجـل: " إن كنتـم تعلمـون شهـر رمضـان الـذي

أنــزل فيــه القــرآن ". ويقولــون: فــي شهــر ربيــع الــأول وشهــر ربيــع الآخــر لــأن الربيــع وقــت مـــن السنـــة

فخالوا إذا قالوا: من ربيع ولم يذكروا الشهر أن يظن أنه من الوقت. قال الراعي:

شهري ربيـع مـا تـذوق لبونهـم   إلا حموضــــاً وخمــــةً وذويـــــلاً

كــل مــا انكســر واســود مــن النبــت فهــو ذويــل. فــإذا رأوا الهلــال أول ليلــة كتبــوا " وكتــب ليلـــة الجمعـــة

غـــرة كـــذا ومستهـــل شهـــر كـــذا ومهـــل شهـــر كــــذا " لأنهــــم يقولــــون: استهــــل الهلــــال وأهــــل الهلــــال ولا

يقولون: هل ولا أهل ولا استهل ومن قال ذلك فقد أخطأ.

والاستهلـــــال الصـــــوت والصيـــــاح ومنـــــه استهلـــــال الصبـــــي صياحـــــه وبكـــــاؤه إذا ولـــــد. فلمـــــا كانـــــوا

يكبــرون عنــد رؤيــة القمــر كــل أول ليلــة مــن الشهــر وفــي أول سائــر الشهــور لقربهــم بمضــي الخــارج مــن

وقــت الحــج وسرورهــم بالموســم نسبــوا الرؤيــة إلــى فعلهــم فقالــوا: استهــل وأهـــل وسمـــوا القمـــر هلـــالاً

لهذا المعنى.

وأهـــل مكـــة يجتمعـــون ويوقـــدون النـــار ويلعـــب ولدانهـــم وعبيدهـــم عندهـــا كـــل أول ليلــــة مــــن سائــــر

الشهور إلى وقتنا هذا لفرحهم بقرب وقت الحج.

===

ويكتبــون ليلــة الإهلــال لغــرة كــذا ولا يكتبــون لليلــة خلــت ولا لليلــة مضــت إلا مــن الغــد لــأن الليلـــة قـــد

مضــت. وإن كتبـــوا يـــوم الجمعـــة قالـــوا: أول يـــوم شهـــر كـــذا ولا يكتبـــون مستهـــل ولا مهـــل لـــأن الهلـــال

إنمـا يـرى بالليــل. ويكتبــون فــي اليــوم الثانــي لليلتيــن مضتــا فــإذا جــاز ذلــك كتبــوا لثلــاث خلــون وأربــع

مضين وكتبوا لثمان خلون فيحذفون الياء ويثبتون الألف في الخط.

فــإذا أضافــوا الليالــي أثبتــوا اليــاء للإضافــة لأنــه لا يكــون تنويــن مــع إضافــة وإنمـــا سقـــط اليـــاء للتنويـــن

فيسقطـون الألـف عنـد ذلــك فــي الخــط فيكتبــون لثمــان ليــال ومنهــم مــن يثبتهــا. وسنذكــر ذلــك فــي

موضعه إن شاء الله تعالى.

وإنمــا أنثــوا إلــى قولهــم: لعشــر خلــون لتقــدم الليالــي علــى الأيــام كمــا ذكــرت فــإذا جــاوز العشــر قالـــوا:

لإحــدى عشــرة ليلـــة خلـــت ومضـــت ولاثنتـــي عشـــرة ليلـــة. وإنمـــا قالـــوا: ههنـــا خلـــت ومضـــت لـــأن

الترجمـــة بليلـــة فوحــــدوا الفعــــل لذلــــك. ويكتبــــون: لخمــــس عشــــرة ليلــــة خلــــت وإن شــــاؤوا كتبــــوا:

للنصــف مــن شهــر كــذا ولا يكتبــون لخمــس عشــرة ليلــة بقيــت كرهــوا ذلــك لأنــه شبيــه الاستثنــاء ولا

يكـون إلا أقـل ممـا استثنـي منـه ولكـن يكتبـون بعــد النصــف بيــوم: لــأرع عشــرة ليلــة بقيــت. وقــد كــره

أهــل الــورع ذلــك لأنهــم لا يــدرون كــم بقــي لنقصــان الشهــر وتمامـــه فيكتبـــون: لإحـــدى وعشريـــن ليـــل

خلــت والكتــاب علــى غيــر هــذا. فــإذا كــان آخــر ليلــة مــن الشهـــر كتبـــوا: سلـــخ كـــذا لأنهـــم يقولـــون:

===

انسلـخ الشهـر انسلاخـاً وسلخـت أشهـر كـذا سلخــاً وسلوخــاً. ولــو كتــب كاتــب فــي ربيــع الــأول ولــم

يقل في شهر أو في رمضان ولم يقل في شهر جاز وليس بالمختار. قال الشاعر:

جاريـة فـي رمضـان الماضــي   تقطـــــع الحديــــــث بالإيمــــــاض

ولا يدخلــون فــي شهــر مــن الشهــور الألــف واللــام إلا فـــي المحـــرم لأنـــه أول السنـــة فعرفـــوه لذلـــك كأنهـــم

قالـوا: هـذا الـذي يكـون أبــداً أول السنــة. ولا يكتبــون: لليلــة بقيــت وأنــت فيهــا كمــا لــم يكتبــوا: لليلــة

خلت وأنت فيها.

والعـــرب تسمـــي أول ليلـــة مـــن الشهـــر ليلـــة البـــراء لتبـــرء القمــــر مــــن الشمــــس ويسمونهــــا النحيــــرة لــــأن

الهلال نحرها أبي رؤي في نحرها وأولها. قال ابن أحمر:

ثـم استمـر عليهـا واكـف همـع   في ليلة نحرت شعبان أو رجبا

نحـــرت شعبـــان كـــان فـــي نحـــره وصـــدره لأنهـــا أولـــه كمــــا نحرهــــا الهلــــال إذا رؤي فــــي أولهــــا ونحيــــرة

فعيلة من نحرت مثل قتلت فهي قتيلة.

قال بعض الكتاب: التاريخ عمود اليقين ونافي الشك وبه تعرف الحقوق وتحفظ العهود.

قـال: ولا يقـع التاريـخ فـي شـيء مـن الكتـب السلطانيـة مـن رئيــس أو مــرؤس إلا فــي أعجــاز الكتــب.

وقد يؤرخ النظير والتابع ما خلص من الكتب في صدورها.

===

وكـــــان يـــــؤرخ علـــــم القـــــرو   ن فهـا هـو ذا اليـوم قـد أرخـا

فأما الذي يروي للمستوغر بن ربيعة فهو قوله - وهو عجيب من العمر في مثل زمانه:

ولقد سئمت من الحياة وطولها   وازددت من عدد السنين سنينا

مائة أتت من بعدها مائتان لي   وازددت من عدد الشهور مئينا

هل ما بقـي إلا كمـا قـد فاتنـا   يـــــوم يكـــــر وليلــــــة تحذونــــــا

ويقــال: سبــت وسبتــان وأسبـــت وسبـــوت وأسبـــات وأسابـــت وأسابيـــت. وأحـــد وأحـــد وأحـــدان

وأحــاد وآحــاد وأحــدات. واثنيــن واثنايـــان وأثـــان وأثانيـــن. وثلاثـــاء وثلاثـــاوان وثلاثـــوات. وأربعـــاء

وأربعـــــاوان وأربعـــــاوات. وخميـــــس وخميســـــان وأخمســـــة وخميســـــات. وجمعــــــة وجمعتــــــان وجمــــــع

وجمعات.

ومحـــــرم ومحرمـــــان ومحرمـــــات ومحاريـــــم ومحـــــارم وصفــــــر وصفــــــران وصفــــــرات وصفــــــارى وأصفــــــار

وصفاريــــن وربيــــع وربيعــــان وربيعــــات وأرابيــــع وتقــــول: شهــــر ربيــــع وشهــــرا ربيــــع وأشهـــــر ربيـــــع

وجمــــــادى وجماديــــــان وجماديــــــات ورجـــــــب ورجبـــــــان ورجبـــــــات وأرجبـــــــة وأرجـــــــاب وأرجـــــــب

وأراجيــب ورجائــب ورجابـــي. وشعبـــان وشعبانـــان وشعبانـــات وشعابيـــن. ورمضـــان ورمضانـــان

ورمضانـــــات وأرمضـــــة وأرامضـــــة وأراميـــــض ورماضـــــى ورماضيـــــن وشـــــوال وشوالـــــان وشوالــــــات

===

وتقول: أكريت الدار مشاهرة ومسانهة ومياومة ومناهرة وملايلة ومساوعة من الساعات.

قـال أبـو بكـر محمـد بــن يحيــى: حدثنــي محمــد بــن سهــل الأحــوال ابــن أبــي يوســف قــال: سمعــت ابــن

إسرائيـــل يذكــــر قلــــة مــــدة الــــوزراء فقــــال: كــــان هــــذا الأمــــر مزامنــــة ثــــم صــــار معاومــــة ثــــم صــــار

مشاهــرة ثــم صــار مياومــة ثــم صــار مســـا وتلجلـــج ثـــم قـــال: مساعـــات وأخطـــأ أراد مساوعـــة فلـــم

يفهم.

الترجمة في المكاتبة:

أصــل هــذه اللفظــة فارسيــة وكذلــك الترجمــان وقــد تكلمـــت بهـــا العـــرب بعـــد ذلـــك وعربتهـــا. وإنمـــا

ذكرتهـا ههنـا لأنـي أحــب أن لا يصفــر كتابــي هــذا مــن شــيء يحتاجــه الكاتــب. فأنــا الــآن أعمــل منهــا

باباً أقربه جهدي على من يريد معرفته ليعلم كيف وجه الترجمة فيعمل منها بعد هذا ما أراد.

وهــي شبيهــة بالمعمــى وهـــو مـــا يكنـــى مـــن الشعـــر كـــأن يسمـــي الألـــف فاختـــة والبـــاء صقـــراً والتـــاء

عصفوراً ثم يردد الحروف على هذا وترجمت له الأمر أوضحته له.

فحـــروب اللـــه تعالـــى ب ت ث تسعـــة وعشـــرون حرفـــاً أولهـــا الألـــف وهـــي همــــزة لأنــــه لا يبتــــدأ إلا

بمتحرك والألف ساكنة لا تتحرك.

===

وقــال أحمــد بــن يحيــى: مــن أجــل ذلــك قالــوا بعــد أن أتــوا بالألــف واللــام ليعملــوا أن هــذه هــي الألـــف

الحقيقيـــة وهـــي التـــي تقـــع فـــي آخـــر حتـــى ومتـــى وفـــي حيـــاة وزكـــاة. فالحـــروف مـــع هــــذه تسعــــة

وعشــرون ومنــازل القمــر فــي كــل شهــر ثمانيــة وعشــرون منــزلاً ثــم يستتـــر ثـــم يستهـــل فجعلـــت القمـــر

تماماً ليكمل تسعة وعشرين منزلاً بإزاء كل حرف منزل.

حدثنــي عــون بــن محمـــد الكنـــدي قـــال: حدثنـــا العبـــاس بـــن هشـــام بـــن محمـــد بـــن السائـــب الكلبـــي

عــن أبيــه عــن جــده عــن أبــي صالــح عــن ابــن عبـــاس أنـــه قـــرأ: " والقمـــر قدرنـــاه منـــازل حتـــى عـــاد

كالعرجـــون القديـــم ". فقـــال: هـــي ثمانيـــة وعشـــرون منـــزلاً ينـــزل القمـــر كـــل ليلـــة منزلـــة منهــــا وهــــي:

الشرطــــــان والبطيــــــن والثريــــــا والدبــــــران والهقعــــــة والهنعـــــــة والـــــــذراع والنثـــــــرة والطـــــــرف والجبهـــــــة

والزبـــــــرة والصرفـــــــة والعـــــــواء والسمـــــــاك والغفـــــــر والزبانـــــــي والإكليـــــــل والقلـــــــب والشولـــــــة والنعائــــــــم

والبلـــــدة وسعـــــد الذابـــــح وسعـــــد بلـــــع وسعـــــد سعـــــود وسعـــــد الأخبيــــــة والفــــــرغ المقــــــدم والفــــــرغ

المؤخر وبطن الحوت والقمر. فأتممتها بالقمر حتى ساوت الحروف.

فـإذا أردت أن تكتـب " أنـا " كتبـت: " الشرطـان سعـد الأخبيــة الشرطــان ". فــإذا أردت أن تتبعهــا

بإليـك كتبـت: " الشرطــان سعــد بلــع القمــر سعــد الذابــح ". فقــس علــى هــذا جميــع مــا يــرد عليــك

إن شاء الله.

===

قــال الصولــي: هــو اســم فارســي تكلمــت بــه العـــرب فقالـــوا: ديـــوان ولـــم يقولـــوا: ديـــوان بفتـــح الـــدال

كما قالوا: ديباج ولم يقولوا ديباج.

قـال الصولـي: حدثنــا أبــو العينــاء قــال: حدثنــي الأصمعــي قــال: كنــا عنــد أبــي عمــرو ومعنــا خلــف

الأحمــر فقــال لــه رجــل أسمعــت مــن يقــول ديــوان بفتــح الــدال فقـــال أبـــو عمـــرو: ولـــو جـــاز هـــذا لقالـــوا

في جمعه: دياوين. فقال خلف: قد سمعت بعض حمير ينشد:

عدينـــي أن أزورك أم عمـــرو   دياويـــــــن تشقـــــــق بالمــــــــداد

فقــال أبــو عمــرو لخلــف: إن حميــر لــم يفدهـــا هـــواء نجـــد. قـــال أبـــو العينـــاء: فسئـــل الأصمعـــي عـــن

معنى البيت فقال: يعني أنه في بعث قد كتب اسمه فهو يخشى أن يحل به فيسقط.

قـــال محمـــد بـــن يحيـــى الصولـــي: والمعنـــى فـــي أنـــه لـــو كـــان الواحــــد ديــــوان لجمعــــوا دياوبــــن إن اليــــاء

تكـــون صحيحـــة أصليـــة مثـــل ريحـــان ورياحيـــن فـــإذا قالـــوا: ديـــوان كــــان اليــــاء زائــــدة فــــإذا جمعــــوا

انفتحــت الــدال فقالـــوا: دواويـــن وهـــذا الصـــواب لأنهـــم يقولـــون: دون هـــذا فالـــواو أصليـــة كمـــا قالـــوا:

ميــزان والأصــل مــوزان لأنــه مــن الــوزن فالــواو أصليــة فمــن أجــل استثقالهـــم الكســـرة مـــع الـــواو قالـــوا:

ميزان قلبوا الواو ياء فلما جمعوا قالوا: دواوين ردوا الواو لانفتاح الدال. قال الشاعر:

يــــا زيــــن كتـــــاب الدواويـــــن   وفيلســــــوف الخــــــرد العيـــــــن

===

وكــان سبــب تدويــن الدواويــن أن أبـــا بكـــر رحمـــه اللـــه لمـــا تولـــى الأمـــر جـــاءه مـــال مـــن البحريـــن بعـــد

أن وعــد كــل مــن لــه عنــد رســول اللــه صلــى اللــه عليــه وسلــم عــدة بــه فأعطــى جابــر بــن عبــد اللـــه

عـــدة كانـــت لـــه. وجـــاء مـــال البحريـــن فقسمـــه فأخـــذ الرجـــل عشـــرة دراهـــم والمـــرأة كذلـــك والعبــــد

كذلـك. جـاء فـي العــام الثانــي أكثــر مــن ذلــك فأصابهــم عشــرون درهمــاً لكــل واحــد منهــم فتكلمــت

الأنصـار فــي ذلــك فقالــوا: نصرنــا وآوينــا فلنــا فضلنــا فلــم تســاوي بيننــا وبيــن مــن ليــس لــه شــيء ممــا

لنــا فقــال أبــو بكــر: صدقتــم ذاك لكــم فــإن كنتــم عملتمــوه للــه فدعــوا هــذا وإن كنتـــم فعلتمـــوه لغيـــره

زدتكم فقالوا: عملناه لله وانصرفوا.

حدثنـا الغلابـي قـال: حدثنـا عبـد اللـه بـن الضحــاك عــن الهيثــم بــن عــدي عــن عوانــة قــال: جــاء مــال

مــن البحريـــن إلـــى أبـــي بكـــر رضـــي اللـــه عنـــه فســـاوى فيـــه بيـــن النـــاس فغضبـــت الأنصـــار وقالـــوا:

فضلنــا فقــال لهــم أبــو بكــر: صدقتــم إن أردتــم أن أفضلكــم فقــد صــار مــا عملتــم للدنيــا وإن شئتــم

كــان ذلــك للــه والديــن! فقالــوا: واللــه مــا عملنــاه إلا للــه وانصرفــوا. فرقــي أبــو بكــر المنبــر فحمــد اللــه

وأثنى عليه وصلى على نبيه صلى الله عليه وسلم ثم قال:

" واللـــه يـــا معشـــر الأنصـــار لــــو شئتــــم أن تقولــــوا: إنــــا آويناكــــم وشاركناكــــم فــــي أموالنــــا ونصرناكــــم

بأنفسنــا لقلتــم وإن لكــم مــن الفضــل مــا لا نحصيــه عـــدداً وإن طـــال بـــه الأمـــد فنحـــن وأنتـــم كمـــا قـــال

===

جزى الله عنا جعفراً حين أزلقت   بنـا نعلنـا فـي الواطئيـن فزلــت

أبـوا أن يملونـا ولـو كانــت أمنــا   تلاقـي الـذي يلقـون منـا لملــت

هـم أسكنونـا فـي ظلـال بيتهـم   ظلـال بيـوت أدفـأت وأكنــت "

ثــم توفــي أبــو بكــر رضــي اللــه عنــه وقــام عمــر بعــده فأتــى أبــو هريــرة بمــال مــن البحريــن وكــان مبلغــه

ثمانمائـة ألـف درهـم وفـي أخــرى خمسمائــة ألــف درهــم فخطــب النــاس فقــال: " إنــه قــد جاءكــم مــال

فـإن شئتـم كلتـه لكـم كيـلاً وإن شئتــم عددنــا لكــم عــدداً " فقــال لــه الفيــرزان - وروي أن غيــره قــال

له - إن العجم تدون ديواناً لهم يكتبون فيه الأسماء وما لواحد واحد. فأمر باتخاذ الديوان.

وقــد روي أن عمــر بعــث بعثــاً فقــال لــه الفيــرزان: إن تخلــف مــن هــذا البعــث أحــد كيــف تصنـــع بـــه

وكيـــف يعلـــم عاملـــك بخبـــره قـــال: فمـــا تـــرى فأشـــار بالديـــوان فعملـــه وجعــــل المــــال فــــي بيــــت مــــال

وجعــل الــأرزاق مشاهــرة وكــل ذلــك بـــرأي أصحـــاب رســـول اللـــه صلـــى اللـــه عليـــه وسلـــم واجتمـــاع

منهـم فكـان هـذا أولــه. ثــم كثــر المــال عليــه فقالــوا: بمــن تبــدأ قــال: أشيــروا علــي. فقالــوا: أبــدأ فــي

الكتـاب والقبـض بنفسـك. فقـال: بـل بـآل رسـول اللـه صلـى اللـه عليـه وسلـم فكتـب عائشـة فــي اثنــي

عشــر ألفــاً فــي كــل سنــة وكتــب سائــر أزواج النبــي صلــى اللــه عليــه وسلـــم فـــي عشـــرة آلـــاف لكـــل

واحــدة وكتــب بعــد أزواج النبــي صلــى اللــه عليـــه وسلـــم رضـــي اللـــه عنهـــن علـــي بـــن أبـــي طالـــب

===

صلـوات اللـه عليــه فــي خمســة آلــاف ومــن شهــد بــدراً مــن بــن هاشــم ومــن مواليهــم ثــم كتــب عثمــان

بن عفان في خمسة آلاف ومن شهد بدراً من بني أمية ومواليهم على سواء.

ثـــم قـــال: قـــد بـــدأت بـــآل الرســـول صلـــى اللـــه عليـــه وسلـــم وبأقاربـــه فيمـــن تـــرون أن نبـــدأ بعدهـــم

فقالـوا: بنفسـك. قـال: بـل بـآل أبـي بكـر فكتـب طلحــة فــي خمســة آلــاف وبلــالاً فــي مثلهــا. ثــم قــال

للنــاس: بمــن أبــدأ قالــوا بنفســك. قــال: صدقتــم فكتــب لنفســه ولمــن شهــد بــدراً مـــن بطـــون قريـــش

خمســة آلـــاف خمســـة آلـــاف. ثـــم كتـــب لمـــن شهـــد بـــدراً مـــن الأنصـــار أربعـــة آلـــاف أربعـــة آلـــاف.

