الجزء الأول فضل الكتابة
قــال اللــه تعالــى - وهــو أول مــا أنــزل مــن القــرآن: " اقــرأ باســم ربــك الـــذي خلـــق خلـــق الإنســـان مـــن
علــق إقــرأ وربــك الأكــرم الــذي علــم بالقلــم علــم الإنســان مــا لــم يعلــم ". فجعــل تبــارك اسمــه أول مــا
أنــزل مــن القــرآن ذكــر التفضيــل علــى عبــاده بخلقــه لهــم ومــا ندبهــم لــه بذلــك مــن البقــاء الدائــم والنعيـــم
المتصـل لمـن آمـن بـه ووحـده وصـدق بنبيـه صلـى اللـه عليـه وسلـم. ثــم أتبــع ذلــك بذكــر الأنعــام عليهــم
بمــا علمهــم مــن الكتــاب الــذي بــه قــوام أمــر دينهـــم ودنياهـــم واستقامـــة معائشهـــم وحفظهـــا. ولـــولا أن مــن لا يحســن الكتابــة يجــد ممــن يحسنهــا معونــة وإبانــة عنــه لمـــا استقـــام لـــه أمـــر ولا تـــم لـــه عـــزم ولحـــل محل الصور الممثلة والبهائم المهملة. ومعنى قوله الذي علم بالقلم: الذي علم الكتابة بالقلم.
وقـال عـز وجـل: " ن والقلـم ومـا يسطـرون مـا أنـت بنعمـة ربـك بمجنـون " فأقسـم فـي القـرآن بمــا خلــق
مـــن ذلـــك أعنـــي القـــرآن ومـــا يكتــــب بــــه مــــن حبــــر ومــــداد ومــــا يكتــــب فيــــه مــــن سفــــر وقرطــــاس وأشباههمـا. علــى أن نــون ههنــا عنــد بعضهــم السمكــة التــي تحمــل الأرضيــن. وقــال بعضهــم: يريــد
الحـرف. وكذلـك عنـد هـؤلاء يـس وطـس وكـل مـا فـي القـرآن مـن ذلـك. وإنمـا هـو افتتـاح السـور بهــذه
الأحــرف التــي الســور منهــا غيــر خارجــة عنهــا. يقــول عــز وجــل هـــذا القـــرآن بهـــذه الحـــرف العربيـــة
===
فعفـــا عنــــه. وبالكتابــــة جمــــع القــــرآن وحفظــــت الألســــن والآثــــار ووكــــدت العهــــود وأثبتــــت الحقــــوق
وسيقـــت التواريـــخ وبقيــــت الصكــــوك وأمــــن الإنســــان النسيــــان وقيــــدت الشهــــادات وأنــــزل اللــــه فــــي
ذلك آية الدين وهي أطول آية في القرآن.
وقـد سمعـت بعـض مـن حــرم فضيلــة الكتابــة يقــول: لــو كانــت الكتابــة فضيلــة لكانــت فــي رســول اللــه
صلــى اللــه عليــه وسلــم. وهــو لا يـــدري أن فـــي ذلـــك فضـــلاً لرســـول اللـــه صلـــى اللـــه عليـــه وسلـــم
ونقصـاً لغيــره لــأن الكفــار إدعــوا عليــه أنــه يحســن الكتابــة وأنــه يتعلــم مــا يأتــي بــه فــي القــرآن مــن أهــل
الكتــاب وكتبــه فهــو يقــرأه ويأتــي بتفسيــر شــيء منــه ويشرحــه بلسانـــه وهـــو صلـــى اللـــه عليـــه وسلـــم
مـــا قـــرأ ولا كتـــب قـــط ولا هيــــأ اللــــه لــــه طلــــب ذلــــك ولا عــــرف بتعلمــــه لمــــا أراده جــــل وعــــز مــــن
الاختصـــاص بالرسالـــة وإيضـــاح الحجـــة علـــى مـــن زعـــم أنـــه يكتـــب. ألا تـــرى إلـــى حكايـــة اللـــه عـــز
وجـل لقـول الكفـار: " اكتتبهـا فهـي تملـى عليـه بكـرة وأصيـلاً " مـا كذبهـم عــز وجــل وجعــل مــن أفضــل
صفاتـه عليــه الصلــاة والسلــام قولــه: " النبــي الأمــي " فقــال: " فآمنــوا باللــه ورسولــه النبــي الأمــي ".
وقال: " الذين يتبعون الرسول النبي الأمي ".
وليـــس هـــذا الكتـــاب والفوائـــد فيـــه معمــــولاً لتابــــع دون متبــــوع ولا خامــــل دون نبيــــه ولا محــــروم دون
محظـــوظ. ولا ينبغـــي لمـــن رفعتـــه حـــال وساعـــده جـــد وهـــو يؤنـــس مـــن نفســـه تقصيـــراً فـــي الــــأدب
===
وتخلقــاً عــن صناعــة الكتابــة أن يغتــر بحظــه وإقبــال الأيــام عليــه فـــي وقـــت فإنهـــا دول منقلبـــة وأحـــوال
متصرفـــة وليتلـــاف مـــا ضيـــع ويستـــدرك مـــا فـــرط ولا يتكـــل علــــى كفاءتــــه مشتغــــلاً بلذتــــه ومريحــــاً
قلبــــه وجسمــــه مستعيــــراً فــــي كــــل وقــــت عليهــــم ومتكــــلاً علـــــى كفاءتهـــــم ينـــــام ويسهرهـــــم ويفـــــرغ
ويشغلهم.
فـــإن هـــذا الفعـــل إنمـــا يحســــن بالرؤســــاء إذا أشرفــــوا علــــى العلــــم واستفلــــوا بالصناعــــة وعرفــــوا مــــا
يحتاجــون إليــه مــن أمــر الكتبــة وحفظــوه. فعنــد ذلــك تشــرف عندهــم أنفسهــم ويحســن بمــن عندهـــم
استقامتهـم حتـى تحملــوا عنــه مــا هــو أعلــم بــه منهــم ولا يكونــوا أســراء فــي أيديهــم ولا مضطريــن إلــى
مـا عندهـم. وقـد قـال بعـض الحكمـاء: " كـل شــيء يمكــن أن يستعــار إلا اللســان " وقــال: مــن خــدم
السلطــان بــلا علــم واستقلــال وتجربــة وكمــال كـــان بمنزلـــة راكـــب فيـــل صعـــب وسابـــح فـــي بحـــر قـــد
جـــف ". ومـــع ذلـــك فـــإن الأتبـــاع إذا أحســـوا مــــن الرؤســــاء بتفويــــض إليهــــم علــــى قلــــة علــــم منهــــم
واضطــرار إلــى كفاءتهــم ولــم يحـــس الأتبـــاع منهـــم حســـن مجـــازاة علـــى جميـــل إفادتهـــم ســـوء مكافـــأة
علـــــى قبيـــــح أفعالهـــــم حتـــــى يستـــــوي عندهـــــم محسنهــــــم ومسيئهــــــم وخائنهــــــم وأمنهــــــم وكافئهــــــم
وعاجزهـــم انتقـــل الأميـــن عـــن مـــر الوفـــاء إلـــى حلــــاوة الخيانــــة وازداد الخائــــن بصيــــرة فآثــــر الإضــــرار
وقصــر الكافــي عــن إتعــاب النفـــس وكـــد الانتصـــاح فقـــد يـــرى الأميـــن صنيعـــة فيخـــون ويـــرى الخائـــن
===
قــال أبــو بكــر: وإنمــا ذكـــرت هـــذا الفصـــل لأرغـــب أهـــل هـــذه الصناعـــة الشريفـــة فـــي الإقبـــال عليهـــا
وإنفـاق بعــض العمــر فــي طلبهــا فإنهــا مــن أجــل مــا كــد فيــه الفكــر وقطعــت بــه الأيــام. وقــد استعمــل
اللفظة التي حكيتها - أعني إنفاق بعض العمر - شاعر من الأزد فقال:
هزئت عميرة إذ رأت ظهري انحنى وذؤابــي علــت بمــاء خضــاب
لا تهزئــي منــي عميـــر فإننـــي أنفقت فيكـم شرتـي وشبابـي
وفيـه غنـاء فـي طريـق الثقيـل الثانـي. وليـس يجــب لمــن صفــر مــن هــذه العلــوم أن يــدع التعلــم آيســاً مــن
الاستفــادة موليــاً عــن الاستــزادة. فربمــا كــان الإنســان مهيـــأ الذهـــن لحمـــل العلـــم قريـــب الخاطـــر متقـــد
الذكاء فيضيع نفسه فإهمالها ويميت خواطره بترك استعمالها فيكون كما قال علي بن الجهم:
والنـار فـي أحجارهـا مخبـوءة ليست ترى إن لم يثرها إلا زند
وإنما أخذه من قول الأول:
أنا النار في أحجارها مستكنة متـى مـا يهيجهـا قـادح تتوقــد
ومثل قوله: # أنفقت فيكم شرتي وشبابي
مــا أنشدنــاه ابــن ذكــوان القاســم بــن إسماعيــل قـــال: أنشدنـــا أبـــو مجلـــي السعـــدي لحضرمـــي بـــن عامـــر
يعاتب عوف بن عبد الله في أبيات:
===
لعلـــك يومـــاً أن يســـؤك أننـــي قريب ودوني من حصى الأرض مخفق
وتنظر في أسرار كفيك هل ترى لهـــا خلفـــاً ممـــا يفيـــد وينفـــق
هذا مثل يضرب للنادم قال الأعشى:
فانظــر إلــى كــف وأسرارهــا هل أنت إن أوعدتني ضائـري
ومنـه قـول اللـه عـز وجـل: " فأصبــح يقلــب كفيــه علــى مــا أنفــق فيهــا ". وقــد روي عــن النبــي صلــى
اللـه عليـه وسلـم أنـه قــال: " قريــش أهــل اللــه وهــم الكتبــة الحسبــة ". وروي عــن كعــب الأحبــار أنــه
قـال: " إنـا لنجـد قريشـاً فـي الكتـاب الكتبـة الحسبـة ملـح الــأرض ". وروي فــي تفسيــر قولــه تعالــى:
" ويعلمهم الكتاب والحكمة " قال: يعني القرآن لا الخط قال الشاعر:
إن الكتابـة رأس كــل صناعــة وبهـــا تتــــم جوامــــع الأعمــــال
ما روي في أول من كتب الكتاب بالعربي:
قــد ذكــرت أن اختصــر جميــع مــا أذكــره وألقــي أسانيــده ليقـــرب علـــى طالبـــه ومستفيـــده إلا مـــا لا بـــد
منه من ذكر نسبته وإسناده وإنما أجري إلى ما ذكرته.
روي عــن كعــب الأحبــار أنـــه قـــال: " أول مـــن كتـــب الكتـــاب العبـــري والسريانـــي وسائـــر الكتـــب آدم
===
صلـى اللـه عليـه وسلـم قبـل موتـه بثلثمائـة سنـة كتبهــا فــي طيــن ثــم طبخــه فلمــا غــرق اللــه جــل وعــز
الـأرض أيــام نــوح بقــي ذلــك فأصــاب كــل منهــم كتابهــم. وبقــي الكتــاب العربــي إلــى أن خــص اللــه بــه
إسماعيل فأصابها وتعلمها ".
وروي عـــن ابـــن عبـــاس " أن أول مـــن وضـــع الكتابـــة العربيـــة إسماعيـــل علــــى لفظــــه ومنطقــــه فعلمــــه
موصولاً حتى فرق بينه ولده ".
وروي عــن عبــد اللــه بــن عمــرو بــن العـــاص وعـــروة بـــن الزبيـــر أنهمـــا قـــالا: " أول مـــن وضـــع الكتـــاب
العربـــي قـــوم مـــن الأوائـــل نزلـــوا فـــي عدنـــان بـــن أد بــــن أدد أسماؤهــــم أبجــــد وهــــوز وحطــــي وكلمــــن
وسعفـــص قرشـــت فوضعـــوا الكتـــاب العربـــي علـــى أسمائهـــم ووجـــدوا حروفـــاً ليســـت مـــن أسمائهــــم
وهـي الثـاء والخـاء والـذال والظــاء والضــاد والطــاء والغيــن قسمــوا بالــروادف ". وقــد روي أنهــم كانــوا
ملــوك مديــن وأن رئيسهــم كلمــن وأنهــم هلكــوا يــوم الظلــة مــع قــوم شعيـــب عليـــه السلـــام فقالـــت أخـــت
كلمن ترثيه:
كلمــــــــــون هــــــــــد ركنــــــــــي هلكـــــــــه وســـــــــط المحلــــــــــه
سيـــــــــد القــــــــــوم أتــــــــــاه آل حتــــف نــــاراً وســــط ظلـــــه
كونــــــت نـــــــاراً فأضخـــــــت دار قومـــــــــــي مضمحلــــــــــــه
===
وقيــل: إن هــؤلاء أخــذوا كتــاب إسماعيــل عليــه السلــام فعملــوا منـــه كتابـــاً يتعلـــم منـــه لـــأن الأحاديـــث
عنهم أنهم استعربوا وضعوا الكتاب العربي والله أعلم.
وروي عــن ابــن جعــدة " أن أول مــن كتــب العربيــة مرامــر بــن مــرة. وأسلـــم بـــن الـــدرة اجتمعـــا حتـــى
وضعــا مقطعــه وموصلــه وهمــا مــن أهــل الأنبــار ". قــال: وسئــل المهاجــرون مـــن أيـــن تعلمـــوا الكتـــاب
فقالوا: من أهل الحيرة. فسئل أهل الحيرة من أين تعلموا فقالوا: من أهل الأنبار.
وقد أعرب الناس أبا جاد وسعفصاً فقال معاذ الهراء يخاطب رجلاً عاب النحو والعربية:
عالجتهــــــا أمــــــرد حتــــــى إذا شبت ولـم تعـرف أبـا جادهـا
سميـــت مـــن يعلمهـــا جاهـــلاً يصدرهــا مــن بعـــد إيرادهـــا
وقال آخر:
وخطــوا لــي أبــا جــاد وقالــوا تعلـــــم سعفصـــــاً وقريشـــــات
حدثنـــا الحسيـــن بـــن مرثـــد قـــال: حدثنـــا محمـــد بــــن سلــــام قــــال: أخبرنــــا يونــــس قــــال: سمعــــت أبــــا
عمـــرو يقـــول: العـــرب كلهـــا أولـــاد إسماعيـــل فأصهـــر إليهـــم والعربيـــة التـــي روى محمــــد بــــن علــــي بــــن
الحسيـن بـن علـي صلـوات اللــه وسلامــه عليهــم أن أول مــن تكلــم بالعربيــة إسماعيــل عليــه السلــام فإنمــا
يعني اللسان الفصيح الذي نزل به القرآن وعربية حمير وبقايا جرهم غير هذه ليست بفصيحة.
===
قـال الصولـي: سألـت أبــا خليفــة بــن حبــاب الجمحــي عــن ابتــداء الكتــاب ببســم اللــه الرحمــن الرحيــم
فقــال: ســأل ابــن عائشــة عبيــد اللــه بــن محمــد بـــن حفـــص عـــن ذلـــك فقـــال: حدثنـــي أبـــي أن قريشـــاً
كانـت تكتــب فــي جاهليتهــا " باسمــك اللهــم " وكــان النبــي صلــى اللــه عليــه وسلــم كذلــك ثــم نزلــت
سـورة هـود وفيهـا " بسـم اللـه مجراهـا ومرساهـا " فأمـر النبـي صلـى اللـه عليـه وسلـم بــأن يكتــب فــي
صـدر كتبـه: " بسـم اللـه " ثـم نزلـت فـي سـورة بنـي إسرائيـل " قـل ادعـوا اللـه أو ادعـوا الرحمـن أيـاً مـا
تدعـوا فلـه الأسمـاء الحسنـى " فكتـب: " بســم اللــه الرحمــن " ثــم نزلــت فــي ســورة النمــل: " إنــه مــن
سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم ". فجعـل ذلـك فـي صـدر الكتـب إلـى الساعـة. وكتـب " بسـم
اللـه الرحمـن الرحيـم " فــي أول كــل ســورة مــن القــرآن إلا فــي أول ســورة التوبــة فإنــه يــروى عــن عثمــان
بـن عفـان رضـي اللـه عنــه أنــه قــال: لــم يكتــب بيــن الأنفــال بســم اللــه الرحمــن الرحيــم والأنفــال مــن أول
مــا أنــزل اللــه فــي المدينــة وبــراءة مــن آخــره إلا أنهــا تشبههــا وقصتهــا كقصتهــا. وكــان النبــي صلــى اللـــه
عليه وسلـم ربمـا تـلا الآيـات فيقـول: " هـذه مكانهـا فـي سـورة كـذا فاجعلهـا تليهـا ". وهـذا بفضـل مـن
الله عز وجل عليهم.
كيف يفتتحون كلامهم ليبارك لهم فيما يحاولون ويؤجروا عليه:
===
والبـاء صلـة فعـل محــذوف حــذف لعلــم القــارئ بــه وهــو: أبــدأ بســم اللــه وأقــرأ بســم اللــه لــأن جبريــل
كــان إذا نــزل بالوحــي قــال: " اقــرأ يـــا محمـــد قـــال: ومـــا أقـــرأ قـــال: اقـــرأ بســـم اللـــه ". والمعنـــى فـــي
الابتــداء بهــا فــي غيــر القــرآن بــدأت بســم اللــه. ثــم كثــر ذلـــك وعلـــم حتـــى أسقطـــوا بـــدأت. وقـــال
سيبويـــه: معنـــى البــــاء الإلصــــاق تقــــول: كتبــــت بالقلــــم فالمعنــــى أن الكتابــــة ملصقــــة بالقلــــم. وهــــي
مكسورة أبداً لأنه لا معنى لها إلا الخفض فوجب أن يكون لفظها مكسوراً.
واللــه تبــارك اسمـــه اســـم خـــاص للمعبـــود جـــل وعـــلا لا يسمـــى بـــه ســـواه. قـــال اللـــه تعالـــى: " هـــل
تعلــم لــه سميــاً ". قــال المفســرون: لا يعلــم مــن تسمــى اللــه إلا اللــه عــز وجــل ولا يعــرف لهــذا الإســـم
اشتقاق من فعل. ولا أحب ذكر ما قاله النحويون فيه لأنه يكلف لا يضر تركه.
وأسمـــاء اللـــه عـــز وجــــل بعــــد هــــذا صفــــات: فالرحمــــن الرحيــــم ذو الرحمــــة ولا يقــــال رحمــــن إلا للــــه
تعالــى. ويقــال: فلــان رحيــم لـــأن رحمـــن فـــي وزنـــه فعلـــان مـــن أسمـــاء المبالغـــة فـــي الرحمـــة وغيرهـــا
والله تعالى نهاية في الرحمة وليس شيء كذلك فلهذا لم يسم به غير الله.
والرحمــة مــن اللــه تجــاوز عـــن ذنـــب وإحســـان عـــن حسنـــة وإيصـــال الخيـــر إلـــى عبـــاده. والرحمـــة مـــن
العباد إشفاق ورقة تحدث فيهم.
وليــس فــي الأفعــال مــا يبنــى عليــه ثلاثــة أسمـــاء مثـــل رحـــم فهـــو راحـــم ورحيـــم ورحمـــان إلا سلـــم
===
والألـف فـي بسـم اللـه وصـل لـأن غيـره تصغيـره سمـي. وحكـى أبــو زيــد أن العــرب تقــول: هــذا اســم
وهذا سم وسم وأنشد:
بسم الذي في كـل سـورة سمـه
ويـــروى سمـــه وإنمـــا ضمـــوا السيـــن وكسروهـــا لأنـــه سمـــوت وسميــــت بمعنــــى ارتفعــــت وعلــــوت فمــــن
قـال: سـم فكسـر فمــن سميــت ومــن قــال ســم فهــو مــن سمــوت. ومعنــى قولــك: أسميــت لفلــان فلانــاً
وإنمــا هــو رفعــت لــه صفتــه ومــا يعرفــه بــه حتــى عرفــه. والاســم مأخــوذ مـــن السمـــو وهـــو الارتفـــاع
وأصله سمو والجميع أسماء مثل حنوا وأحناء وقنو وأقناء.
ومــن قــال الاســم مأخــوذ مــن السمـــة كأنـــك إذا قلـــت: أسميتـــه لفلـــان كـــان المعنـــى وسمتـــه لـــه بشـــيء
عرفـــه بـــه حذفـــت منـــه فـــاء الفعـــل ودخلتـــه ألــــف الوصــــل ألا تــــرى أن عــــدة وزنــــة أصلهمــــا وعــــدة
ووزنة فإذا صغرتهما رجعت الواو فقلت: وعيدة ووزينة.
وكذلـــك تصغيـــر صلـــة وصيلـــة فلــــو كــــان اســــم مــــن سمــــة لكــــان تصغيــــره وسيمــــة ولكــــن تصغيــــره
سمــــي فبطــــل أن يكــــون مــــن السمــــة فكــــان يجــــب أن يكــــون وســــم وسمــــة ووزن وزنــــة كمــــا قالـــــوا
صـــل صلـــة ولكـــن وقعـــت الـــواو ولذلـــك كـــان يجـــب أن يقـــال وزن يـــوزن مثـــل عــــدل يعــــدل فوقعــــت
الــواو بيــن يــاء وكســرة فحذفــت فقيـــل وزن يـــزن وإنمـــا كرهـــت العـــرب أن تتكلـــم بضمـــة بعـــد كســـرة
===
وكســرة بعــد ضمــة فــي الــواو واليــاء لأنــه يصعــب فــي اللفــظ قليــلاً. وإنمــا يتكلمـــون بمـــا خـــف علـــى
ألسنتهم ولذلك صحت لهم الأسماء في الثلاثي كله إلا في صنفين.
والثلاثـــي قولهـــم فعيـــل وقـــد سمـــوا علـــى فعـــل فقالـــوا: عضـــد وسمـــوا فعــــل فقالــــوا: عنــــب وسمــــوا
بفعـــل فقالـــوا: إبـــل وسمـــوا بفعـــل فقالـــوا: طنـــب وسمــــوا بفعــــل فقالــــوا: حــــرد ولــــم يسمــــوا بفعــــل ولا
بفعــل كراهــة لثقــل ذلــك ليــس فــي أسمائهــم دئــل ولا شــيء علــى وزنــه ولا مثــل دول ولا شـــيء علـــى
وزنه.
حذف الألف من بسم الله وما ذكر من حذف السين:
أجمـع القـراء وكتـاب المصاحــف علــى حــذف الألــف مــن بســم اللــه الرحمــن الرحيــم فــي فواتــح الســور
والكتـب وعلـى كتبهـم إياهـا فـي قـول: " فسبـح باســم ربــك العظيــم " لأنهــا وقعــت موقعــاً معروفــاً لا
يجهـــل القـــارئ معنـــاه وكثـــرت فاستحـــق طرحهــــا. إذ كــــان مــــن شــــأن العــــرب التخفيــــف إذا عــــرف
المعنـى ولـم يكثـر ككثرتـه مـع اللـه عــز وجــل فحملهــم كثــرة الاستعمــال ومعرفــة المعنــى لأنــه يقــال بــدأت
بسم الله فحذفت بدأت ثم حذفت الألف في الخط.
وحـــذف قـــوم السيـــن وذلـــك مكـــروه لـــأن حـــروف الزيـــادة والنقصـــان الألـــف والـــواو واليـــاء فحذفــــت
===
روي أن كاتـب عمـرو بـن العـاص كتـب إلـى عمـر بـن الخطـاب رضــي اللــه عنــه " بــم اللــه " بــاءً وميمــاً
وحـذف السيـن. فأمـر عمـر بضربـه فضـرب فقيـل: فـي أي شـيء ضـرب فقيـل: فـي سيـن. فضربـت
مثلاً. ويصير إذا حذفت السين كأنه " بم الله " وبم ولم يستفهم بهما.
وألــف اســم لا يحــذف إذا أضيفــت إلــى غيــر اللــه ولا تحــذف فــي غيـــر اللـــه مـــن الصفـــات مثـــل اللـــام
في قولك: " لاسم الله حلاوة في القلوب " و " ليس اسم كاسم الله " لا بد من إثباتها.
وأجـــاز الكسائـــي طـــرح الألـــف فـــي قولهـــم: باســـم الخالـــق وباســــم الرحمــــن وغيــــره يأبــــى ذلــــك ولا
يجيزه إلا في بسم الله وحده. وعلى هذا العمل وهو الصواب.
وكتبوا: الرحمن بغير ألف لكثرة الاستعمال وإن المعنى لا يخل.
رسوم الكتاب في كتابتهم بسم الله الرحمن الرحيم:
يختــــار الكاتــــب أن يبــــدأ بكتــــاب بســــم اللــــه الرحمــــن الرحيــــم مــــن حاشيــــة القرطــــاس ثــــم يكتبــــون
الدعـــاء مـــن تحتــــه مساويــــاً ويستقبحــــون أن يخــــرج الكلــــام عــــن بســــم اللــــه الرحمــــن الرحيــــم فاضــــلاً
بقليل ولا يكتبوها وسطاً ويكون الدعاء فاضلاً وإنما يفعل ذلك بالتراجم.
ومــن الكتــاب مــن يــرى أن يجعلـــه وسطـــاً فـــي أسفـــل الكتـــاب بعـــد انقضـــاء الدعـــاء الثانـــي والتاريـــخ
===
إذا احتــاج إلــى تبييــن نسخــة كتــاب متقــدم أو حســاب ليفــرق بيــن منزلتــه مـــن صـــدر الكتـــاب وبيـــن
عجزه. وقد ذهب إليه قوم.
ولا يفسـح مـا بيـن بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم وبيــن السطــر الــذي يتلــوه مــن الدعــاء ولكــن يفســح مــا بيــن
الدعـــاء إذا استتـــم وبيـــن سائـــر المخاطبـــة. ولا يتجـــاوز بالدعـــاء ثلاثـــة أسطـــر ولا يستتـــم السطــــر
الثالث على المشهور من مذاهب أجلاء الكتاب.
" أما بعد " وما جاء فيها:
قــال الصولــي: حدثنــا زيــاد بــن الخليــل التستــر قــال: حدثنــا إبراهيــم بــن المنــذر قــال: حدثنــي عبـــد
العزيــز بــن عمــران عــن محمــد بــن عبـــد العزيـــز عـــن عمـــر عـــن أبيـــه عـــن أبـــي سلمـــة قـــال: " أول مـــن
قال أما بعد كعب بن لؤي. وكان أول من سمى الجمعة وكانت تسمى العروبة ".
ويــروى أن أول مــن قــال: أمــا بعــد داود النبــي عليــه السلــام وأن ذلــك فصـــل الخطـــاب الـــذي قـــال اللـــه
عز وجل: " وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب ".
حدثنــا زيــاد بـــن الخليـــل قـــال: حدثنـــا إبراهيـــم بـــن المنـــذر الحرانـــي قـــال: حدثنـــي عبـــد العزيـــز بـــن
عمــران عــن أبــي الزنــاد عــن أبيــه عــن بلــال بـــن أبـــي بـــردة عـــن أمـــه عـــن جـــده أبـــي موســـى أنـــه قـــال
===
وقــال الشعبــي: فصــل الخطــاب الــذي أعطيــه داود عليــه السلــام: أمــا بعــد. فمعنــى فصـــل الخطـــاب
علـــى هـــذا أنـــه إنمـــا يكـــون بعـــد حمـــد اللـــه أو بعــــد الدعــــاء أو بعــــد قولهــــم: مــــن فلــــان إلــــى فلــــان
فينفصـل بهـا بيـن الخطــاب المتقــدم وبيــن الخطــاب الــذي يجــيء بعــد. ولا تقــع إلا مــا ذكرنــاه. ألا تــرى
قول سابق البربري لعمر بن عبد العزيز:
باسم الذي أنزلت من عنده السور الحمـد للــه أمــا بعــد يــا عمــر
فإن رضيت بما تأتي وما تذر فكن على حذر قد ينفع الحذر
والمعنـى فــي أنهــا لا تقــع مبتــدأة أن المــراد بهــا أمــا بعــد هــذا الكلــام يعنــي الــذي تقــدم فــإن الخبــر كــذا
وكذا.
وروي عـن النبـي صلــى اللــه عليــه وسلــم أنــه كتــب إلــى بنــي أســد: " بســم اللــه الرحمــن الرحيــم مــن
محمــد رســول اللــه إلــى بنــي أســد. سلــام عليكــم فإنــي أحمــد اللــه إليكــم الــذي لا إلـــه إلا هـــو. أمـــا
بعد فلا تقرين مياه طي ولا أرضهم فإنه لا يحل لكم ".
فــإذا كتــب كاتــب: بســم اللــه الرحمــن الرحيــم أمــا بعــد فقــد كــان كــذا وكــذا فمعنــاه: أمـــا بعـــد قولنـــا
بسم الله فقد كان كذا وكذا وأنه قد كان. فإنها لا تقع إلا بعد ما ذكرناه.
ولابــد مــن مجــيء الفــاء بعــد أمــا لــأن أمـــا لا عمـــل لهـــا إلا اقتضـــاء الفـــاء واكتسابهـــا فـــإن الفـــاء تصـــل
===
بعــض الكلــام ببعــض وصــلاً لا انفصــال بينــه ولا مهلــة فيــه. ولمــا كانــت أمــا فاصلــة أتيــت بالفــاء لتـــرد
الكلــام علــى أولــه. وليســـت تـــدل الفـــاء علـــى تأخيـــر متقـــدم ولا تقديـــم مؤخـــر ولا يستـــوي معناهمـــا
فيها ولا معها.
وممــا أجمــع أهــل اللغــة علــى أن حالفــاً لــو قــال: واللــه لآتيــن الكوفــة والبصـــرة فبـــدأ بالكوفـــة فـــي لفظـــه
ثـم أتــى البصــرة قبــل الكوفــة ثــم أتــى الكوفــة إنــه غيــر حانــث لــأن الــواو عندهــم أتــم حــروف النســق
وإنها للإشراك تدخل الآخر فيما أدخلت فيه الأول لا فرق.
وأجمعـوا علـى أنـه إذا قـال: لآتيــن الكوفــة فالبصــرة أنــه إن لــم يــأت الكوفــة التــي بــدأ بهــا فــي لفظــه ثــم
يخــرج منهــا إلــى البصــرة مسرعـــاً مزعجـــاً غيـــر متلبـــث إلا لفكـــر فـــي خروجـــه أو إصلـــاح لطريقـــه أنـــه
فائـت لـأن الفــاء حــرف إزعــاج وإســراع. فــإذا قــال: لآتيــن الكوفــة ثــم البصــرة بــدأ بالكوفــة وأقــام مــا
شـاء بعـد لا ينقـص عزمـه فـي إتيانهــا ولا تتغيــر نيتــه إلــى وقــت قصــده إياهــا لــأن ثــم عندهــم حــرف
إمهال وتنفيس.
والـــذي عليـــه أكثـــر الفقهـــاء فـــي فصـــل الخطـــاب أنــــه فصــــل الحكــــم والقضــــاء. وقــــال الضحــــاك بــــن
مزاحـــم: فصـــل الخطـــاب العلـــم بالقضـــاء. وروي عـــن شريـــح والحســـن البصـــري أنهمــــا قــــالا: فصــــل
الخطاب الشهود والأيمان ذهب إلى أنه يجب بهما الحكم وتنفصل الأشياء.
===
حدثنــا عبــد اللــه بــن أحمــد بــن حنبــل قــال: حدثنــا سفيــان عــن الأســود عــن قيــس عـــن ثعلبـــة عـــن
عباد عن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب حين كسفت الشمس فقال: " أما بعد ".
تصدير الكتب وما يقع فيها:
فقــد استعمـــل النـــاس قريبـــاً مـــن ترتيـــب الدعـــاء وتكثيـــره وتقليلـــه أشيـــاء كلفـــوا أنفسهـــم فيهـــا مؤونـــة
المخاضــة فيهــا والتحفــظ فيهــا منهــا. وقــد كــان المتقدمــون يسمحـــون فـــي ذلـــك ولا يتشاحـــون عليـــه
إلـى الرسـوم فـي الكتــب عــن الأئمــة فإنهــا علــى الأمثلــة التــي كانــت تجــري عليهــا الكتــب وتصــدر بهــا
فـي أيـام النبـي صلـى اللـه عليـه وسلـم كثيـراً لـم تغيـر عمـا كانـت تصـدر بـه عـن النبـي صلـى اللــه عليــه
وسلــم: يبــدأ باسمــه ويختــم الكتــاب باســم كاتبــه. وكذلــك هــي عــن الأئمـــة بإمـــرة المؤمنيـــن والإمامـــة
والتصديــر فــي أول الكتــاب والدعــاء فــي آخــره للإمــام وولــي العهـــد والوزيـــر واحـــد. إلا أنهـــم قالـــوا:
سلــام علــى أميــر المؤمنيــن ورحمــة اللــه وبركاتــه وكذلــك لولــي العهــد فــي التصديـــر والدعـــاء الأخيـــر.
ولــم يقولــوا للوزيــر وبركاتــه ليفرقــوا بيــن المحليــن. وقــد كتـــب بعضهـــم فـــي عجـــز الكتـــاب إلـــى الوزيـــر
وبركاته. فأما في التصدير فلا وذلك للفرق بين المحلين.
وكـــان التصديـــر ينتهـــي إلـــى قولـــه: " فإنـــي أحمـــد إليـــك اللـــه الـــذي لا إلـــه إلا هـــو. إلــــى أن أفضــــت
===
الخلافــة إلــى الرشيــد فأمـــر أن يـــزاد فيـــه وأسألـــه أن يصلـــي علـــى محمـــد عبـــده ورسولـــه صلـــى اللـــه
عليه وسلم ". فكتب بذلك إلى هذا الوقت. فكانت هذه من أفضل مناقب الرشيد.
وكــان الرشيــد قــال ليحيــى بــن خالــد: قــد عزمــت علــى أن يكــون فــي كتبــي مــن عبــد اللــه هـــارون
الإمـام أميـر المؤمنيـن عبـد محمـد رسـول اللـه. فقـال لــه يحيــى: قــد عــرف اللــه نيتــك فــي هــذا يــا أميــر
المؤمنيــن وحــان لــك أجــره والتعبــد إنمــا هــو للــه وحــده لا لغيــره. قــال: فاكتــب: " مــن هـــارون مولـــى
محمــد ". فقــال: إن المولــى عنــد العــرب ربمــا كــان ابــن العــم وجــزى اللــه أميــر المؤمنيـــن خيـــراً وهـــداه
إليه.
وقـــد يزيـــد فـــي الكتـــب ذكـــر الصفـــات التـــي اختـــص اللــــه تعالــــى بهــــا كالمنصــــور والمهــــدي والهــــادي
والرشيد. والعجب أن قوماً يسمونها ألقاباً والألقاب مكروهة وإنما هي نعوت وصفات.
وجعلـــوا مثـــل ذلـــك لولـــاة العهـــود وخوطـــب بهـــا الخلفـــاء قـــال عبيــــد اللــــه بــــن عبــــد اللــــه بــــن طاهــــر
يخاطب المعتضد بالله في قصيدة ذكر فيها ابنه علياً المكتفي بالله.
المكتفي بالله صاحـب عهدنـا فاجعلـــه نحلتـــه مـــن الأسمـــاء
فلما ولي المكتفي بالله الخلافة قال: قد سماني عبد الله باسم لا أريد غيره.
ولـــم يكـــن يدعـــى للخلفـــاء علـــى المنابـــر بالنعـــوت فيقـــال: اللهـــم أصلـــح عبـــدك وخليفتـــك عبــــد اللــــه
===
المنصـــور أميـــر المؤمنيـــن ولا المهـــدي. وكـــان أول مـــن دعــــي لــــه بذلــــك محمــــد الأميــــن أميــــر المؤمنيــــن
وجرى على ذلك إلى اليوم.
ولا يكاتــب بالتصديــر الإمــام ولا ولــي عهــده ولا وزيــره. فأمــا الإمــام فيكتــب بالتصديـــر إلـــى كـــل مـــن
خاطبهـــن مـــن عامـــل حـــرب وخـــراج وقضـــاء فـــي الكتـــب المدونـــة المنعوتـــة بالعهـــود والعقـــود وجبايـــة
الفــيء والحمــول والنفقـــات والإقطاعـــات والإمـــارات والفتـــوح ومـــا جـــرى هـــذا المجـــرى ويبـــدأ بنفســـه.
ولا يخاطــب الإمــام أحــداً مــن هــذه الطبقــات بدعــاء لــه فــي التصديــر إلا ولــي عهـــده فإنـــه يدعـــي لـــه
بعد التصدير بالحفظ والحياطة.
مقال الخط:
قـــال يحيـــى بـــن خالـــد البرمكـــي: " الخـــط صـــورة روحهـــا البيـــان ويدهــــا السرعــــة وقدمهــــا التسويــــة
وجوارحها معرفة الفصول ".
وقال أبو دلف: " القلم صائغ الكلام مفرغ ما يجمعه العلم ".
وقـال اقليـدس: " الخـط هندسـة روحانيـة وإن ظهـرت بآلـة جسمانيـة. أخـذه النظــام " فقــال: " الخــط
أصل في الروح وإن ظهر بآلة الجسد ".
===
ومــن فضــل حســن الخــط أن يدعــوا الناظــر إليــه إلــى أن يقــراه وإن اشتمــل علـــى لفـــظ مـــرذول ومعنـــى
مجهول.
وربمــا اشتمــل الخــط القبيــح علــى بلاغــة وبيــان وفوائــد مستظرفــة فيرغــب الناظــر عـــن الفائـــدة التـــي
هو محتاج إليها لوحشة الخط وقبحه.
حدثنــــا أحمــــد بــــن إسماعيــــل قــــال: كــــان مشايــــخ الكتــــاب وزهــــاد العمــــال يختــــارون أن يكــــون مــــا
يرفعونـــه عـــن جماعاتهـــم إلـــى دواويـــن السلطـــان بخـــط غيـــر جيـــد ومـــداد غيـــر حالـــك فـــي صحــــف
مظلمة ليثقل على من يرد عليه من المتصفحين فيعدل عنها إلى غيرها مما لا يتعبه.
وزعم صاحب المنطق أن الأشياء مجودة في أربعة مواضع:
فــي الأشيــاء ذوات المعانــي فــي أنفسهــا وفــي العقــول والقــول والخــط. وإن الحــظ دليـــل علـــى مـــا فـــي
النفــوس ومــا فــي دليــل علــى مــا فــي الأشيــاء ذوات المعانـــي ومـــا فـــي الأشيـــاء ذوات المعانـــي مدلـــول
عليـــه. وإن اثنيـــن مـــن هـــذه الأربعـــة طبيعيـــان وهمــــا الأشيــــاء ذوات المعانــــي ومــــا فــــي النفــــوس لا
يتغيـــران. واثنـــان وضعيـــان يتغيـــران بتغيـــر اللغـــات والبلـــدان وهمـــا القـــول والخـــط. ومثــــال ذلــــك أن
الــذي فــي الجسميــن مــن التدويــر والتربيــع موجــود فيهمــا إذا نظــر إليهمــا ناظــر انطبعــت صورتهمــا فــي
نفسهمـــا فصـــارا موجوديـــن فـــي موضعيـــن وإذا أراد أن يخبـــر غيـــره عمـــا وجـــده احتـــاج إلـــى التعبيــــر
===
عمـا فــي نفســه باللفــظ فيكــون اللفــظ دالاً علــى مــا فــي النفــس وإن كــان المخبــر حاضــراً شافهــه وإن
كان غائباً أداه إليه بالخط.
واللفــظ والخــط مــن هــذا الوجــه ضروريــان لابــد منهمــا فــي العبــارة. ولــو شــاء قائــل أن يفضــل الخــط
علــى اللفــظ فــي هــذه الحــال مــن قــول صاحــب المنطــق لقــال: فالخــط أتـــم مـــن اللفـــظ فائـــدة لأنـــه قـــد
بلــغ مبلــغ المنطــق إذ كنــا قــد نناجــي الحاضــر بهمــا جميعــاً فنفهمـــه بكـــل واحـــد منهمـــا مثـــل مـــا نفهمـــه
بالآخــــر ولا نستطيــــع إفهــــام الغائــــب إلا بالخــــط فللخــــط فائدتــــان مــــن هــــذه الجهــــة وليــــس للفــــظ إلا
فائدة واحدة.
فــإن قــال معتــرض: فكيــف يتهيــأ أن يفهــم الأعمـــى والأمـــي الخـــط قيـــل لـــه: ذلـــك مـــن نقصـــان آلـــة لا
مــن نقصــان آلتهمــا الخــط وإنمــا قولنــا علــى تمــام الآلــة وأصــل البنيـــة الصحيحـــة والعمـــى عـــرض دخـــل
علــى الطبيعــة وليــس بأصــل فيهــا والأمــي ممكــن أن يتعلــم الخــط فالنقيصــة فيــه عــن علمــه مــن ميلـــه.
وقد رأينا الشديد الصمم لا يفهم إلا بالخط.
ومــن أحســن مــا فضــل بــه كلــام المخاطــب علــى الخــط قـــول جالينـــوس " الكتـــاب كلـــام ميـــت يتناولـــه
قارئه كيف شاء وكلام المخاطب حي يمكن صاحبه أن يبصره حتى يبلغ به غرضه ".
ومـــن الأعجوبــــة فــــي الخطــــوط كثــــرة اختلافهــــا والأصــــول واحــــدة كاختلــــاف شخــــوص النــــاس مــــع
===
اجتماعهــم فــي الصنعــة حتــى إن خــط الإنســان يصيـــر كحليتـــه ونعتـــه فـــي الدلالـــة عليـــه واللـــزوم لـــه
والإضافة إليه حتى يقضي به الكاتب له وعليه.
وقــد عجبــت مــن بعــض الكتــاب قــال: ادعــى رجــل مــن إلحــاق الأنســاب بالآثـــار والأشبـــاه فقـــال لـــه
القائـف: أعجـب واللـه مـن هـذا مـا يبلغنـا مـن تمييزهـم الخطـوط وإلحـاق كــل خــط بصاحبــه أو مــا تــرى
العازم على خيانة أو دفع حق بغير خطه حتى إذا جحد لم ينسب عليه.
وحدثنـــي الحسيـــن بـــن يحيـــى الكاتـــب قــــال: ادعــــى رجــــل علــــى رجــــل مــــالاً وأن معــــه بــــه رقعــــة
بخطــه فجحــد الرجــل الخــط وجعــل يكتــب بيــن يــدي النــاس فيحكمــون أن الخـــط ليـــس خطـــه. ثـــم
تراضيــا بسليمــان بــن وهــب ومــا يحكــم بــه فـــي ذلـــك فأحضـــر الخـــط والرجـــل فقـــال: اكتـــب فأملـــي
عليـه كتابـاً طويـلاً ردد فيـه مثـل الحـروف التـي فـي رقعتــه فتبيــن سليمــان أن الخــط خطــه وأنــه صنــع
فـي كتـاب الرقعــة ولــم يكتــب علــى طبعــه بحــروف دلتــه علــى ذلــك فحكــم عليــه سليمــان فاعتــرف
الرجــل بالخــط وأدى المــال وعجــب مــن ذلــك. فقيــل لسليمـــان: كيـــف وقفـــت علـــى ذلـــك فقـــال: إنـــه
يصنع في الرقعة كلها إلا في أحرف قذفتها سجيته ولم يحترس منها طبعه. ثم أنشد سليمان:
ولما أبت عيناي أن تطعم الكرى وأن يمنعا ذر الدموع السواكب
تثاءبت كي أبغي لدمعي علـة وكم مع لوعاتـي بقـاء التثـاؤب
===
حدثنـا مهـدي البهدلـي قــال: قــال يســار لأبــي العتاهيــة: يــا عتبــي أنــا واللــه أستحســن اعتــذارك فــي
دمعك حيث تقول:
كـــم مـــن صديـــق لــــي أســــا رقـــــه البكـــــاء مـــــن الحيـــــاء
فـــــــــــإذا تأمـــــــــــل لامنـــــــــــي فأقـــول مــــا بــــي مــــن بكــــاء
لكـــــــن ذهبـــــــت لأرتــــــــدي فطرفــــــت عينــــــي بالـــــــرداء
فقـال أبـو العتاهيــة: واللــه يــا أبــا معــاذ مــا لــذت فــي هــذا إلا بمعنــاك ولا اجتنيتــه إلا مــن غرســك فــي
قولك:
فقالوا: لم بكيـت فقلـت: كـلا وهل يبكي من الطـرب الجليـد
ولكنـي أصــاب ســواء عينــي عويـد بــدا لــه طــرف حديــد
فقالـــوا: مـــا لدمعهــــا ســــواد أكلتــا مقلتيـــك أصـــاب عـــود
والتشبيه يقع كثيراً بالخط الجيد الحسن أما الخط الرديء فحكايته صعبة ممتنعة.
وحدثنــي يحيــى بــن البحتــري قــال: حدثنــا أبــي عــن ابـــن الترجمـــان - وكـــان الواثـــق أنفـــذه إلـــى ملـــك
الـروم بهدايـا - قــال: وافقــت لهــم عيــداً فرأيتهــم قــد علقــوا علــى بــاب بيعتهــم كتبــاً بالعربيــة منشــورة
فسألـــت عنهـــا فقيـــل: هـــذه كتـــب المأمـــون بخـــط أحمـــد بـــن أبـــي خالـــد الأحـــول استحسنـــوا صـــوره
===
وتقديــره فجعلــوا هكــذا. فحدثــت أنــا بهــذا الحديــث أبــا عبيــد اللــه محمــد بــن داود بــن الجــراح فقــال
لـي: هـذا حـق قـد كتـب سليمـان بــن وهــب كتابــاً إلــى ملــك الــروم فــي أيــام المعتمــد فقــال: مــا رأيــت
للعـرب شيئـاً أحسـن مـن هـذا الشكـل! ومـا أحسدهـم علـى شــيء حســدي إياهــم عليــه. والطاغيــة
لا يقرأ الخط العربي وإنما راقه باعتداله وهندسته وحسن موقعه ومراتبه.
ووصـف أحمـد بـن إسماعيـل خطـاً حسنــاً فقــال: " لــو كــان نباتــاً لكــان زهــراً. ولــو كــان معدنــاً لكــان
تبراً. أو مذاقاً لكان حلواً. أو شراباً لكان صفواً ". وقالوا: " القلم قسيم الحكمة ".
وقـال أفلاطـون: " الخــط عقــال العقــل ". وقــال أرسطاطاليــس: " القلــم العلــة الفاعلــة. والمــداد العلــة
الهيولانيـة. والخـط العلـة الصوريـة. والبلاغـة العلـة الناميــة ". وقــال بعــض الملــوك اليونانيــة " أمــر الديــن
والدنيا تحت شيئين: قلم وسيف والسيف تحت القلم ".
ما قيل في حسن الخط من المنظوم:
فمـن مليــح مــا قيــل فــي ذلــك قــول أبــي تمــام للحســن بــن وهــب وقــد قــرأ كتابــاً لــه فاستحســن خطــه
ولفظه من كلمه:
لقــد جلــى كتابـــك كـــل بـــث جــو وأصــاب شاكلــة الرمـــي
===
وكان أغض في عينـي وأنـدى علـى كبـدي مـن الزهـر الجنــي
وأحسـن موقعـاً عنـدي ومنــي مـن البشـرى أتـت بعـد النعــي
وضمن صـدره مـا لـم تضمـن صــدور الغانيــات مــن الحلــي
فكائــن فيــه مــن معنــى بديـــع وكائـــن فيـــه مـــن لفـــظ بهــــي
وكــم أنجـــزت مـــن بـــر جليـــل بـه ووعـدت مـن وعــد سنــي
كتبـــت بـــه بــــلا لفــــظ كريــــه علـــــى أذن ولا خـــــط قمـــــي
فأطلـق مـن عقـال فـي الأمانـي ومــن عقــل القوافـــي والمطـــي
وأهــدي بعـــض الكتـــاب غلامـــاً كاتبـــاً إلـــى رئيـــس لـــه وكتـــب إليـــه بصفـــة الخـــط وغيـــره - وسمعـــت
مـــن يحكـــي أن فاعـــل ذلـــك عيســـى بـــن فرخانشـــاه بإبراهيـــم بـــن العباســــي الصولــــي وكــــان عيســــى
يكتب له ولا أدري كيف صحته لأني لم أعتد بما لم أسمعه من أفواه الرجال:
اقبــــــــــل هديــــــــــة شاكـــــــــــر تجزيــــــــه بالنـــــــــزر الجليـــــــــلا
بـدراً يضــيء إذا نظــرت إلــي ه لـــــــــــم يألـــــــــــف أفــــــــــــولا
إنـــــــي بعثـــــــت بـــــــه وكــــــــن ت بحســــــن موقعــــــه كفيــــــلا
لمـــــــــــا رأيــــــــــــت بخطــــــــــــه حسنــــاً يصيــــد بــــه العقـــــولا
===
أو كالريــــــاض بكــــــى الحيــــــا فيهـــــــا فاوسعهــــــــا همــــــــولا
وتـــــــراه للمعنـــــــى اللطيـــــــف إذا أشـــــــــرت بـــــــــه قبـــــــــولا
لا مستعيــــــــــــداً منــــــــــــك إذ تملـــــــــي عليـــــــــه ولا ملـــــــــولا
عـــــرف المبـــــادئ والوصــــــول مـــــــن الحكايـــــــة والفصــــــــولا
وصنــــوف ترنيـــــب الدعـــــاء وإن يقصــــــــــــر أو يطيـــــــــــــلا
والهمـــــــز والممـــــــدود والـــــــم قصــــــــور والمثــــــــل المقــــــــولا
والفعـــــــــــل والأسمــــــــــــاء وال مصــــــروف منهــــــا والثقيــــــلا
فاستكفـــــــه وأضمــــــــر لــــــــه أن لا تريـــــــد بــــــــه البديــــــــلا
يحمـــــــــل بفضـــــــــل لسانــــــــــه وبيانـــــــــه عنـــــــــك الثقيـــــــــلا
وأنشد أحمد بن إسماعيل نطاحة لنفسه:
أضحكــــــــــت قرطاســـــــــــك عن جنة أشجارها من حكم مثمره
مســـــودة سطحـــــاً ومبيضـــــة أيضـــاً كمثــــل الليلــــة المقمــــره
===
بنفسجــــــاً أو مشبهــــــاً لونــــــه فــي أرض نسريــن لـــه فاحـــم
كالــدر فـــي اللفـــظ وكالـــوش ي في الرقـم أجادتـه يـد الراقـم
فقال أحمد بن إسماعيل:
وإذا نمنمـــــت بناتـــــك خطـــــاً معربـــاً عـــن إصابـــة وســـداد
عجب الناس من بياض معـان تجتنـى مـن ســواد ذاك المــداد
حدثنـــا محمـــد بـــن إبراهيـــم الأنصـــاري أبـــو الحســـن قــــال: وصــــف أحمــــد بــــن صالــــح جاريــــة كاتبــــة
فقـــال: " كـــأن خطهـــا أشكـــال صورتهــــا. وكــــأن مدادهــــا ســــواد شعرهــــا. وكــــأن قرطاسهــــا أديــــم
وجههـــا. وكـــأن قلمهـــا بعـــض أناملهـــا. وكـــأن بيانهـــا سحـــر مقلتهـــا وكـــأن سكينهـــا سيــــف لحاظهــــا.