فقالــــوا: قصــــرت بنــــا عــــن إخواننــــا المهاجريــــن. فقــــال عمــــر: لا أجعــــل الذيــــن قــــال اللـــــه: " للفقـــــراء

والمهاجريـــن الذيـــن أخرجـــوا مـــن ديارهـــم وأموالهـــم يبتغـــون فضـــلاً مـــن اللـــه ورضوانـــاً وينصــــرون اللــــه

ورسولــه أولئــك هــم الصادقــون " كمــن كانــت الهجــرة فــي داره فرضــوا. ثــم كتــب لمـــن شهـــد أحـــداً

بثلاثة آلاف لكل واحد منهم. ثم فرض لمن شهد فتح مكة في ألفين ألفين. وأنشد الطالقاني:

يــــــــا قمــــــــر الديــــــــوان يــــــــا   مــــــن صــــــرت فيــــــه علمــــــاً

كأنمـــــــــــا فــــــــــــي كبــــــــــــدي   أنــــــــــــت تجــــــــــــر القلمــــــــــــا

وقال مجنون بني عامر يذكر أن للرقباء دواوين عليه:

إني أرى عائدات الحب تقتلني   وكان في بدئها ما كان يكفيني

===

تحويل الديوان من الفارسي إلى العربي:

قـال أبـو بكــر: حدثنــا القاضــي عمــرو بــن تركــي قــال: حدثنــا القحذمــي قــال: كــان بالبصــرة والكوفــة

ديوانــــان لإعطــــاء الجنــــد والمقاتلــــة والذريــــة بكتــــاب بالعربيــــة وديــــوان بالفارسيــــة. وبالشـــــام ديـــــوان

بالعربيــة لمثــل ذلــك وديــوان بالروميــة. فحــول ديــوان العــراق إلـــى العربيـــة أبـــو الوليـــد صالـــح بـــن عبـــد

الرحمــن البصــري وهــو مولــى بنــي مــرة بــن عبيــد مــن بنــي سعيــد بـــن زيـــد منـــاة بـــن تميـــم وكـــان مـــن

سبـــي سجستـــان. وكـــان صالـــح يكتـــب لـــزادان فـــروخ علـــى الدواويـــن أيـــام الحجـــاج وكـــان أول مـــن

جمــع لــه الغــزاة أن زيــاداً قــال: فاستكتــب عليهــا زادان فــروخ الأعــور فبقـــي إلـــى هـــذا الوقـــت قـــال:

فلمــا رأى الحجــاج ذكــاء صالـــح قربـــه فقـــال لـــزادان فـــروخ: إن الأميـــر يقدمنـــي عليـــك وأنـــت سببـــي

منــه ومــا أحـــب ذلـــك فلـــم يـــزل يؤخـــره عنـــه والحجـــاج يطلبـــه فقـــال لـــه زادان فـــروخ: لابـــد للحجـــاج

منــي لأنــه لا يجــد مــن يقــوم بحســاب ديوانــه غيــري فقــال لــه صالــح: إنــه إن أمرنــي بنقـــل الحســـاب إلـــى

العربــي فعلــت قــال: فانقـــل شيئـــاً منـــه بيـــن يـــدي ففعـــل فقـــال زادان فـــروخ: لكتابـــه الفـــرس التمســـوا

مكسباً غير هذا.

قــال وقـــدم الحجـــاج صالحـــاً فقلـــب صالـــح الديـــوان إلـــى العربـــي وكـــان كتـــاب العراقيـــن كلهـــم غلمانـــه

===

وتلاميــذه. وكــان ديــوان الشــام إلــى سرجـــون بـــن منصـــور وكـــان روميـــاً نصرانيـــاً كتـــب لمعاويـــة ولمـــن

بعـده إلـى عبـد الملـك بـن مــروان ثــم رأى عبــد الملــك منــه توانيــاً فقــال عبــد الملــك لسليمــان بــن سعــد

مولـــى لحسيـــن - وكـــان علـــى مكاتبـــات عبـــد الملـــك والرسائـــل: مـــا أحتمـــل سحـــب سرجـــون أفمـــا

عنـدك حيلـة فــي أمــره فقــال: بلــى أنقــل الحســاب إلــى العربيــة مــن الروميــة فقــال: افعــل. فحولــه فولــاه

عبــد الملــك جميــع دواويــن الشــام وصــرف سرجــون فلــم يــزل سليمــان بــن سعــد علــى ذلــك إلـــى أيـــام

عمــر بــن عبــد العزيــز رحمــه اللــه. ثــم إن عمــر بــن عبــد العزيــز وجــد عليــه فعزلــه واستكتــب مكانــه

صالح بن كثير الصداي من أهل طبرية.

قـال الصولـي: حدثنـا علـي بــن الصبــاح يقــول: سمعــت الحســن بــن رجــاء يقــول: ناظــر فارســي عربيــاً

بيـن يـدي يحيــى بــن خالــد البرمكــي فقــال الفارســي: " مــا احتجنــا إليكــم قــط فــي عمــل ولا تسميــة

ولقـد ملكتـم فمـا استغنيتـم عنـا فـي أعمالكـم ولا لغتكــم حتــى إن طبيخكــم وأشربتكــم ودواوينكــم

ومـــــا فيهـــــا علـــــى مـــــا سمينـــــا مــــــا غيرتمــــــوه كالإسفيــــــداج والسكبــــــاج والدوغبــــــاج وأمثالــــــه كثيــــــرة

وكالسكنجبيـــن والخلنجبيـــن والجلـــاب وأمثالهـــا كثيـــرة وكالروزنامـــج والاسكـــدار والفراونـــك وإن كــــان

روميـاً ومثلـه كثيــر فسكــت عنــه العربــي. فقــال لــه يحيــى بــن خالــد: قــل لــه: " اصبــر لنــا نملــك كمــا

ملكتم ألف سنة بعد ألف سنة كانت قبلها لا نحتاج إليكم ولا إلى شيء كان لكم ".

===

قـــال: ومـــا سمعتـــه العـــرب فاحتاجـــت إلـــى استعمالـــه فـــي نظـــم أو نثـــر فقـــد أعربتـــه فصـــار عربيــــاً

بتكلمهـا بـه وإعرابهـا إيـاه. ألا تـرى إلــى امــرئ القيــس لمــا خــرج يريــد ملــك الــروم فــرأى الفراونــك وفعلــه

وإنه مقطوع الذنب كيف وصفه وعربه فقال في قصيدته التي أولها:

سما لك شوق بعد ما كان أقصرا

فقال فيها:

إذا قلــت روحنــا أرن فرانـــق   على جلعد واهي الأباجل أبترا

بكى صاحبي لما رأى الدرب دونه   وأيقـــن أنـــا لاحقـــان بقيصــــرا

قــال أبــو بكــر: واعترضنــي خبــر لطيــف فــي الفرانــق ليــس مــن الكتــاب فذكرتـــه: حدثنـــي عـــون بـــن

محمــد الكنــدي قــال: كــان ابــن شاهــك عــدواً لأحمــد بــن أبــي أميــة وكــان فيــه تأنيــث فولـــاه إسحـــاق

بـن إبراهيـم عمـلاً فقـال ابـن أبــي أميــة يخاطــب إسحــاق ويذكــر ابنــه بابــن شاهــك وجعــل الــذي رمــاه

به كالفرانق وما معه كالخريطة فقال له:

" قل " للأميـر أدام اللـه نعمتـه   قولاً له عند أهل الرأي تحصيل

إن ابن شاهك قد وليته عملاً   أضحى وحقك عنه وهو مشغول

بسكة أحدثت ليست بشارعة   تفضي إلى عرصة في جوفها ميل

===

وهذا نحو قول أعرابي يصف صاحباً له تزوج فلم يفق ليله فأنشد:

فبــات يســري ليلـــه ولـــم ينـــم   ولـم يجـاوز سيـره قيـس قــدم

وأنشــد هــارون بــن عبــد اللــه لدعبــل يهجــو الحســن بــن وهـــب لمـــا ولـــي البريـــد بنحـــو قـــول ابـــن أبـــي

أمية:

ألا أبلــغ أميــر المؤمنيــن محمــداً   رسالة ناء عن جانبيه شاحط

بأن ابن وهب حين يشحج شاحج   يمر على القرطاس أقلام غالط

أحب بغال البرد حباً مداخـلاً   دعاه إلى غشيانها فـي المرابـط

ولولا أمير المؤمنين لأصبحت     أيور بغال البرد حشو الخرائط

وقــد هجــا عبــد الرحمــن بــن عائشــة ميمــون بــن إبراهيــم صاحــب البريــد بنحــو معنــى ابــن أبــي أميـــة

فقال:

ألا قــــــــولا لميمــــــــون مقــــــــالاً   يدبـــره الحكيـــم بحســـن عقلـــه

أمـا ينهـاك شيبـك عــن كتــاب   شغلــت بخرجــة عنــا ودخلــه

يجـــيء بـــه الفرانـــق مستعــــداً   بغيــــر يــــد فيأخـــــذه برجلـــــه

===

وجوه الأموال التي تحمل إلى بي المال وأصنافها ولمن تجب:

الأموال ثلاثة:

الفــيء ووجوهــه خمســة: منهــا مــا أفــاء اللــه علــى المسلميــن ممــا يجدونــه فـــي المدينـــة التـــي تفتـــح بعـــد

سكــون الحــرب وانتقــال الــدار مــن اســم الكفــر إلــى الإسلــام فذلــك فــيء وليــس بغنيمــة كالـــذي فعـــل

عمــر رضــي اللــه عنــه فــي كنــز الفخيرجــان وقــد أتــى بــه السائــب وقــد ولـــاه قسمـــة الغنائـــم بنهاونـــد

لمــــا فتحهــــا اللــــه علــــى المسلميــــن جمــــع السائــــب الغنائــــم فقسمهــــا ثــــم جــــاء مــــن دلـــــه علـــــى الكنـــــز

فاستخرجــه وكــان سفطيــن مــن جوهــر فأتــى بهمــا عمــر رحمــه اللــه فأمـــره أن يبيعهمـــا ويقســـم ثمنهمـــا

بين الذرية ولم يأمره أن يخمسه فتبين أنه جعله فيئاً ولم يجعله غنيمة.

والوجه الثاني: الجزية جزية رؤوس أهل الذمة.

والوجه الثالث: ما يؤخذ من نصارى تغلب وهو الزكاة مضاعفة.

والوجه الرابع: ما يؤخذ من تجارات أهل الذمة التي يختلفون فيها.

والوجــه الخامــس: مــا يؤخــذ مــن تجــارات المشركيـــن الذيـــن يدخلـــون بلـــاد الإسلـــام بعهـــد. يؤخـــذ مـــن

تجارات أهل الذمة نصف العشر ومن تجارات المشركين العشر.

===

والمـــال الثانـــي: الخمـــس ووجوهـــه أربعــــة فأولهــــا الركــــاز وهــــو دفــــن الجاهليــــة والكفــــار القدمــــاء إذا

وجده إنسان أدى إلى السلطان خمسه وكانت له أربعة أخماسه.

والثانـــي: المعـــدن وهـــو الموضـــع الـــذي يوجـــد فيـــه الذهـــب والفضــــة والرصــــاص والنحــــاس والحديــــد

وقد اختلف فيه فقال أهل العراق: فيه الخمس كالركاز وقال أهل الحجاز فيه الزكاة معجلة.

والثالــث: مــا استخــرج مــن البحــر مــن العنبــر واللؤلــؤ وقــد اختلــف فيــه فقــال أهــل العـــراق: لا شـــيء

فيـه وهــو بمنزلــة المســك. وروي عــن عمــر رضــي اللــه عنــه أن يعلــى بــن منبــه كتــب إليــه وهــو علــى

اليمــن أن رجــلاً وجــد عنبــرة علــى ساحــل البحــر فكتــب إليــه عمــر أنهــا سيبــة مــن سيــب اللــه فيهــا

وفي كل ما أخرج البحر من حليه الخمس. وقال ابن عباس رضي الله عنه: ذاك رأيي.

والرابع: كل ما غنمه المسلمون من مال المشركين فيه الخمس.

والمــال الثالــث: الصدقــة وهــي فــي العيــن مــن كــل عشريــن دينــاراً نصــف دينــار وفــي الـــورق مـــن كـــل

مائتـي درهـم وهـو ربـع العشــر والحلــي مــا كــان منــه جوهــراً فــلا شــيء فيــه ومــا كــان ذهبــاً أو فضــة

ففيه ربع العشر وكذلك كل ما يركب لا زكاة فيه.

والمماليـــك لا زكـــاة فيهـــم إلا زكـــاة الفطـــر. فـــإن كانـــوا للتجـــارة كانــــت فيهــــم الزكــــاة ولــــم يكــــن فيهــــم

زكاة الفطر وزكاة هذا كله أن يقوم ويؤخذ ربع عشر قيمته.

===

وفــــي الإبــــل إذا بلغــــت خمســــاً شــــاة وإذا بلغــــت عشــــراً شاتــــان وإذا بلغـــــت خمـــــس عشـــــرة ثلـــــاث

شيـــاه وإذا بلغـــت عشريـــن ففيهـــا أربـــع فــــإذا بلغــــت خمســــاً وعشريــــن ففيهــــا بنــــي مخــــاض فــــإن لــــم

تكــن ابنــة مخــاض فابــن لبـــون إلـــى خمـــس وثلاثيـــن فـــإذا زادت واحـــدة ففيهـــا ابنـــة لبـــون إلـــى خمـــس

وأربعيــن فــإذا زادت واحــدة ففيهـــا حقـــة إلـــى ستيـــن فـــإذا زادت واحـــدة ففيهـــا جذعـــة إلـــى خمـــس

وسبعيــن فــإذا زادت واحــدة ففيهــا حقتــان إلــى مائــة وعشريــن ثــم يكــون فــي كـــل أربعيـــن ابنـــة لبـــون

وفي خمسين حقة.

وبعــض الفقهــاء يقــول: تستأنــف الفريضــة بعـــد المائـــة والعشريـــن كمـــا كانـــت فـــي الابتـــداء لكـــل خمـــس

شاة.

وفــي الغنــم فــي كــل أربعيــن شــاة ثــم ليــس فيهــا شــيء حتــى تزيــد علــى عشريــن ومائـــة فـــإذا زادت

واحـدة ففيهـا ثلـاث شيـاه إلـى ثلاثمائـة ثــم يكــون فــي كــل مائــة شــاة ولا يؤخــذ مــن الزيــادة شــيء حتــى

تكمل مائة ويحول عليها الحول وهي على هذا التمام.

وفـي البقـر وجواميسهـا فـي ثلاثيـن بقـرة تبيـع أو تبيعــة وهــو جــذع أو جذعــة وفــي كــل أربعيــن مسنــة

وليس فيما بين الثلاثين إلـى الأربعيـن شـيء وفـي كـل سبعيـن تبيـع أو تبيعـان وليـس فيمـا بيـن الأربعيـن

والستيـن شــيء وحسابهــا بعــد فــي كــل ثلاثيــن تبيــع أو تبيعــة وفــي كــل أربعيــن مسنــة ولا زكــاة فــي

===

شـيء ممـا ذكرنـا حتـى تكــون سائمــة والسائمــة الراعيــة التــي ترعــى فــي كــلأ المسلميــن الذيــن هــم فيــه

سواء فأما من لم يجد شيئاً من ذلك يعلفه ويمونه من ماله فلا زكاة فيه وإن كثر.

وقــال أهــل الحجــاز: لا زكــاة فــي خيــل ولا رقيــق إلا زكــاة الفطــر التــي تلــزم الأحــرار ولا فـــي شـــيء

مــن دواب الوحــش ولا زكــاة فــي لؤلــؤ ولا ياقــوت ولا مرجـــان ولا لبـــاس ولا فـــي شـــيء مـــن العـــروض

إلا زكاة التجارة فهي على ما سميت لك فقس على ذلك.

وصدقـــة الـــأرض العشـــر ممـــا يخـــرج اللــــه منهــــا إذا بلغــــت خمســــة أوســــق. والوســــق ستــــون صاعــــاً

والصـاع خمسـة أرطـال وثلـث بالرطــل البغــدادي فــي قــول أهــل الحجــاز. وهــو فــي قــول أهــل الكوفــة

خمســـة أرطـــال بهـــذا الرطـــل إذا كانـــت الـــأرض تشـــرب سيحـــاً أو مــــاء السمــــاء وإن كانــــت تشــــرب

بدولاب وما أشبهه ففيه نصف العشر.

والفيء للمقاتلة والذرية وذوي الغناء عن الإسلام.

والخمـس لمـن قـال اللـه عـز وجـل: " واعلمـوا أن مــا غنمتــم مــن شــيء فــأن للــه خمســه وللرســول ولــذي

القربـى " يعنــي قرابــة النبــي صلــى اللــه عليــه وسلــم وهــم بنــو هاشــم بــن عبــد منــاف وبنــو المطلــب

ابــن عبــد منــاف خاصــة مــن سائــر بنــي عبــد منــاف لــأن النبــي صلــى اللــه عليــه وسلــم جعــل ذلـــك

لهـم فكلمـه عثمـان بـن عفـان بـن أبـي العـاص بـن أميـة بـن عبــد شمــس بــن عبــد منــاف فــي أن يجعلهــم

===

فـي أسهـم القربــى مثــل إخوتهــم بنــي المطلــب بــن عبــد منــاف إذ كانــوا فــي القربــى مثلهــم فقــال النبــي

صلــى اللــه عليــه وسلــم: " لا أفعــل إن بنــي المطلــب مــا فارقونــا فــي جاهليــة ولا إسلــام وكانــوا معنـــا

كـذا " وشبـك بيـن أصابعـه. وإنمـا رعـى لهـم النبـي صلـى اللـه عليـه وسلــم فعلهــم لمــا أدخلــت قريــش

بنــي هاشــم شعبــاً وقالــوا: لا نكلمهــم ولا نبايعهــم فدخــل بنــو عبــد المطلــب معهـــم وقالـــوا: لا نفـــارق

إخواننا. واليتامى ليتامى سائر الناس ليس فيهم يتامى بني هاشم ولا يتامى بني المطلب.

والمساكيـن مساكيـن النـاس عامـة ليـس فيهـم مساكيـن بنـي هاشـم ولا مساكيـن بنـي المطلـب. وقـد قــال

قوم: اليتامى والمساكين يتامى هؤلاء ومساكينهم. وابن السبيل الضيف الفقير.

واختلـف النـاس فـي اللـه وسهـم الرسـول صلــى اللــه عليــه وسلــم فقــال قــوم: المعنــى فــي قــول اللــه عــز

وجل: " فإن لله خمسه " مفتاح كلام كما يقال: هذا لله ولك وقد أعتقك الله وأعتقتك.

والخمس مقسوم على خمسة كما قال الله عز وجل:

وقــال قــوم: كــان رســـول اللـــه صلـــى اللـــه عليـــه وسلـــم إذا أتـــي بالغنيمـــة ضـــرب فمـــا وقـــع فيهـــا مـــن

شـيء جعلـه للكعبـة وهـو سهـم اللـه. هـذا قـول مالـك. ثـم يقسـم مـا بقـي علـى خمســة أسهــم: فسهــم

للنبي صلى الله عليه وسلم ولذي القربى سهم ولليتامى والمساكين وابن السبيل سهم سهم.

وقـال ابـن عبـاس: كـان الخمـس يقسـم علـى أربعــة: فربــع للنبــي صلــى اللــه عليــه وسلــم ولــذي القربــى

===

فمـــا كـــان للـــه وللرســـول فهـــو لقرابـــة رســـول اللـــه صلـــى اللـــه عليـــه وسلـــم ولـــم يأخـــذوا مـــن الخمــــس

شيئاً والربع الثاني لليتامى والربع الثالث للمساكين والربع الرابع لابن السبيل.

وقــال قــوم: كــان خمــس اللــه وخمــس رسولــه صلــى اللــه عليــه وسلــم واحــداً فكــان النبــي صلــى اللــه

عليـــه وسلـــم يعطـــي بعضـــه ويصـــرف الباقـــي فيمــــا أسمــــاه اللــــه لــــه وفيمــــا يــــراه صلاحــــاً للمسلميــــن

والعدل قسمته والحق ما فعله عليه الصلاة والسلام.