وكان مقطها قلب عاشقها ". وأنشدنا عبد الله بن المعتز لنفسه يصف خطاً:
فدونكــــــه موشــــــى نمنمتـــــــه وحاكتــــه الأنامــــل أي حـــــوك
بشكــل يؤمـــن الإشكـــال فيـــه كـأن سطــوره أغصــان شــوك
ومثل هذا لأحمد بن إسماعيل نطاحة:
مستــــودع قرطاســــه حكمـــــا كالــــروض ميــــز بينــــه زهــــره
وكــأن أحـــرف خطـــه شجـــر والشكــل فــي أضعافهــا ثمـــره
===
أنشـــد محمـــد بـــن يزيـــد المبـــرد قـــال: استعـــار محمـــد بـــن عبـــد الملـــك الزيـــات مـــن الحســـن بــــن وهــــب
دفتـراً فيـه شعــر أبــي يعقــوب الخريمــي وكــان معجبــاً بــه فوجــه الحســن بــه إليــه وكــان بخــط حســن ثــم
وجـــه الحســـن يطلبـــه منـــه فوجـــه إليـــه محمـــد بالنسخـــة التـــي كانـــت عنـــده واحتبـــس نسخـــة الحســـن
وكتب إليه:
إنـي نظـرت ولا صـواب لناظـر فيمــا يهيـــم بـــه إذا لـــم ينظـــر
فـإذا كتابــك قــد تخيــر خطــه وإذا كتابــــي ليــــس بالمتخيــــر
وإذا وسوم في كتابـك لـم تـدع شكــــاً لمعتســــف ولا لمفكــــر
تنبيك عن رفع الكلام وخفضه والنصب فيـه لحالـه والمصـدر
وإذا كتـاب أخيـك مـن ذا كلـه خلـو فبئــس لبائــع أو مشتــري
فاقبل كتاب أخيك غير منافس فيـه وخـل لـه كتابــك واعــذر
واعلــم بأنــك لا تـــزال مؤخـــراً في العلم عند الناس ما لم تكسر
إني أرى حبس السماع على الذي شاركتــه فيــه وكســر الدفتـــر
واستهــــدى أحمــــد بــــن إسماعيــــل دفتــــراً فيــــه حــــدود الفــــراء فأهــــداه إلــــى مستهديــــه وكتــــب علـــــى
ظهره:
===
نظمت كما نظم السحاب سطوره وتأنــــق الفــــراء فـــــي تأليفـــــه
وشكلتـه ونقطتـه فأمنـت مــن تصحيفـه ونجـوت مــن تحريفــه
بستــان خـــط غيـــر أن ثمـــاره لا تجتنــى إلا بشكـــل حروفـــه
وللخـــط صفـــات وتركيبـــات وأسمـــاء مختلفـــات تحـــد وتصنـــف مـــا يقــــال ذلــــك فــــي النغــــم واللحــــون.
فمنه الرياشي المحقق والخفيف المطلق وهو الذي يتعلق بعضه ببعض ومنه منثور ومجموع.
وسئـــل بعـــض الكتـــاب عـــن الخـــط متـــى يستحـــق أن يوصـــف بالجـــودة فقــــال: إذا اعتدلــــت أقسامــــه
وطالـــت ألفـــه ولامـــه واستقامـــت سطـــوره وضاهـــى صعـــوده حـــدوره وتفتحــــت عيونــــه ولــــم تشبــــه
راءه نونـــه وأشـــرق قرطاســـه وأظلمـــت أنقاســـه ولـــم تختلـــف أجناســـه وأســــرع إلــــى العيــــون تصــــوره
وإلـــى العقـــول ثمـــره وقـــدرت فصولـــه واندمجـــت وصولـــه وتناســـب رقيقـــه وجليلــــه وخــــرج عــــن نمــــط
الوراقيــن وبعــد عــن تصنــع المحدريــن وقــام لكاتبــه مقــام النسبـــة والحليـــة كـــان حينئـــذ كمـــا قلـــت فـــي
وصف خط:
إذا مـــــــا تحلـــــــل قرطاســــــــه وساومــــــه القلــــــم الأرقــــــش
تضمـــــن مـــــن خطـــــه حلــــــة كنقـــش الدنانيـــر بــــل أنقــــش
حــروف تعيــد لعيـــن الكليـــل نشاطــــاً ويقرأهـــــا الأخفـــــش
===
أتانــــي كتابــــك يـــــا سيـــــدي فآنـــــس نفســـــاً بـــــه مبهجـــــه
وكــان بمــا ســـاق مـــن فرحـــة وسكـــن مـــن لوعـــة مزعجـــه
أبــــــر وأمتــــــع مـــــــن ريطـــــــة علــــى كــــل مائــــدة مدرجــــه
قد ذكرت في هذا الكتاب ما استحسن من خط الجواري:
وقــد كــره أهــل النبــل مــن النــاس وذوو الــرأي منهــم أن يعلــم النســاء الخــط وجـــاء فيـــه النهـــي عـــن ابـــن
عباس أنه قال: " لا تسكنوا النساء العلالي ولا تعلموهن الكتابة ".
وقال حمزة بن أبي سلامة الكوفي:
جـــاء خــــط كأنــــه شعــــرات وسط خط ولـم يصلـه عـذار
أو كنقش الحناء في كف عذرا ء أباحتـــــك لمحـــــه الأستــــــار
يا كتاباً يكاد يضحك من جـو هـــره فــــي نظامــــه الطومــــار
وقال علي بن الجهم:
يــــا رقعــــة جاءتـــــك مثنيـــــة فكأنهـــــا خـــــد علـــــى خـــــد
نبــذ ســواد فــي عـــذار كمـــا ذر فتيـت المسـك فــي الــورد
ساهمـــة الأسطــــر مصروفــــة مـــن ملـــح الهـــزل إلـــى الجــــد
===
وقال أبو نواس:
زجـــرت كتابكـــم لمـــا أتانــــي بمـــر سوانـــح الطيـــر الجـــواري
نظــــرت إليــــه مجزومـــــاً بزبـــــر وفــــي ظهــــر ومختومــــاً بقــــار
فعفـت الظهــر أحــور قرطقيــاً تركـب صداغـه سيـن العـذار
وكـان الشـدو ذا زبـر مصيـب وكــان الختــم مــن رق العقــار
فكيف ترونني وتـرون زجـري ألسـت مـن الفلاسفــة الكبــار
ما قيل في قبح الخط:
قال الصولي أنشدني أحمد بن محمد بن إسحاق قال: أنشدني علي بن محمد العلوي لنفسه:
أشكو إلى الله خطاً لا يبلغنـي خـط البليـغ ولا خـط المرجينـا
إذا هممـت بأمـر لـي أزخرفــه سدت سماجته عني التحاسينا
وقالـوا: " رداءة الخـط زمانـة الأديـب ". ونظـر عبـد اللـه بـن طاهــر إلــى خــط بعــض كتابــه فلــم يرضــه
فقـال: " نحـوا هـذا عـن مرتبــة الديــوان فإنــه عليــل الخــط ولا يؤمــن أن يعــدي غيــره ". وقالــوا: " رداءة
الخط إحدى الزمانتين كما أن حسنه إحدى البلاغتين ".
===
حدثنـي طلحـة بـن عبـد اللـه قـال: اعتـذر رجــل إلــى محمــد بــن عبــد اللــه بــن طاهــر مــن شــيء بلغــه
عنـه فـرأى خطــه قبيحــاً فوقــع فــي رقعتــه: " أردنــا قبــول عــذرك فاقتطعنــا عنــه مــا قابلنــا مــن قبــح
خطــك. ولــو كنــت صادقــاً فــي اعتــذارك لساعدتــك حركـــة يـــدك. أو مـــا علمـــت أن حســـن الخـــط
يناضل عن صاحبه بوضوح الحجة. ويمكن له درك البغية ".
وكــان أبــو هفــان عبــد اللــه بــن أحمــد المهزمـــي مـــن أقبـــح النـــاس خطـــاً وكـــان يبتـــدئ الخـــط مـــن رأس
الورقـة ويعـوج سطـوره حتـى يبقـى آخـر سطـر فـي الورقـة كلمـة واحـدة فرثـاه يحيـى بـن علـي فقــال فــي
مرثيه:
مــع خــط كأنــه أرجــل البـــط أو الحــــط فــــي ذوي الفتيــــان
أنشدنـــي العنـــزي الحســـن بـــن علـــي فـــي قبـــح الخـــط وكـــان واللـــه قبيـــح الخـــط والوجـــه حســـن العلــــم
والعقل:
جزعــــت مــــن قبــــح خطــــي وفيـــــــه وضعـــــــي وحطـــــــي
رجعـــت مـــن بعـــد حذقــــي إلـــــــــــى تعلـــــــــــم حطــــــــــــي
الوصاة بإصلاح الخط وآلته:
قــال بعــض الرؤســاء مــن الكتـــاب: " ارخـــوا ذوائـــب خطوطكـــم " يريـــد بذلـــك الحـــروف المخطوطـــة
===
قــال الصولــي: حدثنــي أبــو الحسيــن محمــد بــن أحمـــد النيسابـــوري قـــال: سمعـــت الحسيـــن بـــن يحيـــى
بـن نصـر الجرجانـي يقـول: قـال إبراهيـم بـن العبـاس الصولـي لغلـام كـان يكتــب بيــن يديــه: " ليكــن قلمــك
صلبــاً بيــن الدقــة والغلــظ ولا تبــره عنــد عقــدة ولا تجعلــن فــي أنبوبــه أنبوبــة ولا تكتبــن بقلـــم ملتـــو ولا
ذي شـــق غيـــر مستـــو واختـــر مـــن الأقلـــام مـــا يضـــرب إلـــى السمـــرة. وأحـــد سكينـــك ولا تستعملهـــا
لغيــر قلمــك. وتعهــده بالإصلــاح يصلــح. وليكـــن مقطـــك صلبـــاً ليمضـــي الخـــط مستويـــاً لا مستطيـــلاً
وابــر قلمــك بيــن التحريــف والاستــواء. وإذا كتبــت الدقيــق فأمــل قلمــك إلــى إقامــة الحــروف لإشبــاع
الخـــط وإذا جللـــت فإلــــى التحريــــف. واعلــــم أن تبطيــــن القلــــم شــــؤم وتحريفــــه حــــرف وهمــــا دمــــار
الخط. واعلم أن وزن الخط مثل وزن القراءة فأجود الخط أبينه كما أن أحمد القراءة أبينها ".
وقــال بعــض الكتــاب: " الحــذق بالخــط أن يقــدر الكاتــب بقلمــه أجــزاء حروفـــه وكلمـــه وخاصـــة فـــي
طـول الحـرف لا فـي عرضـه ويفـرق بيـن الحـرف والحـرف علـى قيـاس مـا مضــى مــن شرطــه فــي قــرب
مساحتـه وبعـد سياقتـه. ولا يقطــع الكلمــة بحــرف يفــرده فــي غيــر سطــره. ويســوي إصلــاح خطوطــه
كتابته ولا يغيره فيحليه بما ليس من زينته ولا يمنعه حقاً فيخلف حليته ويفسد قسمته.
ويستقبــح أن يقــع فــي الخــط نوعــان مختلفــان ويقــوم فــي النفــس مــن ذلــك مــا يقـــوم فيهـــا مـــن الشعـــر إذا
اختلفـــت أعاريضـــه وخلـــط فصيحـــه بمولـــده. وأحلـــى الخطـــوط المحقـــق اللطيـــف المستديـــر الحـــروف
===
المفتـــوح الصـــادات والطـــاآت المختلـــس التـــاآت والحـــاآت. ولا يحســـن أن يجمــــع فــــي الحــــرف مشقتــــان
ولا بيــن يائيــن معروقتيــن ". قــال الصولــي: والمشتــق مكــروه وخاصــة فــي الكتــاب إلــى الرئيــس لأنهــم
يتأولـون ذلـك ضربـاً مـن الاستخفــاف بقــدر المكاتــب. كذلــك قــال إبراهيــم بــن العبــاس الصولــي وهــو
إمام من أئمة الكتاب يقتدى به فيها:
وربما طغى القلم فوصل منفصلاً وفصل متصلاً.
وقــد يمشــق الكاتــب فــي حاليــن متضاديــن فــي أشــد مــا يكــون نشاطــاً لشــوق يــده إلــى الخـــط وبعـــد
عهدهــــا بــــه وتفلتهــــا إليــــه فتنازعــــه يــــده إلــــى ذلــــك وتغلبــــه إلــــى الإســــراع فتجــــري علـــــى غلوائهـــــا
وتمضي على درتها ولا تتمهل لرفع حرف ولا خفض آخر.
وتستـروح أيضــاً فــي حــال التعــب والكلــال إلــى المشتــق لمــا يلحــق الأنامــل مــن مشقــة التعطــف والتلــوي
علـى القلـم بتقريـب بعـض الحـروف مــن بعــض وعطــف شــيء علــى شــيء. فــإذا كانــت الكلمــة علــى
أربعــة أحــرف جعلــت المشقــة واسطــة بيــن حرفيــن أوليــن وحرفيــن آخريــن مثــل مقيــد ومخلــب وعنهـــا
وفيهـــا. فـــإن كانـــت ثلاثـــة أحـــرف أوسطهـــا ميـــم كانـــت المشقـــة بيـــن الميـــم والحـــرف. ولا يجــــوز أن
يمشق بين حرفين أحدهما ميم.
وإذا اتصلــت بــاء وتــاء ونــون فــي كلمــة فكــان علــى عــدد أشكــال السيــن والشيـــن رفعـــت الوسطـــى
===
مثــل بينــك وبيتــك. ولـــو لـــم تفعـــل ذلـــك وسويـــت بيـــن الثلـــاث لجـــاءت الكلمـــة كأنهـــا شـــك أو ســـك
ويحتمــل الإثنيــن السيــن والشيــن. وأن يمشقــا ولا يحققــا فـــي كـــل المواضـــع إلا فـــي: بســـم اللـــه الرحمـــن
الرحيــم لمعــان أولهــا التعظيــم لاســم اللــه تبــارك وتعالــى والثانــي ليتبيــن تحقيقــك لذلـــك وتحسينـــك لـــه
ولــأن بســم اللــه الرحمــن الرحيــم أول مــا يبتــدئ الكاتــب بــه وهــو وافــر النشــاط غيــر حسيــر اليـــد ولا
جافي القلم فليس له عذر في ترك التحقيق حينئذ ولا له حاجة إلى التروح.
وكذلـــك يكـــره مشقهمـــا منفصلتيـــن مثـــل النـــاس والبــــاس لا يكــــون معهمــــا فــــي هــــذه القسمــــة حــــرف
يعضدهما.
وقــد روي عــن عمـــر بـــن الخطـــاب رضـــي اللـــه عنـــه أنـــه قـــال: " شـــر الكتابـــة المشـــق وشـــر القـــراءة
الهذرمـــة ". وأكثـــر ســــروات الكتــــاب يكرهــــون شــــق الكــــاف وقــــد شقهــــا بعضهــــم إذا كانــــت أول
الحـرف ومبتـدأ السطـر ويستقبـح شقهـا إذا كانـت فــي آخــر الكلمــة منفصــل أو متصلــة وذلــك فــي مثــل
مالك وتارك.
ويستقبـح أن ينقطـع دعـاء فيقــع أولــه فــي آخــر السطــر وبعضــه فــي أول السطــر الآخــر وكذلــك الكنيــة
والمضــاف وغيــر ذلــك ومــا عمــل بعضــه فــي بعــض ومــا جعــل اسمــاً واحــداً وهــو اثنـــان فـــي الأصـــل
وذلـك مثـل أعـزه اللـه فـي الدعـاء وعبــد اللــه فــي الأسمــاء وغلــام زيــد فــي الإضافــة وتأبــط شــراً فــي
===
العامــــل بعضــــه فــــي بعـــــض وخمســـــة عشـــــر فيمـــــا جعـــــل الإسمـــــان اسمـــــاً واحـــــداً ومعـــــدي كـــــرب
وحضرمـــوت وأيـــادي سبـــأ ويـــد الدهـــر ويـــد المسنـــد وهـــو الدهـــر أيضـــاً وشـــذر مــــذر وقالــــي قــــلا
ومثل هذا كثير وما ذكرناه منه يدل على سائره.
ما قيل في النقط والشكل والخط الدقيق:
كــره الكتــاب الشكــل والإعجــام إلا فــي المواضــع الملتبســة مــن كتــب العظمـــاء إلـــى دونهـــم فـــإذا كانـــت
الكتــب ممــن دونهــم إليهـــم تـــرك ذلـــك فـــي الملبـــس وغيرهـــم إجلـــالاً لهـــم عـــن أن يتوهـــم عنهـــم الشـــك
وســوء الفهــم وتنزيهــاً لعلومهــم وعلــو معرفتهــم عــن تقييـــد الحـــروف ولـــولا أن الـــذي جددنـــاه مـــن ذلـــك
فــي كتــاب الرئيــس إلـــى تابعـــه يجـــري مجـــرى الزيـــادة فـــي الإيضـــاح لـــه ونفـــي الارتيـــاب عنـــه وإيجـــاب
الحجة عليه فيما يؤمر به وينهى عنه لكان الأحسن أن لا يستعمل في الحالتين معاً.
وقــد رأى قــوم أن تكــون كتبهــم إلــى سلطانهــم بأكبـــر الخطـــوط وأجلهـــا واختـــاروا الشكـــل والإعجـــام
فيها.
وحكــوا عــن بعــض الخلفـــاء أنـــه تـــأذى مـــن إخـــلاء الكتـــب مـــن ذلـــك فـــي المؤامـــرات وغيرهـــا. وقـــال
الذيـــن اختـــاروا ذلـــك لا نعرضهـــم للشكــــوك ولا نكلفهــــم إعمــــال الفكــــر فــــي المشكــــل وأنــــه يجــــب أن
===
ونسبــوا الأصــل فــي هــذا إلــى المأمــون وهـــذا مـــا لا يجمـــع المميـــزون عليـــه ولا يلتفتـــون إلـــى مـــا يتـــأول
فيــه لــأن الأمــر لــو كــان علــى مــا يختــاره مــن يشكــل وينقــط لمــا وقــع مــن الكتــاب تصحيــف فــي كثيـــر
ممـــا قـــرأوه فـــي مجالـــس الخلفـــاء حتـــى أحصيـــت عليهـــم غلطـــات سقطـــوا بهـــا فــــي عصرهــــم وبقــــي
عارهــا عليهـــم كالـــذي صحـــف مـــن " حامرطـــي " جاضرطـــي والـــذي صحـــف بيـــن يـــدي المأمـــون
" البريــدي " فقــال الثريــدي فأمــر المأمــون أن يطعــم وقــال: أبــو العبــاس جائــع - يعنـــي وزيـــره ابـــن أبـــي
خالـد - فغـذوه. ثــم قــرأ فلــان الحمصــي فقــال: الخبيصــي فقــال المأمــون: مــا فــي طعــام أبــي العبــاس
خبيص فأطعموه.
وقـرأ كاتـب عبيـد اللـه بـن زيـاد كتـاب عبيــد اللــه بــن أبــي بكــرة أنــه وجــد بعــض الخــوارج فــي شــرب
فقــال عبيــد اللــه: وكيــف لــي بــأن أكــون ممــن يشــرب هــو ونظــراؤه إنمــا هــو فــي ســـرب أي ســـرداب.
وكتــب رجــل مــن أغبيــاء الكتــاب إلــى صاعــد بــن مخلــد كتابــاً فصيــر العيــن غينــاً ونقطعهــا مــن فـــوق
ونقــط الخــاء مــن مخلــد مــن أسفــل فصيرهـــا جيمـــاً. فقـــرأ كتابـــه صاعـــد بـــن مخلـــد فلـــم يفطـــن لذلـــك
ووقع فيه فخرج إلى الديوان فرآه الناس فقال فيه بعض الشعراء:
رأيـت الوزيــر كثيــر الشكــوك بعيــــد الإفاقـــــة مـــــن غفلتـــــه
فمــا عــرف الجـــد مـــن والـــد ولا اسـم ابنـه الفـذ مـن كنيتــه
===
وأغفــل كاتــب سليمــان بــن عبــد الملــك الإعجــام فــي كتــاب كتبــه إلــى عاملــه بالمدينــة يأمـــره بإحصـــاء
المخنثيـن فقـال لـه: احـص مـن قبلـك مـن المخنثيــن. فقــرأه اخــض فخصــى منهــم جماعــة حتــى خصــى
الدلال فقال: الآن والله أشبهنا النساء هذا والله الختان الأكبر.
وأخـرج كتـاب عبيـد اللــه بــن سليمــان علــى عامــل مــالاً فتظلــم منهــم فوقــع عبيــد اللــه " هــذا هــذا "
فقــدر الرافــع لبعــد ذهنــه أنــه وقــع هــذا هــذا أي حجــة ثابتــة كمــا تقــول: أنــت أنـــت وأنـــا أنـــا فأخـــرج
التوقيــع إليهــم فقــال: قــد قبــل حجتــي فلــم يعرفــوا ذلــك وجــاءوا بالتوقيــع إلــى صاحــب الديــوان فــرده
إلـى عبيـد اللـه بـن سليمـان واستأمـره فيـه فمـا زاد عبيــد اللــه علــى أنــه شــدد الــذال ووقــع تحتــه: اللــه
المستعان كأنه نسب صاحب التوقيع إلى الهذيان. ومثل هذا كثير جداً وإنما جئنا بطرف منه.
حدثنـي يعقـوب بـن بيـان قـال: حدثنـي علـي بـن الحسيـن قـال: لمــا أخــرج بغــا إلــى منبــج وقلدهــا كــان
معــه كاتــب فقــراً عليــه يومــاً كتــاب عامــل بسمســاط وأن فلانــاً سقـــط عـــن برذونـــه يريـــد عـــن برذونـــه
فقــال لــه بغــا: ومــا برذونــه ويحــك فقــال: جبــل بيــن سمســاط والــروم وهــو الحــد بينهمــا فلــم يـــدر مـــن
أي شـيء يتعجـب! مـن تصحيفـه أم مـن احتجاجــه بمــا احتــج بــه. وكتــب بعــض الكتــاب إلــى رجــل
كتابــاً فدقــق خطـــه فيـــه فكتـــب الرجـــل إليـــه: مـــا كاتبتنـــي وإنمـــا عوذتنـــي! شبـــه كتابـــه بالتعويـــذ.
وكتبت إلى بعض إخواني كتاباً بقلم دقيق فأنكر ذلك فكتبت إليه:
===
قلت لا تسبقـن باللـوم عـذري بخــل الخـــط إذا رآنـــي بخيـــلا
وكذا الجسم إذ رأى علـة الـأل حاظ من مقلتيك صار عليلا
وقال آخر في نحوه:
يقـول وقـد كتبـت دقيـق خــط إليـــــه لـــــم تجنبـــــت الجليــــــلا
فقلت له: عشقت فصار خطي دقيقــاً مثــل صاحبــه ضئيـــلا
ومن مليح ما قيل في النقط والإعجام قول عبد الله بن المعتز:
غلالــــــة خــــــده ورد جنــــــي ونــون الصــدغ معجمـــة بخـــال
وقال أبو نواس يصف صغر أثافي قدر الرقاشي:
رأيت قدور الناس سوداً من الصلى وقدر الرقاشيين بيضاء كالبدر
يبينهـــــــا للمعتفـــــــي بفنائهـــــــا ثلاث كنقط الثاء من قلم الحبر
ومــا رأيــت النقـــط والإعجـــام وقعـــاً أصـــح مـــن مكـــان أوقعهمـــا عصابـــة الجرجانـــي يهجـــو الحســـن بـــن
رجاء فإنه قال:
خــوان الأميــر معمـــى المكـــان لــــه شبــــح ليــــس بالمستبــــان
يــــــرى بالتوهــــــم لا بالمجـــــــس وبالخبــــــر الفــــــذ لا بالعيـــــــان
===
فأمـــــا غضائــــــره الــــــواردات فأسمـاه ليسـت لهـا مـن معـان
ونقــــط منهــــا عــــراق عــــراق كم تعجم الصحف بالزعفـران
وتقــول: قرمطــت الخــط أقرمطــه قرمطــة إذا قاربــت بيــن حروفــه. وحكــى التنوخـــي: قرمـــط خطـــوه
إذا قارب بينه.
ومن مليح ما قيل في النقط والشكل قول أبي نواس:
يـا كاتبـاً كتـب الغـداة يسبنــي مــن ذا يطيــق براعــة الكتــاب
لم تـرض بالإعجـام حيـن كتبتـه حتى شكلـت عليـه بالإعـراب
أخشيت سوء الفهم حين فعلته أم لم تثـق بـي فـي قـرأة كتـاب
لو كنت قطعت الحروف فهمتها مـن غيـر وصلكهـن بالأنســاب
وأردت إفهامـي فقـد أفهمتنـي وصدقت فيما قلت غير محاب
وقـال التنوخـي: يقــال: " كتــاب نــزل الخــط " إذا كانــت الكتابــة كثيــرة فيــه. ويقــال: " رجــل ذو نــزل "
حبر كثير. " " وطعام له نزل " أي ريع كثير. والعامة تقول: نزل وذلك خطأ قال لبيد:
ولن تعدموا في الحرب ليثاً مجربا وذا نــزل عنــد العطيـــة نـــازلا
ذا نزل ذا عطاء.
===
فإذا الذي كتب الكتاب يسبني قصداً فبالغ في الكتاب وأعجما
فإذا أردت هديت من إعجامه إني أراك حسبت أن لا أفهمـا
وتقـــول: شكلـــت الكتـــاب أشكلـــه شكـــلاً. وشكلــــت الطائــــر شكــــولاً وشكلــــت الدابــــة شكــــالاً.
وشكلت المرأة شكلاً. وأشكل الأمر إشكالاً التبس. والقوم أشكال أي أشباه.
الحروف التي شبهت الشعراء بها:
أنشدنــــا القاســــم بــــن إسماعيــــل قــــال: أنشدنــــا محمــــد بــــن إسماعيــــل لأبــــي النجــــم العجلـــــي الراجـــــز
وكان له صديق يقال له زياد يسقيه الشراب فينصرف أبو النجم من عنده ثملاً:
أقبلت من عند زياد كالخـرف تخــط رجلــاي بخــط مختلـــف
كأنمـــا قـــد كتبنـــا لــــام ألــــف
وقــد عيــب أبــو النجــم بهــذا فقيــل: لــولا أنــه يكتــب مــا عــرف صــورة لــام ألــف كمـــا عيـــب ذو الرمـــة
في وصف ناقته:
كأنما عينها فيها وقـد ضمـرت وضمها السير في بعض الأضاميم
يريـــد كـــأن عينهـــا دارة ميـــم لتدويرهـــا والأضـــاة الغديـــر يقـــال أضـــاة وأضـــا مثـــل قطــــاة وقطــــا وأضــــأة
===
وحدثنــا الغلابــي قــال: حدثنــا عبــد اللــه بــن الضحــاك عــن الهيثــم بــن عــدي قــال: قــرأ حمــاد الراويـــة
علــى ذي الرمــة شعــره قــال: نــراه قــد تــرك فـــي الخـــط لامـــاً فقـــال لـــه ذو الرمـــة: اكتـــب لامـــاً فقـــال لـــه
حمـاد: وإنـك لتكتـب! قـال: اكتـم علـي فإنـه كــان يأتــي باديتنــا خطــاط فعلمنــا الحــروف تخطيطــاً فــي
الرمـال فـي الليالـي المقمـرة فاستحسنتهـا فثبتـت فــي قلبــي ولــم تخطهــا يــدي. ومــن مليــح مــا قيــل فــي
التشبيه بلام ألف قول بكر بن النطاح:
يا من إذا درس الإنجيل ظل له قلب التقي عن القرآن منصرفا
إني رأيتك في نومـي تعانقنـي كمـا يعانـق لـام الكاتـب الألفـا
فقيـــل: قلـــب لحـــال القافيـــة لـــأن المعنـــى كمـــا تعانــــق ألــــف الكاتــــب اللــــام لــــأن الألــــف تعطــــف علــــى
اللــام. والــذي عنــدي أنــه صــواب لــأن كــل شــيء عانــق شيئــاً فــإن ذلـــك الشـــيء أيضـــاً قـــد عانقـــه.
وقال آخر في التشبيه بالهاء:
تنزو إذا مسها قرع المـزاج كمـا تنزو الجنادب أوقات الظهيرات
وتكتسـي لؤلــؤات فــي تقلبهــا مـن الحبـاب شبيهـات بهــاءات
وفي مثله يقول أبو نواس:
ثــــــــم شجــــــــت فـــــــــأدارت فوقهـــــــــا طوقـــــــــاً فــــــــــدارا
===
خلتــــــــه فــــــــي جنبــــــــات ال كـــــــــــاس واوات صغــــــــــــارا
وقال عبد السلام بن رغبان الحمصي:
فاصرف بصرفك وجه الماء يومك ذا حتى ترى نائماً منهم ومنصرفا
فقــام مختلفــاً كالبـــدر مطلعـــاً والظبي ملتفتاً والغصن منعطفا
كـأن قافـاً أديـرت فـوق وجنتـه واختط كاتبهـا مـن فوقهـا ألفـا
وقال عبد الله بن المعتز:
وكـــأن السقـــاة بيـــن الندامـــى ألفـــات بيــــن السطــــور قيــــام
وقال أبو مقاتل الديلمي واسمه صالح:
شهـدت لهـا لـام الطـراز بأنهـا كتبت وكانت قبل عند مهندس
فإذا أدارت قاف صدغ خلتها أخذت قوام الشكل من إقليدس
وقال أحمد بن إسماعيل:
وسال عذاره من تحت صدغ فصارت لام ذاك الصدغ عينا
وقال بعض الأعراب يصف طوق القمرية:
كـــأن بنحرهـــا والجيـــد منهــــا إذا راقـــت عيــــون الناظرينــــا
===
وقال أبو نواس يصف ريش الصقر:
واجتــاب مــن طـــرازه تفويفـــاً وشيــاً تــرى بسيطــه مكفوفـــا
مثل استـراق الكاتـب الحروفـا
وقال أيضاً يصف منسراً:
في هامـة عليـاء تهـدي منسـرا كعطفــة الجيــم بكــف أعســـرا
يقــول مـــن فيهـــا بعقـــل فكـــرا لـو زادهـا عينـاً إلـى فــاء ورا
فاتصلت بالجيم فصارت جعفراً
وقال غيره:
له من عيون الوحش عين مريضة ومن خضرة الريحان خضرة شارب
كأن غلاماً ماهـراً خـط خطـه فجاء كنصف الصاد من خط كاتب
وقال غيره:
صــدغ علـــى خـــدك أبكانـــي ورد لـــــي همـــــي وأحزانــــــي
كأنمــــــــــا قومـــــــــــه صائـــــــــــغ وخطــــــــه كاتــــــــب ديـــــــــوان
===
وقال محمد بن عبد الملك الزيات:
ماذا تواري ثيابي من أخي دنف كأنما الجسم منه بقة الألف
وقال الثرواني الكوفي:
أمــــــا ومطـــــــال ذي خلـــــــف بـــــــه أمسيـــــــت ذا شغـــــــف
وحرمــــة مــــن خضعــــت لــــه بـــــــــلا ميــــــــــل ولا لطــــــــــف
خضــــــــوع فتـــــــــى لمالكـــــــــه بــــــــــذل الــــــــــرق معتــــــــــرف
لقـــــد أصبحــــــت ذا كلــــــف بخــــــــال غيــــــــر ذي كلـــــــــف
كـــــــــــأن معاقـــــــــــد الزنـــــــــــا ر قـــد عقـــدت علــــى ألــــف
ولي من آخر قصيدة إلى بعض الرؤساء أساله حاجة:
سبقتما في حلاب المجد بينكما فرط التجـارب ميمـون لميمـون
فأتبع النون عيناً في المقـال ولا تؤخر الميم عن عين وعـن نـون
وقال عبد الصمد بن المعذل لعلي بن عيسى بن جعفر وقد شرب دواء:
وقــد أهديــت ريحانــاً ظريفــاً بـه حاجيـت مستمعـي مقالـي
===
وقـال هشـام بـن عبـد الملـك لأعرابــي: أنظــر كــم علــى هــذا الميــل مــن عــدد الأميــال وكــان الأعرابــي لا
يحســـن أن يقـــرأ فمضـــى ونظـــر ثـــم عـــاد فقـــال: رأيـــت كـــرأس المحجـــن متصــــلاً بحلقــــة صغيــــرة تتبعــــه
ثلاثة كأطباء الكلبة تفضي إلى هنة كأنها رأس قطاة بلا منقار. ففهم بصفته أنها خمسة.
وقال أبو نواس يشبه نحوله بقلة حروف لا:
يــــــا عاقــــــد القلــــــب منــــــي هــــــــــلاً تذكــــــــــرت حــــــــــلا
تركـــــــت جسمـــــــي عليــــــــلاً مــــــــــــن العليــــــــــــل أقـــــــــــــلا
يكـــــــــــــــــــاد لا يتجـــــــــــــــــــزا أقـــــل فــــــي اللفــــــظ مــــــن لا
وقال الصولي وأنشدني ابن الخراساني:
مستهتــر بالصــدود موصــوف مؤلــــــف للحـــــــاظ مألـــــــوف
كأنـــــه فـــــي اعتدالـــــه ألـــــف ليس لها فـي الكتـاب تحريـف
وقـــال أبـــو الهنـــدي وهـــو أشعـــث اليربوعـــي يخاطـــب خمـــارة كانـــت تبيعـــه الخمـــر فـــإذا أعطتـــه كـــوزاً
خطت عليه خطاً فرآها تزيد عليه فقال:
إذا مـــا بعتنــــي كــــوزاً بخــــط فخطي ما بـدا لـك أن تخطـي
وزيـدي ثـم زيـدي ثـم زيــدي علــى وغلظــي باللــه شرطـــي
===
وقال يهجو ابن حجام:
يـــا ابـــن مـــن يكتـــب فـــي الأ رقــــــــاب مــــــــن غيـــــــــر دواة
لــــــم يكــــــن يكتــــــب فيهـــــــا غيــــــــــر خــــــــــط الألفــــــــــات
ما جاء في وصف القلم من الكلام المنثور:
قد ذكرنا من فضل القلم في أول الكتاب ما يغني عن إعادته.
وقـــال أحمـــد بـــن يوســـف: " القلـــم لســـان البصـــر يناجيــــه بمــــا استتــــر عــــن الأسمــــاع إذا نســــخ حللــــه
وأودعها حكمه ".
وقال ابن المقفع: القلم بريد القلب "
وقال أبو دلف: " القلم صائغ الكلام ويفرغ ما يجمعه العلم ".
وقال الجاحظ: " الدواة منهل والقلم ماتح والكتاب عطن ".
وقال سهل بن هارون: " القلم أنف الضمير إذا رعف أعلن أسراره وأبان آثاره ".
وقال عمرو بن مسعدة: " الأقلام مطايا الفطن ".
وقال المأمون: " لله در القلم كيف يحوك وشي المملكة ".
===
وقال أحمد بن عبد الله: " القلم راقد في الأفئدة. مستيقظ في الأفواه ".
وقيل: " عقول الرجال تحت أقلامها ".
وقال آخر: " القلم أصم يسمع النجوى. وأخرس يفصح بالدعوى. وجاهل يعلم الفحوى ".
وقـال أحمـد بـن يوسـف: " عبـرات الأقلـام فـي خـدود كتبتهـا أحسـن مــن عبــرات الغوانــي فــي صحــون
خدودها.
وقال العتابي: " الأقلام مطايا الأذهان ".
وقال عبد الحميد: " القلم شجرة ثمرتها الألفاظ والفكر بحر لؤلؤه الحكمة ".
وقيل: " بري القلم تروى القلوب الظمئة ".
وقال ابن المقفع: " القلم بريد القلب يخبر بالخبر وينظر بلا نظر ".
وقال ابن أبي دؤاد: " القلم سفير العقل ورسوله الأنبل ولسانه الأطول وترجمانه الأفضل ".
وقال ابن أبي دؤاد: " القلم الدنيا والآخرة ".
وقال آخر: " بنوء القلم تصوب الحكمة ".
وقال ابن ميثم: " من جلالة شأن القلم أنه لم يكتب لله تعالى كتاب قط إلا به ".
وحدثنـي الحسيـن بـن عمـر ويعقــوب بــن بيــان قــالا: حدثنــا علــي بــن الحسيــن بــن عبــد الأعلــى قــال:
===
كتــب عبــد اللــه بــن طاهــر إلــى إسحــاق بــن إبراهيــم مــن خراســان إلــى بغـــداد أن يوجـــه إليـــه بأقلـــام
قصبية كتاباً نسخته.
بســـم اللـــه الرحمـــن الرحيـــم أمـــا بعـــد فإنـــا علـــى طـــول الممارســــة لهــــذه الكتابــــة التــــي غلبــــت علــــى
الاســــم ولزمــــت لــــزوم الوشــــي فحلـــــت محـــــل الأنســـــاب وجـــــرت مجـــــرى الألقـــــاب. وجدنـــــا الأقلـــــام
القصبيـة أسـرع فـي الكواغـد وأمـر فـي الجلـود. كمـا أن البحريـة منهـا أسلـس فـي القراطيـس وأليـن فــي
المعاطــف ولكــل عــن تمريقهــا والتعلــق بمــا ينبــو مــن شظاياهــا ونحــن فــي بلــاد قليلــة القصـــب رديء مـــا
يوجــد منهــا فأحببــت أن تتقـــدم فـــي اختيـــار أقلـــام قصبيـــة وتتنـــوق فـــي انتقائهـــا قبلـــك وطلبهـــا مـــن
مظانهــــا ومرامهــــا مــــن شطـــــوط الأنهـــــار وأرجـــــاء الكـــــروم. وأن تتيمـــــم باختيـــــارك منهـــــا الشديـــــدة
المحبـــــس الصلبـــــة المغـــــص النقيـــــة الجلـــــود الغليظـــــة الشحـــــوم المكتنـــــزة الجوانـــــب الضيقــــــة الأجــــــواف
الرزينــة الــوزن فإنهــا أبقــى علــى الكتــاب وأبعـــد مـــن الحفـــاء. وأن تقصـــد بانتقائـــك الدقـــاق القضبـــان
اللطـــاف المنظـــر المقومـــات الـــأود الملمــــس العقــــد " فــــلا يكــــون فيــــه التــــواء عــــوج ولا أمــــت. وضــــم
الصافيـــة القشـــور الخفيفـــة الأتـــن الحسنـــة الاستـــدارة " الطويلـــة الأنابيــــب البعيــــدة مــــا بيــــن الكعــــوب
الكريمــــة الجواهــــر المعتدلــــة القـــــوام يكـــــاد أسفلهـــــا يهتـــــز مـــــن أعلاهـــــا لاستـــــواء رؤوسهـــــا بأصولهـــــا
المستحكمــة يبســاً القائمــة علــى سوقهــا قــد تشربـــت المـــاء فـــي لحائهـــا وانتهـــت فـــي النضـــج منتهاهـــا
===
لـــم تعجـــل عـــن تمـــام مصلحتهـــا وإبـــان ينعهـــا ولـــم تؤخـــر إلـــى الأوقـــات المخوفـــة عاهاتهـــا مـــن خصـــر
الشتــاء وعفــن الأنــداء. فــإذا استجمعــت عنــدك أمــرت بقطعهــا ذراعــاً ذراعــاً قطعـــاً دقيقـــاً تتحـــرز
معــه مــن أن تتشعــث رؤوسهــا وتنشــق أطرافهــا. ثـــم عبـــأت منهـــا حزمـــاً فيمـــا يصونهـــا مـــن الأوعيـــة
وعليتهــا الخيـــوط الوثيقـــة ووجهتهـــا مـــع مـــن يحتـــاط فـــي حراستهـــا وحفظهـــا وإيصالهـــا إذ كـــان مثلهـــا
يتوانــى فيـــه لقلـــة خطرهـــا. واكتـــب معـــه بعدتهـــا وأصنافهـــا وأجناسهـــا وصفاتهـــا علـــى الاستقصـــاء
من غير تأخير ولا توان ولا إبطاء إن شاء الله.
فأجابه إسحاق - ووجه إليه بالأنابيب - وليس بالجواب مما سمعته إنما وجدته في كتاب:
أتانـــي كتـــاب الأميـــر بمـــا أمــــر بــــه ولخصــــه مــــن البعثــــة إليــــه بمــــا شاكــــل نعتــــه وضاهــــى صفتــــه مــــن
أجنــاس الأقلـــام. فتيممـــت بغيتـــه قاصـــداً لهـــا واستنهجـــت معالـــم سؤالـــه آخـــذاً بهـــا فأنفـــذت منهـــا
حزمــــاً نشــــأت بليــــف السقيــــا وحســــن التعهــــد والبقيـــــا. لـــــم تعجـــــل بأخداجهـــــا ولا بـــــودرت قبـــــل
إنضاحهــا. فهـــي مستويـــة الأنابيـــب معتدلتهـــا متفقـــة الكعـــوب مقومتهـــا. لا يـــرى فيهـــا أمـــت زور ولا
وسم صعر. وقد رجوت أن يجدها الأمير عند إرادته وحسب بغيته. إن شاء الله.
حدثنا أحمد بن إسماعيل قال: أهدى مهد أقلاماً وكتب:
أنـــه لمـــا كانـــت الكتابـــة قـــوام الخلافـــة وزينـــة الرياســـة وعمـــود المملكـــة وأعظــــم الأمــــور الجليلــــة غايــــةً
===
أحببـــت أن أتحفـــك مـــن آلتهـــا بمـــا يخفـــف عليـــك محملـــه وتقـــل مـــع ذلـــك قيمتـــه ويكثـــر نفعــــه ويصغــــر
خطـــره. فبعثـــت إليـــك أقلامـــاً مـــن القصـــب النابـــت فـــي الأعـــذاء المغــــذوة بمــــاء السمــــاء. كاللآلــــي
المكنونـــة فـــي الصـــدف والأحجـــار المحجوبـــة بالســـدف. تنبـــو عـــن تأثيـــر الأسنـــان ولا يثنيهــــا غمــــز
البنــــان. قــــد كستهــــا طبائعهــــا جوهــــراً كالوشــــي الخطيــــر وفرنــــد الديبــــاج المنيــــر. فهــــي كمــــا قـــــال
الكميت:
وبيــض رقــاق صفــاح المتـــون تسمـــع للبيـــض فيهـــا صريــــرا
مهنـــــدة مـــــن عتـــــاد الملـــــوك يكـاد سناهـن يغشـي البصيـرا
وكقـداح النبـل فــي ثقــل أوزانهــا وقضــب الخيــرزان فــي اعتدالهــا ووشيــج الخطــي فــي أطرادهــا كأنمــا
خرطــت فـــي شهـــر لاستدارتهـــا. تمـــر فـــي القرطـــاس كالبـــرق اللامـــح وتجـــري فـــي الصحـــف كالمـــاء
السائح. أحسن من العقبان في رقاب القيان.
وقيـــل: المختـــار مـــن بـــري القلـــم أن تطيـــل السنيـــن وتسمنهمــــا وتحــــرف القطــــة وتيمنهــــا وتفــــرق بيــــن
السطور وتجمع بين الحروف منها. ولا تقط مبلولاً حتى يجف لئلا يتشظى.
حدثنا الحسين بن يحيى قال: انكسر قلم لبعض الكتاب فرثاه بأبيات فقال:
ما عيب طولاً ولم يعب قصـراً عــري مـــن دقـــة ومـــن عظـــم
===
لا حصـر القـول عنــد خطبتــه وليـــــس فــــــي قولــــــه بمتهــــــم
وجــاء يومــاً عبــد اللــه بــن المعتــز فــي المسجــد الجامــع إلــى أبــي العبــاس أحمــد بــن يحيــى ليسلــم عليـــه
فقام له وأجلسه مكانه فداس ابن المعتز قلماً فكسره فلما جلس قال لمن حوله:
لكفـي وتـر عنـد رجلـي لأنهـا أثارت قتيلاً مـا لأعظمـه جبـر
فعجب الناس من سرعة بديهته!.
أهــدى رجــل إلــى إبراهيــم بــن المدبــر قلمــاً وكتـــب إليـــه: قـــد وجهـــت إليـــك - أعـــزك اللـــه - بمفاتـــح
العلوم باد جمالها تام كمالها فهي كما قال الشاعر:
ليــــس فيهــــا مـــــا يقـــــال لـــــه كملـــــــت لـــــــو أن ذا كمــــــــلا
كـــــل جـــــزء مـــــن محاسنهـــــا كائـــــن مــــــن حســــــن مثــــــلا
حدثنــا أبــو العبــاس الربعـــي قـــال: حدثنـــا الطلحـــي قـــال: حدثنـــا أبـــو العبـــاس الربعـــي قـــال: حدثنـــا
الطلحـــي قـــال: حدثنـــي أحمـــد بـــن إبراهيـــم قـــال دخـــل إلـــى الرشيــــد أعرابــــي فأنشــــده ارجــــوزة -
واسماعيـــل بـــن صبيـــح يكتـــب بيـــن يديـــه كتابـــاً وكـــان أحســـن النـــاس خطـــاً وأسرعهـــم يـــداً - فقــــال
الرشيـد للأعرابـي: " صـف هـذا " فقـال: " مـا رأيـت أطيـش مـن قلمـه. ولا أثبـت مــن حلمــه ". ثــم
===
له قلما بؤسى ونعمـى كلاهمـا سحابتــه فــي الحالتيــن ذرور
يناجيك عما في ضميرك لحظه ويفتح باب النجح وهو عسيـر
فقــال الرشيــد " قــد وجــب لــك يــا أعرابــي عليــه حــق هــو يقضيــك إيــاه وحــق علينـــا فيـــه نحـــن بـــه.
ادفعوا إليه دية الحر " فقال له: " على عبدك دية العبد ".
ومــن مليــح مــا فــي القلــم مــا أنشدنــاه محمــد بــن زيــاد الزيـــادي لعمـــر بـــن إبراهيـــم بـــن حبيـــب العـــدوي
يرثي قلماً له سرق:
يا عين جـودي بواكـف سجـم جــــودي بدمــــع مشبــــع بــــدم
لا تطعمني عقـدة وكيـف وقـد أسيــت حـــرى لفجعـــة القلـــم
جودي على الناطق البليغ إذا اس تنطــق مــن غيــر منطــق وفـــم
لا حصـر القـول عنــد خطبتــه وليــــس فــــي حكمــــه بمتهـــــم
حلت عرى الحـزم منـه جانحـة ضمت بهـا عربهـا إلـى العجـم
أصفــر فــي حمــرة كــأن علـــى جلدتـــــــه بــــــــردة كلــــــــون دم
إذ أنهـــا والقرطـــاس لــــاح لــــه مــــج عليــــه حنــــادس الظلــــم
===
كان إذا ما تضايقـت سبـل ال لفـــظ كفانـــي مخـــارج الكلــــم
حسبـك منــه لســان مطلــع آل ناظـــر فــــي ظاهــــر ومكتتــــم
ينبيـــك إن لجلــــج الغبــــي بمــــا أضمــر مــن خبــر عالـــم فهـــم
فاذهب حميداُ كما قد فقدت وما فقــدت منـــا مناعـــت الكـــرم
حدثني يعقوب بن بيان الكاتب قال: قال بعض الكتاب: " القلم الرديء كالولد العاق ".
وقالــوا: " القلــم أحــد اللسانيــن والعلــم أحــد الأبويــن والتثبــت أحــد العفويــن والمطــل أحــد المنعيــن وقلــة
العيـــال أحـــد اليساريـــن والقناعـــة أحـــد الرزقيـــن والوعيـــد أحـــد الضربيـــن والإصلـــاح أحـــد الكسبيـــن
والرواية أحد الهاجيين والهجر أحد الفراقين واليأس أحد النجحين والمزاح أحد السبابين ".
وقال: " القلم لسان اليد ".
وفاخــر صاحــب سيــف صاحــب قلــم فقــال صاحــب القلــم: " أنــا أقتــل بــلا غــرر وأنــت تقتــل علـــى
خطــر ". فقــال صاحــب السيــف: " القلــم خــادم السيــف فــإن بلــغ مــراده وإلا فإلــى السيــف معــاده.
أما سمعت قول أبي تمام:
السيف أصدق أنباء من الكتب في حده الحد بين الجد واللعب
وقال آخر: " مساق أمر الدنيا بسين وقاف فيقال سق " يريد السيف والقلم.
===
حدثنـي وكيـع قـال: حدثنــي جعفــر بــن كــوال قــال: سمعــت بشــر بــن الحــارث يقــول: " لســان الإنســان
قلـم ملكـه الموكـل بـه ومـداده وقرطاسـه جلـده يملــي عليــه كتابــاً إلــى ربــه. فلينظــر الإنســان قبــل فــوت
النظر ماذا يملي ".