وقـد اختلـف فـي سهـم رسـول اللـه صلـى اللـه عليــه وسلــم وسهــم ذي القربــى بعــد وفاتــه فقــال قــوم:

سهـم ذي القربـى لقرابــة النبــي عليــه الصلــاة والسلــام وقــال قــوم: لقرابــة الخليفــة. وقــال قــوم: مــا يكــون

سهـــم النبـــي صلـــى اللـــه عليـــه وسلـــم للخليفـــة مـــن بعـــده ثـــم اجتمـــع رأيهـــم علـــى أن يجعلــــوا هذيــــن

السهميـن فـي الخيـل والغـزو وفـي سبيـل اللـه ومصلحـة المسلميـن فكانـا يصرفـان فـي ذلـك أيـام أبــي بكــر

ومن بعده من الأئمة رضي الله عنهم.

والصدقــــات للأصنــــاف التــــي ذكرهــــا اللــــه عــــز وجــــل فقــــال: " إنمــــا الصدقــــات للفقــــراء والمساكيــــن

والعامليـن عليهـا والمؤلفـة قلوبهـم وفـي الرقـاب والغارميـن وفـي سبيـل اللــه وابــن السبيــل فريضــة مــن اللــه

والله عليم حكيم ".

فالفقـراء فـي اللغـة هــم الذيــن لهــم قــوت مجهــودة أن يكفيهــم لا فضــل لهــم ولا عندهــم. واحتجــوا فــي

===

أما الفقير الذي كانـت حلوبتـه   وفق العيال فلم يتـرك لـه سبـد

فقالــوا: والمسكيــن الــذي لا قــوت لــه وقــول اللــه عــز وجــل: " أمــا السفينــة فكانــت لمساكيــن " يوجـــب

خلاف ما حده أهل اللغة في المسكين.

واختلـــف النـــاس فـــي سهـــم المؤلفـــة قلوبهـــم فقـــال قـــوم: قـــد انقطـــع اليـــوم سهـــم بقـــوة الإسلـــام وأهلــــه

فسهمهم يرجع على الباقين. وقال قوم: بل للإمام أن يتألف من يراه هذا السهم له.

وأما سهم العاملين في الفريضة فأمرهم إلى الإمام يفرض لهم ما أراد.

وفـــي الرقـــاب قيـــل: هـــو أن يشتـــرى العبـــد فيعتـــق. وقـــال بعضهـــم وهـــو الشافعـــي: لا يشتـــرى مـــن

الصدقة عبد فيعتق ولكن يعان المكاتب منها.

و " الغارمين ": وهم قوم أدانوا ديناً في غير معصية.

وفـي سبيـل اللـه: فـي الغـزو. وقـال بعضهـم: فـي سبيـل اللـه فـي الذيـن يقاتلـون عليهـا أهلهـا إذا منعوهـا

حتى يؤدوها.

وابن السبيل: المسافر الذي تنقطع به نفقته يعطى منها ما يبلغه إلى بلده من الصدقة.

اللغة في أسنان الإبل وتعريفها:

===

يقـال لولـد الناقـة ساعـة تضعـه أمـه: " سليـل " و " حـوار " قبـل أن يعلـم أهـو ذكـر أو أنثــى. فــإن كــان

ذكـراً فهـو " سقـب " وإن كـان أنثـى فهـو " حابـل ". فـلا يـزال حـواراً حتـى يفصــل عــن أمــه فيقــال لــه:

" فصيل ".

فـــإذا كـــان فـــي الوقـــت الـــذي يحمـــل عليـــه فيـــه وهــــو عنــــد تمــــام سنــــة ودخــــول الثانيــــة فهــــو " ابــــن

مخــاض " يجــوز فــي الصدقــة لــأن أمــه قــد تمخضــت بحمــل بعــده فــلا يــزال ابــن مخـــاض حتـــى تدخـــل

السنـة الثالثـة فيصيــر " ابــن لبــون " لــأن أمــه قــد صــار لهــا لبــن مــن غيــره فــلا يــزال ابــن لبــون والأنثــى

ابنة لبون حتى تدخل السنة الرابعة فهو حينئذ " حق " والأنثى حقة.

فـإذا كـان فـي السنـة الخامسـة فهـو " جــذع " والأنثــى " جذعــة " والجذوعــة وقــت مــن الزمــن ليســت

بسن. فإذا تمت ودخلت السنة السادسة فهو " ثني " والأنثى " ثنية ". فإذا ألقى رباعيته فـي السنـة

السابعة فهو " رباع " والأنثى " رباعية ". فإذا ألقى السن الذي بعد الرباعية وذلك في السنـة الثامنـة

فهو " سديس " و " سدس " الذكر والأنثى سواء. وهو في كل هذا " بكر " والأنثى " قلوص ".

فـإذا فطـر نابـه أي انشـق للخـروج وذلـك فـي السنــة التاسعــة فهــو " بــازل " والأنثــى بــازل و " بازلــة "

يقالـان جميعـاً وهـو عنـد ذلـك " جمـل " و " ناقـة " للأنثـى. وليـس بعـد ذلـك ســن إنمــا يقــال: " مخلــف

عـام " و " مخلـف عاميـن " ومـا زاد. فـإذا كبـر وعظـم نابـه فهـو " عـود " والأنثـى " عـودة " ويسميــان

===

أسنان الغنم:

يقــال لولــد الشـــاة حيـــن تضعـــه أمـــه مـــن الضـــأن كـــان أو مـــن المعـــز ذكـــراً كـــان أو أنثـــى: " سخلـــة " و

" بهمـة ". فـإذا بلغـت أربعـة أشهـر وفصلـت عـن أمهـا فمـا كـان مـن أولــاد المعــز فهــو " جفــر " والأنثــى

" جفرة ". فإذا قوي فهو " عريض " ثم " عتود " والذكر في هذا كله " جدي " والأنثى " عناق " وإن كان

مـن أولـاد الضـأن فالذكـر " حمـل " و " خـروف " والأنثـى " رخـل " و " خروفــة " وتكــون فــي السنــة

الثانيــة " جذعــا " والأنثــى " جذعــة ". قــال الأصمعــي: يكــون جذعــاً مــن يأتــي عليــه ثمانيــة أشهـــر

وتسعة ونحو ذلك. وفي السنـة الثالثـة " ثنـي " والأنثـى " ثنيـة " وفـي السنـة الرابعـة " ربـاع " والأنثـى

" رباعية " وفي الخامسة هو " سدس " و " سديس " وفي السنة السادسة هو " صالغ " و " سالغ " و

" صالغة " بالسين والصاد ويقال لما كان ذكراً من المعز عند الإجذاع " تيس " والأنثى " عنز ".

أسنان البقر:

يالق لولد اليقرة حين تضعـه أمـه " عجـل " ثـم " تبيـع " وهـو الجـذع وبعضهـم يقـول: هـو تبيـع إلـى ثمانيـة

أشهر وتسعة ثم " جـذع " إذا تمـت لـه سنـة ثـم فـي الثانيـة هـو " ثنـي " والأنثـى " ثنيـة " وفـي السنـة

الثالثة " رباع " والأنثى " رباعية " وفي الرابعة " سدس " و " سديس " الذكر والأنثى فيه سواء وفي

===

السنة الخامسـة " ضالـع " والأنثـى " ضالعـة ". ومنهـم مـن يجعلـه فـي السنـة الثانيـة جذعـاً وفـي الثالثـة

ثنياً وفي الربعة رباعياً وفي الخامسة سديساً وسدساً وفي السادسة ضالعاً مثل الغنم.

أسنان الخيل:

وإنمـــا ذكرتهـــا هـــا هنـــا لـــأن الكاتـــب لا يستغنـــي عـــن علمائهــــا يقــــال لولــــد الفــــرس حيــــن تضعــــه أمــــه

" مهر " والأنثى " مهرة " ويقال له: " خروف " فإذا فصل عن أمـه فهـو " فصيـل ". فـإذا استتـم نبـات

رواضعه فهو " فلو " يقال: فليت وأفليت فإذا أتـى عليـه حـول فهـو " حولـى " فـإذا استتـم حوليـن فهـو

" جـذع " فـإذا أسقطـت ثنيتـاه وخـرج مكانهمـا وذلـك فـي العـام الثالــث فهــو " ثنــي " وفــي الرابــع هــو

" ربـــاع " وذلـــك إذا سقطـــت رباعيتـــاه وخـــرج مكانهمـــا فـــإذا سقـــط قارحـــاه وخـــرج مكانهمـــا فهــــو

" قـارح " وليـس بعـد القـارح ســن ولكــن يقــال: " قــارح عــام " و " قــارح عاميــن " إلــى ثمانيــة أعــوام

ثميقال له: " مذل " والجميع " مذال ".

ومـن ألـوان الخيــل: أدهــم وأخضــر وأحــوى وكميــت وأشقــر. والفــرق بيــن الكميــت والأشقــر أن يســود

عرفـه وذنبـه فيكــون كميتــاً وإلا فهــو أشقــر. وأصفــر وأشهــب وأبلــق وأبــرش وملمــع وهــو أيضــاً بلقــة.

وكذلـــك المدنـــر والأشيـــم والمولـــع كـــل هـــذه شيـــات اللـــون يخالـــف لـــون الفـــرس يتشكـــل فيـــه فيسمــــى

===

مدنـــراً إذا كـــان فيـــه دارات وإذا كـــان فيـــه لونـــان متساويــــان فهــــو أبلــــق وقــــس علــــى هــــذا. وفــــرس

لطيــــم إذا أصابــــت غرتــــه عينيــــه أو أحدهمــــا أو خديــــه أو أحدهمــــا فــــإذا ابيضــــت أشفـــــاره فهـــــو

مغــرب فــإذا لــم تصــب العينيــن والخديــن واتسعــت فــي جبهتــه فهــي شادخــة وإذا دنـــت فـــي جبهتـــه

وقصبة أنفه فهي شمراخ فإذا عرضت في الجبهة فهي سائلة.

والقرحــة كــل بيــاض كــان فــي جبهتــه ثــم انقطــع قبــل الأنــف والرثــم كــل بيــاض أصــاب الجحفلــة العليــا

قل أو كثر فهي رثمة.

واللمظــة كــل بيــاض فــي الجحفلــة السفلــى. والفــرس المــظ وأرثــم. فــإذا شـــاب الناصيـــة بيـــاض فهـــو

أسعف فإذا خلصت بياضاً فهو أصبغ فإذا انحدر البياض إلى منبت الناصية فهو المعمم.

والتحجيـل بيـاض يكـون فـي قوائمـه أو فــي ثلــاث أو اثنتيــن قــل أو كثــر. يقــال: محجــل أربــع فــإذا كــان

البيــاض فــي ثلــاث قيــل: هــو محجــل ثلــاث مطلــق يـــد أو رجـــل والتحجيـــل مأخـــوذ مـــن الحجـــل وهـــو

الخلخـــال كأنـــه صـــار البيـــاض موضعـــه فـــإذا كـــان البيـــاض برجليـــه قيـــل: محجـــل الرجليـــن فـــإذا كــــان

برجـــل واحـــدة قيـــل: أرجـــل ويتشـــاءم بـــه لـــأن الحسيـــن صلـــوات اللـــه عليـــه قتــــل وهــــو علــــى فــــرس

أرجـل. فـإذا كـان البيـاض فــي اليــد اليمنــى والرجــل اليســرى مخالفــاً فهــو مكســور وإذا كــان فــي اليــد

اليمنــى والرجــل اليمنـــى فهـــو مطلـــق الأيامـــن ممســـك الأياســـر وإذا كـــان بوجهـــه وضـــح وبإحـــدى يديـــه

===

فهــو اعصــم فــإذا كــان أبيــض البطــن ولــم يتصــل ببيــاض التحجيــل فهــو أصبــغ وإذا صــار فــي عـــرض

الذنـب بيـاض فهـو أشعــل فــإذا كــان فــي أصــل ذنبــه فهــو أصبــغ وإذا صــار فــي عــرض الذنــب بيــاض

فهـو أشعـل فـإذا كـان فـي أصــل ذنبــه فهــو أصبــغ فــإذا بلــغ البطــن فهــو أنبــط فــإذا ظهــر مــن البطــن فهــو

أبلق.

أحكام الأرضين:

قال الصولي في الأرض ثلاثة أحكام:

فــأرض عشــر غنمهــا المسلمــون فخمسهــا للإمــام وتجعــل أربعــة أخماسهــا بيــن الذيــن افتتحوهــا ويبقــى

خمسهـــا لمـــن سمـــى اللـــه فهـــي أرض عشـــر. وكـــل أرض استحياهـــا إنســـان وقـــد كانـــت مواتــــاً قبــــل

ذلــك فاستنبــط لهــا مــاء أو استخــرج عيونــاً فهـــي أرض عشـــر إلا أن يكـــون المـــاء الـــذي أجـــراه إليهـــا

مـن مـاء الخـراج فتكـون أرض خــراج. فهــذه الأرضــون كلهــا لأهلهــا ملــك إيمانهــم لا شــيء عليهــم فيهــا

غيــر العشــر إن كانــت تشــرب سيحـــاً أو مـــن مـــاء السمـــاء وإن كانـــت تشـــرب بالداليـــة وأشبـــاه ذلـــك

مما يعتمل فيه ففيها نصف العشر.

وأرض افتتحـــت صلحـــاً علـــى خـــراج معلـــوم فأهلهــــا علــــى مــــا صولحــــوا عليــــه إلا أن يلزمهــــم غيــــره

===

وأرض افتتحـــت عنـــوة ففيهـــا اختلـــاف زعــــم بعضهــــم أن سبيلهــــا سبيــــل الغنيمــــة تخمــــس وتقســــم

فيكــون أربعــة أخماسهــا خططــاً بيــن الذيــن افتتحوهــا خاصــة والخمــس الباقــي لمــن سمــى اللــه تعالــى

كمـا فعـل رسـول اللـه صلـى اللــه عليــه وسلــم بخبيــر. وقــال بعضهــم: حكمهــا والنظــر فيهــا إلــى الإمــام

فـــإن رأى أن يجعلهـــا فيئـــاً فـــلا يخمسهـــا ولا يقسمهـــا ولكـــن تكـــون موقوفـــة علـــى المسلميـــن عامـــة مـــا

بقـوا كمـا فعـل عمـر بالسـواد فإنـه لمـا افتتـح المسلمــون الســواد قالــوا: أقسمــه بيننــا فقــال: فمــا لمــن جــاء

بعدكـم مـن المسلميـن وأخــاف أن تفاســدوا بينكــم فــي الميــاه فأقــر أهــل الســواد فــي أرضهــم وضــرب

على رؤوسهم الجزية وعلى أرضهم الطبق وهو الخراج ومعنى الطبق والخراج واحد.

القطائع:

قــال أبــو بكــر: يــروى عــن طــاوس أن رســول اللــه صلــى اللــه عليــه وسلــم قــال: " عــادي الـــأرض للـــه

ولرسوله ثم هي لكم " يعني أنها تقطع للناس.

وروي عــن رســول اللــه صلــى اللــه عليــه وسلــم أنــه أقطــع جماعــة مــن المهاجريـــن والأنصـــار مـــن أمـــوال

بنــي النضيــر وكانــت صفيــاً لرســول اللـــه صلـــى اللـــه عليـــه وسلـــم خالصـــة. فكـــان فيمـــن سمـــي ممـــن

أعطــى أبــو بكــر رضــي اللــه عنــه أعطــاه بئــر حجــر وعمــر رضــي اللــه عنــه أعطــاه بئــر جــرم وعبــد

===

الرحمــن بــن عــوف سؤالــة وأقطــع صهيبــاً الصراطــة وأقطــع الزبيــر وأبــا سلمــة بــن عبــد الأســـد البريلـــة

وأقطــع أبــا دجانــة وسهــل بــن حنيــف مــالاً يقــال لــه حرســة وأقطــع رجــلاً مــن الأنصــار أرضـــاً فكـــان

يخــرج إليهــا فيرجــع فيقــال: نــزل بعــدك مــن القــرآن كــذا أو قضــى رســول اللــه صلـــى اللـــه عليـــه وسلـــم

بكــذا. فقــال: يــا رســول اللــه إن هــذه أرض تشغلنــي فاقبلهــا منــي فــلا حاجــة لــي فيهــا فقبلهـــا منـــه

رسـول اللـه صلـى اللـه عليـه وسلـم. فقــال: أقطعينهــا فأقطعــه إياهــا وأقطــع الزبيــر أيضــاً بخيبــر أرضــاً

فيهــا شجــر ونخــل وقصرهـــا وكتـــب لـــه بذلـــك كتابـــاً وأقطـــع عتبـــة بـــن فرقـــد موضـــع داره بمكـــة ممـــا

يلي المروة.

ولمــا أسلــم تميــم الــداري قــال: يــا رســول اللــه إن اللــه يظهــرك علــى الــأرض كلهــا فهــب لــي قريتيــن مــن

بيـت لحـم قـال: " هـي لـك " وكتـب لـه بهـا كتابــاً فلمــا ظهــر عمــر رضــي اللــه عنــه علــى الشــام جــاءه

بكتاب رسول اللـه صلـى اللـه عليـه وسلـم فقـال عمـر: " أنـا شاهـد ذلـك فإعطـاه إياهـا ". وبيـت لحـم

هذه من القرية التي ولد فيها عيسى عليه السلام.

واستقطعـــه أبيـــض بـــن جمـــال المازنـــي الملـــح الـــذي بمـــأرب فأقطعـــه إيـــاه فلمـــا ولـــى قـــال رجـــل: إنمــــا

أقطعتــه المــاء العــد فــرده ولــم يمضـــه لـــه كأنـــه عليـــه الصلـــاة والسلـــام لمـــا قـــال لـــه: المـــاء العـــد رأى أنـــه

شــيء بيــن النــاس جميعــاً. ولــم يكــن صلــى اللــه عليــه وسلــم يقطـــع حـــق مؤمـــن ولا معاهـــد. فبهـــذا

===

وأقطــع أبــو بكــر الزبيــر الجــرف أيضــاً مواتــاً وأقطــع طلحــة أرضـــاً وكتـــب لـــه كتابـــاً وأشهـــد لـــه ناســـاً

فيهــم عمــر فأتــى طلحــة عمــر بالكتــاب ليختمــه فقــال: هــذا كلــه لـــك دون النـــاس! لا أختـــم هـــذا.

فرجـــع طلحـــة مغضبـــاً إلـــى أبـــي بكـــر فقـــال: أنـــت الخليفـــة أم عمـــر فقـــال عمـــر ولكنـــه أبــــى وأبطــــل

الإقطاع.

وأقطــع أبــو بكــر لعيينــة بــن حصــن الفــزاري قطيعــة وكتــب لــه بهـــا كتابـــاً فأتـــى عيينـــة عمـــر فأعطـــاه

الكتــاب فبصــق فيــه ومحــاه وســـأل عيينـــة أبـــا بكـــر أن يجـــدد لـــه الكتـــاب فقـــال: لا أجـــد شيئـــاً رده

عمر.

وأقطع عمر بن الخطاب الزبير العقيق أجمع.

وخــرج رجــل مــن أعــل البصــرة يقــال لــه نافــع إلــى عمـــر فقـــال: إن قبلنـــا أرضـــاً بالبصـــرة وليســـت مـــن

أرض الخــراج ولا بأحــد مــن المسلميــن فــإن رأيــت أن تقطعينهــا أتخـــذ فيهـــا قضـــاء لخيلـــي فكتـــب لـــه

أبــي موســى: إن نافعــاً سألنــي أرضــاً علــى شاطــئ دجلــة فــإن لــم تكـــن أرض جزيـــة ولا خـــراج ولا

أرضاً يجري إليها ماء جزية فأعطه إياها.