ذكر ما قيل في القلم من الشعر:
قال أبو تمام:
لك القلم الأعلى الـذي بشباتـه تصاب من الأمر الكلى والمفاصل
لعـاب الأفاعـي القاتلـات لعابـه وأري الجنى اشتارته أيد عواسل
لــه ريقــه طــل ولكـــن وقعهـــا بآثاره في الشرق والغرب وابـل
فصيح إذا استنطقته وهو راكب وأعجم إن خاطبته وهو راجل
إذا ما امتطى الخمس اللطاف وأفرغت عليه شعاب الفكر وهي حوافل
إذا استغزر الذهن الذكي وأقبلت أعاليه في القرطاس وهي سوافل
وقد رفدته الخنصران وسددت ثلــــــــاث نواحيــــــــه الأنامـــــــــل
رأيت جليلاً شأنه وهو مرهف ضنى وسميناً خطبه وهو ناحل
===
وقــال أحمــد بــن إسماعيــل: أحســن قـــدود القلـــم أن لا يجـــاوز بـــه الشبـــر بأكثـــر مـــن خلقتـــه وأن تبعـــد
منـــه الأنامـــل الثلـــاث ويؤخـــذ مـــن أوسطــــه لأنهــــا إذا أدنيــــت منهــــا لــــم تؤمــــن أن يمــــاس القرطــــاس بهــــا
فتسوده.
وقد مدح الشاعر بعض الكتاب بنحو من وصفه هذا فقال:
شريـــف الصناعـــة محمودهــــا تساعـــــده الكـــــف والمقــــــول
يقيــــم مــــن الخـــــط أشكالـــــه ويأخــــذ أقلامـــــه مـــــن عـــــل
وقال غيره يصفه بمقدار الشبر:
له ترجمان يطرب اللفظ أخرس على حذو شبر أو يزيد على الشبر
له منخر في غير وجه ويهتـدى بمر جناحين استعيرا من الفكر
إذا خر يوماً ساجداً عند وحيه تضعضع أصحاب المثقفة السمر
يدمـر أقوامــاً وينعــش معشــراً ويصدر آراء الملوك وما يدري
قال أبو بكر: ولي من قصيدة في بعض الرؤوساء أذكر هذا المعنى:
يتفـادى أعــداؤه مــن خطيــب بيديـــه يـــروض عقـــلاً وفكـــرا
ناحل الجسم ليس يعرف من كا ن نعيمــاً وليــس يعــرف ضــرا
===
قلـــم يجلـــب الســـواد ويجــــري مـع جـري المـداد نفعــاً وضــرا
ضامر الكشح مخطف الجيد م ذ حذف شابوره وقدر شبرا
ويــد مــا تــزال تنتشـــر وشيـــاً فـــــي قراطيســـــه وتنثـــــر درا
وقال الفضفاضي:
في كفه أخرس ذو منطق بقافه واللام والميم
شبـــــــر إذا قيـــــــس ولكنــــــــه فـــــي فعلـــــه مثــــــل الأقاليــــــم
محــــــرف الـــــــرأس ومســـــــوده كإبـــــرة الـــــروس مـــــن الريــــــم
قــال أبــو بكــر محمــد بــن يحيــى الصولــي: قلــت قــول عــدي بــن الرقــاع العاملــي فــي صفــة طــرف قـــرن
الرشا وهو ولد الظبي وتشبيهه بالقلم قال عدي:
تزجــي أغــن كــأن إبــرة روقــه قلم أصاب من الدواة مدادهـا
ويـــروى أن جريـــراً قـــال - وكــــان حاضــــراً - لعــــدي وهــــو ينشــــد هــــذه القصيــــدة لمــــا أنشــــد صــــدر
البيـت: " تزجــي أغــن كــأن إبــرة روقــه ". رحمتــه وقلــت هلــك فلمــا قــال: " قلــم أصــاب مــن الــدواة
مدادهــا " حالــت الرحمــة حســداً. وأخــذ البيــت الثانـــي مـــن هـــذه الثلاثـــة أبيـــات ابـــن الرومـــي فقـــال
يهجو ويصف هن امرأة:
===
ولحمدان الدمشقي من أبيات:
أهدت له الحية الرقشاء جلدتها لما استعارت لساناً منه مقدودا
وله في نحو هذا البيت:
الأيــــم نفثتــــه وشـــــق لسانـــــه ولــــه إذا لــــم تجـــــره اطراقـــــه
فكأنـــــه النضنــــــاض إلا أنــــــه مـن حيـث يجـري سمـه ترياقــه
وقال غيره من أبيات:
ولأقلامهــــــم زئيــــــر مهيـــــــب يــزدري عنــده زئيــر الأســـود
أرغبتهــم عــن القنــا قصبـــات مغنيات عـن كـل جيـش مقـود
والقراطيـــس خافقــــات بأيــــد يهم كمرهـوب خافقـات البنـود
وكتبت إلى أبي علي محمد بن علي في أيام ابن الفرات الأولى بقصيدة منها:
مشف على الرأي نظار عواقبه إذا تشابه وجه الرأي واجتجبا
في كفه صارم لانـت مضاربـه يسوسنا رغباً إن شاء أو رهبا
السيف والرمح حدام لـه أبـداً لا يبلغــان لـــه جـــداً ولا لعبـــاً
===
فما رأينا مداداً قبـل ذاك دمـاً ولا رأينا حساماً قبل ذا قصبا
وقد شككنا فما ندري لشربته أنظم الدر في القرطاس أن كتبا
وقال آخر في سفر طويل:
وعاشـق تحـت رواق الدجـى أغـــــرى بـــــه الحيـــــرة فقـــــدان
أعـرب عــن مكنــون إضمــاره أحوى لطيف الكشح خمصان
يتيـــح غـــدراً لثـــرى جادهــــا مــــن باكـــــر الوسمـــــي هتـــــان
يحـــوك وشيـــاً نقـــش ديباجـــه بلاغـــــــة تســـــــدى وبرهـــــــان
وفيــــــــه للناظــــــــر أعجوبــــــــة يكســــو عــــراة وهــــو عريـــــان
كأنمــــــا الدنيـــــــا بأقطارهـــــــا لــــه إذا مــــا أجبــــت ميعـــــان
تجــري بـــه خمـــس مطايـــا لـــه مختلفــــــات القصـــــــد أقـــــــران
كأنهـــــا مـــــن ضـــــم تركيبهـــــا مــن خالـــص الفضـــة قضبـــان
لــــه لســـــان مرهـــــف خـــــده مـــن ريقـــة الكرســـف ريـــان
===
كالحلـــــــي إلا أنـــــــه أحـــــــرف بيــض المعانــي وهــي ســـودان
كأنمــــا يسحــــب فــــي إثرهــــا ذيـــلاً مـــن الحكمـــة سحبــــان
لولــاه مــا قـــام منـــار الهـــدى ولا سمـــــــا بالملـــــــك ديــــــــوان
وقال أبو يزيد عتاب بن ورقاء:
لـك القلـم الــذي لــم يجــري إلا أبــان لـــك العـــدو مـــن الولـــي
إذا استرعفتـــه ألقــــى ســــواداً على القرطـاس أبهـر مـن حلـي
فيـــا طوبـــى لمـــن أدلـــى إليــــه بإحســــــان وويـــــــل للمســـــــي
شباة سنانه في الحـرب أمضـى وأنفـــذ مـــن شبـــاة السمهـــري
فقال: سلاح مثلك وهو يعـزى سلـاح الفـارس البطـل الكمــي
وأنشدني عون:
وأسمر طاوي الكشح أخرس ناطق لـه ذملـان فـي بطــون المهــارق
إذا استمطرته الكف جاد سحابه بلا صوت إرعاد ولا صوت بارق
كــان اللآلــي والزبرجــد نظمــه ونور الأقاحي في بطون الحدائق
===
وأنشدني عون للفضفاضي:
لـك القلـم الـذي لـم يجــر يومــاً لغايــــة منطـــــق فكبـــــا لعـــــي
ومبتسـم مـن القرطــاس يأســو ويخــرج وهـــو ذو بـــال رخـــي
فما المقدار أمضـى مـن شبـاه ولا الصمصام سيف المذحجي
قال أبو بكر: ولي من قصيدة مدحت بها ابن الفرات في وزارته الأولى:
في يديه محكـم فـي ذوي اللـب ومــــا فيــــه إن تبينـــــت لـــــب
شهد السيف أنه السيف حقاً ناقص القدر زائد الحد عضب
وسيــوف العــداة انفـــذ جـــداً حين تعدى بدرة الموت حـرب
من رأى مثل ما وصفت حساماً نافـذ ضربـه ومـا منــه ضــرب
كــل يــوم لـــه ولـــم يلـــق كيـــداً من دماء العصاة ولع وخضب
قال أبو بكر: ولي من قصيدة طويلة مدحت بها بعض الرؤساء:
فــي يـــدك الأعلـــى محلـــى بـــه تواصــل الضــرب مـــع الطعـــن
إن نبــــه السيـــــف لأمـــــر لـــــه جـــــاء إليـــــه مرعــــــد المتــــــن
===
فيضحـــك الملــــك بكــــاء لــــه لـــم يـــك مـــن غـــم ولا حـــزن
تـــرى لديـــه فصحـــاء الـــورى إذا امتطـى القرطــاس كاللكــن
سيــف علــى الأعـــداء لكنـــه لــــم يغتمضـــــه ظلـــــم الجفـــــن
وأنشدني أحمد بن محمد بن إسحاق:
مـا ضـر مــن أضنــى بهجرانــه قلـــب كئيـــب القلـــب حرانـــه
لــو فــرج الكربــة عــن مدنـــف تشقـــــــــه لوعـــــــــة أحزانــــــــــه
برقعــــــــــة ينظمهــــــــــا كفــــــــــه نظـــــــــم لآليـــــــــه ومرجانـــــــــه
بمرهـــف الأحشـــاء ذي حلــــة موشيـــــة ترفـــــع مـــــن شانـــــه
لعابــــــه عيــــــش ومـــــــوت إذا جـــــاد بـــــه تفليــــــج أسنانــــــه
إذا امتطــــــــــــاه بشبيهاتـــــــــــــه كشــــــف أســــــراراً بإعلانــــــه
يركــض فــي ميــدان قرطاســه ركــض جــواد وســط ميدانــه
حدثنا أحمد بن أبي الموج البازي قال: أنشدني الحسين بن عبد الله العبدي الهمداني لنفسه:
حيـن نــادى حاديهــم بانطلــاق وجــرى بالفــراق طيــر الفـــراق
===
ناحـل جسمــه كــأن يــد البــي ن سقتــه منــه بكــأس دهـــاق
أخـــرس فـــي لسانـــه للعطايـــا والمنايــــا عتــــاد ريــــق مــــراق
فــــإذا مجــــه أتـــــى بلعـــــاب ال ليـل حلـو الخطـاب مـر المــذاق
وشبيهاتـــــــه ثلـــــــاث حوتـــــــه هـــن منــــه مفاتــــح الــــأرزاق
يمتطيهــــن ثــــم يرتجــــل القـــــول لفصــل الخطــاب فـــي الآفـــاق
فتــراه بمصــر يحكـــم مـــا شـــا ء وبالصين وهو خلـف العـراق
وله في صفة القلم أبيات من قصيدة في بعض الرؤساء:
له القلم الأعلى الذي سار عدله وتدبيـره مـا بيــن بــر إلــى بحــر
يشابه حد السيف رقـة حـده وينسب لوناً في المثقفـة السمـر
ويبلـغ مـا لـم يبلغـا فــي عــدوه إذا رد من طي الدواة إلى النشر
تصرفـــه منــــه ثلــــاث أصابــــع وكف براهـا اللـه للنفـع والضـر
إذا ما حوته وامتطى بطن مهرق تسطر نوراً فوق أرض من الدر
===
المستبيـح ســن القرامــط رايــة لمـا استباحـوا حرمــة الإسلــام
أجرى المـداد بكيدهـم فكأنمـا أجــرى دمائهـــم علـــى الأقلـــام
حدثنــي محمــد بــن أحمــد الأنصــاري قــال: دخــل عيســـى بـــن فرخانشـــاه علـــى جاريـــة وهـــي تكتـــب
خطاً حسناً فقال:
سريعة جري الخط تنظم لؤلـؤاً وينثـــر دراً لفظهـــا المترشـــف
وزادت لدنيا حظوة ثم أقبلت وفي إصبعيها أسمر اللون مرهف
أصــم سميــع ساكـــن متحـــرك ينال جسيمات المدى وهو أعجف
وقال بعض الوراقين يصف قلمه ويمدحه ويذكر استغناءه:
يـا مجيـري مـن سطــوة الأمــراء وعميـــدي فـــي نوبـــة اللــــأواء
والذي صان حر ديباجة الـوج ه عـــن الأسخيـــاء والبخــــلاء
والذي لا أزال أنعت في الشعر وأطريه غاية الإطراء
وسفيــري بمــا أريــد مــن الــأم ر إلـــى إخوتـــي مـــن الأدبـــاء
والذي لا يزال يخبر في المهرق عن سالف الأنباء
===
قلــــم مــــا أراه أو فلــــك يـــــج ري بمــا شــاء قاســم ويــدور
راكـــع ساجـــد يقلـــب قرطـــا ساً كما قلب البساط شكور
وفيه يقول:
عليــم بأعقـــاب الأمـــور كأنـــه لمختلفات الظـن يسمـع أو بـرى
إذا أخذ القرطاس خلت يمينـه يفتــح نــوراً أو ينظـــم جوهـــرا
وقال ابن الرومي فأحسن:
لعمرك ما السيف سيف الكمي بأخـــوف مـــن قلــــم الكاتــــب
لــــــــه شاهــــــــد إن تأملتـــــــــه ظهـــرت علـــى ســـره الغائـــب
أراه المنيـــــــة مــــــــن جانــــــــي ه فمــن مثلــه رهبـــة الراهـــب
ألـم تـر فـي صــدره كالسنــان وفي الردف كالمرهف القاضب
وقال أبو أسامة الكاتب كاتب عياض:
وأعجـف مشتـق الشبـاة مقلــم موشي القرى طاوي الحشا أسود الفم
تبيــن خفــي الســر آثـــاره لنـــا ويعرب عن غير الضمير المكتم
===
وقال صالح بن عبد الملك بن صالح يخاطب كاتب أبيه:
أجريت فوق صدور كتبك دامغاً يبكيه ضحك الفكر والأوهـام
ميتــاً تشافهــه القلــوب بعلمهـــا يبــدي ضمائرهـــا بغيـــر كلـــام
مستعجماً فإذا اللواحظ ترجمت عنــه أتــى بفصاحــة الأعجــام
تجــري سناكــب بغيــر حوافـــر فيديرنـــــا ورداً بغيــــــر لجــــــام
قــال: ودخــل محمــد بــن ذؤيـــب العمانـــي الراجـــز علـــى الرشيـــد فأنشـــده أرجـــوزة يصـــف فيهـــا فرســـاً
شبه أذنيه فيها بقلم محرف:
كــــــــأن أذنيــــــــه إذا تشوفــــــــا قادمــــــــة أو قلمــــــــاً محرفــــــــا
فقال له الرشيد: دع كأن وقل: " تخال أذنيه إذا تشوفا " حتى يستوي الإعراب.
ما قيل في القلم وبريه:
حدثنــا أحمــد بــن إسماعيــل بــن الخصيــب قــال: مــن كلــام مسلــم بــن الوليــد الأنصــاري فــي صفــة بــري
القلــم قولــه: " حــرف قطــة قلمــك قليــلاً ليتعلــق المــداد بــه وأرهــف جانبيــه ليــرد مـــا استودعتـــه إلـــى
مقصــده وشــق فــي رأســه شقــاً غيــر عـــاد ليحتبـــس الاستمـــداد عليـــه ورفـــع مـــن شعبتيـــه ليجمعـــا
===
حواشـي تصويـره. فــإذا فعلــت ذلــك استمــد القلــم برشفــه بمقــدار مــا احتملــت ظبتــه فحينئــذ يظهــر
بـــــه مـــــا ســـــداه العقـــــل وألحمـــــه اللســـــان وبلتـــــه اللهـــــوات ولفظتـــــه الشفـــــاه ووعتـــــه الأسمـــــاع وقبلتــــــه
القلوب ".
ويقــال: بريــت القلــم أبريــه بريــاً فأنــا بــار لــه والقلــم مبــري. وكذلــك بريــت القــدح والمغـــزل وهـــو أخـــذك
منهما حتى يتقوما على إرادتك قليلاً قليلاً لأنك إن لم تفعل ذلك برفق قطعته.
وقال عبد الله بن مصعب:
قد طالما قد بروا بالجود أعظمنا بري الصناع قداح النبع بالسفن
وقلمــا يلبــث شــيء علــى البــري إذا لــم يــك صلبــاً قويــاً فــي جنســه فلذلــك يستجــاد للقلـــم القصـــب.
ألا ترى إلى قول كثير:
ولن يلبث الواشون أن يصدعوا العصا إذا لم يكن صلباً على البري عودها
ويقال لجميع ما يسقط من قلم وسهم ومغزل إذ بري البراية.
وقال أوس بن حجر يصف صانعاً لقوس يبريها بمبراته:
على فخذيه مـن برايـة عودهـا شبيه سفى البهمى إذا ما يفتلا
ويقال لما بين العقدتين من القصب أنبوب والجمع أنابيب.
===
وكــان بعــض الكتــاب يجيــد الخــط ولا يجيــد بــرى القلــم فيبــرى لــه. وبعضهــم يــرى أن فــي ذلــك مهنـــة
يترفع عنها. وقال بعض الكتاب:
لـــم ترنـــي قـــط باريــــاً قلمــــاً فــي بريـــه كـــل مهنـــة وضعـــه
ما كل من يحمل الحسـام لكـي يــــردي بــــه سنــــه ولا طبعــــه
وقد عيب بعض الكتاب بأنه لا يجيد بري القلم فقيل فيه:
دخيل فـي الكتابـة ليـس منهـا فمــا يــدري دبيــراً مـــن قبيـــل
إذا مـــــا رام للأنبـــــوب بريــــــاً تنكـب عاجـزاً قصـد السبيــل
فكائـن ثـم مــن قطــع رحيــب لأصبعــــه ومـــــن قلـــــم قتيـــــل
وكــأن اشتقــاق القلــم مـــن التقليـــم وهـــو القطـــع ومنـــه تقليـــم حافـــر الدابـــة ومنـــه قلمـــت ظفـــري. وكـــل
شــيء تبــري بــه شيئــاً وتقطعــه فهــو مبــراة والجمــع مبــار والمبــراة السكيـــن الـــذي يبـــرى بـــه القـــوس ثـــم
جعلوا ما يقطع مبراة. وقال امرؤ القيس يصف قرن ثور:
فكـــــــــــر إليــــــــــــه بمبراتــــــــــــه كمــا خــل ظهــر اللســان المجــر
المجـــر الفاعـــل وأصـــل الإجـــرار أن يشــــق طــــرف الســــان لســــان الفصيــــل حتــــى لا يرضــــع أمــــه وخلــــه
جعـل فيـه خلـالاً. وذكـر امـرؤ القيــس أن الثــور طعــن كلــب الصيــد ففعــل بــه هكــذا. وكــان الوجــه أن
===
والبرايــة مــا سقــط مــن القلــم إذا بريتــه والليطــة مــا كــان مـــن قشـــر الأنبـــوب والجمـــع أليـــاط مثـــل عنـــب
وأعنـــاب وليـــط وأليـــاط مثـــل جمــــل وأجمــــال. والشظيــــة مــــا تشظــــى مــــن الأنبــــوب والجمــــع شظايــــا
وشظــي القلــم يشظــى شظــاً إذا صــارت مــع أحــد سنيــه شظيــة عنــه. وأصـــل التشظـــي فـــي اللغـــة
" التفـرق والتشقـق " وشظـي الفـرس تفـرق عصبـه وتشقـق. وقالــوا: شظيــة وشظايــا مثــل بليــة وبلايــا
وشظــاة مثــل نــواة ونــوى لا يكتــب إلا بالألــف لأنــه يقــال ثلــاث شظايــا وشظــوات. وحفــى القلــم يحفـــى
وحفاء وحفاية وكذلك في غيره.
ومن وصف الكتاب:
حدثني القاسم بن إسماعيل قال: رأى ابن شبل البرجمي إبراهيم بن العباس وهو يكتب فقال:
ينظــم اللؤلـــؤ المنثـــور منطقـــه وينظم الدر بالأقلام في الكتب
حدثنــا الحســن بــن علــي الكاتــب قــال: حدثنــي سليمــان بــن وهــب قــال: رآنــي أبــو تمــام وأنــا أكتـــب
كتاباً فقال: " يا أبا أيوب كلامك ذوب شعري ". وأنشدني محمد بن الفضل بن الأسود:
إذا شئت يوماً أن ترى بهم الوغى بلا هز طـي ولا سـل قاضـب
فحرك عنان الطرف نحو معاشر وجوههم في الملتقى كالكواكب
===
إذا أرعفوها زينت برعافها قراطيس تحكى واضحات الترائب
وشبيه بالبيت الثالث قول القصافي يصف جارية كاتبة:
أفدي البنان وحسن الخط من علم إذا تقمــــص بالحنــــاء فالكتــــم
كأنما قابل القرطاس مـن يدهـا شبهــا ثلاثــة أقلــام علــى قلـــم
حدثنــا الحسيــن بــن علــي البامطانـــي لسليمـــان بـــن وهـــب قـــال وكـــان قلمـــه يصـــر مـــن شـــدة اعتمـــاده
عليه:
إذا ما حددنا وانتضينا قواطعا أصم الذكي السمع منها صريرها
تظل المنايا والعطايـا شوارعـاً تدور بما شئنا وتمضي أمورها
يساقط في القرطاس مها بدائعاً كمثــل الآلــي نظمهـــا ونثيرهـــا
يقـــود أبيــــات البنــــان بفطنــــة تكشف عن وجه البلاغة نورها
إذا ما الخطوب الدهم أرخت ستورها تجلت بنا عمـا تسـر ستورهـا
وأنشدنا يعقوب بن بيان:
لـك حـزم يلقـى الخطـوب بعـزم مستفــــل بكــــل أمـــــر جليـــــل
ولسـان فـي الحفــل غيــر كليــل بالــــغ فــــي جوامــــع وفضـــــول
===
الجزء الثاني:
ما قيل في الدواة:
أنشدنا أحمد بن محمد بن إسحاق قال: أنشدني أبو هفان:
آلــة المجلــس الظريـــف إذا مـــا كنـــت فيــــه الــــدواة والأقلــــام
يتهـــــادى فيـــــه البلاغــــــة والآ داب منثورهــا معـــاً والنظـــام
قـــال أبـــو بكـــر: أمـــا المشهـــور ممـــا قيـــل فيهـــا فشعـــر بعـــض الكتـــاب وقـــد أهـــدى دواة محلــــاة بذهــــب
وهي من الأبنوس:
قــــد بعثنــــا إليــــك أم المنايـــــا والعطايــــا نجيـــــة الأحســـــاب
تتزيا بصفرة وكذا الزنج تزيا عجباً بصفر الثياب
ريقهــا ريــق نحلــة مــع صــاب حين يجري لعابهـا فـي الكتـاب
في حشاها لغير حـرب حـراب هن أمضى من مرهفات الحراب
وقال غيره:
ومـــا أم أولــــاد ولمــــا تلدهــــم عقام إذا ما استنجدت لم تكلم
===
إذا استعجلوا في حالة أرقلت بهم أثافـي مـن لحـم كريــم ومــن دم
وشكا بعض الكتاب أن دواته بلا مداد فقال لبعض أخوانه يطلب منه مدداً:
أنـــا أشكـــو إليـــك أن دواتـــي وهي عوني في حاجتي وعتادي
عطلت من مدادها واستعاضت يقـق اللـون مـن حلــوك الســواد
لم تزل من بنات حام فصـارت مـــن بنـــي يافـــث بغيـــر ولـــاد
أنـت للحادثــات عــدة صــدق خلـــــــق أن تمدهــــــــا بمــــــــداد
وأنشدنا علي بن الصباح:
دواة حديـد زيــن اللــه خلقهــا بكف فتى حلو الكتابة حاذق
تديـر العطايــا والمنايــا حرابهــا إذا طعنت في شاكلات المهارق
ولأحمد بن إسماعيل في وصف الدواة إلا أن وصف القلم يتقدمها في أبياته:
فـي كفـة مثـل سنـان الصعــده أرقـــش بـــز الأفعـــوان جلــــده
يلتهـــم الجيـــش اللهـــام وحـــده كأنــــــــــه متشــــــــــح ببـــــــــــرده
لو صـادم الطـرد المنيـف هـده أو صافح السيف الحسام قده
===
كأنــــــه الليـــــــل إذا استمـــــــده مقلتهـــــــا مكحولــــــــة بنــــــــده
قوله: " كأنه الليل إذا استمده " ن يشبه قول ابن الرومي يصف حبر أبي حفص الوراق:
كأنـــــه ألـــــوان دهــــــم الخيــــــل حبـر أبـي حفـص لعــاب الليــل
يسيـــــل للإخـــــوان أي سيـــــل بغيـــــر ميـــــزان وغيـــــر كيــــــل
وعلى ذكر الخبر فإنا نذكر قول بعض الوراقين:
ولجـــــة بحـــــر أجـــــم العبـــــاب بــــــــــادي تيــــــــــاره يزخـــــــــــر
تثــور إذا جــاش مـــن قعرهـــا بذورتهــــــــا حمــــــــم تفطـــــــــر
فأكـــــــرم ببحـــــــر لـــــــه لجـــــــة جواهرهـــــــا حكــــــــم تنثــــــــر
وقال بعضهم: إنما سمي الحبر حبراً لأنه تحبر به الأخبار. أنشدني الحمدوني لنفسه:
ثنتان من أدوات العلم قد ثنتـا عنان شأوي عما رمت من وهممي
أما الدواة فأودى حملها جسدي وقلـم المــال منــي حرفــة القلــم
وحبرت في صحف الحرف محبرة تذود عني سـوام المـال والنعـم
ونحـــوه وليـــس هـــو ممـــا قصدنـــاه فـــي كتـــاب الكتـــاب ولكنـــه اعتـــرض فجئـــت بمـــا أحفـــظ فيــــه لغيــــر
===
وقد زاد بي الإخفاق في كل موطن لحملي فـي كمـي إليـه الدفاتـرا
وسطـر فـي أثنـاء قلبـي تعلــلا طلابي لما أن عرفت المساطـر
وفي مثله:
لما أخذت حروف الخط حرفني عن كل حظ وجاءت حرفة الأدب
أقوت منازل مالي حين أوطنها منحيا سفط الآداب والكتـب
وقال آخر:
أدمى البكا جفني والمآقي وظلت ذا هم وذا احترق
ما أن أرى في الأرض والآفاق أدنـى ولا أشقــى مــن الــوراق
إذا أتـى فـي القمــص الأخلــاق رايتـــــــه مطنــــــــزة العشــــــــاق
يفــــــرح بالأقلــــــام والـــــــأوراق كفرحــــة الجنــــدي بالــــأرزاق
قـــال أبـــو بكـــر: حدثنـــي أحمـــد بـــن محمـــد الأنصــــاري قــــال: قيــــل لــــوراق: مــــا تشتهــــي قــــال: قلمــــاً
مشاقاً وحبراً براقاً وجلوداً رقاقاً.
وقال بعض المحدثين في محبرة:
ولقد غدوت إلى المحـدث آنفـاً فــــإذا بحضرتــــه ظبــــاء رتــــع
===
يتجاذبــون الحبــر مــن ملمومـــة بيضــاء تحملهـــا علائـــق أربـــع
مـن خالـص البلـور غيــر لونهــا فكأنهــــا سبــــج يلــــوح ويلمــــع
إن نكسوهـا لـم تمــل ومليكهــا فيمــا حوتــه عاجــلاً لا يطمــع
ومتى أمالوها ارشف رضابها أداه فوهـــــا وهـــــي لا تتمنـــــع
فكأنهــا قلـــب رصيـــن ســـره أبـداً ويكتــم كــل مــا يستــودع
يمتاحهـا ماضـي الشبـاة مذلـق يجري بميـدان الطـروس فيسـرع
رجلـــاه رأس عندهـــا لكنــــه تلقـــاه برجفـــاة ساعــــة يطلــــع
فكأنـه والحبـر خضـب رأســه شيــخ لوصــل خريــدة يتصنـــع
لم لا ألاحظه بعين جلالة وبه إلى الله الصحائف ترفع
وقـد قـال بعـض الكتـاب: حكــم الــدواة أن تكــون متوسطــة فــي قدرهــا نصفــا فــي قدهــا لا باللطيفــة
جــــداً فتقصــــر أقلامهــــا ولا بالكبيــــرة فيثقــــل حملهــــا. لــــأن الكاتــــب - ولــــو كــــان وزيـــــراً مائـــــة غلـــــام
مرسومـون بحمـل دواتــه - مضطــر فــي بعــض الأوقــات إلــى حملهــا ووضعهــا ورفعهــا بيــن يــدي رئيســه
حيـــث لا يحســـن أن يتولـــى ذلـــك منهـــا غيـــره ولا يتحملهـــا عنـــه ســـواه. وأن يكـــون عليهـــا مـــن الحليـــة
أخــف مــا يتهيــأ أن يتحلـــى الـــدوي بـــه مـــن وثاقـــة ولطـــف صنعـــة ليأمـــن أن تنكســـر أو تنفصـــم منهـــا
===
عـــروة فـــي مجلـــس رياســــة أو مقــــام محنــــة. وأن تكــــون الحليــــة ساذجــــة لا حفــــر ولا ثبــــات فتحمــــل
القــــذى والدنــــس ولا نقــــش عليهــــا ولا صــــورة لــــأن ذلــــك مــــن زي أهــــل التوضــــع لا سيمــــا فــــي آلــــة
يستعــان بهــا مثــل هـــذه الصناعـــة الجليلـــة المستوليـــة علـــى تدبيـــر المملكـــة وإن أحرقـــت الفضـــة حتـــى
يكــون سوادهــا أكثـــر مـــن بياضهـــا فـــإن ذلـــك أحســـن وأبلـــغ فـــي الســـرو وأشبـــه بقـــدر مـــن لا يتكثـــر
بالذهب والفضة.
وقـد حكـى عـن المأمـون أنـه رأى علـى أسنــان دابــة لــه فضــة فنهــى عــن استعمالهــا وقــال: إنمــا يتكثــر
بالذهب والفضة من قلا عنده.
وكذلــك قــال المنصــور للمهــدي وقــد رأى تحتــه سرجــاً لجامـــه مفضـــض: أتـــرى النـــاس لا يعلمـــون أنـــك
من وراء كل شيء تريده فأنزل هذا اللجام.
حدثنــا أحمــد بــن يزيــد المهبلــي قــال حدثنــي أبــو هفــان قــال سألــت وراقــاً عــن حالــه فقــال " عيشــي
أضيــــق مــــن محبــــرة وجسمــــي أدق مــــن مسطــــرة وجاهــــي أرق مــــن الزجــــاج ووجهــــي عنـــــد النـــــاس
ســـواداً مـــن الحبـــر وحظـــى أحقـــر مـــن شـــق القلــــم وبدنــــي أضعــــف مــــن قصبــــة وطعامــــي أمــــر مــــن
العفص وسوء الحال ألزم لي من الصبغ ". فقلت له: عبرت عن بلاء ببلاء.
وقال آخر:
===
روض الندى ينبت زهر اللهى وهـــذه تنـــب زهــــر القلــــوب
وسئل وراق عن حاله فقال:
إذا كنــــت بالليـــــل لا أكتـــــب وطــــول النهـــــار أنـــــا ألعـــــب
فطـــــــوراً يبطلنــــــــي مأكــــــــل وطــــــوراً يبطلنــــــي مشــــــرب
فــإن دام هــذا علــى مــا أرى فبيتــــــــي أول مــــــــا يخــــــــرب
ولا يستحســن أن يكثــر عــدد الأقلــام فــي الــدواة فأحســن ذلــك أن تكــون أربعــة إلـــى مـــا دون ذلـــك.
وقد قيل فيه:
لا أحـب الـدواة تحشـى يراعــا تلك عندي مـن الـدوي معيبـة
قلــــم واحــــد وجــــودة خـــــط فــإذا شئـــت فاستـــزد أنبوبـــه
هـــذه قعـــدة الشجـــاع عليهـــا سيـــره دائبــــاً وتلــــك جنيبــــه
ويقال: دواة ودويات لأدنى العدد وفي الكثير دوي. وقال أحمد بن ثور يصف ناقته:
كـــــــــأن توشـــــــــي أقرانهــــــــــا إذا مــا نشحــن مخــط الـــدوي
نشحـــن: عرقـــن. وجمـــع الـــدوى دوي. وأراد بمخــــط الــــدوي مخــــط أقلــــام الــــدوى فاستجــــار ذلــــك
لأن المعنى لا يشتبه كقوله عز وجل: " واسأل القرية " يريد أهل القرية.
===
لمن الدار كخط بالدوى أقفر المعروف منها وانمحى
ويقــال: حليــت الــدواة أحليهــا تحليــة وحليــة حسنــة وجمـــع الحلـــى الحلـــي مثـــل ثـــدى وثـــدي. وقالـــوا:
حليـــت الرجـــل إذا أخـــذت علامـــات مـــن جســـده أحليـــه تحليـــة وهــــذه حليــــة الرجــــل وجمعهــــا حلــــى
وحلـى بضـم الحـاء وكسرهـا قـد قـرئ " مـن حليهـم عجـلاً " و " مـن حليهــم ". ودواة ودوى مثــل نــواة
ونـــــوى ودواة ودوى مثـــــل فتـــــاة وفتـــــى ودواة ودويـــــات مثـــــل حصـــــاة وحصيـــــات ويقـــــال دواة ودوايــــــا
وهي رديئة قال الشاعر:
إذا نحن وجهنا إليكم صحيفة ألقنا الدوايا بالدموع السواجـم
إلاقة الدواة:
يقــــال ألقــــت الــــدواة أليقهــــا إلاقــــة إذا أدرت كرسفهــــا حتــــى تســـــود وألاقـــــوا بينهـــــم كلامـــــاً أي أداروه
بشرعـــة ومنـــه القـــراءة: " إذ تلقونـــه بألسنتكـــم " أي تديرونـــه بسرعـــة وقـــال بعــــض المفسريــــن: تلقونــــه
تسرعون منه إلى ما لا تعلمون. وقال ابن الرقيات:
جاءت به عيسى من الشام تلق
أي تســرع وقراهــا يحيــى بــن يعمــر. وحقيقــة ألــاق الــدواة فــي اللغـــة إنمـــا هـــو أدار المـــداد فيهـــا حتـــى
===
قــال أبــو بكــر: حدثنــا محمــد بــن القاســم قــال: حدثنـــا الأصمعـــي قـــال: قدمـــت علـــى الرشيـــد فـــي
بعـض قدماتـي فقلـت: " مـا ألاقتنـي الـأرض حتــى رأيــت أميــر المؤمنيــن " فلمــا خــرج قــال: مــا معنــى
ألاقتني قلت: ما ألصقتني بها ولا قبلتني.
والصواب المختار أن يقول ألقت الدواة فأنا مليق لها وهي ملاقة.
وحكــي عــن ابــن دريــد: ألقــت الــدواة ولقــت مــن لــاق يليــق فهــو لائــق وذاك مليقــة مــن هــذا والمصـــدر
لــاق ليقــا وليوقــا. ومــا لاقــت المــرأة عنــد زوجهــا أي مــا لصقــت بقلبــه. ولاقــت الــدواة صــارت هـــي
نفسهــا مليقــة. وفلــان مــا يليــق شيئـــاً أي مـــا يثبـــت فـــي يـــده شـــيء. وأنشدنـــا محمـــد بـــن الفـــرج أبـــو
جعفر المعري قال: أنشدنا محمد بن أحمد الطوال عن أبي الحسن الكسائي في لاق الدواة ليقاً:
لو يكتب الكتاب عرفك فرغوا ليـق الــدوى وانفــذوا الأقرامــا
الكرسف وما قيل فيه:
قــال أبــو بكــر: الكرســف القطــن خاصــة دون غيــره ثــم صــاروا يسمــون كــل شـــيء وقـــع موقعـــه فـــي
الدواة من صوف وخرقة كرسفاً قال طرفة:
وجـاءت بصـراد كـأن صقيعــه خلال البيوت والمنازل كرسف
===
سحاب حكى القرطاس لون صبيره وعاد به جـو العواصـف أكلفـا
إذا كتبت فيه يد البرق أسطراً يلبس وجه الأرض بالثلج كرسفا
ما قيل في المداد:
قــال بعــض الكتــاب: ليكــن الكرســف فــي نهايــة مــا يكــون مــن الســواد ولتكــن الليقـــة التـــي نهايـــة الليـــن
والنعمــــة والأجــــود أن تكــــون مستديــــرة فــــإن كــــان كذلــــك أجــــزأ الكاتــــب أن يسمهــــا روق القلـــــم ولا
يلحقـه كلفـة ولا إبطـاء فـي الاستمـداد. وإن حفـر الموضـع الواقـع علـى الليقـة مـن الغطــاء وغشــي بــأرق
مــا يكــون مــن الفضــة حتــى إذا أطبقــت الــدواة تجافــى ذلــك الموضـــع عـــن الليقـــة فلـــم ينلـــه شـــيء مـــن
سوادهـــا كـــان ادعـــى إلـــى النظافـــة والسلامـــة وأكثـــر الـــدري لا تسلـــم منهـــا مــــا لــــم تكــــن علــــى مــــا
وصفنا.
ويعنـــى بتعهـــد الليقـــة والكرســـف بالملـــح والكافـــور وإن غيـــرت فــــي كــــل يوميــــن أو ثلاثــــة كــــان آمــــن
لتغيرهــا وربمــا أغفــل ذلــك فاستكرهــت الرائحــة وظهـــر مـــن نتنهـــا مـــا يخجـــل لـــه. وتهيـــا ذلـــك علـــى
بعــض الكتــاب حتــى ظــن رئيســه أنــه أبخــر فشكــا ذلــك إلــى نديــم لــه فقــال النديــم: مــا عرفــت ذلـــك
منـه ولكــن لعلــة أغفــل ذلــك مــن أمــر دواتــه وتفقدهــا. فقــال الرئيــس: عــذره فــي بخــره أبســط عنــدي
===
منـه فـي نتـن دواتـه لأنـه فـي ذلـك مضطــر وهــو فــي هــذا مختــار. ثــم نبهــه نديمــه علــى ذلــك فلــم يجــر
عليه بعد. وقال بعض الشعراء في هذا المعنى يهجو كاتباً:
دخيل فـي الكتابـة ليـس منهـا لـــــه فكـــــر تعــــــد ولا بديــــــه
تشاكـــل أمـــره خلقـــاً وخلقــــاً فظاهـــــــره لباطنـــــــه شبيـــــــه
كـــأن دواتـــه مـــن ريقـــه فيــــه تلــــاق فنشرهــــا أبــــداً كريـــــه
وقال أحمد بن إسماعيل حذراً من هذا:
كأنما النقس إذا استمده غالية مذوقة بنده
قال وأنشدنا أحمد بن إسماعيل للحسن بن وهب:
مـــداد مثـــل خافيـــة الغــــراب وقرطـــاس كرقــــراق الســــراب
وأقلــــــام كمرهفــــــة الحـــــــراب وألفـــــــاظ كأيـــــــام الشبـــــــاب
وأحمد بن إسماعيل الذي يقول:
وإذا نمنمـــــت بنانـــــك خطـــــاً معربـــاً عـــن إصابـــة وســـداد
عجب الناس من بياض معـان يجتنـى مـن ســواد ذاك المــداد
والمداد كل شيء يمد به هذا أصله قال الأخطل:
===
يريـد بدهـن أمـدت بـه كثـر الأستعمـال لمـا تمــد بــه الــدواة فقلــب كــل شــيء غيــره فــإذا قيــل: مــداد لــك
يعرف شيء غيره وقال بعض الكتاب يمدح المداد:
من كان يعجبه في صحن عارضه مسك يطيب منه الريح والنسما
فإن مسكي مداد فـوق أنملتـي إذا الأصابع مني مسـت القلمـا
وقال آخر:
ومـا روض الربيـع وقـد زهــاه نـدى الأسحـار يـأرج بالغــداة
بأعبــق أو بأطيــب مــن نسيــم تؤديـــــــه الألاقـــــــة مــــــــن دواة
وقالوا: " المداد خضاب الرجال ". وقال آخر:
إنمـا الزعفـران عطــر العــذارى ومــداد الــدواة عطــر الرجـــال
حدثنــي يعقــوب بــن بيــان قــال: كتـــب إبراهيـــم بـــن العبـــاس يومـــاً كتابـــاً فـــأراد محـــو حـــرف منـــه فلـــم
يجــد سبيــلاً فمحــاه بكمــه فقيــل لــه فــي ذلــك فقــال: المــال فــرع والقلــم أصــل فهــو أحـــق بالصـــون منـــه
وإنما بلغنا هذه الحال واعتقدنا الأموال بهذا القلم والمداد ثم قال:
إذا ما الفكر أظهر حسن لفظ وأداه الضميــــر إلـــــي العيـــــان
رأيـت حلــى البنــان منــورات تضاحـك بينهـا صـور المعانـي
===
ويقــال: مــددت الــدواة جعلــت فيهـــا مـــداداً وكـــل شـــيء زدت فيـــه فإنـــك تقـــول: مددتـــه أمـــده مـــداً.
قـال اللـه تعالـى: " والبحـر يمـده مـن بعـده سبعـة أبحـر ". وإذا أمــرت قلــت: مــد الــدواة بكســر الــدال.
ومــد الـــدواة تتبـــع الضمـــة الضمـــة وإمـــداد الـــدواة. ولا يقـــال أمـــددت إلا مـــا كـــان علـــى جهـــة الإعانـــة
كقولـك: أمددتـه بمـال ورجـال ومنـه قولـه عـز وجـل: " أنـي ممدكـم بألـف مـن الملائكـة مردفيـن ". ومنــه:
" أمددناكـم بأمـوال وبنيـن ". أي أعناكـم وقربناكـم. ويقـال مــداد ونقــس بالسيــن وكســر النــون والكثيــر
أنقاس.
وقال حميد بن ثور:
لمــن الديـــار بجانـــب الحمـــس كمخط ذي الحاجـات بالنفـس
وأنشدنا محمد بن موسى الرازي لحمد بن مهران:
لا تجزعـن مـن المــداد ولطخــه إن المداد خلوق ثوب الكاتـب
وأبهــج بذلــك إنـــه لـــك زينـــة هبـة مـن اللــه الجــواد الواهــب
لـــولا المـــداد ويسرنــــا بدليلــــه ما صح في مال حساب الحاسب
ولمــا تبينــت الأمـــور لطالـــب ولكان شاهدنا شبيه الغائـب
===
قـال أبـو بكـر: ذكرنـا أشعـاراً قيلـت فـي الحبـر فـي بـاب الـدواة لاتصالهــا بهــا كاتصــال التوريــق بالكتابــة
والوراقيـن بالكتــاب وبالحبــر تكتــب المصاحــف والسجلــات ومــا يــراد بقــاؤه. وإنمــا سمــي الحبــر حبــراً
لتحسينــه الخــط مــن قولهــم حبـــرت الشـــيء تحبيـــراً وحبرتـــه حبـــراً زينتـــه وحسنتـــه. والاســـم الحبـــر
كقولك طحنته طحناً. في الحديث " يخرج من النار رجل حسن الحبر والسبر " وقال ابن أحمر:
لبسنــا حبــره حتــى اقتضينـــا بأعمـــــــال وآجـــــــال قضينـــــــا
وقيل: الحبر مأخوذ من الحبار وهو أثر الشيء كأنه أثر الكتابة وقال:
ولــم يقلــب أرضهــا البيطـــار ولا لحبليــــــــه بهــــــــا حبـــــــــار
أي أثر. وقال آخر:
لقد أشمتت بي أهل فيد وغادرت بجسمي حبراً بنت مصان باديا
أي أثـــراً. ويقـــال محبـــرة ومحبـــرة وهمـــا أفصـــح مـــا قيـــل فيهـــا. وحبــــر فلــــان كتابــــه: حسنــــه وكذلــــك
نمنمه ونمقه ورشقه. قال مرقش:
الــــدار قفــــر والرســــوم كمــــا رقــش فــي ظهــر الأديــم قلـــم
ويقال: رقش كذبه أي حسنه حتى يقبل قال رؤبة:
عـازل قــد أولعــت بالترقيــش إلــي ســراً فاطرقـــي وميشـــي
===
سماوتــــه أسمــــال بــــرد محبــــر وسائـره مــن أتحمــي معصــب
القرطاس وما يكتب فيه:
تسمــــي العــــرب مــــا يكتــــب فيــــه القرطــــاس وجمعــــه قراطيــــس ومهرقـــــاً وجمعـــــه مهـــــارق وصحيفـــــة
وجمعهــا صحائــف وسفــراً والجميــع أسفــار قــال اللــه عــز وجــل: " يمحــل أسفـــاراً " وقـــد نـــزل القـــرآن
بجميعهـا إلا المهـرق. قـال اللـه تعالـى: " تجعلونـه قراطيـس " وقـال تعالـى: " ولــو نزلنــا عليــك كتابــاً فــي
قرطـاس " وقـال تعالـى: " إن هـذا لفـي الصحـف الأولـى ". والعـرب تشبــه المنــزل إذا خــلا ودرجــت
عليه الريح وصار أرضاً بالمهرق. قال الأعشى:
سلا دار ليلى هل تبين فتنطق وأنى تـرد القـول بيضـاء سملـق
وأنـــى تـــرد القـــول دار كأنهـــا لطــول بلاهــا والتقــادم مهـــرق
وشبه أبو نؤاس الناقة البيضاء بالقرطاس فقال:
واحتازها لون جرى في جلدها يقـق كقرطــاس الوليــد هجــان
قيــل: خــص قرطــاس الوليــد لأنــه معــه كالرســم لــم يكتــب فيــه بعــد والهجــان أيضــاً الكـــرام مـــن الإبـــل
وغيرهـا ومـا أعلـم أحـداً استوفــى فــي وصــف القرطــاس إلا جعفــر بــن حمــدان المصــري الكاتــب فإنــه
===
في يديـه مـن القراطيـس كالمـز نــة جـــادت بواكـــف مـــدرار
كالملاء الرحيض كالبيض بيض الهند كالبيض كالمياه الجواري
كالسراب الرقراق في عنفوان الصيف نصف النهار في أيار
مـا تبالـي أجلــت عينــك فيــه حين يطوي أم في حضور العذاري
يسبح الخط فيه عفواً فمـا يـك بـــو بوعــــث فيــــه ولا بحبــــار
حدثنـــي أبـــو تذكـــوان القاســـم بـــن إسماعيـــل قـــال: سمعـــت عمـــك أحمـــد بـــن عبـــد اللـــه بـــن العبـــاس
المعروف بطماس يقول - وكان حسن البلاغة: القرطاس أمره ما لم تكحله مل الدواة.
ومـــن مليـــح الأخبـــار التـــي ذكـــر فيهـــا القرطـــاس مــــا حدثنــــي بــــه أحمــــد بــــن محمــــد الأنصــــاري قــــال
حدثنـا أبـو العينـاء عـن الجمـاز قــال: أراد أبــو نــؤاس أن يكتــب إلــى إخوانــه لــه فلــم يجــد شيئــاً يكتــب
فيـــه فحلـــق رأس غلامـــه وكتـــب عليـــه مـــا أراد وفـــي آخرهـــا كتـــب: وإذا قرأتـــم الخطــــاب فخرقــــوا
القرطاس قال: فردوه بلا جلدة رأس. ورأى جرير رجلاً أسود عليه ثياب جد فقال:
كأنـــــــه لمـــــــا بـــــــدا للنــــــــاس أيـر حمــار لــف فــي قرطــاس
وقال أبو نؤاس:
لم يقو عندي على تخريق قرطاسي إلا فتى قلبه من صخرة قاسي
===
لو لا القراطيس مات العاشقون معاً هـذا بغـم وهـذا كـم بوسـواس
فأمــا الكراريــس فواحدهــا كراســة قــال الأصمعــي: كرســت الكتــب والــورق جعلــت شيئــاً منـــه إلـــى
شـــي وأكـــرس الغنـــم اجتمـــاع بعرهـــا وبولهـــا فـــي مواضعهـــا حتـــى يتطـــارق بعضـــه إلــــى بعــــض قــــال
العجاج:
يا صاح هل تعرف رسماً مكرساً
قــال أبــو عبيــد: اكــرس البعــر عليــه فهــو مكــرس ويــروى مكرســاً كأنــه أكــرس فهـــو مكـــرس وأصلـــه مـــا
ذكرت لك. وتكارس ورق الشجر تحته وقع بعضه فوق بعض.
ويقــال دفتــر ودفتــر. ومــا سمــع شـــيء فـــي اشتاقـــه إلا أنـــه عربـــي فصيـــح. قـــال جنـــدل بـــن المثنـــى
الطهوري:
هـل لا بحجـر يــا ربيــع تبصــر قد قضي الدين وجف الدفتر
ويروى الدفتر. وأنشدني الحسين بن يحيى:
هل تذكريـن إذا الرسائـل بيننـا تأتيك في الشجر الذي لم يغرس
إذ سر نفسي في يديـك ومثلـه لك في يدي من الفصيح الأخرس
وقال ابن الأحنف:
===
عتــاب لعمــري لا بنــان يخطــه وليـــس يؤديـــه إليـــك رســــول
آخر:
جاء الرسول بقرطاس فهيج لي شوقاً وأحببت منه كل قرطاس
فيـــه معاتبـــة منهــــا تذكرنــــي عهد الوصال كأني غافل ناس
وقال:
أتانـي كتـاب منمليكــي بخطــه فما أعظم النعمى وما أصغر الشكرا
فظلت تناجيني بما في ضميـره أنامل قد صاغت بأقلامها سحرا
قال وكتب إلى فوز كتاباً أغضبها:
كتبـــت وليتــــه شلــــت يمينــــه ولــم أكتــب إليــك بمــا كتبـــت
كتبت وقد شربت الكأس صرفاً فـلا كـان الشـراب ولا شربــت
وقال ابن الأحنف أيضاً:
أهـدت إلــى صحيفــة مختومــة نفسي الفداء لخط ذاك الكاتب
ففكتها فقرأت مـا قـد حبـرت فــإذا مقالــة مستزيـــد عاتـــب
===
تخــرق كتبــه وتأمــره بتخريــق كتبهــا فكتــب إليهــا: إنــي أحتفــظ بكتبـــك وتتهاونيـــن بكتبـــي فتخرقينهـــا
فكتبت إليه:
يا ذا الذي لام في تخريق قرطاس كم مر مثلك في الدنيا على راسي
الحزم تخريقـه إن كنـت ذا نظـر وإنما الحزم سـوء الظـن بالنـاس
إذا أتــــاك وقـــــد أدى أمانتـــــه فاجعـل كرامتـه دفنـاً بأرمـاس
وشق قرطاس من تهوى وكن حذراً يا رب ذي ضيعة من حفظ قرطاس
فكتب إليها: الصواب رأيك وخرق رقاعها.