وأقطـــع عثمـــان خمســـة مـــن أصحـــاب رســـول اللـــه صلـــى اللـــه عليــــه وسلــــم: الزبيــــر وسعــــداً وابــــن

مسعــود وأسامــة بــن زيــد وخبابــاً مــن صوافــي كســرى وممــا جــلا عنــه أهلــه. ثــم أقطــع الخلفــاء بعـــد

===

حدثنـــا فهـــد بـــن إبراهيـــم الساجـــي قـــال: حدثنـــا محمـــد بـــن إبراهيـــم بـــن نافــــع قــــال: قــــدم المهــــدي

البصــرة وقاضيــه عليهــا عبيــد اللــه بــن الحســن العنبــري فقــال لــه: انظــر بينــي وبيــن أهــل المرعــات نهـــر

مـن أنهـار البصــرة فجلــس لهــم وحضــر المهــدي وحضــر مــن يناظــره فقــال عبيــد اللــه: مــا تقــول يــا أميــر

المؤمنيــن فقــال: المسلميــن كافــة وفــي مصالحهـــم إذا إقطـــاع مـــن إمـــام فـــلا سبيـــل لأحـــد عليـــه. فقـــال

رسـول اللـه صلـى اللـه عليـه وسلـم لأنـه قـال: " مـن أحيـا أرضـاً مواتـاً فهــي لــه " وهــذه مــوات. فقــال:

فوثــب المهــدي ووثــب النــاس حتــى ألصــق خــده بالتـــراب عنـــد ذكـــر النبـــي صلـــى اللـــه عليـــه وسلـــم

وقــال: قــد سمعـــت وأطعـــت. ثـــم عـــاد فقـــال: نفـــي أن يكـــون مواتـــاً والمـــاء محيـــط بهـــا مـــن جوانبهـــا

فـإن أقامـوا البينـة علـى هـذا سلمـت لهـم. فلـم يأتـوا ببينـة. وأحـب عبيـد اللـه أن يتحـدث النــاس بأنــه

حكـــم علـــى المهـــدي بحكـــم فخلـــط حكمـــاً بســـؤال فضـــج المهـــدي ووثـــب وتفرقـــوا. فعزلــــه المهــــدي

وقال: والله ما أردت إلا أن يقول الناس حكم على المهدي وإلا علمت أن الحق معي!.

وبلــاد المسلميــن عامــر ومــوات فالعامــر لأهلــه والمــوات شيئــان: شــيء ملكــه النــاس فأحيــوه ثــم خــرب

ومـــات فهـــذا المـــوات لأهلـــه لا يملكـــه عليهـــم أحـــد إلا بإذنهـــم وهـــو كالعامـــر. والمـــوات الثانـــي مــــا لــــم

يملكـه أحـد قـط فهـذا الــذي قــال رســول اللــه صلــى اللــه عليــه وسلــم: " مــن أحيــا أرضــاً مواتــاً فهــي

لــه " والإحيــاء أن يأتــي إلــى موضــع لا ينازعـــه فيـــه أحـــد ولا لأحـــد فيـــه أثـــر فيحـــوزه ويســـوق إليـــه

===

والعروق أربعة: عرقان ظاهران وهما البناء والغرس وعرقان باطنان كالبئر والنهر.

وقيــل: مــن أقطــع معدنــاً ملكــه ملــك الــأرض وقيــل: لا يملكــه ملــك الــأرض إلا إن عمــل فيـــه وإلا دفـــع

إلى من يعمل فيه.

جزية رؤوس أهل الذمة:

قـــال أبـــو بكـــر بـــن يحيـــى الصولـــي: قـــدم النبـــي صلـــى اللـــه عليـــه وسلـــم المدينـــة مهاجــــرة مــــن مكــــة

والنــاس أخلــاط مسلمــون ويهــود ومشركــون ومنافقــون. فــوادع يهــود المدينــة كلهــم علــى أن يكفــوا عنـــه

ويكـــف عنهـــم. فلمـــا غـــزا تبــــوك أمــــره اللــــه بوضــــع الجزيــــة فصالــــح أهــــل أيلــــة وأدرح ووادي القــــرى

وتيمــاء ووضــع عليهــم الجزيــة وقـــدم المدينـــة فوضـــع الجزيـــة علـــى مـــن بالمدينـــة ومكـــة وخبيـــر واليمـــن

ونجــران مــن أهــل الذمــة ووضـــع الجزيـــة علـــى رقابهـــم: علـــى الرجـــل دينـــاراً ونحـــوه وليـــس فـــي ذلـــك

النســاء ولا الصبيـــان وفـــي تجاراتهـــم نصـــف العشـــر فلمـــا فعـــل ذلـــك بهـــم صـــارت لهـــم ذمـــة وعهـــد

وجـــب عليـــه صلـــى اللـــه عليـــه وسلـــم أن يمنعهـــم ممــــن ظلمهــــم ويقاتــــل عنهــــم ولــــم يكــــن لهــــم وهــــم

موادعون أن يمنعهم ويقاتل عنهم وإن ظهر عليهم عدوهم.

وقال قوم: أول من أدى الجزية أهل نجران. وقبل صلى الله عليه وسلم من المجوس الجزية.

===

حدثنــا محمــد بــن يونــس الكديمــي وإبراهيــم بــن عبــد اللــه اللجــي واللفــظ للكديمــي قــلا: حدثنـــا أبـــو

عاصـم قـال: رأيـت جعفـر بـن محمـد رضـي اللــه عنــه بمكــة فقلــت: يــا ابــن رســول اللــه حدثنــي قــال:

أفــي هــذا الموضــع فقلــت: إن رأيــت ولــو حديثــاً فقــال: سمعــت أبــي يقــول: قـــال عمـــر بـــن الخطـــاب:

لســـت أدري مـــا أصنـــع بالمجـــوس! فقـــام إليـــه عبـــد الرحمـــن بـــن عـــوف فقــــال: سمعــــت رســــول اللــــه

صلى الله عليـه وسلـم وسئـل عنهـم فقـال: " استنـوا بهـم سنـة أهـل الكتـاب ". فقلـت: يـا ابـن رسـول

الله زدني فضرب بغلته وسار.

وكانــت الجزيــة أيــام رســول اللــه صلــى اللــه عليــه وسلــم علــى كـــل حالـــم دينـــاراً وليـــس علـــى النســـاء

ولا الصبيـان شـيء. ثـم ضـرب عمـر علـى أهــل الشــام - وبعضهــم يقــول علــى أهــل الذهــب - علــى

الرجـــل أربعـــة دنانيـــر وحنطـــة وزبيبـــاً. ثـــم زالـــت الحنطـــة والزبيـــب. وضـــرب علـــى أهــــل الســــواد

دينــاراً والصــرف اثنــي عشــر درهمــاً بدينــار علــى الطبقــة السفلـــى وعلـــى الوسطـــى ديناريـــن أربعـــة

وعشريـــن درهمـــاً وعلـــى العليـــا أربعـــة دنانيـــر بثمانيـــة وأربعيـــن درهمـــاً وأسقـــط ذلـــك عــــن النســــاء

والصبيان. وإنما فعل عمر ذلك على قدر اليسار والطاقة.

فالذيـن يؤخـذ منهـم الجزيـة اليهــود والنصــارى والمجــوس والصابئــون وقــد أخــذ عثمــان رضــي اللــه عنــه

من البربر.

===

واستيـــداء الجزيـــة بغيـــر ضــــرب ولا عنــــف. ويقبــــل منهــــم مكــــان الدنانيــــر والدراهــــم الثيــــاب ومــــا

أشبههـــا. وروي عـــن علـــي عليـــه السلـــام أنـــه كـــان يأخـــذ فـــي الجزيـــة مـــن صاحـــب المـــال مـــالاً ومــــن

صاحب الحبال حبالاً. ولا يأخذ فيها خمراً ولا خنازير.

ولا يبـاع فـي الجزيـة بقرهـم ولا حميرهـم ولا مواشيهـم. واختلـف النـاس فـي قولـه عـز وجـل: " عــن يــد

وهـم صاغـرون " فقـال سعيـد بـن المسيـب: يتعبـون عنــد أخذهــا. قــال أبــو عبيــد: لــم يــرد تكليفهــم

فـــوق طاقتهـــم إنمـــا أراد أن لا يعاملـــوا عنـــد طلبهـــا بالإكـــرام لكـــن بالإستخفـــاف. وكتـــب عمـــر إلــــى

أمــــراء الأجنــــاد أن يختمــــوا رقــــاب أهــــل الذمــــة وأن تجــــز نواصيهــــم وأن يركبــــوا الأكـــــف عرضـــــاً ولا

يركبوا كما يركب المسلمون وأن يربطوا الكستجات في أوساطهم ليعرف زيهم من زي المسلمين.

وقيـل: وهـم صاغـرون يعطيهـا قائمــاً والــذي يأخذهــا قاعــد. وليــس علــى عبــد جزيــة. وإذا أخــذت

الجزيـة منهـم لـم يكـن لهـم أن يظهـروا شركهـم حتــى يسمعــوا المسلميــن ولــم يكــن للمسلميــن أن يتتبعوهــم

فيمـــا أخفـــوه عنهـــم. وعلـــى المسلميـــن أن يجـــروا عليهـــم أحكـــام المسلميـــن قـــال: فهــــذا معنــــى وهــــم

صاغرون.

حدثنـا محمـد بــن زكريــا العلائــي قــال: حدثنــا العبــاس بــن بكــار قــال: حدثنــا أبــو بكــر الهذلــي قــال:

سمعــت الحســن يقــول: " كــراء الــدار جزيــة المؤمــن ولا يلــزم الرهبــان أصحــاب الصوامــع جزيـــة لفقرهـــم

===

مبلغ ما كان يرتفع من الخوارج:

ارتفـــع خـــراج الشـــام علـــى عهـــد عمـــر بـــن الخطـــاب رضـــي اللـــه عنــــه خمسمائــــة ألــــف دينــــار فلمــــا

أفضــى الأمــر إلــى معاويــة قطــع الوظائــف علــى أهــل المــدن فوظــف أهــل قنسريــن أربعمائــة وخمسيـــن

ألــف دينــار علــى الجماجــم مـــن ذلـــك الثلثـــان. وعلـــى أهـــل دمشـــق أربعمائـــة وخمسيـــن ألـــف دينـــار

علــى الجماجــم مــن ذلــك الثلثــان. وعلــى الــأردن مائــة وثمانيــن ألـــف دينـــار علـــى الجماجـــم مـــن ذلـــك

الثلثـان. وعـل فلسطيــن مثــل ذلــك ثــم جعــل بعــد ذلــك يصطفــي الــأرض الجيــدة ويدفعهــا إلــى الرجــل

بخراجها وعلوجها والخراج على أصله لا ينقص منه شيء.

ذكر مصر:

دخـــل عمـــرو بـــن العـــاص مصـــر بصلـــح وعهـــد فوضـــع عليهـــم مـــن الجزيـــة علـــى كــــل إنســــان ديناريــــن

وثلاثـة أرادب قمحـاً والــأردب عنــد أهــل مصــر ســت ويبــات والويبــة كيــل يكــون مــا فيــه مــن الحنطــة

ثلاثــون رطــلاً بالبغــدادي إذا كانــت الحنطــة ثقيلــة فــإذا خفــت كانــت سبعــة وعشريـــن رطـــلاً وجعـــل

عليه مـع الثلاثـة أرادب قسطيـن زيتـاً وقسطيـن خـلاً وقسطـاً مـن عسـل. والقسـط كيـل عندهـم يكـون

ما فيه أربعة أرطال.

===

ولهــــــم مــــــن الشــــــرط: أن لا تبــــــاع نساؤهــــــم ولا أولادهـــــــم ولا أرضوهـــــــم ولا ديارهـــــــم ولا تبـــــــاح

كنوزهم ولا يزاد عليهم في جزيتهم.

فلـم يـزل ذلـك علـى ذلـك حتـى ولـي عبـد اللـه بـن سعـد بـن أبـي سـرح فكــان إلــى أيــام عبــد الملــك بــن

مــروان ألفــي ألفــي دينــار فإنــه ولــى أخــاه عبــد العزيــز مصــر فخــط الأرضيــن وذلــك أنهــا كانـــت كثيـــرة

فاقتطـــع أقوامـــاً وزاد ذلـــك علـــى الجماجـــم فكانـــت تستـــأدى ألـــف ألـــف دينــــار فرحلــــوا إلــــى عبــــد

الملك يشكون فلما رجعوا زاد عليهم عبد العزيز.

ذكر السواد:

اختلـف النـاس فـي خــراج الســواد فــروى بعضهــم أن عمــر رضــي اللــه عنــه بعــث عثمــان بــن حنيــف

لمساحـــة الســـواد فمســـح الـــأرض وجعـــل علـــى جريـــب الكـــرم عشـــرة دراهـــم وعلـــى جريـــب النخـــل

خمســة دراهــم وعلــى جريــب البــر أربعــة دراهــم وعلــى جريــب الشعيــر درهميــن. وروي أيضــاً أنـــه

جعـــل علـــى كـــل جريـــب غامــــراً وعامــــراً درهمــــاً وقفيــــزاً وعلــــى جريــــب الرطبــــة خمســــة دراهــــم.

وعلـى جريـب الشجـر عشـرة دراهـم وعشـرة أقفـزة ولــم يذكــر النخــل. وقيــل: جعــل علــى كــل جريــب

عامــر وغامــر ينالــه المــاء بدلــو أو غيــره عطــل أو زرع درهمــاً وقفيـــزاً وألقـــى لهـــم النخـــل عونـــاً لهـــم.

===

وجعـــل علـــى كـــل جريـــب كـــرم عشـــرة دراهـــم وعلـــى جريـــب الرطبـــة ستـــة دراهـــم وعلـــى جريــــب

السمســـم خمســـة دراهـــم وعلـــى جريـــب الخضـــر مـــن غلـــة الصيـــف مـــن كـــل جريــــب ثلاثــــة دراهــــم

وعلى جريب القطن خمسة دراهم.

وروي عــن الشعبــي أن عثمــان بــن حنيــف مســح الســواد فوجـــده ستـــة وثلاثيـــن ألـــف ألـــف جريـــب

فوضع على كل جريب درهماً وقفيزاً ولم يذكر غير ذلك.

وإلــى هــذا ذهــب أكثــر الفقهــاء أن عمــر رحمـــه اللـــه إنمـــا أوجـــب الخـــراج علـــى أهـــل الـــأرض خاصـــة

بأجـــرة مسمـــاة لـــأن مخـــرج الخـــراج مذهـــب الكــــراء فكأنــــه أجــــرى كــــل جريــــب بدرهــــم وقفيــــز فــــي

السنـــة وألقـــى مـــن ذلـــك الشجـــر والنخـــل فلـــم يجعـــل لهـــا أجـــرة لـــأن قبالتهـــا لا تطيـــب حتـــى تسمــــن

فيكــون ذلــك مــع الثمــر قبــل أن يبــدو صلاحــه وقبــل أن يجعلــوا. قـــال: وهـــذا الـــذي كرهـــه الفقهـــاء.

وفي هذا الحديث حجة لمن قال: السواد فيء للمسلمين وإنما أهله عمال للمسلمين بكراء معلوم.

قــال أبــو بكـــر محمـــد بـــن يحيـــى الصولـــي: وهـــذه الأحاديـــث كلهـــا تـــدل علـــى أن جعـــل الخـــراج علـــى

الأرضيــن التــي تغــل مــن ذوات الحــب والثمــار وعطـــل مـــن ذلـــك الـــدور والمساكـــن التـــي ينزلونهـــا فلـــم

يجعل عليهم فيها شيئاً.

وقـــال أبـــو حنيفـــة ومالـــك والثـــوري وابـــن أبـــي ذئـــب: إذا عمـــرت الـــأرض رأينــــا أن يــــزاد عليهــــا وإذا

===

وحــد الســواد التــي وقعــت عليــه المساحــة مــن لــدن تخــوم الموصــل مــاداً مــع المـــاء إلـــى ساحـــل البحـــر

ببلـاد عبـادان مـن شرقـي دجلـة هـذا طولـه. فأمـا عرضـه فحـده مــن أرض حلــوان إلــى منتهــى طــرف

القادسية المتصل بعذيب.

فأمـا خراجـه فـإن الواقـدي ذكـر أنـه سـال عبــد الحميــد بــن جعفــر كــم مبلــغ خــراج ســواد الكوفــة علــى

عهد عمر قال: سبعون ألف ألف درهم.

وروي عــن محمــد بــن كعــب القرظــي قــال: أخبرنــي أهــل الــأرض بالعــراق أنــه بلـــغ الخـــراج علـــى عهـــد

عمـر وعثمـان رحمهمـا اللـه مائـة ألــف ألــف. فلمــا ولــي معاويــة صــار إلــى خمسيــن ألــف ألــف وهدايــا

النــوروز والمهرجــان خمســون ألــف ألــف لنفســه وكــان قــد اصطفـــى أمـــوال كســـرى فكـــان يقطـــع فيهـــا

ويصل ويجيز من يشاء.

ثـم بلـغ الخـراج فـي فتنـة ابـن الزبيـر ستيـن ألـف وهدايـا النـوروز والمهرجـان وصـواف نحـو عشريــن ألــف

ألــف فلمــا ولــي الحجــاج صــار إلــى أربعيــن ألــف ألــف ومــا كــان يصــل إلــى ذلــك إلا بضــرب الأبـــدان

فلمـــا قتـــل ابـــن الأشعـــث قـــال الحجـــاج: الــــآن فرغــــت لأهــــل الســــواد فعمــــد إلــــى رؤسائهــــم وأهــــل

بيتوتاتهــم مــن الدهاقيــن فقتلهــم صبــراً وجعــل كلمــا قتــل مــن الدهاقيــن رجــلاً أخـــذ مالـــه وأضـــر بمـــن

بقــي منهــم إضــراراً شديــداً فخرجــت الــأرض فمــات الحجــاج والخــراج خمســة وعشـــرون ألفـــاً فكـــان

===

الأمـر علـى ذلـك حتـى ولـي عمـر بـن عبــد العزيــز فولــى عبــد الحميــد بــن عبــد الرحمــن الســواد وتقــدم

إليـه أن يرجـع إلـى مـا وضـع عليهـم عمـر بــن الخطــاب رضــي اللــه عنــه فــي أرضهــم ورقابهــم ولا يقبــل

من ألطافهم شيئاً في أعيادهم.

وأول مــن أحــدث هدايــا النــوروز والمهرجــان الوليــد بــن عقبــة بــن أبـــي معيـــط ثـــم سعيـــد بـــن العـــاص

بعـده فضـج النـاس إلـى عثمـان رضــي اللــه عنــه فكتــب إليــه فنهــاه عــن ذلــك فبلــغ الخــراج بعــد هديــة

النيـروز فـي أيـام عمـر بـن عبـد العزيـز ستيـن ألـف ألــف فكــان يخــرج أعطيــات النــاس وينفــذ إلــى عمــر

بعشرة آلاف ألف درهم.

حدثنــا القاضــي عمــرو بــن تركــي قــال: حدثنــا الوليــد بــن هشــام القحذمــي قـــال: قـــال الحجـــاج يومـــاً

للدهاقيــن - وقــد اجتمعــوا عنــده: كــم كــان عمــر بــن الخطــاب يجبــي الســواد قالــوا: مائــة ألـــف ألـــف

درهــم. قــال: فكــم جبــاه زيــاد قالــوا: مائــة ألــف ألــف. قــال: فكــم نجيبـــه نحـــن اليـــوم قالـــوا: ثمانيـــن

ألــف ألــف. قــال: فلــم ذلــك فقــال لــه ابــن جميـــل بـــن بصبهـــري دهقـــان الفلوجييـــن: هـــذا كلـــه لبيتيـــن

قالهما شاعركم الحارث بن حلزة. قال: وما هما قال لقوله:

لا تكســـع الشـــول بأغبارهــــا   إنـــك لا تـــدري مــــن الناتــــج

وأصبـــب لأضيافــــك ألبانهــــا   فــــــإن شــــــر اللبــــــن الوالــــــج

===

فاستعمــل عمالكــم هــذا فخربــت الدنيـــا. ومعنـــى البيتيـــن أن العـــرب كانـــت إذا أخصبـــت عامـــاً لـــم

تستقـــص الحلـــب وتركـــت فـــي الضـــروع بقيـــة وكسعـــت الضـــروع بالمـــاء البـــارد ليتــــراد اللبــــن فيكــــون

أقــوى لظهورهــا فــإن كــان فــي العــام المقبــل جــدب كــان فيهــا فضــل وقــوة حتـــى لا ينقطـــع اللبـــن فقـــال

هــذا الشاعـــر: " لا تكســـع الشـــول " وهـــي النـــوق بأغبارهـــا وهـــي بقايـــا ألبانهـــا إنـــك لا تـــدري مـــن

الناتــج أي لعلــه أن يغــار عليــك فتؤخــذ أو تمــوت فيأخذهــا الــوارث. فالصــواب أن تتعجــل منفعتهـــا.

أي فعمل العمال هذا وأخذوا العاجل ولم يعمروا للعام المقبل فتقص الخراج لذلك.

وهــو الخــراج والخــرج. قــرأ أهــل الكوفــة خراجــاً بالألــف فــي كــل القــرآن إلا عاصمـــاً فإنـــه قرأهـــا هـــو

وأهل المدينة وأبو عمرو خرجا بغير ألف وكذا قرأ ابن عباس رضي الله عنه.

والخـراج فـي اللغــة الأجــر ومنــه خــراج الأرضيــن. وقــال الفــراء: الخــراج أعــم والخــرج أقــل كأنــه شــيء

من الخراج. ويقال للذمي: أد خرج رأسك فخراج ربك خير. قال الكلبي: فرزق ربك خير.

وقــال الحســن - وهــو الصــواب: فأجــر ربــك خيــر لــك فــي الآخــرة مــن أجورهــم فـــي الدنيـــا إذ كـــان

أكثــر النــاس علــى أن الخــراج الأجــر وأخرجـــه. وحكـــى التوجـــي أن أعرابيـــاً قـــال: مـــا مواعيدكـــم إلا

أسربة فجمع سراباً أسربة وخرج وخروج مثل فلس وفلوس.

===

قـال أبـو بكـر: حدثنـا محمـد بــن القاســم أبــو العينــاء قــال: حدثنــي الأصمعــي عــن أبــي الأشهــب عــن

الحسـن قـال: جــاء رجــل إلــى ابــن عبــاس رحمــه اللــه فقــال: أتقبــل منــك الأبلــة بمائــة ألــف فضربــه ابــن

عبـــاس وصلبـــه. وروي أن عبـــد الرحمـــن بـــن زيـــاد قـــال: أنـــا قلـــت لابــــن عمــــر: إنــــا نتقبــــل الــــأرض

فنصيــب مــن ثمارهــا يعنــي الفضــل فقــال: ذلــك الربـــا العجلـــان. وقـــال ابـــن عبـــاس رضـــي اللـــه عنـــه

القبالات حرام.

وقــال سعيــد بــن جبيـــر: لا خيـــر فـــي القبالـــة وإنمـــا كرهوهـــا لأنهـــا بيـــع ثمـــر لـــم يخلـــق بعـــد ولـــم يبـــد

صلاحه وزرع نابت لم يستحصد ومن قبل أن يزرع فهذا هو الغرر المنهي عنه.

وقـــال بعـــض الفقهـــاء فيهـــا: إنـــه يحكـــم علـــى اللـــه أن يصيـــر الأمـــر علـــى مـــا يريـــد فـــإذا كــــان الشــــيء

معلومــاً جــازت القبالـــة والإجـــارة كأنـــه قـــول الرجـــل: قـــد أجرتـــك هـــذه الـــدار بعشـــرة دراهـــم شهـــراً

معلومـــاً فـــإن كانـــت الإجـــارة أربعـــة أو جهـــل منهـــا واحـــد جـــاز فقـــد عرفـــت الـــدار وعرفــــت المــــدة

ووصفـــت وعرفـــت الدراهــــم فهــــذه ثلاثــــة إن كانــــت قــــد عرفــــت ولــــم يعــــرف هــــل يسكــــن الــــدار

وحده أو هو وعياله ولا يعرف عدد عياله فهو جائز.

ما يفضل من المال:

===

قــال محمــد بــن يحيــى: حدثنــا عبــد العزيــز بــن معاويــة القرشـــي قـــال: حدثنـــا جعفـــر بـــن عـــون قـــال:

حدثنـا هشـام بـن سعـد عـن زيـد بــن أسلــم عــن أبيــه قــال: قــال عمــر بــن الخطــاب رضــي اللــه عنــه:

" اجتمعــوا لهــذا المــال فانظــروا لمــن ترونــه إنـــي سمعـــت اللـــه عـــز وجـــل: يقـــول: " مـــا أفـــاء اللـــه علـــى

رسولــه مــن أهــل القــرى فللــه وللرســول ولــذي القربـــى واليتامـــى والمساكيـــن وابـــن السبيـــل كيـــلا يكـــون

دولـة بيـن الأغنيـاء منكـم " واللـه مـا لهـؤلاء وحدهـم. " والذيـن تبـوؤا الـدار والإيمـان مــن قبلهــم يحبــون

مـن هاجـر إليهـم ". واللـه مـا هـو لهـؤلاء وحدهـم. " والذيـن جـاءوا مـن بعدهـم يقولــون ربنــا اغفــر لنــا

ولإخواننـا الذيـن سبقونـا بالإيمـان ". واللـه مـا مـن أحـد مـن المسلميـن إلا ولـه حـق فـي هـذا المــال أعطــي

منه أو منع حتى راع بعدن ".

وقــال عمــر يومــاً: قــد أعطيـــت النـــاس حقوقهـــم وفضـــل عنـــدي مـــال مـــا تـــرون فيـــه فقالـــوا: يـــا أميـــر

المؤمنيــن لــك حــاج وتنوبــك نوائــب لا تنــوب غيــرك فخـــذه إليـــك لذلـــك فـــإن أنفسنـــا طيبـــة لـــك بـــه.

وعلـــي رضـــي اللـــه عنـــه ساكـــت فقـــال: ألا تتكلـــم يـــا أبـــا الحســـن فقــــال: قــــد أشــــار عليــــك القــــوم

فقــال: لتقولــن. فقــال: لــم يجعــل علمــك ظنــاً ويقينــك شكــاً قــال: قــد قلــت قــولاً لتخرجــن منــه قــال:

أمــا تذكــر حيــن بعثــك رســول اللــه صلـــى اللـــه عليـــه وسلـــم علـــى الصدقـــة فأتيـــت العبـــاس فمنعـــك

الصدقـة فأتيتنـي فقلــت: إن العبــاس منعنــي الصدقــة فانطلــق معــي إلــى رســول اللــه صلــى اللــه عليــه

===

وسلــم فانطلقــت معــك فوجدنــاه مهمومــاً فرجعنــا ولــم نقــل شيئـــاً لـــه ثـــم رجعنـــا وقـــد طابـــت نفســـه

فقـال: " إن كـان عنـدي دينــاران فكأنهمــا يهماننــي حتــى وجهتهمــا ". فقلــت: إن العبــاس قــد منعنــي

الصدقـة فقـال: " إن عـم الرجـل صنـو أبيـه " قـال: لا جـرم إنـي أشكــر لــك المرتيــن جميعــاً قــال: فأشــر

علــي. قــال: فإنــي أشيــر عليــك أن تقسمــه فدعــا عمــر عبــد اللــه بــن الأرقـــم فقـــال: كـــم فـــي بيـــت

المــــال قــــال: كــــذا وكــــذا قــــال: " لــــولا أنــــي أرى أن أقــــرب لمنفعتـــــه أن يكـــــون معـــــاً لقسمـــــت الـــــأول

فالـأول " فقـام رجـل مـن ثقيـف فقـال: يـا أميـر المؤمنيـن أعـده للبوائـق فقـال: " كلمـة شـر يستـن بهــا أمــراء

السـوء مـن بعـدي أعطانـي اللـه جوابهــا بــل أعــد لهــا مــا أعــده لهــا رســول اللــه صلــى اللــه عليــه وسلــم

تقوى الله وطاعته ".

ولمـــا حبـــس معاويـــة علـــى النـــاس أعطياتهـــم قـــام إليـــه أبـــو مسلـــم الخولانـــي وهــــو يخطــــب فقــــال: يــــا

معاويــة إن هــذا المــال ليــس لــك ولا لأبيــك وأمــك فلــم حبســت علــى النــاس العطــاء فغضــب ثــم نـــزل

فدخــل وأومــأ إلــى النــاس أن تثبتــوا ولا تتفرقــوا ثــم خــرج فعـــاد إلـــى المنبـــر فقـــال: أيهـــا النـــاس إن أبـــا

مسلــم الخولانــي قــد قــال مــا قــال فوجــدت لذلــك وإنــي سمعــت رســول اللــه صلـــى اللـــه عليـــه وسلـــم

يقـول: " إذا غضـب أحدكـم فليغتسـل " وصـدق أبـو مسلــم فاغــدوا علــى أعطياتكــم فخذوهــا علــى

بركة الله. ثم كانت فضول الأموال تحمل إليه فيصل بها من أحب وينفق كيف يريد.

===

مضت السنة في المكاتبة أن يبتدئ المكاتب نفسه على المكتوب إليه.

يــروى أن العــلاء بــن الحضرمــي كتــب إلــى رســول اللــه صلــى اللــه عليــه وسلـــم فبـــدأ بنفســـه. وروى

الربيـع بـن أنـس أن أصحـاب رسـول اللـه صلــى اللــه عليــه وسلــم كانــوا يكتبــون إليــه مــن فلــان بــن فلــان

إلى محمد رسول الله.

وقــد رخــص فــي تقديــم المكاتـــب. روي عـــن رســـول اللـــه صلـــى اللـــه عليـــه وسلـــم أنـــه قـــال: " إذا

كتـب أحدكـم فليبــدأ بنفســه إلا إلــى والــد ووالــدة أو إمــام ". وروى يحيــى بــن أبــي كثيــر أن زيــد بــن

ثابت كتب إلى معاوية فبدأ باسم معاوية.

قالــوا: والكتــاب إلــى المسلــم: سلــام عليــك فإنــي أحمــد إليـــك اللـــه الـــذي لا إلـــه إلا هـــو. وإلـــى غيـــر

المسلــم: والسلــام علــى مــن اتبــع الهــدى. كــذا كتــب رســول اللــه صلــى اللــه عليــه وسلـــم إلـــى هرقـــل

عظيـــم الـــروم وإلـــى كســـرى وإلـــى مسيلمـــة الكـــذاب. وقـــد روي أنـــه رخـــص فـــي رد السلـــام علـــى

الكافـر وأن رجـلاً منهـم كتـب فـي آخـر كتابـه إلـى النبـي صلـى اللـه عليــه وسلــم: سلــام عليــك. فأمــر

النبي صلى الله عليه وسلم الكتاب أن يرد عليه السلام.

وإنمــا كتبــوا فــي أول الكتــاب سلــام عليــك لــأن النكــرات أوائــل الأشيـــاء والمعـــارف الثوانـــي فافتتحـــوا

بالنكـرة فـإذا ردوه عرفــوا فقالــوا: السلــام عليــك فعرفــوه بألــف ولــام أي هــذا ذلــك الــأول. كقولــك فــي

===

الكلــام مــر بــي رجــل فكــان مــن أمــره كــذا وكــذا ثـــم قـــال لـــي الرجـــل: كـــذا فعرفـــت أنـــه ذلـــك الـــذي

ابتدأت بذكره.

وقــال بعضهــم إذا كــان الشــيء مهمــاً لا ينفصــل بعضــه مــن بعــض تكلمــوا بـــه مـــرة بالألـــف واللـــام ومـــرة

بطرحهـــا كقولهـــم: قلـــت خيـــراً وقلـــت الخيـــر وكسبـــت مـــالاً وكسبـــت المـــال ولا أراك اللــــه ســــوءاً ولا

أراك السوء.

ما في الإنسان وغيره:

وهـذا شـيء لا يسـع الإنسـان الثنايـا وهــي أربــع: اثنتــان مــن فــوق واثنتــان مــن أسفــل. ثــم الرباعيــات

الواحـــدة رباعيـــة مخففـــة اليـــاء وهـــن أربـــع ويقـــال لهـــذه الثمـــان الثغــــر. ثــــم الأنيــــاب وهــــن أربــــع ثــــم

الضواحـــك والنواجـــذ وهـــن ثمـــان ويقـــال لهـــن العـــوارض ثـــم الأرحـــاء وهــــي الأضــــراس: أربعــــة مــــن

فـــوق وأربعـــة مـــن تحـــت فـــي جانبـــي الفـــم وهـــي الطواحـــن. واللحـــي مركـــب الأسنـــان وهــــو الفــــك

واللثــة: اللحــم الــذي فيــه الأسنــان والـــدردر مغـــارز الأسنـــان فـــي اللثـــة والعمـــور اللحـــم الـــذي بيـــن

الأسنـان الواحــد عمــر وأضــراس الحلــم ضرســان: ثنتــان فــي آخــر الأضــراس مــن أسفــل لا مــن أعلــى

إذا صار الإنسان رجلاً.

===

ومــا كــان لــه خــف مثــل الجمــل والنعامــة فإنــه يقــال لفمــه: مشفــر ومـــا كـــان لـــه ظلـــف قيـــل لـــه: المرمـــة

والمقمة والجحفلة للحافر والخراطيم للسباع والمنسر والمنقار للطائر.

الأطعمة:

يقــــال: الوليمــــة ولطعــــام الأبنيــــة الوكيــــرة ولطعـــــام الولـــــادة الخـــــرس لـــــأن مـــــا تطعـــــم النفســـــاء خرســـــة

وطعام الختان إعذار وطعام القادم من سفر نقيعة.

ويقـــال: قرمـــت إلـــى اللحـــم قرمـــة وعمـــت إليـــه عيمـــة. ويقـــال: يـــدي مـــن اللحـــم غمـــرة وزهمـــة لـــأن

الزهم الشحم ومن الزبد واللبن وضرة ومن السمك سهكة. وربما حمل بعض هذا على بعض.

ويقــال: أرغــم اللــه أنفــه خــص الأنــف لأنــه اطلــع مـــا فـــي الوجـــه والرغـــام التـــراب يـــراد كبـــه اللـــه علـــى

وجهــه فــإن أول مــا يلصــق منــه التــراب بالأنــف وقالــوا: علــى رغـــم أنفـــه ثـــم كثـــر حتـــى قالـــوا: علـــى

رغمه فألقوه الأنف.

وقمقــم اللــه عصبـــه جمعـــه حتـــى لا يحـــرك يـــداً لا رجـــلاً والبحـــر قمقـــام مـــن ذلـــك لأنـــه مجمـــع المـــاء.

قالـــوا: والشأفـــة قرحـــة تخـــرج بالقـــدم فتكـــوى فتذهـــب فـــإذا قالـــوا: استأصــــل اللــــه شأفتــــه فكأنمــــا

قالوا: أذهبه الله كما أذهب الشأفة. وإذا أصابه ذلك قيل: شفيت رجله شافاً.

===

سخم الله وجهه سوده من السخام وهو سواد القدر.

وأسخــن اللــه عينــه أي غمــه وحزنــه لــأن دمعــة الحـــزن حـــارة ودمعـــة الفـــرح بـــاردة فلذلـــك يقـــال: أقـــر

الله عينك مأخوذة من القر.

وأبــاد اللــه خضراءهــم أي سوادهـــم يريـــد أشخاصهـــم ويقـــال للروضـــة الخضـــراء ســـوداء ومنـــه صفـــة

الجنتين " مدهامتـان " وقـال الأصمعـي: أبـاد اللـه غضراءهـم أي غضارتهـم. والغضـراء طينـة خضـراء

علكة.

وفــي جنبــي الإنســا أربعــة وعشـــرون ضلعـــاً الواحـــدة ضلـــع وهـــي مؤنثـــة ويقـــال للمؤخـــرة منهـــا ضلـــع

الخلف.

وههنــا شــيء يكثــر فــي كلــام النـــاس فذكرنـــاه: تقـــول للرجـــل إذا أمرتـــه بأخـــذ الشـــيء: هـــا يـــا رجـــل

وللإثنيــن هاؤمـــا وللجمـــع هـــاؤم وهاءيـــا امـــرأة فتكســـر الهمـــزة للمؤنـــث وللمرأتيـــن هاؤمـــا كمـــا للمذكـــر

فـي الإثنيـن وفـي الجمـع هـاؤن تدخـل النـون لجمـع المؤنـث. فـإذا أدخلـت الكــاف قلــت: هــاك يــا رجــل

وهـــاك يـــا امـــرأة وهاكـــاً للذكريـــن والأنثييـــن وإن جمعـــت قلـــت للذكـــران: هاكــــم وللإنــــاث هاكــــن. وإن

أمــرت بإعطائــك شيئــاً قلــت للذكــر: هــات يــا هــذا وهاتيــا وهاتــوا وللمؤنــث هاتــي وهاتيــا وهاتيــن.

وإذا سألـــت رجـــلاً عـــن رجـــل قلـــت: كيـــف ذاك الرجـــل وكيـــف ذاكمــــا وكيــــف ذاكــــم وإذا سألــــت

===

وإذا سألـــت رجـــلاً عـــن المـــرأة قلـــت: كيـــف تلــــك المــــرأة الخطــــاب للرجــــل وأول الكلــــام للمــــرأة وفــــي

التثنيـــة كيـــف تانكمـــا وفـــي الجمـــع كيـــف أولئكـــم فـــإذا سألـــت امـــرأة عـــن رجـــل قلــــت: كيــــف ذاك

الرجـــل أول الكلـــام للرجـــل وآخـــره للمـــرأة. وكيـــف ذانكمـــا وكيــــف أولئكــــن بالنــــون لــــأن آخــــر الكلــــام

للمؤنث. فإن سألت امرأة عن امرأة قلت: كيف تلك المرأة وكيف تانكما وكيف أولئكن.

مدح الإيجاز في ابتداء المكاتبة والجواب:

قــال محمــد بــن يحيــى: حدثنــا الحسيــن بــن يحيــى الكاتــب قـــال: حدثنـــا إسحـــاق قـــال: سمـــع جعفـــر

بن يحيى يقول لكتابه: " إن استطعتم أن تكون كتبكم توقيعات فافعلوا ".

وقـال بعـض الكتـاب: الإيجـاز فـي الابتـداء أمكـن منـه فـي الجـواب مـا لـم يكـن منــه فــي إعــذار وإنــذار

وعود وبدء وفتوح وعهود.

قــال أبــو بكــر: والــذي عنــدي أنــه يحتــاج الكاتــب والخاطـــب والشاعـــر إلـــى أن يخرجـــوا معانيهـــم فـــي

أقواتهــا مــن الألفــاظ علــى الاختصــار مــا لــم يحتــج إلــى إكثــار فــإن احتيــج إلــى ذلــك جــيء بــه بمـــا لا

بـد منــه. وأكثــر مــا يقــع ذلــك فــي الرغبــة والرهبــة ألا تــرى إلــى كتــاب اللــه عــز وجــل وكلامــه المعجــز

كيــــف يكــــون فيــــه ذكــــر الجنــــة والنــــار وقصــــة الأنبيــــاء عليهــــم السلــــام والنقمــــة ممــــن كذبهــــم والأمــــر

===

بالاعتبـار بمـا نـزل بهـم فكانــت الحكمــة فــي تقريــر ذلــك ممــا يفعــل العــرب وسنأتــي بفعلهــم بعــد. ولــأن

الإنســان قــد يقــرأ بعــض القــرآن ويحفــظ شيئــاً منــه دون شــيء فلــم يخــل اللـــه عـــز وجـــل: كـــل موضـــع

منــه مـــن ترغيـــب وترهيـــب وإذكـــار واعتبـــار تفضـــلاً منـــه علـــى عبـــاده واستدعـــاء لطاعتهـــم ونهيـــاً

عن عصيانهم فوقع التكرير لذلك.

وقـــد حدثنـــي محمـــد بـــن يزيـــد المبـــرد النحـــوي قـــال: حدثنـــي أبــــو محمــــد التوجــــي عــــن أبــــي عمــــر

الأســدي قــال: قيــل لأبــي عمــرو بــن العــلاء: هــل كانــت العــرب تطيــل قــال: نعـــم ليسمـــع منهـــا قيـــل:

فهل كانت توجز قال: نعم ليحفظ عنها.

وقد روي في هذا لأبي دؤاد الإيادي:

يرمـون بالخطـب الطـوال وتـارة   وحـي الملاحـظ خيفـة الرقبـاء

واحتــــج مــــن زعــــم أن الجــــواب ينبغــــي أن يكــــون أكثــــر مـــــن الســـــؤال لـــــأن الســـــؤال عنـــــده استعلـــــام

والجـواب إعلـام وقـد قـال اللـه عـز وجـل: " ومـا تلـك بيمينــك يــا موســى " فاقتضــى الجــواب أن يقــول:

" هـي عصـاي أتوكـأ عليهـا وأهـش بهـا علـى غنمـي ". ثـم رأى أن منافعـه بهـا كثيـرة فاختصــر ذكرهــا

وقال: " ولي فيها مآرب أخرى ".

وقالـــوا: " البلاغـــة لمحـــة دالـــة ". وقالـــوا: " لا تنفـــق كلمتيـــن إذا كفتـــك كلمـــة " وأنشدنـــي أحمـــد بــــن

===

خيـــــــــــر الكلـــــــــــام قليـــــــــــل   علــــــــــــى كثيــــــــــــر دليــــــــــــل

والعــــــــي معنـــــــــى قصيـــــــــر   يحويــــــــــه لفـــــــــــظ طويـــــــــــل

وفـــــــــي الكلـــــــــام فضــــــــــول   وفيــــــــــــه قــــــــــــال وقيـــــــــــــل

أولا تــرى إلــى موضــع الإيجــاز بذكــر الحجــة فــي القـــرآن كيـــف أتـــى مختصـــراً معجـــزاً وهـــو فيـــه كثيـــر

فمنـه قولــه تبــارك وتعالــى: " وضــرب لنــا مثــلاً ونســي خلقــه قــال مــن يحيــي العظــام وهــي رميــم قــل

يحييهـا الـذي أنشأهـا أول مـرة وهـو بكـل خلـق عليـم " ثــم قــال عــز وجــل فــي مكــان آخــر يذكــر هــذا:

" مـا خلقكـم ولا بعثكـم إلا كنفـس واحـدة ". ثـم قـال فـي مكـان آخـر وقــد أمرهــم أن يعتبــروا فقــرب

ذلـك عليـه فقـال: " وفـي أنفسكـم لأفـلا تبصـرون " ففـي كـل شـيء مـن خلـق اللـه عــز وجــل: للإنســان

عبرة إلا أن أقربها وأخصرها أمر نفسه.

ثــم اختصــر عـــز وجـــل أمـــره ونهيـــه وتحليلـــه وتحريمـــه واستثنـــى فـــي الـــذي أحـــل مـــا نذكـــره بعـــد مـــن

حرامــه وفــي الــذي أحــل وقتــاً يحــرم فيــه كــل ذلــك. إذا كتــب أجــزأه فيــه سطرواحــد وهــو قولــه عـــز

وجــل: " يــا أيهــا الذيــن آمنــوا أوفــوا بالعقــود أحلــت لكــم بهيمــة الأنعــام إلا مــا يتـــل عليكـــم غـــي محلـــي

الصيـد وأنتـم حـرم إن اللـه يحكـم مـا يريـد " فأمـر بـأن نوفـي بعقـوده ثـم أحــل بهائــم الأنعــام واستثنــى مــا

يحـــرم منهـــا مـــا يجـــيء بعـــد ثـــم ذكـــر أن هـــذا الحلـــال يحـــرم علـــى المحـــرم. ولـــو أراد أبلــــغ الكتــــاب أن

===

يجـيء بهـذه فـي أسطـر كثيـرة مـا أمكنـه علـى عجـزه فـي حسـن اللفــظ والنظــم. وهــذا كثيــر يطــول بــه

الكتاب ذكرت ههنا طرفاً منه.

قال وأنشدني محمد بن يزيد المبرد في وصف خاطب:

إذا مـا انتـدى خاطبـاً لـم يقــل   لـــــه أطـــــل القـــــول أو قصـــــر

انتدى تكلم في النادي وهو مجلس القوم وقد روي إذا ما ابتدا

طبيـــب بــــداء فنــــون الكــــلا   م لــم يعــي يومـــاً ولـــم يهـــذر

فــإن هــو أطنــب فــي خطبــة   قضـــى للمقـــل علــــى المكثــــر

وحكـــى سيبويـــه أن امـــرأة مـــن العـــرب كانـــت بغيــــا فكــــان يقــــول لهــــا القائــــل: خطــــب فتقــــول: نكــــح

وتمضي معه.

وحكـــي أن رجـــلاً كـــان عـــود رجـــلاً أن يجيئـــه فـــي وقـــت مــــن الزمــــان فيمضــــي معــــه إلــــى موضــــع

معــروف حتــى ألفــا ذلــك وعرفــاه فكــان يأتيــه فيقــول " ألا تــا " فيقــول: " بلـــى فـــا " يريـــد ألا تمضـــي

فيقول: بلى فامضي. وهذا كله إنما يجوز مع الإفهام والمعرفة.

وأنشدنــي الحسيـــن بـــن عمـــر الكاتـــب قـــال: أنشدنـــي علـــي بـــن الحسيـــن الإسكافـــي عـــن أبـــي محلـــم

للأحيمر السعدي في كلمة:

===

من القول ما يكفي المصيب قليله   ومنه الذي لا يكتفي الدهر قائله

يصد عن المعنى فينزل ما تحـاً   ويذهب في التقصير منه تطاوله

فلا تك مكثاراً تزيد على الذي   عنيت به في خطب أمر تزاوله

وكلـم رجـل سقـراط فـي أمـر بكلـام أطالـه وزاد فيـه علـى مـا احتــاج إليــه فقــال لــه سقــراط: " أنسانــي

أول كلامك بعد آخره وطول عهده مع تقارب أقطاره ".

وقال آخر: الكلام أوعية والمعاني أمتعة وقد يجمع في الوعاء الواحد ضروب من الأمتعة.

وقالوا: السؤال بغي والجواب نصير.

وقال آخر: البلاغة في الجواب أوحد وأظهر.

وقالوا: الأجوبة أمهات الفوائد تلدها بتلقيح السؤال.

وقالوا: " الجوابات المستكة " ولم يقولوا: المسائل المستكة.

وقالوا: لكل كلام جواب.

وقـال سهـل بــن هــارون: مــن فضــل الجــواب علــى الابتــداء أن الابتــداء يوجــد فــي الجــواب ولا يوجــد

جواب في ابتداء.

وقال آخر: " إني أدع الكلام خوفاً من الجواب أنه يقع ولم يذكر " يريد قولهم: السكوت جواب.

===

قـــال الصولـــي: حدثنـــا يونـــس بـــن محمـــد الكديمـــي قـــال: حدثنـــا عبـــد اللـــه بـــن داود الحذيمـــي قـــال:

سمعـت الأعمـش يقـول: " السكـوت جــواب " وهــذا إنمــا أخــذه مــن قــول رســول اللــه صلــى اللــه عليــه

وسلم.

قـال الصولـي: حدثنـي محمـد بـن يونــس الكديمــي قــال: حدثنــا أبــو بكــر الحنفــي قــال: حدثنــا سفيــان

الثــوري قــال: حدثنــا مالــك بــن أنــس عــن عبــد اللــه بــن الفضــل عــن نافــع بـــن جبيـــر عـــن ابـــن عبـــاس

قـال: قـال رسـول اللـه صلـى اللــه عليــه وسلــم: " الأيــم أحــق بنفسهــا مــن وليهــا والبكــر تستأمــر وإذنهــا

صماتهـا ". وحدثنـي إبراهيـم بـن عبـد اللـه قـال: حدثنـا مسلـم بـن إبراهيـم قـال: حدثنـا شعبــة قــال:

حدثنا مالك بن أنس وذكر مثله.

وقال آخر:

يــــــــا مــــــــن بنـــــــــا يرتـــــــــاب   تـــــــــرك الجـــــــــواب جـــــــــواب

وقال بشار وذكر أن السكوت يعفي من لا ونعم:

وإذا قلـــت لهـــا جــــودي لنــــا   خرجت بالصمت من لا ونعم

وأنشدني أحمد بن يزيد المهلبي عن أبيه قال: أنشدني الحسين بن الضحاك لنفسه:

وإبأبــــــــي مفحـــــــــم بعزتـــــــــه   قلــت لــه إذ خلـــوت مكتتمـــا

===

ثـــــم تثنـــــى بمقلتـــــي خجــــــل   أراد رجـع الجـواب فاحتشمــا

فكنـــــت كالمبتغــــــي بحيلتــــــه   بـرءاً مـن السقـم فابتـدا قسمــا

وقال بعض الكتاب: أكثر حيل الكاتب في بلاغته يقصد شيئاً فيأتي بغيره ويدرجه فيه.

قــال محمــد بــن يحيــى الصولــي: ومــن ذلــك مــا حدثنـــا الحسيـــن بـــن فهـــم قـــال: حدثنـــا عبـــد اللـــه بـــن

أحمــد بــن يوســف عــن أبيــه قــال: دخلــت علــى المأمــون وفــي يــده كتــاب ورد مــن عمــرو بــن مسعـــدة

وهـو يـردد النظـر فيـه مـرات ثـم قــال لــي: أظنــك قــد أفكــرت فــي تــردادي النظــر فــي هــذا الكتــاب.

قلـت: قـد أفكـرت فـي ذلـك. قـال: إنـي عجبـت مـن بلاغتــه واحتيالــه لمــراده كتــب: كتابــي إلــى أميــر

المؤمنيــن أعــزه اللــه ومــن قبلــي مــن قــواده وأجنــاده فــي الطاعــة والانقيــاد علــى أحســن مــا تكــون عليــه

طاعـة جنـد تأخــرت أرزاقهــم واختلــت أحوالهــم " ألا تــرى يــا أحمــد إلــى إدماجــه الخلــة فــي الأجنــاد

وإعفاء سلطانه من الأكثار ثم أمر لهم برزق ثمانية أشهر.

ونحـوه هـذا مـا حدثنـي بـه أبــو علــي السجــزي قــال: لمــا ولــي عبــد اللــه بــن سليمــان الــوزارة أوصلــت

إليه كتاباً من عبيد الله بن عبد الله وفيه شعر له:

أبى دهرنا إسعافنا في نفوسنـا   وأعفنــا فيمـــن نحـــب ونكـــرم

فقلـت لـه: نعمــاك فيهــم أتمهــا   ودع أمرنــــا إن المهــــم المقــــدم

===

فلمــا قــرأ عبــد اللــه هــذا الشعــر قــال: مــا أحســن مــا احتــال فــي شكــوى حالــه بيــن أضعــاف مدحــه

فأوصل رقاعه إلي فقضى كل حاجة كانت له.

وحدثنــي علــي بــن الصبــاح عــن حمــاد عـــن الهيثـــم بـــن عـــدي قـــال: كـــان الحجـــاج يستبطـــئ المهلـــب

فـي حـرب الأزارقــة والمهلــب محســن مجتهــد يستحــق مكــان الــذم الشكــر. فكتــب إليــه المهلــب: " إن

مـن البـلاء أن يكـون الـرأي لمـن تملكـه دون مـن تبصـره " فلمـا قـرأ الحجـاج هـذا أقصـر عـن مكاتبتــه بمثــل

ذلك.

وحدثنـي الحسيـن بــن علــي العنبــري قــال: حدثنــي محمــد بــن معاويــة الأســدي قــال: لمــا ظفــر المهلــب

بالخــوارج وفـــرغ مـــن أمرهـــم قـــال الحجـــاج: الـــآن يـــرد كتـــاب المهلـــب طويـــلاً بوصفـــه جامعـــاً لوصـــف

يشرح أحواله وإنه لحقيق بكل وصف وأهل لكل مدح. قال فورد كتابه.

" بسم الله الرحمن الرحيم

الحمــد للــه الكافــيء بالإسلــام فقــد مــا ســواه المعجــل النقمــة لمــن بغـــاه الـــذي يزيـــد مـــن شكـــره ويـــرزق

من كفره.

أمــا بعـــد فقـــد كـــان مـــن أمرنـــا مـــا أغنـــت جملتـــه عـــن تفصيلـــه. وكنـــا نحـــن وعدونـــا فـــي مـــدة هـــذا

التنــازع علــى حالتيــن مختلفتيــن: يسرنــا منهــم أكثــر ممــا يسوؤنــا ويسوؤهــم منـــا أكثـــر ممـــا يسرهـــم علـــى

===

شـــدة شوكتهـــم واجتمـــاع كلمتهـــم وانزعـــاج القلــــوب لمخافتهــــم حتــــى نــــوم بذكرهــــم الرضيــــع وأصــــم

لخوفهـــم السميـــع. فانتهـــزت منهـــم الفرصـــة عنـــد إمكانهـــا بعـــد أن تنظـــرت وقــــت إبانهــــا واستدعــــى

النهل علله وبلغ الكتاب أجله. فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين ".

ونحـــو هـــذا إلا أنـــه فـــي التهـــدد مـــا حدثنـــي بـــه عبـــد الواحـــد بـــن العبـــاس الهاشمـــي قــــال: سمعــــت

الرياشــي يقــول: كتــب ملــك الــروم إلــى المعتصــم كتابــاً يتهــدده فيــه فأمــر بجوابــه. فلمــا قربــت الأجوبــة

عليه لم يرضها وقال للكاتب: " اكتب " فأملى عليه:

بسم الله الرحمن الرحيم

أمــا بعــد فقــد قــرأت كتابــك وسمعــت خطابــك. والجـــواب مـــا تـــرى لا مـــا تسمـــع. وسيعلـــم الكافـــر

لمن عقبى الدار ".

وكتــب أحمــد بــن يوســف إلـــى إسحـــاق الموصلـــي يدعـــوه ويعلمـــه أن عنـــده قلمـــاً " المعنـــى أنـــا وقلـــم

وأنت أعلم ".

وكتـب عبـد الملـك إلـى الحجـاج: " أمـا بعـد فقـد بلغنـي سرفـك فـي سفـك الدمـاء وتبذيـر الأمـوال فــي

الباطل ومنعك الحق فلا يؤنسنك بي إلا طاعتك ولا يوحشنك مني إلا معصيتك ".

قـــال: فكتـــب إليـــه الحجـــاج: " أمـــا بعـــد فقـــد وصـــل كتـــاب أميـــر المؤمنيـــن ومــــا قتلــــت إلا فيــــه ولا

===

أعطيــت إلا لــه. فــإن رأى أميــر المؤمنيــن أن يمضــي لــي سالفــي ويأمـــر لـــي بمـــا أحـــب فـــي مستأنفـــي

فعل إن شاء الله ".

قـال الصولـي: حدثنـي محمـد بـن يزيـد المبـرد قــال: حدثنــي العتبــي قــال: كتــب عبــد الملــك بــن مــروان

إلـى بعـض ولـده وقـد خالفـه فـي شـيء: " أمـا بعـد فإنـي أمرتـك بأمـر فأتيــت غيــره ووصيتــك بوصيــة

فأبيــت إلا عصتــه. وخفــت أنــك بمنزلــة الصبــي الــذي إذا أمــر بشــيء أبــاه وإذا نهــي عـــن شـــيء أتـــاه

فيحتـــال لـــه فيمـــا ينفعـــه بـــأن ينهـــى عنـــه وفيمـــا يضـــره بـــأن يؤمـــر بـــه. ويـــا سوأتـــي لمـــن هـــذه حالــــه

والسلام ".

مكاتبة الإخوان:

قــال الصولــي: حدثنــي محمــد بــن موســـى بـــن حمـــاد قـــال: سمعـــت الحســـن بـــن وهـــب يقـــول: كاتـــب

رئيسك بما يستحق ومن دونك بما يستوجب واكتب إلى صديقك كما تكتب إلى حبيبك.

وقال بعض الكتاب: غزل المودة أرق من غزل الصبابة.

وقال غيره: إني لألذ للمؤانسة كلذتي للملامسة.

وحدثنـا أبـو العينـاء قـال: حدثنـا الأصمعـي قـال: قـال هشـام: قــد مــرت لــذات الدنيــا كلهــا علــى يــدي

===

قال الصولي: أو ما ترى حذق أبي تمام في قوله لآل وهب:

كل شعب كنتهم بـه آل وهـب   فهو شعبي وشعب كـل أديـب

إن قلبـي لكــم لكالكبــد الحــر   ى وقلبــــي لغيركــــم كالقلــــوب

وهو القائل:

واجد بالخليل من برحاء الشو     ق وجدان غيره بالحبيب

وأنشدنا أحمد بن إسماعيل لنفسه:

صـدود الحبيـب دعــاء الغلــي   ل وأغلـظ منـه صـدود الخليــل

صددت فاشمت بـي حاسـداً   عليـك وحققـت قــول العــذول

وقال أبو تمام إلى ابن الهيثم:

سلـام اللـه عــدة رمــل خبــت   علـى ابـن الهيثـم الملـك اللبـاب

ذكرتك ذكرة جذبت ضلوعـي   إليـــك كأنهـــا ذكـــرى تصابـــي

وقال إبراهيم بن العاس الصولي:

أميل مع الذمام على ابن عمي   وأقضي للصديق على الشقيق

وإمــــا تلفنــــي حــــراً وطاعــــاً   فإنـك واجـدي عبـد الصديــق

===

ذكر الحساب:

قــال الصولــي: لــم نــرد بذكــر الحســاب أن نذكــر الضــرب والقسمـــة والمعاملـــة إمـــا أردنـــا أن نذكـــر اللغـــة

فيـه ووصـف الكتـاب بـه إذ كـان الحسـاب قـد عملـت فيـه كتــب يزيــد بعضهــا علــى جملــة كتابنــا هــذا

ولئلا يخلو هذا الكتاب من ذكره إذ كان أصلاً لا يستغني عنه الكاتب ولا بد لكل أحد منه.

يقــال: حســـب يحســـب حسابـــاً وحسبانـــاً مثـــل بنـــى يبنـــي بنـــاء وبنيانـــاً والفعلـــان فـــي مصـــدر فعـــل

وفعــل قــد جــاءا وإن لــم يكثــرا قالــوا: رفــع رفعانــاً وخســر خسرانــاً وغنــى غنيانــاً. قــال الحــارث بــن

خالد:

أجـــــــــد بعمـــــــــرة غنيانهـــــــــا   فتهجــــــر أم شاننــــــا شانهــــــا

والحسبـــان العـــذاب ومنـــه قـــول اللـــه عـــز وجـــل: " ويرســـل عليهـــا حسبانـــاً مـــن السمـــاء " والحسبـــان

الاتكال ولم نسمعه إلا مع ذكر الله عز وجل: يقال على الله حسباني وتكلاني قال الشاعر:

على الله حسباني إن النفس أشرفت   على طمع أو خاف شيئاً ضميرها

وقــال اللــه تعالــى: " الشمـــس والقمـــر بحسبـــان " أي يطلعـــان ويغيبـــان بأوقـــات وقتهـــا الـــه لا تزيـــد ولا

تنقــص فكانــت كصحــة مــا يحســب. قــال اللــه عــز وجــل: " وجعلنــا الليــل والنهــار أيتيــن فمحونـــا آيـــة

===

الليـل وجعلنـا آيـة النهـار مبصـرة لتبتغـوا فضـلاً مـن ربكـم ولتعلمـوا عـدد السنيـن والحســاب وكــل شــيء

فصلناه تفصيلا ".

وأجمــع الحســاب مــن كــل جنــس وملــة بكــل خــط ولغــة علــى أن تراكيـــب الحســـاب لا تعـــدوا أربعـــة:

عـدد يضـرب فـي عـدد أو قسمـة عـدد علــى عــدد. أو إلقــاء عــدد مــن عــدد. أو زيــادة عــدد علــى

عـدد وتكلمــوا فــي أوائــل العــدد ونهاياتهــا بكلــام كثيــر أحسنــه مــا قــال الهنــد: إن الأعــداد تبتــدئ مــن

واحد وتنتهي إلى تسعة ثم تكون العشرة راجعة إلى حال الواحد على الرتبة.

وعلــى هــذا وصفــوا حروفهــم التسعــة وقالــوا: الحســاب الهنـــدي أخـــرج لكثيـــر العـــدد إلا أن الكتـــاب

اجتنبــوه لــأن لــه آلــة ورأوا أن مــا قلـــت آلتـــه وانفـــرد الإنســـان فيـــه بآلـــة مـــن جسمـــه كـــان أذهـــب فـــي

الســر وأليــق بشــأن الرياســة وهــو مـــا اقتصـــروا عليـــه مـــن العقـــد والبنـــان وإخـــراج رؤوس الجمـــل فـــي

أواخــــر السطــــور وحــــط التفصيلــــات عنهــــا واحــــداً دون آخــــر وفرعــــاً دون أصـــــل. وعنـــــي بعـــــض

الكتــاب بذلــك حتــى خـــف عقـــده وصـــار يلحـــق ببنانـــه مثـــل مـــا يلحـــق ببصـــره ولا يستبيـــن الناظـــر

مواقع أنامله.

وقد شبه عبد الله بن أيوب بن محمد التيمي وميض البرق بخفة يد الحاسب فقال:

أعنــــي علــــى بـــــارق ناظـــــر   خفــــي كوحيـــــك بالحاجـــــب

===

وقال بعض الكتاب:

وناطــــــــق تخبـــــــــر ألفاظـــــــــه   عــــن نغمــــات العــــود بالزمــــر

بينــــا تـــــراه عاقـــــداً خمســـــة   وستــــة صــــار إلـــــى عشـــــر

وصـار مــن بعــد إلــى واحــد   كحاســب أخطــأ فـــي كســـر

ومن أحسن ما قيل في تشبيه يد الحاسب بوميض البرق بعد قول التيمي قول عنترة من أبيات:

وفرضت للناس الكتابة فاحتذوا   فيهــا مثالــك والعلــوم فرائـــض

وإذا خططت فأنت غيث معشب   وإذا حسبت فأنت برق وامض

وإذا نهضت فأنت نجـم ثاقـب   وإذا جلست فأنت ليث رابض

فبك التمثل حين ينعت فاضل   وإليك يرجع حين يشكل غامض

وقـد زعـم قـوم أن قـول اللـه عـز وجـل: " فصيـام ثلاثـة أيـام فـي الحــج وسبعــة إذا رجعتــم تلــك عشــرة

كاملـة ". إنمـا قصـد بـه الإفـادة إذ كانـت العـرب لا تعـرف دقيـق الأعـداد وليســت ممــن يحســن الحســاب

واحتجوا بقول الفرزدق:

ثلـــاث واثنتــــان فهــــن خمــــس   وواحــــدة تميــــل إلــــى سمـــــام

قالــوا: فلــولا أنــه رأى ذلــك فائــدة مــا قالــه. واحتجــوا بقــول النبــي حدثنــا حيـــن أخبـــر أن الشهـــر قـــد

===

يكـون تسعـاً وعشريـن " الشهـر هكـذا " وفتـح أصابـع يديـه العشــر " وهكــذا وهكــذا " وثنــي إحــدى

أصابعـه فـي الثالثـة. وقيــل: المعنــى أنــه لمــا فصــل بيــن السبــع والثلاثــة بإفطــار أخبــر أنهــا كالمتصلــة إذ

كــان قــد أتــى بهــا كمــا أمــر فقــد كملــت لــه. وقيــل: بـــل أراد أنهـــا كملـــت فديـــة حيـــن وصـــل السبعـــة

بالثلاثة.

وكـان بعـض العـرب بـاع جوهـراً نفيســاً بألــف درهــم فقيــل لــه: قــد كــان يســاوي أكثــر مــن هــذا فقــال:

ما ظننت أن عدداً أكثر من ألف. وقال ابن الرومي:

وكنت حسبت فلمـا حسبـت   زاد الحســـاب علـــى المحسبــــة

وقال الخليل بن أحمد يهجو رجلاً كانت يداه مقبوضتين عن البذل فقال:

كفـــــاك لـــــم يخلقــــــا للنــــــدى   ولـــــم يـــــك بخلهمــــــا بدعــــــة

فكـــــــــف ثلاثــــــــــة آلافهــــــــــا   وتســــع مئيهــــا لهـــــا شرعـــــه

وكـــف عـــن الخيـــر مقبوضــــة   كمــــا نقصــــت مائــــة سبعــــه

وقــال النابغــة للنعمــان فــي اعتــذاره إليــه: كــن حكيمــاً فــي إنصافــي كمـــا حكمـــت جاريـــة كانـــت لهـــا

حمامة فرأت قطاً محزرته ستاً وستين فقالت:

ليــــــــــــت الحمــــــــــــام ليــــــــــــه   إلـــــــــــــــــــــى حمامتيـــــــــــــــــــــه

===

قالـــوا: وكانـــت لهـــا قطـــاة وجعلــــت القطــــا حمامــــاً. وقيــــل: أراد النابغــــة: احكــــم علــــي بعــــدل كمــــا

حكمـت هـذه فـي العـدد فأصابـت. والــأول أجــود وهــو قــول الأصمعــي أفــلا تــرى إلــى النابغــة كيــف

حكى هذا ونسب هذه الفتاة إلى حكمة وعدل حين أحسنت العدد فقال.

واحكم كحكم فتاة الحي إذ نظرت   إلـى حمـام ســراع وارد الثمــد

الثمد الماء القليل.

قـــال أبـــو عبيـــدة: وكـــان يقـــال للجاريـــة: الزرقـــاء واسمهـــا عنـــز وكانـــت مــــن جديــــس. وقــــال غيــــره:

القائلة لهذا هند بنت الخس:

قالت: ألا ليتما هذا الحمام لنا   إلــى حمامتنــا أو نصفــه فقـــد

قولها " فقد " أي حسبي وقدك حسبك.

فحسبـوه فألفـوه كمـا زعمــت   تسعاً وتسعين لم ينقص ولم يـزد

فكلمــت مائــة فيهــا حمامتهـــا   وأسرعت حسبة في ذلك العدد

ومن المشهور الذي يتطارحه الناس أشعار:

لهــــــا الثلثــــــان مــــــن قلبـــــــي   وثلثــــــــــا ثلثهـــــــــــا الباقـــــــــــي

وثلثـــــــا ثلـــــــث مـــــــا يبقـــــــى   وثلـــــــث الثلــــــــث للساقــــــــي

===

الأصـــل مائتـــان وثلاثـــة وأربعـــون ذهـــب الثلثـــان مائـــة واثنـــان وستـــون الباقـــي أحـــد وثلاثـــون ذهـــب

ثلثـا ثلثـه يبقـى سبعـة وعشـرون فيذهــب ثمانيــة عشــر وهــو قولــه: وثلثــا ثلــث مــا يبقــى وتبقــى تسعــة

ثلثهـا للساقــي وهــو قولــه: وثلــث الثلــث للساقــي ويبقــى ستــة فصيرهــا حصصــاً ليستــوي لــه الشعــر.

فقال: ويبقى حصص ست لأنه لو قال: اسهم كانت ستة.

نقصان الألف وإسقاطها:

ألف الوصل لا يجوز إسقاطها من الخط إلا في ثلاثة مواضع:

تحذف من بسم الله الرحمن الرحيم وقد ذكرنا ذلك.

وتسقـط مـن ابـن إذا جــاء بعــد اســم ظاهــر فــي معنــى فلــان وكــان مضافــاً إلــى اســم ظاهــر كالإســم

الــأول وكــان الابــن نعتـــاً للإســـم كقولـــك: مـــررت بزيـــد بـــن محمـــد وجـــاز إسقـــاط الألـــف لـــأن الإســـم

الــأول ولآخــر قــد دلا علــى الابــن فعــرف موضعهمــا فحذفــت وإنمــا فعلــوا ذلــك لللإجـــاز فعلـــى هـــذا

أجـر الابــن مــا دام الابــن واحــداً فــإذا ثنيــت كتبــت: جاءنــي زيــد ومحمــد إبنــا عبــد اللــه كــان بالألــف

وإذا كــان الابــن مبتــدأ لــم يجــز إسقــاط الألــف منــه لأنــه لــم يــأت قبلــه مــا يــدل عليـــه وكذلـــك إذا كـــان

خبـــراً قبـــح إسقـــاط الألـــف كقولـــك: إن محمـــداً ابـــن زيـــد لأنـــه كالمبتــــدأ ولئــــلا يشبــــه الخبــــر النعــــت

===

وكذلــك إذا أضيــف إلــى اســم ليــس فــي معنــى فلــان كقولـــك: زيـــد ابـــن الرجـــل الصالـــح وكذلـــك إذا

أضيــف إلــى مكنــي عنــه كقولــك: زيــد ابنــك أثبتــت الألــف فــي هــذه كلــه فــإذا صـــرت إلـــى المؤنـــث

كتبــت فلانــة ابنــة فلــان بالألــف لا يجــوز إسقاطهـــا لـــأن النســـب بالنســـاء لـــم يكثـــر فيعـــرف موضعـــه

كمـا كثـر فـي الرجـال ولـأن فـي ابنـة لغـة أخـرى يقـال: بنـت بالتـاء ومـن العـرب مــن يجعــل الهــاء فــي ابنــة

تاء لأنه يبني الكلام على الإضافة لأن الهاء تصير في ابنة تاء لئلا يلتبس فيقال: ابنت.

والموضـــع الثالـــث أن تكـــون ألـــف الوصـــل مـــع لـــام كقولـــك: " الرجـــل " فـــإن هـــذه الألــــف تسقــــط إذا

كانــت لــام الصفــة معهــا وهــي اللــام الزائـــدة مكســـورة أو مفتوحـــة فالمكســـورة مثـــل قولـــك: " للرجـــل "

مـال. والمفتوحـة كقولـك: " للثـوب " خيـر مـن ثوبـك وأشبـاه ذلـك وإنمـا فعـل ذلـك لــأن الحــرف علــم مــع

إسقاطها فمالوا إلى التخفيف فهذه قصة ألف الوصل.

فأمـــا حـــذف الألـــف إذا كانـــت حشـــواً نحـــو خالــــد ومالــــك ومــــا يشبــــه ذلــــك فأكثــــر مــــا تحــــذف إذا

كانـت فـي الأسمـاء المستعملـة لمعرفتهـم بالحـرف فـإذا كانـت فـي اسـم فهـو نعـت لــم تحــذف مثــل شاكــر

وصابـــر وظالـــم وصـــادق وأشبـــاه ذلـــك لـــأن النعـــت لا يتكـــرر للإنســــان فيتكــــرر الاســــم فيعــــرف.

وقـد أسقطوهـا مـن صالــح نعتــاً ولا نعلمهــم أسقطوهــا مــن غيــره وذلــك أنهــم شبهوهــا بالإســم لمــا كثــر

صالــح فــي أسماءهــم وهــو رديء فــي القيــاس. فــإذا صــرت إلـــى الجمـــع سهـــل إسقـــاط الألـــف لقلـــة

===

فأمـا مـا كــان مــن بنــات اليــاء والــواو نحــو: الراضيــن والساعيــن وفــي الرفــع: لراعــون وأشبــاه ذلــك فــلا

يجـوز طــرح الألــف منــه لأنــه قــد حــذف منــه موضــع اللــام مــن الفعــل وهــو اليــاء لــأن الأصــل الراعيــون

فــي الرفــع والراعييـــن فـــي النصـــب والخفـــض فاليـــاء الأولـــى تسكـــن لأنهـــا معتلـــة ويـــاء الجميـــع أو واوه

ساكنـــة فأسقطـــوا اليـــاء الأولـــى للالتقـــاء الساكنيـــن واستقبحـــوا أن يحـــذف الألـــف وقـــد حذفـــوا لـــام

الفعل فيجحفوا بالحرف.

فإمــا ألــف دراهــم فإنمــا يجــوز حذفهــا إذ تقدمهــا مــا يــدل علــى الجمــع كقولــك: ثلاثــة دراهــم وأشبــاه

ذلــك وإذا كانــت مفــردة لــم يجــز إسقاطهــا ومــا كــان مثـــل عمـــران ومـــروان وسفيـــان وسلطـــان فإثبـــات

الألـف فيـه أجـود وإن أسقطتهـا مـن الاســم الــذي يعــرف بسقوطهــا فجائــز. وفــي الجملــة إن إسقاطهــا

يحسن فيما كثر استعماله من الأسماء.

وقـد حذفـوا ألـف أولئـك الثانيـة استغنــاء عنهــا لعلمهــم بالحــرف. وقــد حــذف قــوم ألــف النــداء فــي

المصحـف فكتبـوا: يـداود ويعيسـى بغيـر ألــف وإنمــا حملهــم علــى ذلــك علمهــم بالنــداء وإثبــات الألــف

أجــود وأقيــس والسلـــام عليـــك إذا أردت التسليـــم فكلهـــم يكتبـــه بغيـــر ألـــف. فـــإذا قلـــت كـــان بـــرداً

وسلامــاً وهــذا عبــا السلــام فبالألــف أجــود وإن كتبـــت بغيـــر ألـــف جـــاز. ويكتبـــون: ثمنيـــة دراهـــم

وثمنــي ليــال بغيــر ألــف لمعرفتهــم بالحــرف فــإذا قالــوا: ثمــان أثبتــوا الألــف كراهيــة حذفهــا مـــع حـــذف

===

نقصان الألف:

قــال الصولــي: لا يكــادون يزيــدون الألـــف إلا بعـــد واو الجمـــع مثـــل آمنـــوا وكفـــروا. قـــال الفـــراء: وإنمـــا

فعلـــوا ذلـــك ليفرقـــوا بيـــن واو الأصـــل واو الجمـــع وواو الأصـــل التـــي تكـــون فـــي مثـــل: يغـــزو ويدعــــوا

وأشبـاه ذلـك. وقـال الأخفـش: إنمـا فعلـوا ذلـك لئــلا يشبــه واو الجمــع وواو العطــف إذ كــان يجــيء فــي

الكلـــام كفـــر وفعـــل وهـــذا القـــول يصـــح إذا كانـــت واو الجمـــع تنفـــرد وتنكســـر إذا اتصلـــت مثــــل آمنــــوا

وكفروا وظلموا لأنه لا يشبه أمر وفعل.

قـــال أبـــو بكـــر محمـــد بـــن يحيـــى الصولـــي. وحدثنـــا أحمـــد بـــن يحيـــى النحـــوي ثعلـــب قـــال: سألنـــي

محمــد بــن عبــد اللــه عــن إتيــان الألــف فــي: ضربــوا وقامــوا فقلــت لــه: قــال الفـــراء: فرقـــوا بيـــن الـــواو

الأصلية في أرجو وأخو وحمو وبين التي ليست بأصلية في ضربوا.

قال الأخفش: كرهوا أن يظن أنها واو نسق إذا كتبوا كفر وفعل ثم بنوا على ذلك.

وقـال الخليـل: الضمـة تنقطـع إلـى همــزة فاستوثقــوا بالألــف فقــال محمــد: لا يقــع مثــل هــذا إلا فــي طبــع

الخليل.

قــال أبــو العبــاس: والــذي عنــدي فيــه أن اللــف جعلــت بــدلاً مــن المكنــى وهــو الهــاء لأنهـــم إذا قالـــوا:

===

ضربــــوه سقطــــت الألــــف فــــإذا قالـــــوا: ضربـــــوا ثبتـــــت ليعلـــــم أن الحـــــرف قـــــد انفـــــرد وأخـــــو وأبـــــو

لاىتثبت الألف فيه لأن الواو أصلية فالحرف قائم بنفسه: أخو زيد وأبوه.

والألــف فــي: مائــة زيـــدت فيمـــا ذكـــر الأخمـــش لبفصـــل بينهـــا وبيـــن منـــه إذا قالـــوا: أخـــذت مائـــة لـــم

يشبـه أخـذت منـه وقالـوا أيضــاً: فعلــوا لئــلا يشبــه ميــة. وهــذا قــول مــرذول لــأن ميــة متــى تذكــر وتقــع

في كتاب. والناس من أهل البصرة والكوفة على ما قاله الأخفش.

الهمز:

الهمــزة إذا كانــت لــام الفعــل - ومعنــى الفعــل أن تكــون آخـــر الحـــرف مثـــل قـــرأ ونبـــأ واستهـــزأ - فإنهـــا

تثبـت فـي الحـرف ولا تسقـط كمـا تسقـط اليـاء وتكتـب علــى مــا قبلهــا فــإن كــان الــذي قبلهــا مفتوحــاً

كتبـــت بالألـــف وإن كـــان مكســـوراً باليــــاء وإن كــــان مضمومــــاً كتبــــت بالــــواو ومــــن ذلــــك أن تكتــــب

إذا أمـرت مـن قـرأت: إقـرأ بالألـف ومـن نبــأت نبــيء باليــاء ومــن ســؤت ســؤ بالــواو. فــإن لــم تكــن فــي

موضـــع جـــزم وانضـــم مــــا قبلهــــا كتبــــت بالــــواو كقولــــك: وهــــو يســــوء زيــــداً فــــإذا انكســــر مــــا قبلهــــا

كتبت بالياء مثل يستهزئ.

وإذا انفتــح مــا قبلهــا فقــد اختلــف فــي كتابتهـــا فـــي الرفـــع فكتـــب بعضهـــم: هـــو يقـــرأ ويخبـــأ بالألـــف

===

والـــواو للزومهـــم القيـــاس فـــي كتابتهـــم الهمـــزة بالألـــف إذا انفتـــح مـــا قبلهـــا فـــإذا انفتـــح مـــا قبلهـــا زادوا

الـواو فــي الرفــع وقــد كتــب فــي المصحــف علــى هــذا المذهــب باليــاء نحــو: " ولقــد جــاءك مــن نبــإي

المرسلين " بالألف والياء بعدها وهذا قبيح لأن فيها اشتباه المقصور بالممدود.

قــال: وإذا قالــوا: الهمــزة لــام الفعــل فهــي آخــره مثــل البــاء مــن ضــرب واللــام مــن فعـــل فـــإذا قالـــوا: هـــو

عيـن الفعـل وقعـت موقـع العيـن مـن قولهـم فعــل مثــل الــراء مــن ضــرب والتــاء مــن قتــل فــإذا قالــوا: هــي

فاء الفعل فإنما وقعت أولاً مثل الفاء من فعل وهي مثل الضاد من ضرب والقاف من قتل.

وإذا كانـــت الهمـــزة فـــاء الفعـــل مثـــل: أتـــى وأبـــى وأذن فإنهـــا تأتــــي مختلفــــة. تقــــول: إذا أمــــرت: إيــــت

فلانـــاً وإيـــذن لـــه فتصيـــر الهمــــزة يــــاء وذلــــك لأنهــــم يكرهــــون اجتمــــاع الهمزتيــــن فتصيــــر الثانيــــة يــــاء

لسكونهــا وانكســار مــا قبلهــا. فــإذا أدخلــت عليهــا حـــروف النســـق أسقطـــت اليـــاء فلـــم تثبتهـــا فـــي

الكتــاب فتقــول: إيــذن لفلــان وأذن لفلــان إيــت فلانــاً وآت فلانــاً وإنمــا فعلــوا ذلــك لـــأن الهمـــزة إذا انفتـــح

مــا قبلهــا صــارت ألفــاً فكرهــوا اجتمــاع الألفيــن فــي الكتــاب فحذفــوا إحداهمـــا وهـــي ألـــف الأمـــر.

وإنما حذفوا لأنها تذهب من اللفظ في الوصل والهمزة تثبت في اللفظ فالقوها كذلك.

وأمـــا فـــي ذوات الأربعـــة وهـــو أن تضيـــف الحـــرف إلـــى نفســـك فتجـــده علـــى أربعـــة أحـــرف مثـــل:

أكلــت وأمــرت فــإن الهمــزة تسقــط فــي هــذا البــاب فــي الأمــر فتقــول: مــر فلانـــاً بكـــذا وكـــل طعامـــك

===

وكـــان الأصـــل: أو كـــل أو مـــر فلمـــا سكنـــت الهمـــزة وانفتـــح مـــا قبلهـــا صـــارت واواً وكـــل واو وقعـــت

بيــن ضمتيــن أو كسرتيــن تسقــط فلمــا سقطــت الــواو بقــي أمــر فأسقطــت الألــف المجتلبـــة للأمـــر لأنهـــا

إنمـــا تدخـــل لسكـــون أول الحـــرف ذلـــك كـــان لا يبتـــدئ بالساكـــن فلمـــا تحــــرك أول الحــــرف أسقطوهــــا

استغنـاء عنهـا فبقيـت مــر وكــل. فــإذا أدخلــت حــرف النســق فالأجــود أن يكــون الحــرف علــى حالــه

وإن شئت رددت الهمزة فأثبتت الألف.

وفـي القـرآن: " وأمـر أهلـك بالصلـاة واصطبــر عليهــا " بإثبــات الهمــزة وإنمــا تــرد الهمــزة لــأن ألــف الأمــر

التـي أسقطتهـا تذهـب فـي اللفـظ فترجـع الهمـزة فتثبـت الألـف فـي الكتـاب وتـرك الهمـزة أكثــر ولا نعلــم

جـاء الهمـز إلا فـي: " وأمـر " وكانـت تجـوز علـى القيـاس فـإذا سكـن مـا قبــل الهمــز فــإن أكثــر مــا جــاء

عـن العـب إسقاطهـا مـن الكتـاب إلا أن يكـون أثـر جـاء فيـه مـن ذلــك قــول اللــه عــز وجــل: " لكــم فيهــا

دفء ومنافــع " و " يخــرج الخــبء " و " يحــول بيــن المــرء وقلبــه " كتبــوا بغيــر ألــف هــذه كلهــان ومـــن

العـــرب مـــن يكتبهـــا علـــى لفظهـــا إذا سكـــن مـــا قبلهـــا فـــإن كانـــت مضمومـــة كتبهـــا بالــــواو وإذا كانــــت

مفتوحـــة كتبهـــا بالألـــف وإذا كانـــت مكســـورة كتبهـــا باليـــاء كتبــــوا: " هــــن نســــاؤ صــــدق " بالــــواو و

" رأيت نسآء صدق " بالألف ومررت بنسائي صدق. بالياء.

فــإذا كانــت الهمــزة آخــر الحــروف والحــرف ممــدود كتــب بألــف واحـــدة فـــي النصـــب والخفـــض والرفـــع

===

كقولــك: رأيــت عطــاء وشربــت مــاء ومــررت بعطـــاء وهـــذا عطـــاء. فأمـــا فـــي الخفـــض والرفـــع فلـــم

تثبت الواو ولا الياء لأنهم يستثقلونهما طرفاً.

وأمــا فــي النصــب فلأنهــم يكرهــون اجتمــاع شبهيـــن فـــإذا اجتمعـــت فـــي الحـــرف ألفـــان كتبـــوه بألـــف

واحــدة كقولــك: شربــت مـــاء ألا تـــرى أن ههنـــا ثلـــاث ألفـــات الألـــف الأولـــى والهمـــزة المفتوحـــة وألـــف

الإعراب. وكل ممدود منصوب فالصواب أن يكتب بألفين لأن فيه ثلاث ألفات.

وممـا يستحسـن فيـه الجمـع بيـن ألفيـن: قولـك: قـد قـرأا وجــاءا وذلــك ليكــون فرقــاً بيــن الواحــد والمثنــى

وكتبــت لفلــان بــراآت ليكــون فرقــاً بيــن الواحــدة والجمــع ولــأن مــن العــرب مــن يقــف علــى بـــراءة بالتـــاء

فلو كتبت بألف واحدة لم تعرف الواحدة من الجمع.

الهاء

كــل مــا كــان مــن ذوات اليــاء وكانــت فـــاء الفعـــل فيـــه واواً مثـــل: وفيـــت ووعيـــت وأويـــت فإنـــه يكـــون

فـي الأمـر حرفـاً واحـداً لـأن الأصـل " أوفـى " باليـاء تذهــب اليــاء للجــزم وتسقــط الــواو لأنهــا صــارت

بين كسرتين فبقـي " أف " فتسقـط ألـف الأمـر لأنـه قـد استغنـي عنهـا لتحـرك أول الحـرف فتبقـى الفـاء

وحدهــا فـــإذا اتصـــل الكلـــام بعضـــه ببعـــض لـــم تثبـــت الهـــاء فـــي اللفـــظ فـــإذا وقفـــت وقفـــت بالهـــاء

===

كقولـــك: فــــه وقــــه مــــن وفيــــت ووفيــــت وشبــــه مــــن وشيــــت الثــــوب لأنــــه لا ينطــــق بحــــرف واحــــد

استبقــاء لــه فـــإذا كتبـــت كتبـــت بالهـــاء لـــأن الكتـــاب علـــى الوقـــف ألا تـــرى ان اختيـــار العـــرب فـــي

كتابتهـم رأيـت محمـد بـن عبـد اللـه أن يكـون بالألــف لــأن القــارئ ربمــا وقــف علــى " محمــداً " فــإن لــم

يثبـــت فيـــه الألـــف أشبــــه مــــا لا يجــــري مــــن الأسمــــاء كقولــــك: رأيــــت عمــــر وإن كــــان الكتــــاب قــــد

استجازوا إسقاطها لكثرة استعمالهم وذلك ممن لا يعرف أصل الكتاب فيقف على فساده.

فــــإن جعلــــت قبــــل الحــــرف الــــذي وصلتــــه بالهــــاء حرفــــاً لا ينفصــــل منــــه جــــاز أن تكتبـــــه بغيرهـــــا

كقولــك: اذهــب وف لزيــد وقالــوا: لزيـــد وإنمـــا جـــاز لـــأن الـــواو والفـــاء لا ينفصلـــان وكـــأن الكلمـــة قـــد

صارت على حرفين وإثبات الهاء أجود.

فأمــا هــاء التأنيــث فأصلهــا إن تكتــب بالهــاء إذا كانــت مضافــة إلـــى اســـم ظاهـــر لـــأن الوقـــف عليهـــا

بالهـــاء مثـــل: امـــرأة زيـــد وفتـــاة عمـــرو فـــإذا أضفتهـــا إلــــى مكنــــي عنــــه كانــــت بالتــــاء لأنــــه لا يمكــــن

الوقــوف عليهــا بالهــاء كقولــك: امرأتــك وفتاتــك فهــذا الوجــه. وقــد كتـــب فـــي المصحـــف " رحمـــت

الله " " ومريم ابنت عمران " ومثلـه " نعنـت اللـه " وذلـك لكثـرة اصطحابهمـا ليـس يفصلـان فـي القـراءة

فصــار كالحــرف الواحــد الـــذي لا ينفصـــل منـــه والهـــاء فـــي ذلـــك أجـــود لأنهـــا تنفصـــل منـــه ويسكـــت

عليها.

===

فأمـــا هيهـــات فمـــن وقـــف عليهـــا بالتـــاء كتبهـــا بالتــــاء ومــــن وقــــف عليهــــا بالهــــاء كتبهــــا بالهــــاء لــــأن

الكتاب على الوقف.

ويـــا أيهـــا الرجـــل ويـــا أيهـــا القـــوم تكتبـــه بالألــــف وذلــــك الوجــــه. وقــــد كتــــب فــــي المصحــــف " يايــــه

المؤمنون " و " يايه الثقلان ". و " يايه الساحر " بغير ألف. وفي جميع القرآن بالألف وهو الصواب.

الواو

الواو تزاد في ثلاثة مواضع:

فمـن ذلـك الــواو فــي: " عمــرو " زيــدت ليفصــل فيهــا بينــه وبيــن عمــر فــإذا كتبــت عمــراص بالنصــب

وجئت بالألف لم تحتج إلى الواو لأن عمر لا ينصرف ولا تدخلع الألف.

وزيدت في " أولئك " لتفصل بينها وبين إليك.

وزيدت في " يا أوخي " لتفصل بين التصغير وبين الاسم على جهته.

فأمـا المواضـع التـي نقصــت منهــا فــواو " طــاوس " و " داود " كتبوهمــا بــواو واحــدة كراهيــة للشبهيــن

والحرف معروف. ومن كتبه بواوين على الأصل فقد أصاب.

فإذا صرت إلى ما قبلهـا واو مثـل " آووا ونصـروا " و " لـووا " و " جـاووا " و " بـاووا بغضـب ". فيـه

===

ثلاثـة أوجـه: أجودهـن أن يكتــب بــواو واحــدة وألــف وقــد كتبهــا بعضهــم بواويــن وإسقــاط ألــف وكــل

قد كتب به.

الياء

كـل اسـم كانــت لــام الفعــل منــه يــاء فإنهــا تحــذف فــي الخفــض والرفــع فــإذا نصبــت لــم يكــن مــن إثباتهــا

بـــد كقولـــك: رأيـــت قاضيـــاً وغازيـــاً فـــإذا صـــرت إلـــى جمـــع المؤنـــث السالـــم مـــن هــــذا البــــاب مثــــل:

جـوار وقـواض كتبـت ذلـك أيضـاً فـي الرفـع والخفــض بغيــر اليــاء وأثبــت فــي النصــب اليــاء ولــم تثبــت

الألـــف فتقـــول: هـــذه قـــواض ومـــررت بقـــواض وبجـــوار ولا تثبـــت اليـــاء فـــإذا أثبـــت قلـــت: جــــواري

ولــم تثبــت الألــف لأنــه حــرف لا يجــري فــإذا أدخلــت الألــف واللــام أثبـــت اليـــاء فـــي الواحـــد والجمـــع

كقولك: القاضي والجواري.

ومـــن العـــرب مـــن يسقـــط اليـــاء فـــي الخفـــض والرفـــع فيقــــول: هــــذا القــــاض ومــــررت بالغــــاز وهــــؤلاء

الجــوار ومــررت بالجــوار فــإذا صــاروا إلــى النصــب أثبتـــوا اليـــاء كمـــا كـــان قبـــل دخـــول الألـــف واللـــام

والأول أجود.

وإذا كـــان الجمـــع بالنـــون مثـــل القاضيـــن والمصليـــن كتبتـــه بيـــاء لـــأن اليـــاء الأولـــى منهمـــا قـــد سقطـــت

===

ما يكتب بالياء والألف من الأفعال

قـال الصولــي: امتحــن كــل فعــل ورد عليــك مــن ذوات الــواو واليــاء بــأن تضيفــه إلــى نفســك فــإن ظهــر

باليــاء كــان الأجــود أن تكتبــه باليــاء وجــاز كتابتــه بالألـــف علـــى اللفـــظ مثـــل قضـــى ورمـــى ألا تـــرى

أنك إذا أضفته إلى نفسك قلت:

قضيــت ورميــت. وإن ظهــر الفعـــل بالـــواو كتبتـــه بالألـــف لا غيـــر مثـــل دعـــا وعـــلا ألا تـــرى أنـــك إذا

أضفتـه إلـى نفسـك قلـت: دعـوت وعلــوت. فقــس علــى ذلــك كــل مــا ورد عليــك إن شــاء اللــه تعالــى

تصب.

وكــل مــا كــان مــن ذوات الــواو واليــاء رددتــه إلــى مــا لــم يســم فاعلــه فاكتبــه باليـــاء فيمـــا كـــان ماضيـــاً

ومستقبلاً معاً كقولك: دعي يدعى وغزي يغزى ورمي يرمى.

وكــــل فعــــل مــــن ذوات اليــــاء والــــواو زدت فــــي أولــــه شيئــــاً فاكتبـــــه باليـــــاء فإنـــــه أجـــــود وإن كتبتـــــه

بالألــف جــاز علــى اللفــظ مثــل ادعــى واستقصـــى واستدعـــى لأنـــك إذا لفظـــت بـــه كـــان باليـــاء لـــأن

ذوات الواو إذا زيد في أولها شيء ردت إلى الياء.

المقصور والممدود

===

فأمــا المقصــور فامتحنــه بالتثنيــة فـــإن كـــان باليـــاء كتبتـــه باليـــاء وجـــازت كتابتـــه بالألـــف وذلـــك نحـــو

فتـى ورحـى لــأن تثنيتهمــا باليــاء نحــو فتيــان ورحيــان وإن كانــت تثنيتــه بالــواو كتبتــه بالألــف لا غيــر

نحو قفا وعصا لأن تثنيتهما قفوان وعصوان.

وكل اسم في أوله ميم مفتوحة أو مكسورة فاكتبه بالياء مثل المثنى والمدعى والمرمي والمقضي.

وإن كانــت فــي أولــه ميــم مكســورة فاكتبــه أيضــاً باليـــاء مـــا كـــان اسمـــاً مثـــل المقـــري الـــذي يقـــرى فيـــه

المــاء أي يجمـــع والمهـــدى الـــذي يهـــدي عليـــه فـــإن كـــان نعتـــاً فاكتبـــه بالألـــف لأنـــه ممـــدود مثـــل معطـــاء

ومهداء.

فـإذا كـان الاسـم علـى فعـل أو فعـل بكسـر الفـاء وضمهــا مــع فتــح العيــن فاكتبــه باليــاء مــن أي النوعيــن

كان مثل هدى وسدى وحمى ورضى.

وكـــل مقصـــور كانـــت لـــام الفعـــل فاكتبـــه بالألـــف مثـــل الدنيـــا والعليــــا والمحيــــا وروايــــا وخطايــــان وإنمــــا

كتبوها بالألف لأنهم كرهوا الجمع بين ياءين في الكتاب.

وأمـــا القصـــوى والهـــوى ومـــا أشبههمـــا فإنهـــا تكتـــب باليـــاء لأنـــه ليـــس مـــن أسمائهــــم فأخرجــــوه مخــــرج

عيسى وموسى ويحيى.

وأمـا قولـه عـز وجـل: " ويحيـا مـن حـي عـن بينـة " فبالألـف لا غيـر و " زكريـا " كتبـوه بالألـف لـأن فيـه

===

لغتيـن بالمـد والقصـر كتبـوه بالألــف لــأن الألــف كمعهمــا وكذلــك " الزنــا " و " الشــرا " بالألــف لــأن فيــه

لغتين.

وذا كانـت عيـن الفعـل همـزة. ومعنـى عيــن الفعــل أن تقــع وسطــاً مــن مثــل فعــل مثــل نــأى ينــأى وشــأى

يشــأى كتبـــت باليـــاء وإن كانـــت مـــن بنـــات الـــواو ألا تـــرى أنـــك تقـــول: نـــأوت قـــال: وإنمـــا فعلـــوا ذلـــك

كراهية ن يجمعوا بين ألفين فقس على ذلك.

ما كتب على غير القياس

مـــن ذلـــك الصلـــوة والزكـــوة والغـــدوة والحيـــوة والمشكـــوة والربـــو كتـــب كـــل هـــذا فـــي المصحـــف بالــــواو

وكـان يجـب أن يكتبــن بالألــف للفــظ وإنمــا كتبــن كذلــك علــى مثــل أهــل الحجــاز لأنهــم تعلمــوا الكتــاب

مـن أهـل الحيــرة وهــذا إنمــا فعــل بسبــب قلــة الكتــاب فــي ذلــك الزمــان وإن الذيــن كتبــوه أهــل الحجــاز

وأنت اليوم بالخيار إن شئت كتبتهما بالألف وإن شئت أقررتهما على ما في المصحف.

كتاب النون الخفيفة

النـون الخفيفـة تكـون عنـد الوقـف عليهـا فـي النصـب ألفــاً وفــي الخفــض يــاء وفــي الرفــع واواً. وكذلــك

تكتــب نحــو: اضربــن يـــا رجـــل فـــإذا وقفـــت عليـــه قلـــت: اضربـــاً ومنـــه قولـــه عـــز وجـــل: " لنسفعـــاً

===

بالناصيــة " كتبــت فــي المصحــف بالألــف لانفتــاح مــا قبلهــا معنــاه لنجذبــن بناصيتــه والسفــع الجــذب

بشــدة والناصيــة مقــدم الــرأس يريـــد جـــل وعـــز لنذلنـــه بذلـــك. وتقـــول: اضربـــي يـــا امـــرأة باليـــاء لـــأن

الوقف بالياء واضربوا يا رجال بالواو لأن الوقف عليها بالواو.

ومــن العربــي مــن يقــف علــى النــون فمــن كانــت هــذه لغتهــم كتبــت بالنــون. وتقــول: اضربــن يـــا رجـــل

نصبـــت البـــاء وموضعهـــا جـــزم للأمـــر لسكـــون النـــون كراهيـــة اجتمــــاع ساكنيــــن وتثنــــى اضربــــان يــــا

رجلـان واضربـن يـا رجـال. وفـي المؤنـث اضربـن يـا امـرأة واضربــان مثــل الذكــر. وفــي الجميــع اضربــن

يا نسوة فتشدد النون ضرورة لأنهما نونان نون جمع المؤنث والنون الخفيفة.

والنــون الخفيفــة والثقيلــة تقــع كــل واحـــدة منهمـــا موقـــع الأخـــرى وتقـــول فـــي النـــون الثقيلـــة: اضربـــن يـــا

رجــل واضربــان واضربــن يــا رجــال. وفــي المؤنــث اضربــن يـــا امـــرأة والتثنيـــة كالذكريـــن وفـــي الجميـــع

اضربنـــان استثقلـــوا ثلـــاث نونـــات نـــون الجمـــع والنـــون الشديـــدة وهـــي نونـــان فأبدلـــوا الوسطــــى ألفــــاً.

والدعاء كالأمر والنهي كقولك: اللهم ارزقنا فلاناً وفي الاستفهام أتقومن يا رجل.

الإدغام

الإدغــام فــي الحرفيــن إذا كانــا مــن جنــس واحــد يتلـــو أحدهمـــا صاحبـــه وتحركـــا كتبـــا حرفـــاً واحـــداً

===

مثـل: غـض ومـد لـأن الـأول منهمـا يسكـن ويدغـم فـي الثانـي. وإذا كانــا مــن حرفيــن كتبــا حرفيــن وفــي

اللفـظ كانـا واحـداً مشـدداً نحــو: لــم يفــق قاســم ولــم ينصــف فرعــون فــإذا سكــن الثانــي أثبتــا حرفيــن

مثــل: لــم يمــدد ولــم يعضـــض فـــإذا كانـــا مـــن حرفيـــن وهمـــا متحركـــان أحدهمـــا ساكـــن كتبـــا حرفيـــن

مثــل: لــم يتــرك كبيرهــم لصغيرهــم شيئــاً إن افترقــا أو اتصــل أحدهمــا بصاحبــه وإنمــا يكـــون الاتصـــال

إذا كان الثاني حرف كناية كقوله تعالى: " أينما تكونوا يدرككم الموت ". وكقول زهير:

فتعرككم عرك الرحـى بثقالهـا

وكذلـك هـو مذهبهـم فـي الفتـح ليـس فـي ذلـك اختلـاف. فـإذا كـان الحرفـان نونيـن فـإن مــن العــرب مــن

يدغمهمــــا ومــــن مــــن يظهرهمــــا: فيقــــول الــــذي يدغــــم: أنتــــم تضربونــــي ويقــــول الــــذي لا يدغــــم أنتــــم

تضربونني فيكتب فـي الإدغـام بنـون واحـدة ليكـون فرقـاً بيـن المدغـم وغيـر المدغـم. وإن كـان الحرفـان

المدغمــان مــن جنسيــن أظهــرا علـــى جنسيهمـــا كقولـــك اتخـــذت ووعـــدت فـــإذا كـــان المدعمـــان يتولـــد

منهما حرف غيرهما كتب ذلك المتولد مثل مدكر ومظلم قال زهير:

هو الجـواد الـذي يعطيـك نائلـه   عفــوا ويظلـــم أحيانـــاً فيظلـــم

وأمـــا اللامـــان اللتــــان تكتبــــان فــــي أول الحــــرف إحداهمــــا فــــاء الفعــــل والأخــــرى تجــــيء مــــع الألــــف

للتعريــف فإنــك تكتبهــا حرفيــن نحــو اللحــن والليــل. وإنمــا كتبــوا الــذي بلــام واحــدة لأنهــا لا تنفــرد عـــن

===

ما يقطع ويوصل

يكتبـون: أحـب " أن لا " تفعـل كـذا بألـف ونـون وتكـون " لا " مقطوعــة منهــا وهــو أجــود لــأن القــارئ

ربمـا احتـاج أن يقـف علـى النـون. والكتــاب علــى الوقــف فمنهــم مــن يكتــب بألــف ولــام موصولــة لــأن

النــون تدغــم فــي اللــام إذا نطــق بهــا وكتبــت علــى اللفــظ. و " كلمــا " إذا أردت بهـــا الجـــزاء كقولـــك:

كلمـــا فعلـــت فعلـــت كتبتهــــا حرفــــاً واحــــداً لأنهــــا أداة وإذ أردت بهــــا معنــــى الــــذي كقولــــك: كــــل مــــا

فعلـت فصـواب فاقطـع " كـل " مـن " مـا " وكذلـك: إنمـا وكأنمـا ولكنمـا إذا أردت بهـن الـأدوات فاجعلهـا

حرفـاً واحـداً. وإذا أردت بمعنـى " مـا " الــذي فاقطــع وذلــك أن الوقــف فــي الأولــى لا يستقيــم علــى

بعــض الحــروف دون بعــض. وإذا كانــت بمعنــى الــذي وقفــت علــى مــا قبلهــا. فقــس عليــه تصــب إن

شــاء اللــه تعالــى. وكتبــوا: " لئــلا " موصولــة وهــي " لــأن لا " فجعلوهـــا كالشـــيء الواحـــد وكتبـــوا:

" هأنتم هأنا " بألف واحدة ولم يكتب بألفين جعلا كالشيء الواحد.

تم الكتاب بحمد الله وعونه وحسن توفيقه:

فــي يــوم الخميــس المبــارك ســادس عشــري شهــر الحجــة الحــرام ختــام سنــة 1107 ألــف ومائــة وسبــع مـن الهجــرة النبويــة علــى مهاجرهــا أفضــل الصلــاة والسلــام. علــى يــد كاتبــه يوســف بــن محمــد الشهيــر

============

=

=

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

كتاب { متن الدرة المضيئة في السيرة}الدرة المضية

    كتاب { متن الدرة المضيئة في السيرة}الدرة المضية بسم الله الرحمن الرحيم وبه ثقتي  ----------------- قال الشيخ الإمام الحبر الحافظ أبو...