قط القلم:
يقـــال: قططـــت القلـــم أقطـــه قطـــاً. والقـــط والقـــد متقاربـــان لـــأن القـــط أكثـــر مـــا يستعمـــل فيمـــا وقــــع
السيـف فـي عرضـه والقـد لمـا وقـع فـي طولـه. ومنـه قولهــم: كــان أميــر المؤمنيــن علــي بــن أبــي طالــب
رضــوان اللــه عليــه إذا عــلا بسيفــه شيئــاً قــده وإذا اعترضـــه قطـــه. وقـــد يحمـــل هـــذا علـــى هـــذا.
وقال عمرو بن معد يكرب:
فكـم قـط سيفــي مــن قونــس غــــداة التقينــــا ومــــن مفــــرق
===
ومـط حاجبيـه ومـد بمعنـى. وإنمـا جــاز ذلــك فــي قــد وقــط ومــد ومــط لــأن نخــرج الطــاء والــدال مــن
مكــان واحــد مــن أصــول الثنايــا وطــرف الســان كمــا يقــال: طيــن لــازب ولــازم لــأن مخــرج البـــاء والميـــم
من الشفة من مكان واحد.
المقط:
هــو المقــط بكســر الميــم فأمــا المقــط فالموضــع الـــذي يقـــط مـــن رأس القلـــم. وأحســـن المقـــاط وأمكنهـــا
المربـع كهيئـة فـص النـرد زائـداً عليـه فـي الطـول والعــرض ســاذج الطرفيــن فــإذا كــان علــى هــذا الشكــل
رحب مطاه ووطؤ قراه وكان أملأ لليد وأمكن للقط. وفيه يقول بعض الكتاب:
الحمـــــــــــد للـــــــــــه شكـــــــــــراً يعلـــــــــو الـــــــــورى وأحــــــــــط
وغادرتنــــــــــــــي مداهـــــــــــــــا منهـــــــــــا كأنـــــــــــي مقــــــــــــط
لــــــــــــم يبــــــــــــق منــــــــــــي إلا صبــــــــــر جميـــــــــــل فقـــــــــــط
وقال بعض الكتاب:
فإن تكـن الخطـوب فريـن منـي أديمـــاً لـــم يكـــن قدمـــاً يغـــط
فــــإن كرائــــم الأقلـــــام تحفـــــى فيصلــح مـــن تشعثهـــا المقـــط
===
وقــال بعــض الكتـــاب: إذا قططـــت ولـــم تسمـــع لقطتـــك صوتـــاً كصـــوت نبـــض القســـي ووقعـــة كوقعـــة
عضــب المشرفــي فأعــد فــإن قلمـــك بعـــده حـــف. وأكثـــر مـــا يقـــع ذلـــك والقلـــم رطـــب بمـــداده وإنمـــا
القطـة تصلـح مـع جفافـه. وأنشدنــي بعــض أصحابنــا لنفســه فــي المقــط مــن أبيــات خاطــب بهــا بعــض
الكتاب أولها:
يا ذا الكتابة قد بعثت بمرضع سوداء قد خرطت من الإظلام
بل ناسبت لون الخطوب وضمنت كشفـــاً لهـــا بحضانـــة الأقلــــام
معهــا مقــط قــد تحلــى بينهـــا شبه الصدود بدا لحلف غـرام
يحكي سويداء القلوب إذا رمت فيهــا لواحــظ شـــادن بسهـــام
أعربت في وصفي له إذ قصرت مـن قبـل عنـه خواطـر الأوهـام
وانضاف محراك إليه كأنها احذوه قد الصارم الصمصام
المرفع:
قــال بعــض الكتــاب: المرفــع ضــرب مــن الكبــر وفضيلــة فــي الآلــة وترفــه مفــرط لا يليــق بــذوي التقـــدم
فـــي العمـــل والصبـــر عليـــه والتجـــرد لـــه. ومـــا يســـرع إليـــه إلا كـــل ذي نخــــوة ورياســــة محدثــــة. وهــــو
===
أحسـن فـي مجالـس الخلـوات منـه فـي الجماعـات. فأمــا مجالــس الرياســة والجــد فــي الأعمــال فــلا موقــع
لـه فيهـا. قـال أحمـد بـن إسماعيـل: قلمـا رأيـت سيـداً رئيسـاً يجعـل بيـن دواتـه وبيـن الـأرض مرفعــاً فــي
مجالــس رياستــه. وإذا عجــز الكاتــب عـــن الاستمـــداد مـــن الـــدواة علـــى الـــأرض فيغنـــم رفعهـــا إلـــى
يــده بهــذه الآلــة وتقريــب متناولهــا فهــو عمــا ســوى ذلــك مــن تمشيـــة الأعمـــال وتنفيـــذ الأمـــور أعجـــز.
وقد هجي بعض الكتاب بذلك فقيل:
إنـــي بليـــت بجاهـــل متغافــــل متكلـــف فـــي فعلـــه متصنــــع
حاز الكتابة حين فضض مرفعاً وجــرت أناملـــه بخـــط مســـرع
متتايـه فــي الحفــل يبغــي عــزة فيدل في مـرأى هنـاك ومسمـع
فكلامـه دون المــدى متواضــع ودواتــه للطــرف فـــوق المرفـــع
حدثنـي أحمـد بـن محمـد بــن إسحــاق قــال: دخلــت أنــا وأبــو علــي بــن المرزبــان علــى يحيــى بــن منــاوة
الكاتـــب وبيـــن يديـــه مرفـــع قـــد قـــارب صـــدره عليـــه دواتـــه فقلـــت لابـــن المرزبــــان: أمــــا تــــرى هــــذا
المرفع فقال: هذا مرفع وصاحبه رقيع لا رفيع.
وقيــل لبعــض الرؤســاء - وقـــد جعـــل دواتـــه علـــى مرفـــع: مـــا كـــل الأجـــلاء تفعـــل هـــذا. فقـــال: مـــن
جلـس علـى فـرش تعليـه قليـلاً بعـدت عليـه مسافــة الاستمــداد فأمــا مــن كــان علــى حصيــر أو سمــاط
===
قـــرب البعـــد مركــــب لــــدواة ملجـــــم مـــــن حليـــــه بلجـــــام
فضــة تستضــيء فــي أبنـــوس مثل ضوء الإصباح في الإصباح في الإظلام
كخـــوان الطعـــام سهـــل للـــأك قال: منه ما كان صعب المرام
محراك الدواة:
كـذا تسميـة الكتـاب. وللعيـدان التـي تحـرك بهــا العــرب الأشيــاء أسمــاء: فالعــود الــذي تحــرك بــه النــار
مسعر ومسعار ومحرث ومحراث ومنه قيل: " مسعر حرب " أي يسعرها بوقدها.
ويقال لما يجدح به الأشربة مجدح ومجدح مخاض ويقال له أيضاً مخوض.
ويقــــال أيضـــــاً للميـــــل الـــــذي يحـــــرك بـــــه الجراحـــــات محـــــراك ومحـــــراف ومسبـــــار أي يسبـــــر بـــــه قـــــدر
الجراحة أي تختبر به وربما سموا المبضع بذلك. وقد روى القطامي يصف جراحة:
إذا الطبيـب بمحراكيــه حولهــا زادت على النقر أو تحريكها ضخماً
ويروى بمحرافيه. وقد ذكر المحراك بعض الشعراء من الكتاب فقال:
بــدر مــن الديــوان لـــم يحتـــرم ضيــــــاءه بالنقــــــص أفلاكـــــــه
صيـــر جسمـــي قلمـــاً هجـــره يــــردي دم العشــــاق سفاكـــــه
===
الكتب في اللغة:
قولهــم: كتبــت الشــيء يريـــدون ضممـــت بعضـــه إلـــى بعـــض. ويقـــال: كتبـــت الشـــيء كتبـــاً وكتابـــة.
ويقــال: اكتــب بغلتــك أي ضــم حياهــا بحلقــة حتــى لا يطأهــا الفـــزاري لـــأن فـــزارة تعيـــر بذلـــك. قـــال
الفرزدق في الناقة:
لا تأمنـــن فزاريـــاً خلـــوت بـــه على قلوصك واكتبها بأسيـار
وقيــل: المعنــى قــارب بيــن شدهــا حتــى لا يسرقهــا الفــزاري وهــذا أشبــه لـــأن الفـــرزدق أيضـــاً يهجـــو
ابن هبيرة الفزاري بسرقة فزارة قال يخاطب هشاماً:
أأطعمــــت العــــراق ورافديــــه فزاريـــاً أحــــذ يــــد القميــــص
يقول: قد رق فقطع فكمه خفيف قصير.
وقيـل: كتيبـة الجيـش لاجتماعهــا وتكتبــت تجمعــت. والكتــب الخــرز الواحــدة كتبــة بضــم خــرزة إلــى
خرزة وقال ذو الرمة يصف المزادة التي يستقى فيها الماء:
وفـراء غرفيـة أثـأى خوارزهـا مشلشل ضيعتـه بينهـا الكتـب
يريــــد أن هــــذه الخــــرز لمــــا اتسعــــت ضيعــــت المــــاء وفــــراء واسعــــة وغرفيــــة دبغــــت بالغــــرف وهـــــو
===
شجـــر والخـــوارز نســـاء وأثـــأى أفســـد والثـــأي الفســـاد والمشلشـــل الــــذي يتصــــل قطــــره وهــــو مرفــــوع
علـى شـيء تقـدم فـي البيـت الـأول وكاتـب والجمــع كتــاب وكتبــة وكاتبــون. والموضــع الــذي يتعلــم فيــه
الكتاب كتاب ومكتب.
ويقــال أيضـــاً أكتـــب فهـــو مكتـــب. واكتبـــت الرجـــل مـــا أراد أكتبـــه اكتابـــاً جمعتـــه لـــه وأمليتـــه عليـــه.
ويقـال زبـرت الكتـاب إذا كتبتــه ازبــره زبــراً. وقــال رجــل مــن حميــر: أنــا أعــرف بزبرتــي أي كتابتــي.
وسميت الكتيبة لاجتماعها وتكتب القوم تجمعوا. وقال عبيد بن الأبرص:
أنبءت أن بني جذيلـة أوعبـوا سفـراء مـن سلـم لنـا وتكتبــوا
أي تجمعوا.
وقــال التوجــي: الموضــع الــذي يعلــم فيــه الكتــاب مكتــب ومكتــب مثــل مطلــع ومطلــع وكاتبــت الرجـــل
إذا خابرتــه الخــط مكاتبــة وكتابــاً مثــل نادمتــه منادمـــة وندامـــاً. وكاتبتـــه فكتبتـــه مثـــل غالبتـــه فغلبتـــه
وخايرته مخايرة وخياراً فخرته. وقال المازني: يقال اكتب الرجل إذا صار كاتباً حاذقاً.
قيــل: أجــاد إذا صــار لــه فــرس جــواد. وألبــن إذا صــار ذا لبــن. وأتيــت فلانــاً فأكتبتــه وأحسبتــه إذا
وجدتــه كاتبــاً حاسبــاً. كمــا تقــول أتيتــه فأبخلتـــه أي وجدتـــه بخيـــلاً. وأتيـــت بلـــد كـــذا فأمطرتـــه أي
وجدتــه مطيــراً. وقــال الحرمــازي: سمعــت أعرابيــاً يقــول: ظلمنــي هــؤلاء الكتــب مثــل صائــم وصـــوم
===
حتى إذا ما حان قطب الصوم
وزبــــرت الكتــــاب كتبتــــه وزبرتــــه قرأتــــه. ووحيــــت الكتــــاب أحيــــه وحيــــاً كتبتــــه وكتـــــاب موحـــــى
ومكتــوب بمعنــى فوحيــت كتبــت وأوحيــت أعلمــت وأشــرت وقــد قيــل فــي هــذا وحيــت وأوحيـــت
فأما في الكتاب فوحيت قال الشاعر:
مـا هيـج الشــوق مــن الأطلــال أضحت قفاراً لوحي الواحـي
وإذا أردت أن تكتــب مــن هــذا قلــت يــا واحـــي حـــه أثبـــت الهـــاء إذ كانـــت العـــرب لا تتكلـــم بحـــرف
واحــد. ويــا واحيــان حيــا ويــا واحــون حــوا. وإذا أمــرت مــن أوحيــت قلــت يـــا موحـــى ويـــا موحيـــان
أوحيا ويا موحون أوحوا.
السكين:
قـــال بعـــض الكتـــاب: السكيـــن مســـن الأقلـــام يسنهـــا إذا كلـــت ويلصقهــــا إذا بــــت ويطلقهــــا إذا وقفــــت
ويلمهــــا إذا تشعثــــت. وأحسنهــــا مــــا عــــرض صــــدره وأرهــــف خصـــــره ولـــــم يفضـــــل عـــــن القبضـــــة
نصابه. والسكين تذكر وربما تؤنث قال أبو ذؤيب.
يرى ناصحاً فيما بدا فإذا خلا فذلك سكين على الخلق حاذق
===
فانحــــى للسنــــام غـــــداة قـــــر بسكيــــــن موثقــــــة النصــــــاب
وفيها يقول أحمد بن إسماعيل:
إنــي إذا ماضــي اليـــراع بلـــدا وحـــار فـــي ميدانـــه وعــــردا
لمصلـح مــن حــده مــا أفســدا بمديـــــة كريمـــــة مـــــن المــــــدى
كــادت تفــل الصــارم المهنـــدا تهدي إلى الأقلـام حينـاً وردى
كأنمـــــا يوقـــــع منهـــــا بعــــــدى وهــي بمـــا تفعـــل تولينـــا يـــدا
لأنهـــــا تقيـــــم منهــــــا الــــــأودا حيـن تـرى الآكــل منهــا مبــردا
يفوف القرطـاس تفـوف الـردى بلحمـــة مـــن البيـــان وســــدى
وقال بعض الأحداث من الكتاب:
يا منتهى الفضل حليف الندى وابـــــــن البهاليـــــــل الأكاريـــــــم
جـد لـي بسكينـك ذاك الــذي لام لام ألف قاف لام ألف ميم
قــال أبــو بكــر: والسكيــن يذكــر ويؤنــث والغالــب عليــه التذكيــر. ونصابهــا أصلهــا ونصـــاب كـــل شـــيء
أصلـه. وأنصبـت السكيـن جعلـت لـه نصابـاً. وأقربتـه جعلـت لـه قرابـاً وهــو الغلــاف. وغلفتــه جعلــت
===
يا ربة القوم قومي غير صاغرة ضمي إليك ثياب القوم والقربا
قـال: إنمـا خـص القــرب وهــي الغلــف يريــد السيــوف يقــول: " خــذي سيوفهــم واعلميهــم أنهــم فــي دار
عز وأمان وطمأنينة لا يخافون " لأن العرب إذا نزلت منزلاً لم تضع سلاحها حتى تأمن.
وأشعــرت السكيـــن جعلـــت لهـــا شعيـــرة وهـــي الحاجـــز بيـــن آخـــر الحديـــدة وأول النصـــاب. وسيلـــان
الحديـدة مركـب فيهـا. واقبضـت السكيــن جعلــت لــه مقبضــاً. وسكيــن مقبــض. وقــد حكــي قربــت
السكين والسيف فهو مقروب أيضاً. وأنشدوا:
إن يسألوا الحق يعط الحق سائله والدرع مطوية والسيف مقروب
ويقــال هــذا حــد السكيــن وشفرتــه وظبتــه وغرتــه وغــراره وذبابــه. فظبتــه طرفـــه والجميـــع ظبـــات.
وشفرتــه حــده مــن أولــه إلــى آخــره. وغــراره وشفرتــه واحــد. وذبــاب كـــل شـــيء حـــده. وأكثـــر مـــا
يوصــف بــه السيــف مــن الحــد يجــوز فــي السكيــن وأحــددت السكيــن أحــده إحــداداً وحـــد السكيـــن
نفســه صــار حــاداً وأحــد فهــو محــد وإذا أمــرت قلــت أحــد سكينــك وسكيــن حديـــد أي قاطـــع قـــال
حسان:
بكــــــل صقيــــــل لــــــه ميعــــــة حديــد الغــرار حســام خــذم
وكــل السكيــن يكــل كــلاً وكلــولاً وكلــة. وكذلــك البصــر. وصـــدأ يصـــدأ صـــدى إذا توســـخ. وكذلـــك
===
الإنشاء:
أنشـــأ الكاتـــب الكتـــاب ابتـــدأ عملـــه علـــى غيـــر مثـــال يحتذيـــه قـــال اللـــه تعالـــى: " قـــل يحييهـــا الـــذي
أنشأهــا أول مــرة ". وتقــول العــرب: أنشــأ يفعــل كــذا وأنشــأ يقــول كــذا إذا ابتــدأ. وأنشـــأ اللـــه الخلـــق.
ينشئهــم إنشــاءاً إذا ابتــدأ خلقهــم. وأنشــأت أنــا الشــيء أنشئــه إنشــاء. وقــال عــز وجــل: " وأن عليـــه
النشـأة الأخـرى ". وإذا أمــرت قلــت: أنشــئ الكتــاب بإثبــات اليــاء فــي الكلــام والخــط لــأن هــذه اليــاء
هي همزة فذهبت للأمر منها الحركة.
حدثنـا أحمـد بـن إسماعيــل قــال: كــان بعــض النســاخ قــد صــار منشئــاً لبلاغــة ظهــرت منــه فقــال فيــه
المنشي الذي كان ينسخ رسائله:
أيهــــــــــا المنشــــــــــي الــــــــــذي كــــــــان بالأمــــــــس ناسخــــــــاً
نســـــــخ تلـــــــك الرسائـــــــل ال متعبـــــــــــــــات المشائخـــــــــــــــا
تـــــــــــرك الناســـــــــــخ المـــــــــــم ثـــــل فـــــي العلــــــم راسخــــــاً
رغـــــــــم أنـــــــــف اصــــــــــاره لـــــــــذوي العلـــــــــم شامخـــــــــا
السطور:
===
أصــل السطــر فــي اللغــة الأثــر المستطيــل علــى استــواء وجمعــه أسطــار وأسطــر وسطـــار وسطـــور.
وكـل مقـدم علـى استـواء غيـر خـارج شـيء منـه عـن نظيــره يمنــة ويســرة فهــو مسطــر مــن سطــر يسطــر
تسطيراً. وقال المسيب بن علس:
تـــــــرى للسيـــــــوع بحيزومهـــــــا ندوبـاً وللــدف منهــا سطــارا
والكاتـــب مسطـــر وساطـــر. ويقـــال للـــذي يصلـــح بهــــا الــــورق سطــــوره فــــي دفاتــــره حتــــى لا تعــــوج
سطـــوره " مسطـــرة " وقـــد سطـــر إذا كتـــب خاصــــة إذا لــــم يذكــــر شيئــــاً علــــم أنــــه للكتابــــة لكثــــرة
الاستعمال وقد يقال: سطر نخله إذا غرسه على استواء. قال رؤبة:
إنــي وآيــات سطــرن سطــرا.
وقـال اللــه جلــت عظمتــه: " والطــور وكتــاب مسطــور ". أي مكتتــب قــد سطــر وتقــول: كــل شــيء
عملـه مستطــر عنــدي أي مكتتــب. وقــال اللــه عــز وجــل: " وكــل صغيــر وكبيــر مستطــر ". وقالــوا:
أسطور وأساطير وقالوا: سطر وسطر مثل سقف وسقف. وأنشدنا ثعلب للشماخ:
أتعرف رسماً دارساً قد تغيرا بذروة أقـوى بعـد ليلـى وأقفـرا
حكــى خــط عبرانيـــة بيمينـــه بتيماء حبـر ثـم عـرض أسطـرا
عـــرض أخفـــى سطـــوره كمـــا تقـــول عـــرض بكـــذا إذا لـــم يصـــرح بـــه وإن لـــم يكـــن كـــذا فســـد معنـــى
===
المقابلة بالكتاب ونسخه:
يقـال: قابلــت الكتــاب بالكتــاب أقابلــه مقابلــة وقبــالاً المعنــى جعلــت مــا فــي واحــد مــن الكتابيــن مثــل
" مــا " فــي الآخــر مشبهــاً لــه مــن جهــة مــا كتـــب فيـــه لا مـــن كـــل جهـــة لـــأن القـــدود تختلـــف وكذلـــك
الألـــوان الـــذي يكتـــب فيـــه. وتقابـــل الموضعـــان إذا كـــان أحدهمـــا حيـــال الآخــــر وقبالتــــه وكأنــــه فــــي
الحقيقـة أقبـل كـل واحـد منهمـا علـى صاحبـه وشابهــه فــي التقابــل. وأقبلــت المرهــم الجــرح ألصقتــه بــه
قال ابن أحمر:
شربت الشكاعى والتددت ألدة وأقبلت أفواه العـروق المكاويـا
يريد: جعلت المكاوي حيال العروق مقابلة لها ملصقة بها فقال الأعشى:
وأقبلهـــا الشمـــس فــــي دنهــــا وصلــى علــى دنهـــا وارتســـم
ويــروى: وارتشــم. قــال الأصمعــي: أصلهــا استقبـــل بهـــا. وتقـــول العـــرب أقبـــل نعلـــك أي اجعـــل لهـــا
قبالاً وهو الشراك لأنه يقابل النعل قال أبو نواس:
مـــــا علـــــى وجـــــه بـــــه قــــــا بلتنــــــــــي اليـــــــــــوم مهابـــــــــــه
وعارضــــت الكتــــاب بالكتــــاب إنمـــــا هـــــو عرضـــــت ذا علـــــى ذا وذا علـــــى هـــــذا حتـــــى استويـــــا.
===
وعارضـت داري ببستانـه سويـت بينهمـا فـي القيمـة وأخـذت هـذا بهـذا. وعارضتـه فـي قولـه: أتيـت
بمثـل مـا قـال. والنسـخ علـى معنييـن أحدهمـا أن تنســخ الشــيء لمــا تقدمــه فتذهــب بــه فيحــل مكانــه
ومنـه قـول اللـه عـز وجــل: " مــا ننســخ مــن آيــة أو ننسهــا نــأت بخيــر منهــا أو مثلهــا ". وفــي كــل الآيــات
خيــر والمعنــى نــأت بخيــر منهــا لكـــم وأخـــف عليكـــم. ومنـــه قولهـــم: نسخـــت الشمـــس الظـــل حلـــت
مكانـــه. والمعنـــى الآخـــر أن ينســـخ الشـــيء الشـــيء فيجـــيء بمثلـــه غيـــر مخالـــف لـــه يقــــول: نسخــــت
كتابـك لـم أغـادر منـه حرفـاً وفـي القـرآن: " إنـا نستنســخ مــا كنتــم تعملــون ". ويــروى أن أو مــن عمــل
الكتب نسخاً زياد.
الخطأ في الكتاب:
تقـول أخطـأت فـي الكتـاب تخطـئ خـطءً وخطـأً وخطـاءً. وقــرأ أبــو حعفــر: " إنــه كــان خطــأ كبيــراً "
مفتوحـة الطــاء والخــاء غيــر ممــدودة. وقــرأ أكثــر القــراء " إنــه كــان خــطءاً " مــن خطــيء يخطــأ خــطء
مثل أثم يأثم أثماً وأخطأت خطأ مفتوحة الخاء والطاء ممدودة.
والخطـــأ فـــي اللغـــة ضـــد الصـــواب وتقـــول: لا تخطـــئ يـــا هــــذا - إذا أمرتــــه - بالهمــــز ساكنــــة وإنمــــا
أسقطـت للجــزم حركــة الهمــزة كمــا تقــول: إقــرأ يــا هــذا. فــإذا أمــرت الإنســان أن يقــري الضيــف قلــت
===
لـه: أقـر ضيفـك فحـذف لأنـه غيــر مهمــوز مــن قــراه يقريــه قــرىً يــا هــذا. وتقــول وهمــت فــي الكتــاب
أوهــم وهمــاً إذا سهــوت فيــه فكتبــت شيئــاً مكــان شــيء. وأوهمــت فيــه أسقطــت منــه شيئــاً فلــم
تكتبه. قال أبو عبيدة يصف إنساناً بالبلادة: ما فهم ولو فهم لوهم.
المشق في الكتاب:
يقـال: مشـق فـي الكتـاب يمشـق مشقـاً إذا أسـرع الكتابــة والمشــق فــي اللغــة تأثيــر الشــيء بسرعــة قــال
ذو الرمة:
فكر يمشق طعناً في جواشنهـا كأنه الأجر في الإقبال يحتسـب
وكثر ذلك في كلامهم حتى صار كل مستلب شيئاً قد مشقه قال الأخطل:
والخيـل نمشـق عنهــم أسلابهــم فــي كــل معتــرك وكــل مغـــار
وتقول: ترك ثوبه مشقاً ومزقاً إذا خرقه وتقول: مشقت الإبل الكلأ إذا أكلت منه بسرعة.
الزلف:
يقـال: زلـف فـي قرابـة يزلـف فيهـا زلفـاً إذا تجـاوز مـن شـيء إلــى شــيء. وهــو فــي حــق اللغــة القــرب
مما تريد كأنه يقرب بذلك من القراع ما يريد قال العجاج:
===
زلفــاً فزلفــاً بعــد قـــرب حتـــى عـــاد الهلـــال محقوقفـــا وقـــال اللـــه عـــز وجـــل: " وزلفـــاً مـــن الليـــل " جمـــع
زلفة مثل غرفة وغرف والزلفة القرية كأنه يريد وقتاً بعد وقت من الليل يقرب هذا من هذا.
وقــال أبــو عمــرو الشيبانــي: المزالــف مـــا قـــرب مـــن المنـــازل مـــن الأمصـــار مثـــل القادسيـــة مـــن الكوفـــة
والمحدثـــة مـــن البصـــرة ولـــه عندنـــا زلفـــة أي قربـــة قـــال عـــز وجــــل: " وإن لــــه عندنــــا لزلفــــى ". قــــال
المفسرون: قربة. وقال تعالى: " وأزلفنا ثم الآخرين ".
فض الكتاب:
يقـــال: فضضـــت الكتـــاب أفضـــه فضـــاً إذا نحيـــت عنـــه طينـــه وسحاتـــه. وأصـــل الفــــض فــــي اللغــــة
التفرقة كأنه فرق بين الكتاب وبين طينه وسحاته.
وقـــال تعالـــى: " هـــم الذيـــن يقولـــون لا تنفقـــوا علـــى مــــن عنــــد رســــول اللــــه حتــــى ينفضــــوا ". قــــال
المفسرون: كلهم حتى تفرقوا.
وحضرتنـي نـادرة عنـد ذكـر " حتـى ينفضــوا " ليســت مــن الكتــاب حدثنــي يمــوت حدثنــي يمــوت بــن
المــدرع قــال: كــان بالشــام معلــم رقيــع طينــه مشهــور بشتـــم الصبيـــان فقـــال: اقعـــدوا حتـــى تسمعـــوا
فــإن كنــت معــذوراً وإلا فلومــوا قــال: فقعدنــا قــرأ عليــه صبــي منهــم: هــم الذيـــن يقولـــون لا تنفقـــوا إلا
===
مـن عنـد رسـول اللــه. فقــال: كذبــت يــا مــاص سلحــه أتلــزم رســول اللــه صلــى اللــه عليــه وسلــم نفقــة
لا تجـــب عليـــه وهـــو لا يملـــك مـــالاً قـــال: فضحـــك. ثــــم قــــرأ آخــــر: عليهــــا ملائكــــة غلــــاظ شــــداد
يعصـون اللـه مـا أمرهــم ولا يفعلــون مــا يؤمــرون. فقــال: يــا ابــن الفاعلــة هــؤلاء أكــراد شهــاد زور ليســوا
ملائكـة. قـال: فضحـك وضحكنــا وقلنــا مــا نلومــك بعــد هــذا. ومــن الــأول: لا يفضــض اللــه فــاك أي
لا يفرق الله ثناياك وأراد بالفم الأسنان. وانفض القوم تفرقوا.
ويقال: فضضت ختام البكر افتضضتها قال الفرزدق.
فبتـــــن بجانبــــــي مصرعــــــات وبـــت أفــــض أغلــــاق الختــــام
السحاة:
تقــــول: سحــــوت الكتــــاب اسحـــــوه سحـــــواً وسحيتـــــه أسحـــــاه سحيـــــاً. والـــــواو أكثـــــر وسحيـــــت
بالتشديــد اسحــي تسحيــة ومعنـــى سحيـــت قشـــرت. وسحـــاة القرطـــاس والجمـــع سحـــاء ممـــدود.
وحكـى بعــض أهــل اللغــة أنــه يقــال: سحــاة وسحايــة ويقــال: سحــوت اللحــم عــن العظــم إذا قشرتــه.
وقال الأصمعي: الساحية من المطر التي تقشر وجه الأرض.
وقال أعشى همدان:
===
والمسحـــاة مشتقـــة مـــن ذلـــك لأنهـــا تسحـــو وجـــه الـــأرض. وإذا قـــال: سحيـــت الكتــــاب فإنمــــا يريــــد
جعلــت عليــه سحــاة مثــل عظــاة وسحايــة مثــل عظايــة. ومــا أحســن سحيتــك للكتــاب! أي أخـــذك
سحايته.
وإذا أمـرت مـن سحــوت قلــت: اســح يــا هــذا ومــن سحــا ســح يــا رجــل ومــن سحيــت ســح وكتــاب
مسحــي ومسحــو. وإذا أخلــق الكتــاب فصـــار كالسحايـــا قيـــل: قـــد أسحـــى الكتـــاب فهـــو مســـح.
وكذلـــك إذا كـــان أخـــذ السحايـــة منـــه سهـــلاً. وإذا وضعـــت السحايـــة علـــى الكتـــاب فقـــد سحيتـــه
وسحوتـــه. وخزمتـــه خزمـــاً وكتـــاب مخــــزوم. والسحايــــة مــــن هــــذا خزامــــة وجمعهــــا خزائــــم والخــــزم
الشد في كل شيء.
تتريب الكتاب وتطيينه:
يقــال: تربــت الكتــاب تتريبـــاً ولا تقـــل: أتربـــت فـــإذا أمـــرت قلـــت: تـــرب كتابـــك ولا تقـــل أتـــرب اللهـــم
إلا أن تقــول: إن كتابــه كثيــر التــراب فتقــول: أتــرب بكتابــك كمــا تقـــول: بـــرد بطعامـــك فـــإذا تعجبـــت
من برده قلت: أبرد طعامك.
وقـد جـاء فـي التـراب لغـات قالـوا: تيـرب وتـوراب وقـال اللحيانـي: تـورب أيضـاً وتــراب وتــرب وأتربــة
===
ويقــال طينــت الكتــاب أطينــه تطيينــاً إذا جعلــت عليــه طيــن الخاتــم. وتقــول: طنــت الكتــاب أطينــه
طينــاً مثــل زنتــه أزينــه زينــاً ولا يقــال: أطنــت. فـــإذا أمـــرت قلـــت: طيـــن كتابـــك وإن شئـــت قلـــت:
طـن كتابـك مـن طنـت أطيـن ومـا أحسـن طينتـك للكتـاب! مــن هــذا وكتــاب مطيــن مثــل قولهــم: زت
العجين فهو مزيت إذا ألقيت فيه زيتاً قال الشاعر:
ولــم يقفلــوا نحــو العــراق ببـــره ولا حنطة الشام المزيت خميرها
المحو في الكتاب:
يقــــال: محــــوت الكتــــاب أمحــــوه محــــواً بالــــواو فــــإذا أمــــرت مـــــن هـــــذا قلـــــت: أمـــــح. وحكـــــي محيـــــت
أمحــى محيــاً. ومــن أمثالهــم " مــا أنـــت إلا ممحيـــاً وكتبـــاً ". فـــإذا أمـــرت مـــن هـــذا قلـــت: امـــح والـــواو
أفصح وبها نزل القرآن: " يمحو الله ما يشاء ويثبت ". والمحو في اللغة تعفيه الأثر حتى لا يرى.
حدثنــا محمــد بــن الحســن البلعــي قــال: حدثنــا أبـــو حاتـــم قـــال: قيـــل للأصمعـــي: لـــم سمـــت العـــرب
الشمــــال محــــوة قــــال: لأنهــــا تمحــــو السحــــاب ولا يــــرى شخصــــه. واستدعـــــى أبـــــو نـــــؤاس أن يكثـــــر
المكاتب له المحو في كتابه فقال:
أكثري المحو في الكتـاب ومحـي ه بريـــــق اللســـــان لا بالبنــــــان
===
فـــأرى ذاك قبلـــة مـــن بعيــــد أسعدتني ومـا برحـت مكانـي
وقال أبو نؤاس:
يــــا ذا الــــذي قبلتــــه فمحــــاه أخشيت أن تقرا حروف هجاه
ظبـي يـرى التقبيــل فيــه مؤثــرا فتــراه منــه كيــف يمســـح فـــاه
ويظنــــه لكتابــــه فــــي لوحـــــه يبقــــى بقــــاءً دائمـــــا فمحـــــاه
عرض الكتاب:
يقــال: عرضــت الكتــاب أعرضــه عرضــاً إذا أمررتــه علــى طرفــك بعــد فراغـــك منـــه لئـــلا يقـــع خطـــأ
وكذلــك عرضــت الجنــد. ولا تقـــل أعرضـــت الجنـــد لـــأن الإعـــراض انصرافـــك بوجهـــك عـــن الشـــيء
وحقه في اللغة أنك وليته عرض وجهك قال عمرو بن كلثوم:
وأعرضت اليمامة واشمخـرت كأسيــــاف بأيــــدي مصلتينــــا
ويقـــول: صرنـــا إلـــى موضـــع رأينـــا منـــه عرضهـــا أي جانبهـــا فكأنهـــا هـــي أرينـــاه. وقـــد عرضــــت مــــا
قلـت علـى قلبــي. وهــذا خلــاف العــرض علــى العيــن إنمــا يريــد أفكــرت فيمــا قلــت. وعــرض الرجــل
على ماله فهو عارض وعرض على فلان فهو معروض عليه.
===
كأن خروجي من عندكم قدراً وحادثــاً مــن حـــوادث الزمـــن
من قبل أن أعرض الفراق على صبـــري وأن أستعـــد للحـــزن
أنشــد هذيــن البيتيــن محمــد بــن يزيــد المبــرد وقــال: عمـــك إبراهيـــم بـــن العبـــاس أحـــزم رأيـــاً مـــن خالـــه
العباس بن الأحنف حين قال:
وناجيت نفسي بالفراق أروضها فقالت: رويداً لا أعزك من صبري
فقلت لها: فالبين والهجر راحت فقالت: أمني بالفراق وبالهجـر
فقلت له: إنه أخذهما أيضاً ابن الأحنف:
عرضت على قلبي السلو فقال لي: من الآن فتش لا أعزك من صبر
إذا صد من أهوى رجوت وصاله وفرقتـه جمــر أحــر مــن الجمــر
وأمـا قولـه عـز وجـل: " وعرضنـا جهنـم يومئـذ للكافريـن عرضـاً " فإنــه يقــول عــز وجــل: أظهرناهــا لهــم
وأبرزناهــا هكــذا قــال المفســرون. وعرضـــت المتـــاع علـــى المشتـــري أبرزتـــه لـــه. وعرضـــت الحـــوض
على الناقة إذا امتحنت عطشها. وقد قلبوا فقالوا: عرضت الناقة على الحوض كما قالوا:
كانـت عقوبـة مــا فعلــت كمــا كــــان الزنــــاء عقوبــــة الرجــــم
فأما معارضة الكتاب فعرض واحد على الآخر حتى يستويا.
===
قـال: حدثنــا أبــو بكــر قــال: حدثنــا المغيــرة بــن محمــد المهلبــي قــال: حدثنــا محمــد بــن عبــاد عــن أبيــه
قال: لحن أيوب في حرف فقال أستغفر الله.
وكتـب عمـر بـن الخطـاب رضـي اللـه عنـه إلــى أبــي موســى الأشعــري وقــد قــرأ فــي كتابــه لحنــا: قنــع
كاتبك سوطا.
حدثنـا أحمـد بــن يحيــى ثعلــب قــال: كــان ابــن قــادم مــع إسحــاق بــن إبراهيــم المصعبــي فكتــب كاتبــه
ميمـون بـن إبراهيـم إلـى المأمـون كتابـاً فيـه: " وهـذا المـال مــالاً يجــب علــى فلــان " فخــط المأمــون علــى
" مالاً " ووقع بخطه في حاشية الكتاب: أتكاتبني بلحن يا إسحاق! فاشتد ذلك عليه.
قــال: فحدثنــي ابــن قــادم قـــال: أتانـــي ميمـــون فقـــال: اللـــه اللـــه فـــي احتـــل لـــي. فحضـــرت فسألنـــي
إسحـــاق عـــن الحـــرف فقلـــت: الوجـــه وهـــذا المـــال مـــال ومـــالاً يجـــوز علـــى تـــأول لأخلـــص الكاتـــب.
فقـال إسحـاق لكاتبـه: قـد عفـوت عنـك فدعنــي مــن يجــوز والــزم صحيــح الإعــراب. قــال: ثــم أكــب
ميمون علي يقرأ النحو حتى فهم منه شيئاً كثيراً.
حدثنـي أبـو عبـد الرحمــن الألوســي العبــاس بــن عبــد الرحيــم قــال: سمعــت عبــد اللــه بــن قتيبــة يقــول
كتــب إلــي رجــل مــن ســر مــن رأى: قــد قــرأت كتابــك المترجــم بكتــاب الكتــاب وقــد أعبـــت عليـــك
فيه حرفاً. فكتبت إليه: وصل كتابك وفهمته وقد عبت عليك قولك وأعبت عليك والسلام.
===
وقالوا: " اللحن في الكتاب أقبح منه في الخطاب ".
وأكثـر العلمـاء يلحـن فـي كلامـه لئـلا ينســب إلــى الثقــل والبغــض فأمــا فــي الكتــاب وإنشــاد الشعــر فــإن
ذلك قبيح غير جائز.
يقـال: لحـن يلحـن لحنـاً فهـو لاحـن إذا أمـال الصـواب عــن جهــة إلــى جهــة أخــرى. وأمــا قولــه عــز وجــل:
" ولتعرفنهـم فـي لحـن القـول " فـإن الكلبـي يقـول فـي لحنـه فـي مــداره. قــال: وحقيقتــه فــي اللغــة إمالــة
الشيء من جهته إما لخطأ أو عمد ليؤرى عن إرادته. قال القتال الكلابي:
ولقد لحنت لكم لكيما تفهموا ووحيت وحياً ليـس بالمرتـاب
وحكـى الجاحـظ فـي كتـاب البيــان والتبييــن أنــه يستحســن مــن الجاريــة اللحــن وتكــره الفصاحــة. قــال
ولذلك قال مالك بن أسماء الفزاري:
منطـــق رائـــع وتلحــــن أحيــــا ناً وأحلى الحديث ما كان لحنا
فذهـب بهـذا إلــى لحــن الخطــأ وهــو قبيــح مــن مثلــه وخطــأ فاحــش عليــه أن يتــأول هــذا ثــم لــم يــرض
حتـى احتـج لـه. والــذي أراد مالــك أنهــا فطنــة تأتــي بالشــيء تريــد غيــره وتميــل ظاهــره عــن باطنــه.
وقــد قيــل للجاحــظ: غيــر هــذا فــي كتابــك فإنــه قبيــح فقــال: افعــل ولكــن كيــف لــي بمــا ســارت بــه
الركبان.
===
ويقــال مــن هــذا: فلــان ألحــن بحجتــه مــن فلــان أبــي ألحــن بإمالــة الباطــل إلــى الحــق بفصاحتــه وعلمـــه.
ويصــدق ذلــك قــول رســول اللــه صلــى اللــه عليــه وسلــم: " لعــل أحدكـــم أن يكـــون ألحـــن بحجتـــه مـــن
صاحبه فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فإنما أقطع له قطعة من النار ".
قـال أبــو بكــر: حدثنــا محمــد بــن يزيــد قــال: حدثنــي الجاحــظ عــن أبــي عبيــدة قــال: رآنــي أبــي وأنــا
أكتب كتاباً فقال: " يا بني اجعل فيه لحناً ليزول عنه حرفة الصواب ".
يقــال: لحــن الرجــل يلحــن لحنــاً إذا أخطــأ بتسكيــن الحــاء ولحــن يلحــن لحنــاً إذا أمــال الشــيء إلــى الجهــة
التـــي يريدهـــا. ويجعلـــون هـــذا مكـــان هـــذا إلا أن الاختيــــار فــــي الثانــــي فتــــح الحــــاء. قــــال ابــــن أم
صاحب فحرك الحاء:
غمست عنهم وما ظني مخافتهم وسوف يعرفهم ذو اللب واللحن
غمســت عميــت. حدثنــا أبــو العينــاء قــال: قــدم أبــو عــلاء المنقــري. مــن الأهــواز فقــال لــي: يـــا أبـــا
عبـد اللـه مــا أكبــر دباءهــا ومــا أبخــل أهلهــا! قلــت: ومــا أكثــر اللحــن فيهــا! قــال: كثيــر جــداً. وكــان
فصيحاً على لحنه.
حدثنـا جبلــة بــن محمــد الكوفــي قــال: حدثنــي أبــي قــال: عــاد بــن أبــي ليلــى بعــض أشــراف الكوفــة
وكـان لـه أخ لحـان فجعـل يقـول: " يـا أخـي افتـح عينـاك حـرك شفتـاك كلـم أبـي عيسـى ". فقـال لـه ابــن
===
قــال الصولــي: وحدثنــا أبــو العينــاء قــال: قــال رجــل لأبــي شيبـــة القاضـــي: علـــي كفـــارة يميـــن فبـــأي
شـيء أكفــر. بدقيقــا بسويقــا. فقــال الرجــل: مــا لحنــت أطيــب مــن لحنــك. وقــال لــه بــن مصقلــة: لــو
كان لحنك من الذنوب لكان من الكبائر.
وقال أبو بكر وأنشدني عون بن محمد:
لقد كان في عينك يا حفص شاغل وأنـف كمثـل العـود عمــا تتبــع
تتبــع لحنــاً مـــن كلـــام مرقـــش وأنفك كمثل إيطاء وأنت المرقع
حدثنــا الباجــي قــال: كتــب ابــن الرومــي كتابــاً بخطـــه فلحـــن فيـــه إلـــى أبـــي الحســـن محمـــد بـــت أبـــي
سلالة وقد كان احتبس عن ابن الرومي فكتب إليه ابن الرومي وقد علم بذلك:
ألا أيهـا الموسـوم باســم وكنيــة وجدناهما اشتقا من الحمد والحسن
أتبخل بالقرطاس والخط عن أخ وكفاك أندى بالعطاء من المزن
أيغلــــق عنــــي علمــــه بكتابــــه أخ لي وقلبي عنده علـق الرهـن
عطفناك فاعطف إن كل ابن حرة أخو مكسر صلب وذو معطف لين
وإن سقطاتي في كتابي تتابعت فلا تلحني فيما جنيت على ذهني
حدثنــا محمــد بـــن القاســـم بـــن خلـــاد قـــال: حدثنـــي الأصمعـــي قـــال: دخلـــت علـــى مالـــك بـــن أنـــس
===
بالمدينـــة فمـــا هبـــت عالمـــاً قـــط هيبتـــي لـــه فتكلـــم فلجـــن فقـــال: مطرنـــا البارحــــة مطــــراً وأي مطــــراً
فخــف فــي عينــي فقلــت لــه: يــا أبــا عبــد اللــه قــد بلغـــت مـــن العلـــم هـــذا المبلـــغ فلـــو أصلحـــت مـــن
لسانــك! فقــال لــي: فكيــف لــو رأيــت ربيعـــة بـــن عبـــد الرحمـــن! قلنـــا لـــه: كيـــف أصبحـــت فقـــال:
بخيراً بخيراً.
وما أحسن ما قال بعض الزهاد: " أعربنا في كلامنا فما لحن ولحنا في كلامنا فما أعرب ".
التوقيع والإيجاز:
يقـال: وقعـت فـي الشـيء أوقــع توقيعــاً وكتــاب موقــع فيــه ورجــل موقــع فــإذا أمــرت قلــت: وقــع فيــه.
وحقــه فــي اللغــة التأثيــر القليــل الخفيــف يقــال: دف هــذه الناقــة موقــع إذا أثــرت فيــه حبــال الأحمـــال -
والدف الجنب - تأثيراً خفيفاً.
وحكى العتبي أن أعرابية قالت لخل لها: حديثك ترويع وزيارتك توقيع.
وقــال جعفــر بــن يحيــى لكتابــه " إن استطعتــم أن تكــون كتبكــم كالتوقيعــات فافعلــوا ". يريـــد بذلـــك
حضهم على الإيجاز والاختصار.
وحدثنــي أحمــد بــن إسماعيــل قــال: حدثنـــي أحمـــد بـــن محمـــد بـــن إسماعيـــل بـــن صبيـــح قـــال: كـــان
===
أبو سلمة يوقع في الكتـب: " آمنـت باللـه وحـده ". فخرجـت لأبـي اللفائـف الكوفـي صلـة بكتـاب مـن
السفاح فجاء يناشد أبا سلمة وقد تأخر تعليمه فيه:
قل للوزير: أراه الإله في الحق رشده
البــــــــاذل النصــــــــح طوعــــــــاً لـــــــــــآل أحمـــــــــــد جهـــــــــــده
أطلــــــــت حبــــــــس كتابــــــــي وحملـــــــــــــــــــه ثـــــــــــــــــــم رده
يــــــا واحــــــد النــــــاس وقـــــــع آمنـــــــــت باللــــــــــه وحــــــــــده
يقــال أوجــز فــي كلامــه وكتابــه وفعالــه يوجــز إيجــازاً إذا أســرع وخفــف. ومــوت وجيــز وحــي سريــع.
ورجل موجز إذا كان يفعل ذلك. ووجز الكلام بنفسه يجز وجزأ. قال رؤبة:
هــا وجــز معروفـــك بالرمـــاق
التعليم في الكتاب:
يقــال: علمــت فـــي الكتـــاب أعلـــم تعليمـــاً إذا وقعـــت فيـــه خطـــاً تعرفـــه بـــه ويعرفـــه غيـــرك. ولا تقـــل
أعلمــت فيــه. ولا أعلمــت عليــه. ولا تعلمــت فيــه. ومــن العـــرب مـــن يقـــول: أعلـــم كـــذا وتعلـــم كـــذا
بمعنى. وقال:
===
فتعلم بمعنى إعلم.
الإملاء:
يقـال: أمليـت الكتـاب وأمللـت. وقـد نـزل القـرآن باللغتيـن جميعـاً قـال اللــه عــز وجــل: " وقالــوا أساطيــر
الأولين اكتتبها فهي تملى عليه ". وقال جل وعلا: " فليملل وليه بالعدل ". وقال الهذلي:
وإنــي كمــا قــال: تملــي الكتـــا ب في الـرق أو خطـه الكاتـب
وأصلـه فـي اللغـة مـن الإطالـة. ومنـه الملـوان الليـل والنهــار. ومنــه: " إنمــا نملــي لهــم ليــزدادوا إثمــاً ولهــم
عـذاب مهيــن ". وإنمــا أخرهــم اللــه ليتوبــوا فلمــا كــان تأخيرهــم سبــب إثمهــم وآلتــه آل أمرهــم بسبــب
التأخيـر والإمـلاء إلـى الإثـم. وكمـا قـال عـز وجـل: " فالتقطـه آل فرعـون ليكــون لهــم عــدواً وحزنــاً ".
وهم لم يلتقطوه لذلك ولكن لما آل أمره إلى أن كان لهم عدواً نسب الالتقاط إلى المآل.
وأنشد التنوخي:
وكان لنـا قيـدان قـد أمليـا لنـا وفي الدهر والأيام للمرء زاجـر
طي الكتاب ودرجه:
يقال طوى الكتاب يطويه طياً وطية واحدة وطواه طية فقال ذو الرمة:
===
ومضى لطيته إذا سافر. وقالوا: الطية البعد وهو عند بعضهم من طي المنازل.
وقــد قيــل: إن طيئــاً سمــي بطيــه للمنــازل وهــذا خطــأ عنــد أكثرهــم يقولــون: فمــن أيــن جـــاءت هـــذه
الهمزة وأصله من الطي. والمحققون في اللغة يقولون: كان كثير القرى وطي المنزل فسمي بهذا.
فعلـــى هـــذا طـــي الكتـــاب سرعـــة إدراجــــه. وكذلــــك أدرج الكتــــاب معنــــاه أســــرع طيــــه فدرجــــه
إدراجـاً. وقــال أبــو عبيــدة: مدرجــة الطريــق التــي يســرع النــاس فيهــا. وناقــة دروج سريعــة. ورجــع
فلــان علــى أدراجــه إذا رجــع فــي الطريــق الــذي جــاء فيـــه. وسالـــت أبـــا تذكـــوان عـــن هـــذه اللفظـــة
فقـــال: حقيقتهـــا أن الكتـــاب إذا أدرج فهـــو علـــى مطـــاو فـــإذا نشـــر رجعـــت تلــــك المطــــاوي إلــــى مــــا
كانت عليه. وقال ابن حذاق في أدرج:
وغسلوني وما غسلت من تفل وأدرجونـي كأنـي طـي مخـراق
والمشق في اللغة تأثير الشيء بسرعة. قال ذو الرمة:
فكر يمشق طعناً في جواشنهـا كأنه الأجر في الإقبال يحتسـب
وكثر ذلك في كلامهم حتى صار كل مستلب شيئاً قد مشقه. قال الأخطل: